الأحد، 18 أغسطس 2019

مؤرخ الثورة‏..‏ أمام محكمة الشباب‏!‏

مؤرخ الثورة‏..‏ أمام محكمة الشباب‏!‏ 
د‏.‏ عبد العظيم رمضان‏:‏
قيادة محمد نجيب للثورة سبب نجاحها لأن الضباط الأحرار كانوا في حاجة إلي رتبة كبيرة للسيطرة علي الجيش
حوار‏:‏ سامح لاشين

مجلة الشباب الاثنين 1 مارس 2004م - محرم 1424هـ

ارتبطت بثورة يوليو قضايا عديدة وأحداث مهمة لكن الكثيرين من المؤرخين اختلفوا فيما بينهم في قراءتهم لهذه الأحداث‏...‏ وفي هذا الحوار يدلي المؤرخ الدكتور عبد العظيم رمضان بشهادته أمام محكمة الشباب ويحاول استكشاف حقيقة هذه الأحداث التي تتعرض كثيرا للمغالطة والتشويه والتزوير‏:‏ فهو استاذ للتاريخ بجامعة المنوفية ويتولي مهام اللجنة التاريخية في المجلس الأعلي للثقافة‏,‏ ورئيس تحرير سلسلة التاريخ المصري‏,‏ وعرف بكتاباته الغزيرة عن ثورة‏23‏ يوليو وتسجيله لأخطائها واعترافه بإيجابياتها‏.‏

‏*‏ كيف تري موقع ودور الضباط الأحرار من تاريخ الحركة الوطنية؟

**‏ الجيش يظل له دور وطني مادام ملتزما بالحركة الوطنية والدستور وإذا كان ضد الحركة الوطنية فإنه يفقد دوره الطبيعي الذي يتمثل في حماية القوة الوطنية والشعب‏.‏
والسؤال‏:‏ ما هو دور الجيش؟ استشف الاجابة من اهم أحداث التاريخ‏.‏ فعندما قامت ثورة عرابي فهي حركة من الجيش يقودها عرابي وعندما نجحت كان من المزمع ان يتولي رئاسة الوزارة شريف باشا الا أنه رفض أن يتولي رئاسة الوزارة إلا بعد رجوع الجيش الي ثكناته فالرجل كان يتمتع بنضج دستوري وعقلي منقطع النظير‏.‏ فهو يعلم انه لا يستطيع ان يتولي مهام الحكومة في الوقت الذي مازال فيه عرابي يسيطر علي الجيش وأنه لن يتمكن من الحكم‏.‏ ولذلك اشترط عودة الجيش إلي ثكناته‏..‏ وهذا الأمر لم تنجح الأحزاب في أن تنفذه مع ثورة يوليو ـ إنما نجح شريف باشا وأوقف عرابي الذي صرح تصريحا مهما حين قال إننا نعترف بأننا القوة المنفذة لما يصدر إلينا من الأوامر في صالح العباد‏.‏ وبهذا حدث إدراك للأدوار التي يقوم بها كل طرف فالجيش منفذ للأوامر التي تصدر إليه من السلطات الدستورية والشرعية كما أن أبعاد الدور التاريخي للجيش واضحة ولا تحتاج الي الالتباس‏.‏
وعندما يتطلع الجيش الي دور آخر وهو السيطرة والحكم وليس تلقي الأوامر فهو يعد انقلابا علي دوره التاريخي ودوره الوطني المحدد له في حماية مقدرات الوطن الي القفز علي السلطة وتولي أمور السياسة والحكم‏.‏
ونلاحظ في البلاد الليبرالية ان سلطة وزير الدفاع منصب مدني وأن رئيس البنتاجون كان محاميا وليس ضابط جيش ومعني ذلك أن الادارة والقرار من صميم العمل المدني وليس العسكري‏.‏ ولكن ما حدث من ثورة يوليو ومن مجموعة الضباط الأحرار الذين قادوا الثورة أنهم انقلبوا علي دورهم التاريخي ووظيفتهم في الجيش ورغبوا في السيطرة والحكم حتي في الوزارات ورؤساء ومجالس إدارة الشركات وهذا ليس دورهم الوطني الذي سبق أن ذكرناه والمتمثل في حماية وسائل الانتاج وممتلكات الوطن من الأعداء‏.‏

*‏ هل تسمي ما فعله الضباط الأحرار ثورة أم انقلابا؟

**‏ ثورة يوليو عندما بدأت ونجحت لم يطلق عليها اسم ثورة بل كانت تسمي انقلابا نفذه الجيش واستطاع ان يخلع الملك واستطاع ان يحل محله ولكن ما حدث بعد ذلك من تحولات وتغيرات نعتبرها بالفعل ثورة وبداية لعصر جديد‏.‏ لأنه ما قامت به الثورة من خطوات بدأت بإحداث تغييرات جذرية في البناء التحتي من خلال التغييرات الدستورية المهمة والأهم من ذلك إحداث التغييرات الجذرية في شكل الملكية من خلال مصادرة الأموال وإحداث تحول طبقي جذري‏.‏ وإصدار قوانين الاصلاح الزراعي الأمر الذي نتج عنه ظهور تغييرات طبقية من طبقات اختفت وأخري ظهرت فضلا عن تحديد ملكية الأفراد كما حدث تغير أهم يتمثل في نوعية الطبقة الحاكمة الأمر الذي صاحبه بالضرورة تغير في البناء القومي والحضاري والقيمي فارتفعت شعارات المساواة والعدالة الاجتماعية ورفض المجتمع الطبقي الذي كان سائدا قبل الثورة‏.‏ وليس هذا فحسب بل حدثت تغييرات في جميع النواحي الحضارية الأمر الذي يجعلنا نطلق علي ما حدث بانه بالفعل ثورة وأنها حقبة جديدة وليس عهدا جديدا فحسب لأنه حدث تغير حضاري تمثل في البناء التحتي والقومي الحضاري للمجتمع‏.‏

*‏ هل صحيح ان ثورة يوليو كانت علي صلة بالولايات المتحدة الأمريكية حيث ان هناك روايات تاريخية تؤكد ذلك؟

**‏ في المرحلة المبكرة من ظهور الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية لم تنظر إليها شعوب الدول العربية علي أنها قوة هيمنة وسيطرة كما هي الان ومن ثم كان يتم الاستعانة بها والاتصال بها علي أساس انها تمد يد العون والمساعدة ضد المستعمرين الانجليز والفرنسيين في ذلك الوقت ومن هذا المنطلق قامت ثورة يوليو باتصالات مع الولايات المتحدة الأمريكية من أجل ضرب الاستعمار الإنجليزي ومن أجل إزالة جيش الاحتلال‏..‏
وعندما قامت ثورة يوليو كان الجيش الانجليزي يعسكر في القناة وكان من الممكن عند سماعهم بقيام ثورة انقلبت علي الحكم وخلعت الملك ان يتحركوا ضد الضباط الأحرار وحركة الجيش ولكنهم لم يفعلوا ذلك‏.‏ لإدراكهم الجيد بميزان القوة الذي اختل لصالح الولايات المتحدة في ذلك الوقت وكان ممكنا لولا وجود الولايات المتحدة أن يتحركوا‏.‏
ولكن التاريخ ليس فيه كلمة لو وبذلك اري ان غرض الاستعانة او الاتصال بالولايات المتحدة الأمريكية جاء بهدف ضرب الاستعمار الانجليزي‏.‏

*‏ هل تري أنه لولا ثورة يوليو لما خرج الانجليز من مصر كما يصور البعض؟

**‏ هذا التصور فيه إهانة للحركة الوطنية المصرية التي ناضلت بضراوة ضد الاحتلال وكانت تتملكها رغبة عارمة في الاستقلال والدليل علي ذلك انه حتي قيام ثورة يوليو كان الفدائيون يعملون في القناة‏.‏
إذن النضال الوطني ضد الاستعمار كان بادئا قبل قيام الثورة وكان بوسعه ان يحقق مكاسب وانجازات لتحقيق الاستقلال الوطني حتي ولو لم تقم ثورة يوليو ولكن مع الأسف الشديد فان ثورة يوليو أرادت ان تنسب الي نفسها كل الفضل في الاستقلال‏.‏
وتم ذلك في إطار من سيطرة الثورة علي مقاليد السلطة والحكم وتكميم الأفواه التي تتحدث بعكس ما يرغبون والتصرف دون رقيب حتي وقعت اخطاء فادحة فكان أفدحها في عام‏1967‏ عندما كان الذي يقود الجيش المصري كل مؤهلاته العلمية مؤهلات صاغ فقد تحول الجيش من اداة للتحرير الوطني الي اداة للاستبداد‏.‏

*‏ ما هو موقع محمد نجيب وأهميته في الضباط الأحرار؟ وما هو تقييمك التاريخي لأحداث أزمة مارس‏1954‏ واعتقال محمد نجيب لمدة‏17‏ عاما؟

**‏ أستطيع من موقعي كمؤرخ أن أقول أنه لولا أن محمد نجيب قاد هذه الثورة لما نجحت والسبب في ذلك يرجع الي أن الضباط الأحرار كانوا في حاجة إلي رتبة كبيرة في الجيش حتي يتمكنوا من السيطرة عليه لأنه لن يتسني لرتبة صغيرة أن تأمر رتبا أكبر منها في الجيش وأن كبار الضباط لن يسمحوا بسيطرة ضباط صغار عليهم وهذا هو السبب في أنهم لجأوا الي محمد نجيب فلقد كان واضحا انهم أرادوا ان يقنعوا الضباط الكبار بأن هذه الحركة هي حركة الضباط كلهم كبارهم وصغارهم ولو تقدم عبد الناصر بوصفه قائد الثورة لما نجحت لأن كبار الضباط لن يقبلوا تلقي الأوامر وسيطرة ضابط برتبة صاغ عليهم ولذلك فمحمد نجيب علي وجه التحديد هو سبب نجاح ثورة يوليو‏.‏
وقد تم عزله نتيجة رغبة السيطرة التي تملكت الضباط وانهم في وجوده لن يقدروا علي صنع شيء دون اللجوء إليه لأنه الرتبة الأعلي‏..‏ وتم عزل الرجل إثر أزمة مارس عام‏1954‏ بعدما استغلوه لإنجاح الثورة‏.‏

*‏ تبقي محاولة اغتيال عبد الناصر في حادث المنشية والذي اتهم فيه الاخوان المسلمين بعلامة فارقة بين النظام والإخوان فما حقيقة هذا الحادث الذي يصوره البعض كقصة وهمية؟

**‏ أعددت تحقيقا تاريخيا خاصا بهذه الواقعة في كتاب الإخوان المسلمون والتنظيم السري ويعد أول تحقيق عن هذا الحدث وملخص الملابسات أن الواقعة حقيقية علي يد الأعضاء المنضمين للإخوان‏..‏ وللإخوان سوابق قبل الثورة‏.‏
من خلال تنظيمهم السري في أعمال الاغتيال‏.‏ وقيامهم باغتيال إبراهيم النقراشي وأحمد الخازندار‏.‏

*‏ ماهي الحقيقة التاريخية حول روايات ممارسة النظام في عهد عبد الناصر لأعمال اعتقال وتعذيب وتشريد ضد الكثيرين؟

**‏ عندما ازدادت الرغبة في إحكام السيطرة والتملك المطلق‏..‏ أدعوا أن الثورة في خطر وقد سوغ ذلك للنظام أعمال الاعتقال والتعذيب بدعاوي مختلفة وقد ثبتت لنا حالات كثيرة لانتهاكات حقوق الانسان وأجزم بأن هذا الكلام عن التعذيب لا يستطيع أي ناصري أنه يكذبه فأدوات النظام كانت قمعية بصورة شديدة‏.‏ ولم تكن تقبل بأي معارضة وقد ألتقيت ببعض من لهم أفكار يسارية وشيوعية بعد خمس سنوات من اعتقالهم فتحدثوا بكل مرارة‏.‏
كما جعلني بعد ذلك أصدر كتابا بعنوان عبد الناصر والشيوعيون بالإضافة إلي تيارات أخري كالإخوان مثلا الذين كانوا يرغبون في الانقلاب علي الحكم‏,‏ ولكني لا أجد أي مبرر للتعذيب لأن المخطيء والخارج عن النظام يقدم للقضاء وتحكم عليه محاكمة عادلة وفقا للقانون وأعتقد أن القانون يحكم علي مرتكبي انقلاب بالإعدام فهو عقوبة أقوي من التعذيب‏..‏ أما الشيوعيون‏,‏ فيعتبرون مع النظام لأن الشعارات التي رفعها النظام كانت قريبة منهم‏.‏
ولكن مع ذلك تعرضوا للتعذيب‏.‏ فمع الأسف التعذيب حقيقة تاريخية لا يمكن انكارها‏.‏ وأكبر دليل علي ذلك هو أن النظام بعد عام‏1970‏ قدم شخصيات مسئولة عن عمليات التعذيب التي تمت‏.‏ وأفرج عن أعداد كبيرة من المعتقلين‏.‏

* ‏وما مسئولية التعذيب عن نشأة جماعات التطرف؟

**‏ لا نستطيع أن نعتبر التعذيب هو السبب الوحيد والمطلق في تكوين جماعات التطرف والتكفير وخاصة أن هذه الجماعات كان لديها فكرها الخاص في الحكم وإذا لم يسر الحكم وفق هذا الفكر فهو يعد حكما مارقا وكافرا‏.‏ وبذلك تأتي الضرورة الملحة لتغيير النظام وبذلك حتي لو كان النظام مسالما ولا يمارس تعذيبا ضدهم ولكنه ولا يسير وفق ما يرونه صحيحا فسوف يعتبرون الحكم كافرا وبذلك لا تستطيع أن تعتبر التعذيب بصفة مطلقة عاملا علي الانتقام واستخدام العنف والتكفير‏.‏ والارهاب بل هناك عامل فكري مؤصل بفرض وجود الحكم الاسلامي‏..‏ وما قدمه سيد قطب هو تحويل فكر الإخوان الي فكر تكفير فالإخوان لم تكن لديهم هذه الأفكار قبل ما قدمه سيد قطب الذي خرج بحكم يري أنه لابد من الحكم بما أمر به الله وعدم الالتزام بذلك يعد كفرا‏.‏
ولذلك فإن التعذيب ليس المسئول وحده عن نشأة جماعات العنف ولكنه أحد الأسباب بجوار السبب الفكري لنشأة هذه الجماعات‏.‏

*‏ ألم يكن من الممكن استيعابهم؟

**‏ في البداية كانت لديهم الرغبة في التغيير عن طريق الأطر الشرعية والقانونية وكانوا بالفعل برلمانيين ولكنه حدث تغير في فكرهم عندما لجأوا إلي القوة‏.‏
ثم جاءت قضية فلسطين التي أتاحت لهم فرصة العمل تحت اسم الجهاد وتكوين التنظيم السري فحدث انحراف عن الطريق الذي رسموه من البداية مما أوقعهم في محنة كبيرة‏.‏

*‏ وكيف تقيم البعد القومي الذي كان يسير عليه الرئيس جمال عبد الناصر؟

**‏ كان الرئيس عبد الناصر زعيما قوميا‏..‏ ولا أحد ينكر ذلك فلقد أراد لمصر دورا قوميا وشخصية استقلالية تعمل لصالح الشعوب العربية‏..‏ ولكن كانت هناك مشكلتان‏:‏ الأولي‏..‏ هي غياب الديمقراطية كنظام داخلي يساعد علي تحقيق الهدف القومي فضلا علي أن ديكتاتورية النظام وضعت الشعب في مواجهة معه وأوجدت آراء أحادية مما ترتب عليه احتلال سيناء مرتين وإخفاقات عسكرية وصراع علي السلطة انتهت بمقتل عبد الحكيم عامر‏.‏
أما المشكلة الثانية فهي رؤية عبد الناصر الخاصة وهناك أكثر من واقعة تؤكد اتخاذ قرارات دون دراسة فمثلا تأميم قناة السويس اتخذه عبد الناصر دون أن يعلم قائد الجيش عبد الحكيم عامر ولم يخبره بالقرار إلا عند سفره للإسكندرية لإعلانه وكان من المفترض أن يكون قائد الجيش علي علم بالقرار لكي يعد الجيش ويجعله علي استعداد لمواجهة أي عدوان محتمل من جراء القرار‏.‏
ولم يكن عبد الناصر يتوقع حدوث عدوان ثلاثي علي مصر وأراد الاستعانة بإيدن رئيس وزراء إنجلترا في تلك الفترة إذا حدث عدوان إسرائيلي فرنسي ثم أتضح له بعد ذلك أن رئيس الوزراء البريطاني هو أحد الرؤوس المتآمرة علي مصر‏..‏ وأقول هذا الكلام من موقع مسئوليتي كمؤرخ املك الدراسة والوثائق التي تثبت ذلك‏.‏
وهكذا كان عبد الناصر يعيش داخل نفسه وكانت تصوراته في السياسة الخارجية وردود فعلها ضحلة‏.‏ وكان أمامه أن ينقذ مصر من كثير مما حدث وقتها لكنه مضي في طريق مظلم فمثلا‏1967‏ كان السبب المباشر لقيام الحرب هو الملاحة عندما تم إغلاق الملاحة في وجه إسرائيل الأمر الذي أنبأ بنذر الحرب وكان في إمكانه أن يؤجل القرار وهذا ليس عيبا فتاريخيا حدث تأجيل للقرارات وكان من الممكن أن تؤدي بالبلاد الي الهلاك فمثلا مصطفي النحاس قبل الثورة عمل علي تأجيل قانون الاجتماعات الذي أثار إنجلترا ضد مصر وبدأت في تحريك بوارجها علي الشواطيء المصرية‏..‏ وبالتالي قلل من احتمالات ايقاع البلاد في مشكلة وهكذا كان يستطيع عبد الناصر علي الأقل أن يفعل ذلك حتي يطمئن إلي استعداده الفعلي لمواجهة إسرائيل إلا أن العجلة دارت رحاها إلي المواجهة السريعة والتي انتهت بهزيمة‏1967.‏
وقبل نشوب المواجهة كان جزء من الجيش المصري موجودا في اليمن منذ عام‏1961‏ الأمر الذي يهدد جهود المصريين وطاقتهم وقدراتهم وكان من الممكن أن ينأي عبد الناصر بمصر عن ذلك ويجنبها ويلات الحرب وخاصة في اليمن فهو أيضا اتخذ قرار الحرب دون دراسة لقدرات الجيش والامكانيات الاقتصادية التي من الممكن أن تغطي تكلفة هذه الحرب‏.‏
وكل هذا يعكس أن القرارات كانت تتخذ وتتم دون دراسة وهذا أمر خطير وهذه حقائق تاريخية لا يمكنه إنكارها تثبت أنه مع نظرة عبد الناصر القومية كان يحتاج إلي إقامة نظام ديمقراطي في الداخل ورؤية واضحة في الخارج وإمكانيات توفر له النجاح لأن النظرة القومية وحدها لا تقيد وهذا ما ثبت تاريخيا‏.‏

*‏ تباينت الآراء حول مقتل المشير عبد الحكيم عامر بين القتل والانتحار‏..‏ فأين الحقيقة في ذلك؟

**‏ لابد أن نعرف قصة المشير عامر من البداية فلم يكن عامر ضابطا فذا حتي يرقيه رئيس الجمهورية ست رتب متتالية في قرار واحد‏.‏
وهذا لا يصح أيضا من الناحية العسكرية والتدريبية لأنه يلزم لترقيته أن تؤهله تدريباته وقدراته للمرتبة التي يترقي إليها‏..‏ أما أن تحدث ترقيته بست رتب دون أن توازيها من الناحية العلمية والتدريبية فهذا خطأ فادح دافعه الصداقة وليس الكفاءة والقدرة‏..‏ ومن ناحية أخري فإن معيار الصداقة بين عامر وناصر وضع السلطة في حالة تفكك وصراع لأن عامر لم يكن جديرا بما يتولاه وظهر ذلك منذ ادارته للعدوان الثلاثي وظهرت اخطاؤه الفادحة في حرب‏1967‏ وكان الصراع وقتها يقتضي إنهاء الموقف الصراعي والدليل علي ذلك أن بعد الهزيمة أراد عامر أن يقفز علي السلطة‏.‏ فحدث أنه تم إعدامه وقد كتبت مقالا بعنوان إعدام عامر فكلمني أخوه‏,‏ حسن عامر‏..‏ وسألني لماذا لم تكتب اغتيال عامر؟ فذكرت له السبب أن الدولة عندما تقوم بالاغتيال تطلق عليه إعدام وليس اغتيال‏..‏ أما واقعة الانتحار فهذا ما ذكره النائب العام ولكن هذا ليس صحيحا لأنها محاولة لطمس الحقيقة حول هذه القضية وإغلاق ملفها‏.‏

*‏ كيف تري خطاب التنحي الذي ألقاه عبد الناصر لرغبته في ترك الحكم؟

**‏ مسألة التنحي وخاصة بعد هزيمة‏1967‏ أمر يفرضه الواقع فمن الطبيعي أن يرحل المسئول عند الهزيمة هنا تكمن نقطة مهمة‏,‏ وهي أن التنحي لا يلزم الاستئذان فالشعور بالذنب يجعل الفرد منا يسارع إلي التنحي‏.‏ وهنا ما يجعلني أسأل‏:‏ هل عبد الناصر كان جادا في تنحيه وتقديم استقالته؟ وإجابتي علي هذا السؤال أنه لم يكن جادا لأنه لو كان كذلك لعزل نفسه علي الفور دون إعداد خطاب عاطفي مؤثر يلقيه علي مسامع الناس فلقد كان خطاب الاستئذان قويا كتبه الأستاذ محمد حسنين هيكل بأسلوب أدبي وصحفي يؤثر في المشاعر وكانت رغبته في التنحي تقتضي منه ألا يحاول التأثير علي الجماهير بخطاب حماسي‏.‏
أيضا فإن الشعب أراد لعبد الناصر أن يزيل آثار العدوان فكان هناك إحساس عارم بأن المسئول عن شيء لابد أن يزيله وهذا سر التمسك به‏..‏ وقد توفي الرئيس عبد الناصر بعد ثلاثة أعوام من الهزيمة‏.‏

*‏ هل تولي السادات الحكم بعده كان يعتبر بداية لعصر جديد؟

**‏ نعم نعتبر حقبة الرئيس السادات عصرا جديد وبنفس المعيار الذي نقيس به بداية عصر ونهايته حيث نجد انه في عهد الرئيس السادات حدثت تغييرات جذرية بدأت بقوانين الانفتاح الاقتصادي الأمر الذي أدي إلي تغير البناء التحتي المتمثل في شكل العلاقات الاقتصادية والانتاجية الأمر الذي صاحبه تغير طبقي بظهور طبقات جديدة وأنواع مختلفة عما كان موجودا في عهد عبد الناصر فضلا عن دخول الاستثمار للبلد فكل هذا أحدث تغيرا في البناء التحتي وصاحبه تغير في البناء القومي الحضاري والقيمي والفني وفي مختلف الحياة‏.‏ بالإضافة إلي تحولات سياسية في السلطة ورجوع التعددية والأحزاب مرة أخري فكل هذا يؤكد أن حقبة الرئيس السادات هي عصر جديد‏.‏

*‏ ما هو تقويمك لحادثة ضرب مراكز القوي في بداية عهد الرئيس السادات؟

**‏ في بداية الأمر لم يتصور أحد أن السادات سوف يصبح رئيسا للدولة لأنه في عهد عبد الناصر وقبل ان يكون نائبا لم يتول منصبا حساسا أو ملموسا وعندما تولي السلطة تصور من كانوا يقودون المناصب الكبري في عهد عبد الناصر كعلي صبري وشعراوي جمعة أنهم الحكام الحقيقيون والفعليون لمصر وليس السادات وتصرفوا بأسلوب الضغط لفرض املاءاتهم علي الرئيس السادات إلي أن ضاق بهم وبدا بالفعل أنه الرجل القوي والزعيم الوحيد لمصر ولا يشاركه أحد في هذا الأمر‏..‏ وهم بالفعل يمثلون مراكز القوي في الحكم وكان ينبغي منه التخلص منهم حتي لا تقع البلاد في حالة من انقسام السلطة‏..‏ وهكذا كان ضرب مراكز القوي كان لصالح مصر ووحدتها وإنهاء صراع السلطة وتوحيد الجهود لمعركة اكتوبر‏1973.‏

*‏ في ظل هذه السيناريوهات التاريخية كيف يمكن الوصول الي الحقائق؟

**‏ يجب الاعتماد مباشرة علي الكتب العلمية التي تستخدم الاسلوب العلمي في البحث وتتحري الدقة في الكتابة العلمية وعدم الاعتماد علي المرويات الشفهية أو المكتوبة من الهواة الذين احترفوا الكتابة التاريخية ولذلك يجب الاعتماد علي كتب المؤرخين العلمية‏.‏
أما المذكرات التاريخية فأنصح بعدم الاعتماد عليها لأنها في الأغلب تكون مليئة بالأخطاء نظرا لأن أصحابها يدافعون عن أنفسهم كما أنهم دائما يصورون أنفسهم بأن لهم الفضل في أشياء كثيرة فحتي مذكرات أحمد عرابي بها أخطاء ولذلك أنصح بعدم الاعتماد عليها بصورة مباشرة‏..‏ فاستخدام المذكرات يجب أن يكون قائما علي التحقيق العلمي والتاريخي لإثبات مدي صحتها وإبراز ما بها من أخطاء تاريخية‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.