السبت، 31 أغسطس 2019

الصاعقة (1).. من ملفات المخابرات العامة

الصاعقة (1)
من ملفات المخابرات العامة

انفرد بتفاصيلها وأعدها للنشر: ابراهيم نافع

جريدة الأهرام - السبت 17 أكتوبر 1998م - 26 جمادى الآخرة 1419هـ
(بالتزامن مع جريدة الحياة اللندنية فى نفس اليوم)

قصة هشام محجوب.. جاسوس إسرائيل الذى استخدمته مصر فى عملية الخداع الاستراتيجى قبل حرب أكتوبر


كلمة لابد منها.. قبل أن تقرأ

كانت هذه هى كلمة السر التى أنهت واحدة من أكبر وأخطر عمليات رجال المخابرات المصرية، عيون مصر الساهرة. 
هى الكلمة التى شكلت السطر الأخير فى قصة مذهلة، تتابعت فصولها على امتداد زمنى طويل، وتضمنت مشاعر إنسانية مركبة أو معقدة، أفشت فى كل وقائعها وجوانبها، معانى متضاربة عن الخيانة.. والسقوط.. والوطنية.. والكفاءة المهنية العالية!!
وقبل أن تتعاقب فصول هذه القصة على الورق، والتى نحكيها ونحن نحتفل بالعيد الفضى لنصر أكتوبر العظيم، ربما يلزم أن نشير إلى بعض ملامحها، واطار العمليات التى تمت فيه.
فنحن أمام عملية أمنية بالغة التشابك، لم يتم خلالها ـ فقط ـ مراقبة أو متابعة الهدف أو الجاسوس، وانما تم استخدامه أيضا كقناة يتم ـ عبرهاـ تسريب المعلومات والبيانات المضللة إلى العدو حتى يتوه عن ساعة الصفر فى حرب أكتوبر المجيدة، التى كانت آخر ما يفكر فيه، أو تخطر له على بال.
ثم أننا أمام عملية دارت بعض وقائعها على أرض أجنبية، وبالذات فى العاصمة البريطانية لندن، ومن ثم فإن حجم الإنجاز المهنى ـ إذا جاز التعبيرـ الذى حققه رجال المخابرات المصرية فى المتابعة والمراقبة، ثم فى إنهاء العملية والقبض على الجاسوس ليلقى جزءه الرادع العادل، يعد ـ من الناحية الفنيةـ إعجازا حقيقيا، واستخداما نموذجيا لكل الإمكانيات والأدوات المتاحة، لتحقيق النتيجة القصوي، والانتصار على الموساد جهاز المخابرات الإسرائيلى فى معركة أخري، ضمن معارك حرب الجاسوسية والمعلومات. 
وأخيرا.. فإننا أمام عملية هى ـ فى أبسط وصف لهاـ عمل من أعمال الحرب، لأنها ليست عملية جمع معلومات أو تجسس عادي، ولكن عملية كان لها مردود مباشر على عمليات الحرب وعلى التشويش الكامل، على المعلومات التى يستند إليها فكر الجيش الإسرائيلى فى تشكيل أو اتخاذ قراره العملياتى المباشر على الأرض.. 
هى واحدة من حكايات النصر.. نكشف عنها مع الاحتفالات بهذا النصر.. 
هى احدة من أوراق كثيرة فى ملفات المخابرات العامة، تشير ـ بكل الاعتزاز والفخارـ إلى قدرات الرجال الذين راقبوا وتابعوا بعيون الذئاب وسمع الثعالب، حتى أوقعوا بواحد من أخطر الجواسيس قبيل حرب تحرير التراب الوطنى من بين براثن العدو عنوة واقتدارا، وابان معارك أكتوبر المجيدة التى صعدت بالكرامة العربية إلى أعنة الجبال الرواسي.
وعندما تأكد رجال المخابرات المصرية من أنهم قد استخدموا هذا الجاسوس فى تحقيق كل أهدافهم من العملية، وسربوا عبر القناة التى يمثلها كل ما يريدون تسريبه إلى إسرائيل، كانت ثمة كلمة واحدة تحمل إليهم التوجيه بإنهاء العملية والقبض على الهدف لكى ينال قصاصه..
الكلمة كانت.. (الصاعقة)!
ولن نحكى ـ هنا ـ الفصل الأخير من هذه القصة، التى تعد واحدة من أكثر قصص الجاسوسية إثارة، ولكننا سنحكى فصولها من البداية، ونكاد نحبس أنفاسنا ونحن نتابع وثائقها بالغة التشويق فصلا بعد فصل، ومطاردة بعد مطاردة، ومراقبات، ومداورات، ومراوغات فى الخفاء والعلن، داخل فنادق العاصمة البريطانية، وشوارعها وحدائقها، حيث شهدت ساعة بساعة، ويوما بيوم فصول هذه القصة، والتى نكشف عنها الستار لأول مرة، بعد خمسة وعشرين عاما من وقوعها، وفى اليوبيل الفضى لنصر أكتوبر العظيم.
قصة بدأت بكلمة الخيانة.. وأنهتها ـ كالصاعقةـ كلمة الصاعقة.. تماما كما كانت ضربة الطيران الحاسمة بقيادة الرئيس حسنى مبارك، صاعقة حرب 73 التى عجلت بنهاية الأسطورة الإسرائيلية.
***


(1) بلاى بوي
على الرغم من أن الجو كان ربيعا نموذجيا فى لندن يوم 16 مايو 1972، وعلى الرغم من أنه خلا من أية برودة، فإن رعدة سرت فى جسد هشام، وهو يقف على عتبات كازينو البلاى بوى على ناصية كيرزون ستريت، وبارك لين. 
لم يكن يدرى ـ كما قال بنفسه فيما بعد.. ما إذا كان هذا الإحساس وليد برودة داخلية أحس بها، أو شعور نشوة وإثارة احتل عقله وسكن قلبه الممتليء بخيالات وأطياف عن هذا المكان الذى كثيرا ما سمع عنه، وارتسمت فى ذهنه صورة أسطورية له. 
ولكن ما الذى دفع هشام ـ الشاب المصرى الأسمرـ إلى عتبات هذا الكازينو الشهير التى كانت فى الحقيقة عتبات طريق جديد وساحة مجهولة، يوشك أن يدلف إليها؟. 
كانت قصة طويلة عرف بدايتها ولكنه لم يعرف كيف ستكون النهاية!

القصة تبدأ فى يوم لم تطلع شمسه، ملبد السماء، قارس البرودة، من أيام شهر فبراير من العام نفسه، حين هبطت طائرة مصر للطيران فى مطار هيثرو، ونزل على سلمها شاب مصري، متوسط الطول، وإلى جواره زوجته الشابة تحاول معاونته، ومعاونة طاقم المضيفين فى إنزال والده الجالس ـبجسده النحيل المتهالكـ على كرسى ذى عجلات. 
على سلم الطائرة كان رأس الشاب ـ كما قال هو أيضا بعد ذلكـ مهموما بحالة أبيه المريض، ضابط القوات المسلحة على المعاش الذى أنهكه السرطان فطار مع ابنه عله يجد شفاء ـأو حتى تخفيفا لآلامهـ فى مستشفيات لندن تاركا زوجته أم هشام فى القاهرة. 
بدأ هشام على محجوب ـ وهذا هو اسمه كما هو مدون فى جواز سفرهـ يرتدى معطفا أسود طويلا، كان يضعه على يده، بمجرد خروجه من بوابة المطار الخارجية، بعد أن لفحه جو لندن القارس البرودة، بينما يده اليسرى مشغولة بحقيبة يد. 
تاريخ ميلاده فى جواز سفره يقول انه من مواليد 6 مارس عام 1941، يعنى أنه عندما هبط فى مطار هيثرو لأول مرة كان عمره واحدا وثلاثين عاما.. حيث استقل مع زوجته وأبيه تاكسيا من طابور التاكسيات الواقفة أمام بوابة الوصول، متوجها إلى الفندق الذى سينزل فيه مع أسرته فى لندن. 
طوال الطريق كان ذهنه يموج بأفكار صاخبة، وقد ثبت نظره على زجاج نافذة سيارة الأجرة الانجليزية التقليدية السوداء.. فقد كان يتصور حين جاء إلى لندن للمرة الأولى ـقبل ذلك بشهورـ ليعمل ضابطا أول للعمليات الجوية فى شركة مصر للطيران، مهمته رسم مسارات وارتفاعات الرحلات الجوية، ومتابعة تجهيز جداول نوبتجيات الطيارين والمضيفين والموظفين، انه قد بدأ طريقه ـبالفعلـ لتحقيق طموحه الكبير، فى أن يصبح شيئا، ولكنه ما كاد يضع قدميه على جادة الطريق، حتى فوجيء بالمرض القاتل ينقض على أبيه، والذى لم تكن ظروفه المادية تسمح بالتصدى لمصاريف العلاج الباهظة. 
ولقد استعان هشام ببعض أصدقائه من الأطباء المصريين فى لندن لكى يقدموا له النصيحة بخصوص موضوع العلاج، وكان قد نجح فى الحصول على تذكرتين مخفضتين من مصر للطيران لوالده وزوجته، ولكن مسألة الإقامة وما تتكلفه من نقود، كان هو الموضوع الذى يشغل باله، ويقض مضجعه.. ويجثم على قلبه. 
أفاق هشام من استرسالاته، على هزة عنيفة سببها توقف التاكسى أمام بوابة فندق رويال لانكستر بعدما عبر حديقة الهايدبارك إلى لانستر جيت فى بيز ووتر.. بعدها حاسب السائق وساعده بعض العاملين فى الفندق فى نقل أبيه وأمتعته إلى الداخل. 
***


بداية الخيط
فندق رويال لانكستر، كان هو الذى تنزل به مجموعات مصر للطيران، فى العاصمة البريطانية ـعادةـ وكان هشام دائم التردد عليه للقاء زملائه طوال فترة وجوده وعمله ثم كان ينزل به أحيانا كلما كان يعود إلى لندن مرة أخرى قادما من القاهرة. 
وفى هذا الفندق تعرف هشام على مديره المصرى رأفت ـالذى كان يعمل لمصلحة الموساد ومتابعا من المخابرات المصريةـ ونشأت بينهما مباديء صداقة، ولاحظ أن رأفت كان دائما ما يسعى إلى عقد صداقات مع أفراد طواقم مصر للطيران، تحت عنوان أنهم أبناء بلدي!! 
كان رأفت متزوجا من انجليزية يهودية الديانة، وحكى لهشام ـ مرة ـ عن ثقة مالك الفندق فيه، الأمر الذى جعله يضع معظم قرارات العمل ـ بالفعلـ فى يده، كما سمع هشام عن أن مالك الفندق الانجليزى هو من أصل يهودي. 
وضمن سلسلة اقترابات لهشام من رأفت، أخبره مرة بأنه يستطيع مساعدته عندما يكون لديه أى ضيوف يريد أن ينزلوا فى الفندق، ويعطيهم أسعارا مخفضة، ويقدم لهم أى خدمات خاصة. 
وعندما نقل هشام والده وزوجته إلى غرفتيهما، عاد إلى صالة الاستقبال ليسأل عن رأفت، ولم يكن يدرك أن رأفت يجلس فى ركن قصى من صالة الاستقبال، ويثبت عينيه عليه، منذ وصل إلى الفندق، هذه اللحظة، إذ كان على علم بكل تفاصيل مرض الأب، وضائقة هشام من خلال لقاءاتهما السابقة. 
أشارت موظفة الاستقبال إلى مكان رأفت، اندفع هشام إليه ليأخذه بالأحضان، ويجلس الاثنان على مقعدين فى بهو الاستقبال، وحكى هشام لرأفت عن كل شيء، وقال له انه يبحث عن مورد رزق يصرف منه على رحلته مع أسرته فى انجلترا، وعلاج أبيه. 
وعلى الفور كان رأفت يتحدث إلى موظفى الاستقبال لإجراء تخفيض كبير فى مصاريف الإقامة بالفندق.. ثم يتوجه إلى هشام الذى كان غارقا فى شعوره بالامتنان والعرفان ليقول له: موضوع عملك يا هشام يحتاج إلى بعض التفاصيل ما رأيك أن نخرج من هنا لنجلس فى مكان ظريف بعيدا عن جو الفندق والنزلاء والعمل؟
ووافق هشام وبدا غير قادر على التعبير عن شكره لرأفت، الذى أصبح المنقذ وحلال كل العقد. 
أما رأفت.. فقد كان يعرف ما يفعل ـ بالضبطـ بل وبدت كل الوقائع التى تتابعت منذ هذه اللحظة، وكأنها تنفيذ حرفى لتوقعاته وتنبؤاته. 
ذهب الاثنان بعد أن انتهى رأفت من وردية عمله فى الفندق إلى بار فى فندق كمبرلاند على بعد حوالى خمسمائة متر من رويال لانكستر، وجلس الصديقان جلسة حرص ـ رأفت الذى أصبح الآن يمتلك كل مفاتيح الموقف النفسية والعاطفيةـ على أن يجعلها مزيجا من المواساة القلبية لهشام، والتحرك العملى لمؤازرته. 
وفى الجلسة حرص رأفت على أن يستمع ـ مرة أخرى ـ من هشام إلى تفاصيل طبيعة عمله ومؤهلاته، بحجة أن ذلك سيساعده فى العثور على عمل اضافى مناسب له. 
وراح هشام يحكى لرأفت انه حصل على شهادة الثانوية العامة عام 1958، ثم شهادة اللاسلكى عام 1959، وانه يعمل ضابط أول عمليات جوية. 
وكان رأفت يقاطعه من آن لآخر، ذاكرا عبارات من طراز: انها وظيفة حيوية جدا.. لابد أنهم تأكدوا من كفاءتك قبل اختيارك.. هل يعنى رسم مسارات وارتفاعات الرحلات الجوية أنك تتحكم ـكذلكـ فى المساحة التى يمكن لك وللطيار مراقبتها على الأرض؟!.. لابد أن عليكم قيودا شديدة هذه الأيام فالبلد فى حالة حرب.. ما هو الجزاء الذى يمكن أن يقع على الطاقم لو خرجت الطائرة عن مسارها واقتربت من منطقة عسكرية؟!. 
كان رأفت يسأل.. ويسأل، وكان هشام يسترسل.. ويسترسل، بينما كانت كئوس النبيذ الفرنسى الشهير يوردو تدور بينهما كأسا بعد الأخري، فتفك عقدة الألسنة أكثر وأكثر.. 
وبينما كان هشام يعبث بحبات اللوز المملح الموضوعة فى طبق من زجاج أمامهما على البار، بادره رأفت قائلا: أعتقد أن مؤهلاتك وشطارتك تؤهلك لعمل مع أحد أصدقائى من رجال الأعمال المقيمين هنا فى البلد. 
وهنا كان هشام قد بدأ يقتنع أن رأفت هو هدية السماء له، وسأله بلهفة: متى ألقاه؟.. 
وابتسم رأفت، بعد أن أدرك أن فريسته قد أصبحت طوع بنانه تماما، وأراد أن يشعر هشام بأن لا شيء يأتى سهلا، كما أراد أن يتركه نهبا للإحساس بخطر الإفلاس مدة مناسبة، حتى يصبح جاهزا تماما للتعامل معه. 
وأجاب: هو غير موجود فى لندن الآن، وسيعود بعد حوالى عشرة أسابيع، هو رجل أعمال انجليزى من أصل لبنانى مسيحي، وأعماله متناثرة فى عدد كبير من البلاد، وتقتضى منه الغياب عن المركز الرئيسى لمدد طويلة على هذا النحو، ثم أضاف بنبرة قصد أن تكون طبيعية، وفيها عدم اهتمام تجاه عنصر الوقت، الذى يعرف جيدا أنه ضاغط على خلايا أعصاب هشام وذرات تفكيره: على أية حال يمكنك أن تستغل الفترة فى متابعة علاج أبيك، ولا تحمل هما بشأن مصاريف الفندق، فسأحاول أن أجرى لك تخفيضا اضافيا آخر.. ويا سيدي.. إذا احتجت شيئا فأنا موجود!! 
وأنهى رأفت لعثمة هشام وارتباكه أمام الفخ الذى يضعه له بعناية، بأن دفع الحساب، مع بقشيش كبير، بعد أن حرص على أن يخرج حافظته، وبها قدر كبير من النقود أمام هشام الذى رآها وثيقة اعتماد مادية لقدرات رأفت الكبيرة، وان فعله سوف يكون على قدر كلامه!!. 
ووضع رأفت يده على كتف هشام وخرجا يتمشيان حتى رويال لانكستر. 
***


لحظة السقوط
تعددت لقاءات هشام مع رأفت، حتى أخذت إيقاعا منتظما ويوميا، مرة على إفطار ومرة على كأس.. ومرة على فنجان قهوة، وفى كل مرة يبدى رأفت اهتماما مبالغا فيه بحالة والد هشام الصحية، حتى لم يعد رأفت بالنسبة لهشام مجرد منقذ أرسلته عناية السماء، ولكنه أصبح الشقيق الذى يقاسمه آلامه وقلقه وظروفه القاسية!. 
مرة على إفطار ومرة على كأس.. ومرة على فنجان قهوة.. تعددت اللقاءات بين الشابين. 
***

وحين هل الربيع، كان هشام يدرك أن اللحظة التى طال انتظارها مع رجل الأعمال صديق رأفت وشيكة، وسأل رأفت عن موعد وصوله، وكاد يطير فرحا حين أجابه لقد وصل بالأمس، وانهما سيلتقيان فى الثامنة مساء الغد. 
وفى الثامنة من يوم 16 مايو كان هشام يقف فى بهو الفندق، حليق الوجه، مرتديا حلة زرقاء داكنة، ورباط عنق يتمازج فيه اللونان الرمادى والنبيتي، فى انتظار صديقه رأفت لكى يذهبا معا للقاء رجل الأعمال.. ولما طال الوقت سأل موظفة الاستقبال، فأخبرته بأن رأفت ترك رسالة له، فتحها هشام ليقرأ السطر التالي: آسف لعدم حضورى فى الموعد.. لدى عمل فى بارك ستريت.. وسوف أذهب بعده ـمباشرةـ لانتظارك فى كازينو البلاى بوى حيث سنلتقى بصاحبنا.. معذرة رأفت. 
كان اسم البلاى بوى يعنى عشرات الصور والأخيلة المثيرة بالنسبة لشاب مثل هشام 31 عاما وقادم من مجتمع كان حتى هذا الوقت منغلقا إلى حد كبير. 
كان فى حد ذاته مجرد بداية سلسلة انبهارات قصدوا أن تسيطر على هشام وتفكيره. 
كانت البنات العاريات، وفيشات القمار، والمجلة التى تحمل نفس اسم الكازينو، هى المعانى التى استدعاها هشام إلى رأسه تلقائيا حين قرأ اسم البلاى بوى فى الرسالة التى تركها له رأفت، والمؤكد أن اختيار ملهى البلاى بوى لأول لقاء بين هشام ورجل الأعمال، كان اختيارا مقصودا لإبهاره والتأثير عليه. 
ركب هشام تاكسيا إلى بارك لين، ووصل إلى بوابة الكازينو، الذى يتكون من خمسة طوابق، الأرضى به بهو استقبال كبير، وبينهما الطوابق الأربعة المخصصة للعب القمار بأنواعه. 
وعندما لم يجد هشام صديقه، لم يستطع أن يمسك نفسه، ويواصل الانتظار، ودخل إلى ساحة الاستقبال، حيث أخبره العاملون بأن دخول هذا الكازينو لا يحتاج إلى بطاقة عضوية، ولكنه يحتاج إلى ملء استمارة دخول فى كل مرة يأتى فيها الشخص إليه.. وبالطبع مرة أخرى ـ فإن اختيار هذا الكازينو بالذات، من قبل رأفت وصديقه رجل الأعمال لم يجيء من فراغ، بل كان مخططا له، لأن الكازينوهات الأخرى لها سجلات يفيد فيها عدد مرات المترددين عليها، وهذا ما لا يريده رأفت!.. 
المهم أن هشام ملأ الاستمارة على عتبات باب نادى القمار الشهير، والتى كانت تبدو كعتبات طريق جديد وساحة مجهولة يوشك أن يدلف إليها. 
وفى الداخل، راح هشام يتجول بعينيه داخل صالات القمار والمطاعم المزدحمة التى تقدم أفخر أنواع الأطعمة والمشروبات والمناضد المتناثرة فى الصالات ذات الأنوار الخافتة.. وراح يتأمل ـفى نشوة فوارةـ المضيفات اللاتى يرتدين ملابس الأرنب المشهورة ـرمز البلاى بوى وآذان الأرانب تبدو من فوق رءوسهن وقطعة الفراء المستديرة ـالتى تمثل ذيل الأرنب تعلو الأرداف والسيقان عارية، إلا من جوارب على شكل شبكة موشاة من خيوط سوداء وذهبية. 
واتسعت حدقتا عينيه وهو يرى أثرياء المنطقة يخسرون أمامه فى دور من أدوار الروليت - ووسط هذا العالم السحرى الأسطورى - آلاف الجنيهات الاسترلينية، وهم يضحكون ويشربون، ولا تهتز رموشهم أو جفونهم. 
وفى صالة البلاك جاك، حيث تطير مئات من الجنيهات الاسترلينية وتتبخر فى الهواء.. فوجيء هشام بيد تربت على كتفه برفق، وتوقظه من استرسالاته وخيالاته، والتفت خلفه، ليجد صديقه رأفت الذى همس فى أذنه: آسف تأخرت لدقائق.. الرجل ينتظرنا فى المطعم. 
***

وهبط الرفيقان على السلم إلى أحد مطاعم الكازينو، وفى ركن بعيد، على احدى المناضد كان شخص فى العقد الخامس من عمره يجلس فى ضوء خافت، لم يظهر ملامحه بشكل كامل. 
تقدم رأفت إليه محييا، ومقدما هشام إليه، بعبارة دالة تقول كلماتها تستطيع أن تعتمد عليه فى كل شيء، ثم وجه كلامه إلى هشام قائلا: أقدم لك صديقا عزيا.. ادوارد كوشير رجل أعمال انجليزيا من أصل عربى لبناني. 
ووسط التصافح والتمتمة بعبارات المجاملة التقليدية، كانت نظرات كوشير تكتسح هشام من قمة رأسه إلى أخمص قدمه. 
جلس الثلاثة على المائدة حيث وافق كوشير ورأفت على الشراب الذى طلبه هشام دون تردد.. فى مجاملة مقصودة، وبينما راح الثلاثة يحتسون كئوس الويسكى بلاك ليبل، لم يتوقف رأفت عن الثرثرة فى مرح مفتعل، ومحاولة لتذكير هشام ببعض النكات السياسية التى كانت مصر تعج بها فى هذا الوقت، وتسخر من الرئيس السادات وعدم قدرته على الحرب، كما تسخر من الجيش المصرى وهزيمته المروعة فى 1967!! 
كان هشام يشترك فى الضحك من كل ما يحكيه رأفت، فقد كان على استعداد للمجاملة إلى آخر مدي، ولو بوطنه، أو برموز هذا الوطن. 
وكان رأفت ينظر من آن لآخر إلى كوشير ليريه أن الضحية وصلت إلى أقصى درجات الاستعداد للارتماء فى أى حضن، والاستسلام لأى ضغط. 
وبعد أن تجرع رأفت ماتبقى من خمر فى كأسه دفعة واحدة، استأذن فى القيام، متعللا بأنه يريد أن يصرف ما معه من جنيهات فى صالة القمار.. وغمز بطرف عينه إلى كوشير الذى ابتسم ابتسامة لزجة لا مشاعر فيها!! 
كان ادوارد كوشير لطيفا وناعما جدا فى حديثه إلى هشام الذى راح يعلق على بعض مفردات اللهجة العربية الشامية التى يتحدث بها كوشير. 
قال ادوارد انه يعمل قومسيونجيا، ووكيلا لعدة شركات، وهو يريد التعامل مع السوق المصرية، ولكن تنقصه معلومات كثيرة عن أحوال التجارة فى مصر، وما اذا كان من الممكن استثمار أموال فى مصر أم لا.. 
وكان هشام يحاول ـ رغم عدم خبرته فى مسائل الاستثمار والاقتصاد أن يشترك فى الحديث، بأية كلمات، يحاول ـ من خلالهاـ أن يثبت لكوشير انه متحرك وشاطر. 
وبينما كان الرجلان يحتسيان القهوة بعد العشاء، راح هشام يحاول الاستزادة عن تفاصيل العمل، وادوارد يحاوره ولا يعطيه اجابة كاملة تريحه، وما أن فرغا من احتساء القهوة، حتى طلب ادوارد من هشام أن يلقاه فى اليوم التالى فى الموعد نفسه ولكن فى فندق سيلفريدج. 
ودهش هشام جدا، حين طلب منه ادوارد ألا يخبر رأفت بأى شيء عن موعد لقائهما المقبل، لأنه ـعلى حد تعبيرهـ رجل طماع وسيحاول أن يحشر نفسه فى هذا البيزنيس الجديد دون داع. 
وعلى الرغم من دهشة هشام إلا أنه وافق.. فقد بدأ ومنذ شهور رحلة الموافقة.. يوافق على أى شيء.. يوافق على كل شيء.. وهو فى هذه الليلة باع صديقه.. أو ما يتصور أنه صديقه.. فى طريقه لأن يبيع أشياء أخرى أعز وأثمن. 
***


البداية الفعلية
اليوم 17 مايو 1972 
الساعة: السابعة وخمس وأربعون دقيقة. 
المكان: فندق سيلفريدج الملتصق بالمتجر الشهير الذى يذهب إليه المقتدرون ـ من وجهة نظر هشامـ فى مصر للشراء والتسوق وعمر هذا الفندق ـ وقتها ـ سبعون عاما. 
جاء هشام مبكرا ربع ساعة، حتى يتجول داخل الفندق الشهير، وتمشى من عند الساعة الشهيرة التى تعلو مدخل المتجر الرئيسى فى شارع اكسفورد، ثم انعطف يمينا ليدخل إلى ديوك استريت، الشارع العريق الذى تأسس عام 1728 وأشهر مبانيه ـ تاريخياـ ووتر هاوس وهو ـالآنـ الكنيسة الكندية. 
دخل هشام من باب الفندق الدوار ذى اللون البنى الغامق، حيث كان يقف أمامه حارس يرتدى حلة خضراء غامقة وقبعة عالية من نفس اللون، صديرية حمراء، أطرافها خيوط من القصب.. وفى وسط المدخل منضدة مستديرة من الماهوجنى الأنتك، تعلوها آنية زهور شينواه كبيرة تزدحم بعيدان باقة ضخمة من زهور الداليا البيضاء. 
إلى اليسار حامل خشبى بنى قديم، رصت عليه الصحف البريطانية الشهيرة ومنضدة خشبية غامقة يقف خلفها موظفا الاستقبال، وبنتان للاستعلامات والمحاسبة، تعلوها ساعة عتيقة على يمينها ويسارها لوحتان زيتيتان عريقتان، احداهما للورد أبرستون ترجع إلى عام 1715، والأخرى لليدى أبرستون فى عام 1760، وليس للشخصين أى ارتباط بفندق سيلفريدج ولكن تم اقتناؤهما لقيمتهما الأثرية. 
وكان تسكع هشام داخل الفندق قد أتاح له قدرا لا بأس به من الفرجة على مفرداته وأثاثه، وجوه المميز الفريد، حيث تتناثر على امتداد صالة الاستقبال بضعة مقاعد جلدية زيتى غامق وإلى جوارها مناضد أنتيك وأباجورات شينواه، وإلى اليمين صعد هشام سلما كبيرا بدرابزين نحاسي، وجوانبه مشغولة بالفير فورجيه الأسود، ترصعه بادجات نحاسية كبيرة عليها حرف S الذى يرمز لاسم المحل. 
السلم أوصله إلى مدخل صغير تتوسطه نجفة أثرية عظيمة، وإلى اليمين مدخل أوركاردتيراس، وهو مطعم جريل يطل على أوركارد ستريت، فيه تناثرت مناضد مربعة ذات مفارش خضراء، تعطى إحساسا كبيرا بالبهجة، وسط الجو المتزن الوقور الذى يوحى به اختيار الأثاث الستيل والأنتيكة فى بقية أرجاء الفندق.
وعلى احدى هذه المناضد كان اللقاء الثانى بين هشام وادوارد. 
عندما صافح ادوارد ضحيته ثبت نظراته إلى عينى هشام، الذى تعلق به فى نظرة رجاء طويلة، وأبدى ترحيبا مبالغا فيه. 
وعلى عشاء فاخر من الأسماك والقشريات البحرية، مصحوبا بزجاجة نبيذ فرنسى شابليه أبيض فاخر دار الحديث حول تفاصيل العمل، الذى كان هشام يتوق إليه. 
قال ادوارد لهشام: أنا وكيل شركة بلجيكية للجرارات الزراعية، وهى تريد أن تقيم لها مصنعا فى القاهرة، وقد تقدمت بطلب بهذا الخصوص بالفعل، ولم أحصل بعد على الرد وسوف تكون أنت وكيل هذه الشركة فى القاهرة، وسوف نفتح لك مكتبا لإدارة أعمالها.. ولكن فى البداية نريد منك معلومات عن أسعار الأراضى فى مصر، وكم سيتكلف شراء أرض لإقامة مصنع للجرارات. 
كان هشام يريد أى عمل والسلام، ومن ثم فقد أجاب على كل أسئلة ادوارد، بما يفيد أنه يقدر على تلبية احتياجاته جميعا. 
أما ادوارد ـ وطبقا لتحليلات الخبراءـ فقد كان يود اختبار قدرة هشام أولا على جمع معلومات عادية، وقدراته على تسهيل بعض الاجراءات فى مصر وذلك قبل أن يدخل معه فى تفاصيل أكثر جدية، عن هذا العمل، الذى كان مازال يبدو غامضا. 
انتهى اللقاء الثانى بعد ساعات ثلاث أمضياها فى الأكل والأنخاب المرحة، والمحاولات المستعرة من هشام أن يثبت أنه على قدر الشغل، ويوفى بمتطلباته. 
وجاء اللقاء الثالث بعد ذلك فى ليلة الثامن والعشرين من مايو، فى الفندق نفسه.. اذ كان ادوارد مستمرا فى تشويق هشام للعمل، ومن ثم للمال، حتى يضمن انهياره الكامل، وفى الوقت نفسه استغل ادوارد الفترة الزمنية الفاصلة بين اللقاءين، لاختبار قدرة هشام على الكتمان، حيث ظل رأفت يلاحق هشام ويسأله ما اذا كان يرى ادوارد أو يتصل به، بينما هشام ينكر تماما، مرة ومرتين، وهو فائق أو وهو سكران.. حتى تأكد ادوارد تماما من أن هشام ينفذ تعليماته بحذافيرها، حتى وهو لا يعلم طبيعة الوعاء الذى تصب فيه هذه التعليمات. 
***

الموعد التالى كان فى مطعم فليدجر فى فندق سيلفريدج.. 
وحين وصل هشام إلى الفندق كان متعجلا، عصبيا، يريد أن يحضر ادوارد، وأن يكلفه بعمل محدد، وأن يعطيه، ولو مقدما من أجره عن هذا العمل. 
اخترق صالون الفندق، ولم ينتبه إلى كل التفاصيل من حوله، أو إلى الحركة التى كان الصالون يعج بها.. ومنظر أكياس سيلفريدج التقليدية الصفراء وقد تركها رواد الفندق ونزلاؤه إلى جوار المقاعد، والفوتيهات المذهبة، ذات الألوان الزيتى الغامق والنبيتي، والتى ألقيت عليها حشيات غامقة اللون برتقالية، وتيركواز، وكل منضدة تتوسط منظومة من المقاعد والأرائك، عليها فازة بيضاء صغيرة فيها زهرة قرنفل واحدة، وفى أركان الصالون نباتات ظل تتدلى من أوان حجرية غامقة. 
صعد هشام ـ فى عجالة ـ عدة درجات سلم فى نهاية هذا الصالون حتى كاد يسقط متعثرا من فرط اندفاعه، ودخل إلى مطعم فليدجر العتيق على اليسار، حيث تربض كراسيه الفخيمة التى يشبه كل منها عرشا ملكيا صغيرا، بينما غطى الجدران ورق حائط منقوش داكن، انجليزى تقليدي. 
وطوال العشاء الذى كره هشام اجراءاته الطويلة المتمهلة كان ادوارد يسرب إليه كلمة، ثم يتركه يحترق فى فضول ولهف.. ثم كلمة أخري.. وهكذا حتى ما كاد العشاء ا ن يقترب من نهايته حتى كان هشام قد وصل إلى حالة من اليأس الشديد، فاذا بادوارد يبادره برغبته فى أن يؤجر للشركة مقرا فى القاهرة، وأن يمده بخطوط تليفونية. 
ثم أومأ: نحن مستعدون لتقديم رشاوى لتركيب هذه الخطوط التليفونية. 
وبالطبع كان هشام يعرف صعوبة تركيب مثل هذه الخطوط ـفى ذلك الوقتـ وسط الأزمة الخانقة التى شهدتها تليفونات مصر فى السبعينيات، ولكنه أبدى استعداده للإنجاز ليظهر شطارته، ويستعجل التوظيف. 
ولكن هل صحيح أن شركة بلجيكية تقدمت لإقامة مصنع للجرارات الزراعية فى مصر؟
الجواب: كانت الشركة الوحيدة التى أقامت مصنعا للجرارات الزراعية فى مصر فى ذلك الوقت، هى شركة ماجيروس المجرية، فى إطار خطط التصنيع فى مصنع شركة النصر لصناعة السيارات. 
ولا شيء أكثر من ذلك. 
الأمر كله ـ اذن ـ كان مجرد بالونة اختبار لصديقنا هشام محجوب فى جمع المعلومات، حتى لو كان بسيطا فى البداية، مثل: معلومات أسعار الأراضي، أو اختبار قدرته فى الحركة، مثل رشوة أشخاص حكوميين لتركيب خطوط للتليفون وسط ذروة أزمتها. 
ثم أن هشام بعد أن يمر فى هذا الاختبار ويؤسس المكتب، سوف يمتلك قاعدة للتحرك والاتصال فى مصر تمكنه من جمع المعلومات حول أمور أخري، غير تلك التى خطط ادوارد لها من خلال وظيفته فى مصر للطيران!!. 
وحين كان ادوارد ينهى هذا اللقاء ويعد هشام بموعد آخر، كان هشام يتوسل إليه فى ضراعة حقيقية أن يكلفه بالعمل مباشرة وألا يجعله ينتظر أكثر من ذلك.. وهنا ابتسم ادوارد وأكد له أنه سيكلفه بالعمل فى المرة القادمة، بعد أن يتأكد من كفاءته واخلاصه، وقد خطط لأن يجعل منه شيئا كبيرا بالفعل!!. 
على أية حال فقد كان الموعد الرابع والأخير بعد يومين، بما لم يرهق هشام فى الانتظار كثيرا، وعلى الرغم من أن الموضوع حتى هذه المرحلة لم يتجاوز الحدود التى تبدو طبيعية، فقد كان هشام يتلفت حوله أثناء حديث ادوارد الهامس إليه فى صالون الفندق، بشكل تلقائي، اذ كان يشعر أن العاملين بالفندق الذين يتحركون حوله يسترقون السمع، وكذلك النادلات اللاتى يرتدين جونلات سوداء، وجاكيتات من اللون، نفسه وبلوزات بيضاء وبابيون أسود، والبنات اللاتى يقمن بالتنظيف مرتديات أثوابا خضراء ومرايل بيضاء وهن منهمكات فى ازالة كل ذرة تراب تكون قد علقت بأى شيء، والحمالون يرتدون حللا زيتية غامقة يزينها القصب، وتحتها قمصان بيضاء وروابط عنق سوداء. 
جميعا كان هشام ينظر إليهم باسترابة.
لقد كان هناك من يراقبه فعلا.. ولكن ليس هؤلاء..
ففى ركن قصى من الصالون كان أحد شهود المخابرات المصرية يربض مستوعبا كل حركة وسكنة، متظاهرا بتقليب الشاى فى فنجان من الطاقم الصينى التقليدى للفندق من نوع دادسون.
فى هذه الليلة كشف ادوارد عن جانب من أنيابه، عندما طلب من هشام أن يطير إلى القاهرة لكى يجمع المعلومات المطلوبة، ويعود بها إليه فى لندن خلال شهرين. 
قال ادوارد لهشام: لقد عيناك بمرتب شهرى قدره 600 دولار وإذا قدمت لنا المعلومات المطلوبة سوف نرفع مرتبك.. ثم سلمه 600 دولارا بإيصال بدون تاريخ محدد وقعه هشام وأعطاه رقم تليفون للاتصال به عند عودته من القاهرة خلال شهرين.
أصاخ هشام السمع لصوت وقع حذائه على أرضية الرصيف، وهو يأخذ طريقه إلى فندق رويال لانكستر، زفر زفرة ارتياح بعد أن أحس أنه على وشك انطلاقة كبيرة، ولكنه لم يكن يدرى لماذا أحس بهاجس الملاحقة، فراح يتلفت من فوق كتفه بين الحين والآخر، بينما نسمة ربيعية لندنية تعبث بشعره!..



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.