مصر فى عهد الدولة الفاطمية
إعداد الباحث: أشرف السيد الشربينى
الدولة الفاطمية (358 هـ - 567 هـ):
تعددت محاولات الفاطميين دخول مصر لضمها إلى دولتهم التى كانت قد قامت بالمغرب منذ سنة 296هـ , فقد أرسلوا ثلاثة جيوش لتحقيق هذا الهدف فى السنوات 301هـ , و307 هـ , و321هـ فى الفترة بين سقوط الدولة الطولونية وقيام الدولة الإخشيدية, ولم يرسلوا بجيوش ذات قيمة طوال عهد الدولة الإخشيدية, ولكنهم إكتفوا بإرسال الدعاة الذين ينشرون دعوتهم , ويبشرون بمزايا حكمهم, ويجمعون الأنصار والمؤيدون حولهم.
ونتيجة للضعف الذى أصاب الدولة العباسية فى بغداد تمكن الفاطميون من تحقيق أطماعهم فى الاستيلاء على مصر, وبوفاة "كافور الإخشيدى" سنة 355هـ ضعفت الدولة الإخشيدية فإنتهز "المعز لدين الله الفاطمى" رابع الخلفاء الفاطميين الفرصة وبدأ فى إعداد جيش كبير من مائة ألف مقاتل يرسله إلى مصر لفتحها وضمها إلى دولته, وعهد إلى "جوهر الصقلى" قيادة هذا الجيش, وسارت حملة "جوهر" من بلاد المغرب إلى مصر فى 14 ربيع الآخر سنة 358هـ.
زود "المعز" جيشه بالأموال الوفيرة للإنفاق على الجيش وما يلزمه فى مرحلة السفر, كما صحب الجيش البرى إرسال عدد من السفن البحرية لترسوا على ميناء الإسكندرية دعماً للجيش الفاطمى.
ووصل "جوهر" إلى الإسكندرية وإستولى عليها دون مقاومة وفى عاصمة مصر لم يكن الحال مختلفاً فقد رأى المسئولون به أنه لا طاقة لهم بمقاومة الجيوش الفاطمية الكثيفة, ولم يكن للخلافة العباسية أى تواجد سياسى أو قوة عسكرية تصد الفاطميين.
ويدل عهد الأمان الذى أعطاه "جوهر الصقلى" لأهل مصر على أنه إستجاب لمطالب المصريين بكل طوائفهم ومذاهبهم فقد أمنهم على أنفسهم وأموالهم وبلادهم, كما تعهد بترك الحرية لأهل مصر لإختيار مذهبهم الدينى الذى يرتضونه, فلم يشأ أن يفرض المذهب الشيعى عليهم فرضاً, وترك نشر مذهبه للزمن.
جوهر الصقلى:
يعد جوهر الصقلى بعد الفتح الفاطمى لمصر أحد الشخصيات الفاطمية الهامة التى تركت بصمة واضحة ومؤثرة فى تاريخ مصر الإسلامية, ليس لإتمامه الفتح فقط ولكن لحكمه لمصر مدة الأربع سنوات الأولى للعهد الفاطمى نائباً عن سيده الخليفة المعز, ثم لإنشائه مدينة القاهرة لتكون عاصمة للخلافة الفاطمية بمصر.
ويعود مولد جوهر الصقلى إلى جزيرة صقلية ولمن لا نعرف تاريخ مولده, وقد نشأ فى كنف الدولة الفاطمية وكان المعز يقربه إليه ويعامله معاملة خاصة لما لمسه فيه من إخلاص وتدين ومواهب متعددة مميزة.
أما خبراته الحربية فظهرت وتأكدت عندما كلف المعزبقيادة جيش لفتح ما تبقى من أقاليم المغرب, وظل جوهر يحاول فتح فاس التى إستعصت عليه حتى تم له ذلك, وبفتحها يكون "جوهر" قد اتم فتوحه بالمغرب فى أقل من سنة, ولهذا لم يكن غريباً أن يختاره "المعز لدين الله" ليقود جيشه لفتح مصر.
تأسيس القاهرة (358هـ / 969م):
حرص "جوهر الصقلى" على إنشاء مدينة جديدة تكون مقراً للخليفة المعز وللخلافة الفاطمية, ومركزاً لنشر المذهب الشيعى وحصناً يحمى الفاطميين فى مصر من هجمات القرامطة التى إشتدت ببلاد الشام وبدأت تهدد حدود مصر الشمالية, واختار موقعها إلى الشمال من العواصم الثلاثة السابقة (الفسطاط, والعسكر, والقطائع) وقام جوهر بوضع حجر أساس مدينة القاهرة وأحاطها ولأول مرة فى عواصم مصر بسور سميك من الطوب اللبن وإتخذت المدينة شكلاً مربعاً وجعل فى كل ضلع من أضلاع السور بابان يفتحان نهاراً ويغلقان ليلاً وخصصت القاهرة لسكنى الجند المصاحب للفاطميين, ولهذا إتخذت المدينة شكلاً ووظيفة أقرب إلى الحصن منها إلى المدنية والعاصمة.
وإقتصرت الإقامة بالمدينة الجديدة على الجند الفاطمى وحاشية الخلفاء وأنصارهم من الشيعة وقسمت المدينة إلى أقسام سميت بأسماء فرق الجيش الفاطمى.
وبنى جوهر بداخل مدينته الجديدة الجامع الأزهر وكان الهدف منه نشر المذهب الشيعى والقصر الشرقى ليكون قصراً للخليفة "المعز لدين الله" عند قدومه على مصر وكان المسجد الأزهر أول مسجد جامع ينشأ بالقاهرة, وقد تم بنائه يوم 9 رمضان سنة 361هـ.
أمضى "جوهر الصقلى" مدة حكمه فى التمكين لحكم الفاطميين, وعندما أتم بناء القاهرة والأزهر أرسل إلى الخليفة "المعز" فحضر إلى مصر ودخل إلى الإسكندرية فى 23 شعبان سنة 362هـ, فى جمع كبير من رجاله وأخوته وأعمامه, مما يدل على ما كانت تمثله مصر للفاطميين من هدف يسعون إليه حتى أن المعز لم يترك رفاة أبائه وأجداده بالمغرب وحرص على إحضارها معه لتدفن فى مصر, وقد أحسن أهالى الإسكندرية إستقباله, ثم دخل المعز إلى القاهرة ودخل القصر الكبير يوم الثلاثاء 7 رمضان 362هـ , وأصبحت منذ ذلك الحين القاهرة عاصمة لمصر ومركز الخلافة الفاطمية التى شملت الحجاز والشام واليمن ومصر وبلاد المغرب, وظل المعز فى مصر سنتين ونصف حتى توفى فى القاهرة سنة 365هـ.
القاهرة فى العصر الفاطمى الأول:
عصر الخلفاء العظام:
المعز لدين الله (362 – 365هـ):
كان "المعز لدين الله" قد تولى الخلافة بالمغرب منذ سنة 341هـ بعد وفاة أبيه الخليفة "المنصور", وهناك قام بجهود كبيرة لتوطيد أقدام الخلافة بالمغرب, ثم بدأ يفكر فى بسط نفوذه نحو المشرق, فبدأ بفتح مصر لتكون قاعدة تضم بلدان المشرق إلى دولته الشيعية, فبعد الجيوش الثلاثة التى أرسلها الفاطميون لفتح مصر فى سنوات 301هـ , و307 هـ , و321هـ كانت الحملة الرابعة التى خرجت بقيادة "جوهر الصقلى" من المغرب فى ربيع الآخر سنة 358هـ ووصلت الفسطاط سنة 358هـ , وفرح "المعز لدين الله" بأنباء دخول "جوهر" الفسطاط دون مقاومة تذكر.
وخرج "المعز لدين الله" من المنصورية بالمغرب قاصداً مصر بعد دعوة "جوهر" له بعدما أتم بناء القاهرة والقصر الكبير الذى سينزل به "المعز", ووصل "المعز" إلى القاهرة ودخل قصره فى 7 رمضان سنة 362هـ.
كما واجه "المعز" خطر القرامطة ببلاد الشام وندب "جوهر" لقيادة لمحاربتهم, وفى مصر عمل "المعز" على إنشاء أسطول بحرى كبير كما إهتم بتقوية الجيش.
العزيز بالله (365 – 386هـ):
خلف أباه "المعز" وعمره إثنان وعشرون عاماً فأستكمل التصدى لخطر القرامطة وثورة القائد التركى "أفتكين" بالشام فخرج على رأس الجيش الذى يقوده "جوهر" إلى الشام وإنتصر على الإثنين (القرامطة وثورة "أفتكين") وواصل سياسة أبيه بالإهتمام بالجيش والأسطول, وكان عهده عهد يسر ورخاء وتسامح دينى وتحول فى عهده الأزهر إلى جامعة بمعناها المعروف وزودها بمكتبة ضخمة وكانت تدرس به علوم الدين والغة والرياضيات, وشهد عهده بداية إنتشار المذهب الشيعى فى مصر, وتوفى "العزيز" سنة 386هـ وعمره أربع وأربعون عاماً.
الحاكم بأمر الله (386 – 411هـ):
تولى الخلافة بعد وفاة أبيه "العزيز بالله" سنة 386هـوكان عمره أحد عشر عاماً فتولى الوصاية مربيه "برجوان" وفى عهده زاد نفوذه الجند المغاربة وفرضوا عليه عند توليه الخلافة تعيين شيخهم "أبى محمد بن عمار" الوزارة ولقب بأمين الدولة, وفى عهد وزارته زاد نفوذ المغاربة وطغى على الأتراك فهرب كثير منهم إلى الشام, ولكن عندما تولى الوزارة "برجوان" الرتكى الذى كان وصياً ومربياً "للحاكم" فتعصب لبنى جنسه وزاد نفوذه لدرجة جعلت "الحاكم بأمر الله" يدبر مؤامرة لقتله ليتولى أمور الدولة بنفسه.
إهتم بنشر الثقافة العلمية والأدبية فأنشأ دار الحكمة التى كان يعمل بها العلماء فى شتى المجالات, وزودها بمكتبة عرفت بإسم "دار العلم" حوت الكثير من الكتب فى مختلف العلوم والآداب.
وإنفرد عهد "الحاكم" بما عرف عنه بإزدواجية وتردد فى آرائه وسياساته, وكان لشخصيته أثر سئ على أحوال الدولة الفاطمية فى عهده, فقتل أكثر من وزير من وزرائه وكبار رجال دولته, وإضطهد الكثير من الناس مسلمين ومسيحيين ويهود.
وختم ال"الحاكم" عهده بالخروج على مبدأ وراثة الإمامة الذى يدين به الشيعة, وذلك بتوصيته لولاية العهد من بعده لإبن عمه "عبد الرحيم إلياس" مما أدى إلى بوادر إنقسام داخل البيت الفاطمى لولا تدخل "ست الملك" أخت الحاكم حيث تمكنت مع معاونيها من القبض على "عبد الرحيم إلياس" وقتله فى الوقت الذى إختفى فيه "الحاكم بأمر الله" نفسه, وأثار إختفاؤه تساؤلات عديدة عما إذا كان قتل أو مات طبيعياً أو أنه غائب وسيعود يوماً ما.
الظاهر لإعزاز دين الله (411 – 427هـ):
تولى الخلافة بعد إختفاء والده "الحاكم بأمر الله" أو مقتله, وكان عمره ستة عشر عاماً, فتولت عمته "ست الملك" الوصاية عليه, وتدبير شئون الدولة حتى توفيت سنة 415هـ.
وكان سمحاً عاقلاً حسن السياسة, وقد ساعدته هذه الخصال فى إصلاح كثير مما أفسده أبوه "الحاكم بأمر الله", فأكتسب عطف أهل الذمة وحبهم.
وقد مات الخليفة "الظاهر" بمرض الإستسقاء فى منتصف شعبان سنة 427هـ فخلفه "أبو تميم" الذى لقب بالمستنصر بالله.
المستنصر بالله (427 – 487هـ):
ضرب الخليفة "المستنصر بالله" الرقم القياسى فى عدد سنوات الحكم بين جميع الخلفاء الراشدين, فقد إمتد حكمه ستين عاماً, ويرجع هذا إلى توليه الحكم وهو طفل صغير لم يتجاوز السابعة وإمتد عمره لسبع وستين عاماً.
كان أول حكمه رخاء ولكن فى أواخر حكمه تعرضت مصر لشدة عظمى حيث إنخفض منسوب المياه بالنيل سنة 457هـ وإستمر ذلك 7 سنوات, فإنتشر الغلاء والأوبئة, مما أدى إلى ضعف الخلافة الفاطمية, وقد أدت الشدة العظمى إلى تقسيم عهد "المستنصر بالله" إلى قسمين أولهما يتبع عهد الخلفاء العظام, والثانى عصر نفوذ الوزراء.
وقد إقترنت الشدة العظمى بحدوث العديد من الفتن والإضطرابات, والحروب الأهلية بين فرق الجند المختلفة, كما إنفصلت بعض بلدان الشمال الأفريقى عن الخلافة الفاطمية وأعلنت ولائها للخلافة العباسية, وإضطر الخليفة "المستنصر" أمام هذه الظروف السيئة والأحوال المتردية إلى الإستعانة بواليه على عكا "بدر الجمالى" المعروف بالعزم والحسم وبالفعل حضر "بدر الجمالى" على رأس جنده من الأرمن سنة 466هـ وبدأ جهوده لإصلاح ما يمكن إصلاحه من أحوال البلاد السيئة, وبدأ بالتخلص من نفوذ أمراء الترك وقبض على الباقيين منهم, وتتبع المفسدين والأتراك وغيرهم من مثيرى الإضطراب فقضى عليهم جميعاً.
وتمكن "بدر الجمالى" من إعادة النظام إلى مصر فى فترة وجيزة لم تتجاوز ثلاث سنوات (466 – 469هـ), ثم وجه إهتمامه إلى الإصلاح فأعاد تنظيم الأمور المالية, فأعفى المزارعين من دفع الخراج لمدة ثلاث سنوات, وقام بإصلاح الترع والجسور, وكان من نتائج الإصلاحات أن إنخفضت الأسعار, وتحسنت موارد الدولة وزادت, وبدأ عهد الرخاء يطل على مصر من جديد.
وهكذا حقق "بدر الجمالى" قبل وفاته سنة 487هـ معجزة أنقذ بها أحوال الخلافة وعاصمتها فأستحق بهذا إشادة كل المصادر التاريخية به وبدوره الذى يعد من جهة أخرى بداية لغلبة نفوذ الوزراء ودورهم فى توجيه سياسة الدولة الفاطمية.
القاهرة فى العصر الفاطمى الثانى:
عصر نفوذ الوزراء:
المستعلى بالله (487 – 495هـ):
بعد وفاة الخليفة "المستنصر" بويع إبنه الأصغر "أبو القاسم أحمد" ولقب "بالمستعلى بالله" فى ذى الحجة سنة 487هـ , ويرجع السبب فى حجب وصية المستنصر لإبنه الأكبر "نزار" بالخلافة إلى رغبة الوزير "الأفضل بن بدر الجمالى" فى ذلك لحقه وكرهه لـ "نزار" وأدى هذا إلى هروب "نزار" إلى الإسكندرية حيث سانده واليها فى المطالبة بحقه فى الخلافة, وتمكن الأفضل سنة 488هـ من القضاء على ثورة "نزار" بقتله وإن كانت ثورته قد خلفت ورائها إنقساماً بين طائفة الإسماعيلية بين نزارية ومستعلية مما كان له أثره السئ على كيان الدولة الفاطمية, ويعده بعض المؤرخين أحد أسباب سقوط الدولة الفاطمية فيما بعد.
وقد شهدت خلافة المستعلى التى دامت ثمان سنوات مدى ضعفه الشديد وغلبة نفوذ "الأفضل" وسيطرته التامة على شئون الدولة وعاصمتها القاهرة.
من جهة أخرى شهد عهد "المستعلى" ووزيره "الأفضل" قدوم الحملة الصليبية الأولى وإستقرارها فى بلاد الشام, بسبب ضعف الخلافة الفاطمية, وفشلت محاولات الخليفة "المستعلى" ووزيره "الأفضل" فى طرد الصليبيين.
الآمر بأحكام الله (495 – 524هـ):
تولى "أبو على المنصور" بعد وفاة أبيه الخليفة "المستعلى" فى 9 صفر سنة 495هـ, ولقب بـ "الآمر بأحكام الله", وكان الوزير "الأفضل بن بدر الجمالى" وراء مبايعته.
وتشير المصادر إلى أن "الأفضل" كان متعاطفاً مع أهل السنة, وأحصيت عليه عدة أعمال تثبت ذلك ومن أهمها تعيينه أربعة من القضاة بينهم إثنان من السنيين.
ولما كان الفاطميون حريصون على مذهبهم فقد تآمر الخليفة "الآمر" على وزيره "الأفضل" ودبر قتله بسبب ميوله السنية, ومكث الخليفة "الأمر" أربعين يوماً يحصى الذخائر والأموال التى تركها "الأفضل" مما يشير إلى الثروة الضخمة التى كان يملكها.
الحافظ لدين الله (524 – 544هـ):
توفى "الآمر بأحكام الله" وكان له جارية حاملاً منه فى طفل فقام "أبو ميمون عبد المجيد" إبن عم "الآمر" بقتل الطفل وتولى الخلافة وتلقب بإسم "الحافظ لدين الله", مما أدى إلى ظهور مطالبين بحق الطفل الذى لقبه الداعون بـ "الإمام الطيب", وإتخذ أنصاره مدينة الإسكندرية مركزاً لحركتهم, ولم تعترف اليمن بشرعية تولى "الحافظ" للخلافة لأن ملكة اليمن "الحرة الصليحية" كانت قد تلقت كتاباً من الخليفة "الآمر" فقبل وفاته يخبرها فيه بإنتظاره مولوداً يكون ولى عهده, وبالتالى أصبح "الحافظ" فى نظرها مغتصب ببخلافة من الطفل المنتظر, وإنقسمت الشيعة الإسماعيلية إلى مستعلية نسبة إلى "المستعلى بالله", وطيبية نسبة إلى "الإمام الطيب" إبن "الآمر" وكان لهذا الإنقسام أثره السئ على كيان البيت الفاطمى.
ووما يذكر عن عهد الحافظ خروج بلدان المغرب على طاعة الخلافة الفاطمية, حيث إستولى "عبد المؤمن" زعيم الموحدين على جميع البلدان التابعة للفاطميين فى شمال أفريقيا سنة 540هـ.
الظافر بالله (544 – 549هـ):
تولى "الظافر" الخلافة بعد أبيه الحافظ وكان عمره حينئذ ستة عشرة سنة, وشهدت بداية عهده نشوب نزاع بين الجند السودانى والجند التركى, كما إستمر النزاع حول منصب الوزارة, فتولاها أولاً "سليم بن مصال" ولكن الأمير "على بن السلار" والى الإسكندرية ثار عليه وتمكن من الوصول إلى الوزارة, وإعترف الخليفة "الظافر" بـ "إبن السلار" وزيراً له رغماً عنه لما هو معروف عن ميوله السنية, فأخذ يكيد له ويتحين الفرصة للخلاص منه, وإنتهى الأمر بقتل "إبن السلار" فى المحرم سنة 548هـ على يد "نصر بن عباس بن باديس" وزير الصنهاجى, وكافأه الخليفة "الظافر" بتعيين والده "عباس بن باديس" وزيراً, غير أن الوزير الجديد أغرى إبنه بقتل الخليفة فقتله فى المحرم سنة 549هـ , وإتهم أخوة الخليفة بقتل أخيهم, ثم أحضر "إبا القاسم عيسى" إبن الخليفة "الظافر" وهو طفل فى الخامسة وبايعه بالخلافة ولقب بـ "الفائز".
الفائز بنصر الله (549 – 555هـ):
تولى الفائ الخلافة بعد مقتل أبيه, وتولى الوزارة له "عباس بن باديس", ولكنه لم يهنأ بالوزارة لتذمر الأمراء والقواد والجند ضده لما إقترفه وإبنه من جرائم ضد الخليفة وأولاده, فأرسلوا إلى والى الأشمونين "طلائع بن رزيك" وطالبوه بالقدوم إلى القاهرة ليخلصهم من الوزير "عباس بن باديس" فجاء على رأس جيشه إلى القاهرة فى ربيع الأول 549هـ فهرب الوزير "عباس بن باديس" وإبنه, وإستولى "طلائع" على الوزارة, ونجح فى إعادة الأمن إلى مصر, وتلقب "طلائع بن رزيك" بلقب "الملك الصالح" إشارة إلى رغبته فى الإصلاح, وإن كانت بداية عهده شهدت إستيلاء الصليبيين على عسقلان آخر حصن كان بيد الفاطميين.
العاضد لدين الله (555 – 567هـ):
بعد موت الخليفة "الفائز" فى 17 رجب 555هـ إختار الوزير "الملك الصالح طلائع بن رزيك" الأمير "عبد الله بن يوسف بن الحافظ" إبن عم الخليفة "الفائز" وبايعه بالخلافة وتلقب بـ "العاضد لدين الله" وكان آخر خلفاء الفاطميين, ولرغبة "الصالح طلائع" فى أن تؤؤل الخلافة إلى حفيده أرغم الخليفة "العاضد" على الزواج من إبنته, ولكن العاضد تآمر عليه وقتله, وآثار مقتله ضجة كبيرة بالقاهرة وسلسلة متصلة من الإضطراب والنزاع بين كبار رجال الدولة للوصول إلى الوزارة.
وقد تولى الوزارة بعد مقتل "طلائع" إبنه "العادل بن الصالح طلائع", ثم إزداد الأمر سوءاً حين تنافس كلاً من الأمير "شاور بن مجير السعدى" والأمير "ضرغام بن عامر" على منصب الوزارة حيث إستطاع الأمير "شاور" أن يقضى على الوزير "العادل بن الصالح طلائع" وأن يستولى على الوزارة فى شهر محرم من سنة 558هـ , ولم تمر عليه تسعة أشهر فى الوزارة حتى ثار عليه الأمير "ضرغام" وإستطاع أن يستولى منه على الوزارة, فهرب الأمير "شاور" إلى الشام وإستنجد بالسلطان العادل "نور الدين محمود" سلطان حلب وإستطاع بمساعدة جيش "نور الدين" أن يعود إلى الوزارة, فإستنجد الأمير "ضرغام" بالملك الصليبى "عمورى" ملك بيت المقدس. وإنتهز كلاً من "نور الدين" والملك الصليبى "عمورى" الفرصة وبادر بإرسال جيوشه لنجدة حليفه وقد تكرر قدوم جيوش كلاً من القوتين ثلاث مرات وكانتا تتفقان فى كل مرة على الخروج من مصر لأن بقاء إحداهما يهدد بقاء الأخرى, ولكن فى المرة الأخيرة نجحت جيوش "نور الدين" بقيادة "أسد الدين شيركوه" وإبن أخيه "صلاح الدين يوسف الأيوبى" فى إخراج القوى الصليبية من مصر وتم النصر لجيوش "نور الدين" فتولى "أسد الدين شيركوه" الوزارة ولكنه توفى بعد فترة قصيرة فتولى الوزارة "صلاح الدين الأيوبى" الذى إستطاع أن ينفرد بالحكم وأن يقضى على الخلافة الفاطمية سنة 567هـ ويؤسس الدولة الأيوبية التى إستمرت حتى سنة 648هـ وتقوم دولة المماليك التى إستمرت حتى سقوطها أمام جيوش الأتراك العثمانيين سنة 922هـ بقيادة السلطان العثمانى "سليم العثمانى".
مراحل تقلص نفوذ الدولة الفاطمية:
1- ثورات أهل المغرب المتكررة ضد الحكم الفاطمى وإنخفاض حماسهم للمذهب الشيعى, وعودة كثير منهم إلى المذهب السنى.
2- خروج جزيرة صقلية من قبضة الفاطميين وخضوعها من جديد للفرنجة سنة 483هـ.
3- قطع الخطبة للفاطميين فى مكة والمدينة واليمن خلال الشدة العظمى.
4- ضياع كثير من الأقاليم والمدن الشامية من الفاطميين عندما نجح السلاجقة فى فتح الرملة وبيت المقدس ودمشق.
5- إستقلال حلب ودمشق تحت حكم "نور الدين محمود" ثم إحتلاله بعض الدول الساحلية بالشام.
6- تدخل القوى النورية والصليبية فى شئون مصر الفاطمية بعد إستنجاد الوزيرين "شاور" و"ضرغام" بهما, وكحاولة كل قوة الإنفراد بمصر.
الأسباب التى أدت إلى سقوط الخلافة الفاطمية:
1- تخلى الفاطميين فى العصر الثانى عن السلطة والسلطان لمواليهم من البربر, وضعف نفوذهم أمام الوزراء.
2- زيادة نفوذ الوزراء فى العهد الفاطمى الثانى, كما تمثل نفوذهم فى تولى الوزير الوزارة لأكثر من خليفة, وتوريث الوزارة لأبنائهم من بعدهم.
3- تولى بعض الخلفاء الخلافة وهم ليسوا أهلاً لها لصغر سنهم.
4- إعتماد الفاطميين على عناصر عديدة مختلفة فى تكوين جيوشهم من بربر ومغاربة وأتراك وأرمن وقيام النزاع بين هذه العناصر.
5- خرق نظام الوراثة فى ولاية العهد أكثر من مرة مم أدى إلى إنقسام البيت الفاطمى نفسه وضياع هيبته.
6- الشدة العظمى التى حدثت فى منتصف خلافة المستنصر سنة 457هـ وإسترت سبع سنوات مما أدى إلى الإنهيار الإقتصادى والكساد التجارى وإنتشار الأوبئة والمجاعات وموت الآلاف كل يوم.
7- طمع القوى المحيطة بالدولة الفاطمية فى مصر وأهمها القوة النورية والقوة الصليبية ببلاد الشام.
8- الوجود الصليبيى ببلاد الشام وما سببه من ضياع لأملاك الفاطميين ببلاد الشام.
9- إنهيار الخلافة الفاطمية سياسياً وإدارياً فى عهد الخليفة "العاضد".
10- قوة "صلاح الدين" وشخصيته البطولية الفذة وسياسته الحكيمة, وظهورها فى الوقت الذى إنهارت فيه الخلافة الفاطمية.
تقييم الخلافة الفاطمية:
شعرت مصر بكيانها المستقل خلال عهد الدولة الفاطمية, فبعد أن كانت فى عصر الولاة مجرد ولاية أو إمارة, وكانت فى عصر الدويلات المستقلة مجرد دويلة صغيرة تحكمها أسرة واحدة, أصبحت مصر دار خلافة تقوم على أرضها عاصمة الخلافة وأرضها مترامية الأطراف, كما خطب لخلفائها على منابر مكة والمدينة المنورة.
ويكفى أن قيام الدولة الفاطمية قد أضاف لمصر عاصمة جديدة إلى العواصم الثلاثة السابقة عليها, وزادت عنها القاهرة أنها لاتزال حتى الآن وعلى مدى أكثر من عشرة قرون عاصمة لمصر وتضم بين معالمها الجامع الأزهر الذى تحول منذ العهد العصر الفاطمى إلى جامعة تنافس جامعات العالم.
النظم فى عهد الفاطميين:
أولاً: النظم:
(1) النظام السياسى:
- الخلافة: قامت الدولة الفاطمية على أساس الخلافة, وبنيت الخلافة على أساس نظرية الإمامة, وتقضى بإلتفا الأتباع حول الإمام الذى تجب طاعته وإحترامه, وتعتمد على توريث الإمامة للإبن الأكبر للإمام القائم فى الإمامة.
وأتخذ الفاطميون ألقاباً تعكس مكانتهم وأحقيتهم فى حكم المسلمين كلقب "إمام" و"صاحب الزمان" و"السلطان الشريف", بالإضافة إلى لقب "أمير المؤمنين" الذى كان مرادفاً للقب الخليفة منذ عهد الخليفة "عمر بن الخطاب", كما أنهم حرصوا على إضافة نعوتهم الخاصة إلى إسم الله سبحانه وتعالى مثل "المعز لدين الله", و"العزيز بالله" .. وما إلى ذلك.
- الوزارة: وبينما إتسمت الخلافة بالقوة فى النصف الأول من عهد الخلافة الفاطمية شهد النصف الثانى ضعف الخلافة والخلفاء بسبب تسلط الوزراء وزيادة نفوذهم على نفوذ الخلفاء.
ففى النصف الأول من العصر الفاطمى كانت الوزارة من اهم الوظائف بعد الخلافة, فكان مركز الوزير ونفوذه يتأثر بقوة الخليفة, أما فى النصف الثانى من العصر الفاطمى تغلب الوزراء وسيطروا على شئون الدولة كلها, وسلبوا الخلفاء كل سلطان ونفوذ.
وبلغ من نفوذ الوزراء فى ذلك العصر أن غلب سلطانهم على سلطان الخلفاء بشكل عام, وزاد نفوذ الوزراء حتى أنهم كانوا يعينون بعض الخلفاء ويعزلونهم, بل ويتآمرون عليهم, كما إتخذوا ألقاباً كلقب "الملك" وألقاباً أخرى تفيد مزيداً من التفضيل مثل "الأكمل" و"الأفضل" و"الأشرف", وأصبحت الوزارة أهم وظائف الدولة وأكبرها, حيث تضاءلت إلى جانبها وظيفة الخليفة.
- الكتابة والحجابة: كانت الكتابة فى العصر الفاطمى تأتى بعد الوزارة فى ترتيب الوظائف السياسية فى الدولة, وكان يشغلها أهل الثقة والكفاءة.
كما كان ديوان سر الخليفة يضم مجموعة كبيرة من الكتاب يتولى الإشراف عليهم ورئاستهم "صاحب الإنشاء" وكانت وظيفته فض الرسائل الواردة إلى الدولة وعرضها على الخليفة, والتشاور معه فى الرد عليها, وكذلك فى إرسال الرسائل الخاصة بأمور الخلافة إلى الولايات المختلفة, ولهذا كان يطلق على "كاتب الإنشاء" لقب "كاتب السر".
أما الحجابة فلم تكن ذات أهمية كبيرة فى ترتيب الوظائف السياسية بالدولة الفاطمية, ويفسر بعض المؤرخين ذلك بأن الفاطميين ورثوا البداوة من أهل المغرب والبربر الذين كانوا أميل إلى البداوة منهم إلى التحضر, ولهذا لم يحتاجوا إلى مثل هذه الوظيفة.
(2) النظام الإدارى:
الدواوين: إعتمد النظام الإدارى للدولة الفاطمية على عدد كبير من الدواوين خصص كل منها لأحد قطاعات الدولة, ووزعت هذه الدواوين على بعض القصور الفاطمية, وكانت بعضها تشغل عمائر خاصة بها حسب أهميتها وكثرة عدد موظفيها, وكان يشرف على كل ديوان منها أحد كبار الموظفين من أرباب الأقلام ويعاونه عدد من الموظفين يترواح قدره حسب أهمية الديوان وكثرة أعماله أو قلتها.
وتميز عهد الدولة الفاطمية بكثرة عدد الموظفين من أهل الذمة, وذلك تقديراً من الفاطميين لخبراتهم وكفاءتهم وبخاصة فى شئون المال والإدارة وجباية الضرائب, وبلغ مهارتهم أن بعضهم بلغ به الترقى حتى وصل إلى الوزارة.
إمرة البلاد: كانت الدولة الفاطمية تضم العديد من الولايات أو الإمارات, وكان الخلفاء الفاطميون يعينون والياً لكل منها يتولى شئون الولاية.
وكانت مصر مقسمة إلى أربعة أقسام كبيرة عرف كل منها بالولاية الكبرى, وقد قسمت كل ولاية إلى كور (مراكز) بلغ عددها 24كورة, وكل كورة تشتمل على عدد كبير من القرى والنواحى والكفور.
البريد: لعب البريد دوراً هاماً فى ربط الخلافة بالقاهرة بغيرها من ولايات مصر الأربع, والولايات العديدة التى كانت تضمها الدولة الفاطمية, وكان يقوم بأعمال البريد عدد كبير من عمال البريد وموظفيه يرأسهم موظف كبير عرف بـ "صاحب البريد".
أما عن وسائل نقل البريد فبالإضافة إلى النقل المعتاد بالطرق البرية , لعب الحمام الزاجل, دوراً ملحوظاً فى نقل المراسلات حتى أنه خصص له ديوان خاص بأنساب الحمام الزاجل.
الشرطة: كانت الشرطة فى مصر الإسلامية قبل الدولة تنقسم إلى شرطة عليا ومقرها العسكر وشرطة سفلى مقرها الفسطاط, وقد نقل "جوهر الصقلى" الشرطة العليا من العسكر إلى القاهرة بعد إنشائه لها, وكانت بطبيعتها صغيرة ولا تقارن بالشرطة السفلى بالفسطاط حيث لم تكن القاهرة تضم بعد إنشائها سوى الجند الفاطمى المصاحب للفتح والحاشية الخاصة بقصر الخليفة وكبار موظفى الدولة.
دار الضرب: وهى الدور أو المصانع التى كانت تضرب أو تسك بها العملة, وقد تعددت دور الضرب بأنحاء الدولة الفاطمية, سواء داخل مصر أو خارجها.
(3) النظام المالى:
عندما جاء الخليفة "المعز لدين الله" إلى القاهرة أمر بوضع نظام جديد للضرائب, ونظام جديد لتقدير الأملاك وتحديد الضرائب عليها, وإتبعت الدولة نظاماً حاسماً فى جمع الضرائب فتضاعفت مبالغها.
ومن معالم النظام المالى فى العصر الفاطمى أن الفاطميين عرفوا نظام الإحتكار, فأحتكر بعض الخلفاء ووزرائهم بعض الأقوات والغلال لبيعها فى أوقات الحاجة بأسعار مرتفعة, كما فرضت ضرائب على التجارة وعلى الصناعات المختلفة.
كما كانت أموال الميراث التى لا تجد من يرثها تؤول إلى بيت المال.
(4) النظام القضائى:
أبقى الفاطميون فى السنوات الأولى لحكمهم بمصر على القضاة السنيين, حتى لا يحدث إضطراب أو تذمر نتيجة لفرض الحكم وفقاً للمذهب الشيعى فجأة أو بالقوة, ولهذا عملوا على إضعاف المذهب السنى, والتقاضى على أساس حكمه, وشجعوا على نشر المذهب الشيعى, ثم ألزم القضاة السنيون بالحكم فى القضايا طبقاً لأصول المذهب الشيعى.
وقد حرص كثير من الخلفاء الفاطميين على إرضاء القضاء ومنحهم مرتبات مرتفعة حتى يتنزهوا عن تقاضى أموال من الرعية.
وقد غلب فى عصر الدولة الفاطمية إضافة النظر فى المظالم والحسبة إلى أعمال القاضى, وكان للمظالم ديوان خاص يشرف عليه صاحب المظالم وسلطته أكبر من سلطة القاضى, كما كان صاحب المظالم يفصل أيضاً فى الشكاوى العامة لجمهور الناس.
أما الحسبة فكانت تستهدف الإشراف المباشر على الأسواق وما تضمه من محال وصناع ومواد وموازين ومكاييل وأسعار, وتميزت عن القضاء بإمكان المحتسب توقيع العقوبة فوراً على المخالفين, وهو لايتيسر فى القضاء.
(5)النظام الحربى:
كان من الطبيعى أن يستمر الفاطميون فى إهتمامهم بالجيش والأسطول لحاجتهم إليها فى فتح بلدان جديدة, ولحماية حدود الدولة, وكان الجيش الفاطمى يضم جنداً من عناصر عديدة مثل الأتراك والمغاربة والبربر, ويتولى تربية ومراقبة كل فرقة من هذه الفرق قائد, وللجيش قواد كبار كانوا فى الغالب من الامراء الفاطميين.
وقد شاع فى عصر الفاطميين عرض الجيوش فى المانسبات المختلفة مثل خروج الجيش فى مهمة, أو عودته منها منتصراً.
وفى مجال البحر إهتم الخلفاء الفاطميون بالأسطول لحماية سواحل دولتهم من الإعتداءات البحرية, وضم الأسطول الفاطمى عدداً كبيراً من السفن المتنوعة, وكان يتولى كل منها قائد أو مقدم يرأس جندها إلى جانب "الرئيس" الذى يتولى الملاحة فقط.
مظاهر الحضارة فى عهد الفاطميين:
مظاهر الحضارة العلمية والأدبية:
العلوم والآداب:
- شهد العهد الفاطمى إستمرار الإهتمام بعلوم الدين المختلفة المعروفة بالعلوم الفقهية أو الشرعية, وأصبح الجامع "الأزهر" جامعة يـُدرس فيها الفقه الشيعى وكل أنواع العلوم, وأنشئت بالأزهر مكتبة ضخمة ضمت العديد من الكتب والمخطوطات.
- ولم تتخلف العلوم العقلية أو الحكمية عن العلوم النقلية, فنشطت فى العصر الفاطمى علوم الفلسفة والهندسة والنجوم والطب والكيمياء والرياضيات, والتاريخ والجغرافيا والسحر والموسيقى.
- وقد شاع فى العصر الفاطمى مدح الشعراء للخلفاء للحصول على أعطياتهم وقد أغرى هذا الشعراء السنيين فقلدوا أقرانهم الشيعيين فمدح بعضهم الخلفاء الفاطميين ولكن بأسلوب أكثر إعتدالاً وأقل تملقاً من الشعراء الشيعة.
وفى مجال الفلسفة إرتبط بالدعوة الإسماعيلية وترويجها عدد كبير من الفلاسفة عاش بعضهم فى المشرق الإسلامى وتبنى فكرة الإسماعيلية.
- كما ظهر العديد من علماء الرياضيات أشهرهم "الحسن بن الهيثم" الذى نشأ بالبصرة وإنتقل إلى مصر, ووضع مؤلفات عديدة فى الطبيعة والطب والفلسفة والرياضيات.
كما إهتم الفاطميون بعلم الفلك والنجوم, وأنشأ "الحاكم بأمر الله" مرصداً بسفح جبل المقطم, سمى "المرصد الحاكمى", وإن كان قد تنكر بعد ذلك لهذا العلم ونهى عن الإسترشاد بالنجوم وبنفى جميع المنجمين إلى خارج البلاد.
- أما علم التاريخ فكان من العلوم الرائجة بمصر فى العهد الفاطمى, وقد ظهر فى العهد الفاطمى مجموعة من المؤرخين أشهرهم "الحسن بن زولاق المصرى" صاحب الكتاب الشهير (فضائل مصر وأخبارها وخواصها).
- كما نبع الفاطميون فى الطب وكان الطب يدرس فى "المارستانات" التى تشبه كليات الطب والمستشفيات حالياً.
- كما حقق علم الجغرافيا نجاحاً ملحوظاً بسبب نشاط التجارة خلال العصر الفاطمى, حيث ساعد النشاط التجارى على قيام كثير من الجغرافيين والرحالة بالرحلات المختلفة التى سجلوا مشاهداتهم عنها فى كتب الرحلات التى كتبوها.
مظاهر الحضارة الإقتصادية:
الزراعة:
ظلت الزراعة الحرفة الرئيسية لأهل مصر فى العصر الفاطمى كما كانت فى كل العصور, وإن كانت تعرضت لمحنة عظيمة خلال سنوات الشدة العظمى فى منتصف عهد الخليفة "المستنصر بالله", فقد إنعدمت خلالها الأراضى المزروعة, وشهد العصر الفاطمى إستمرار نظام الإقطاع فى الأراضى الزراعية ولم يقتصر على إقطاع أجزاء من الأرض فى الولاية الواحدة, وإنما شمل الولاية كلها أحياناً.
ونظراً لتكرار سنوات القحط لإنخفاض مستوى ماء النيل وتأثر الزراعة والمحاصيل بذلك أنشأ "جوهر الصقلى" مخزناً كبيراً وعاماً نخزن به الحبوب, ويكون تحت رقابة المحتسب حتى لايحتكر أحد الحبوب المخزونة والتى كانت تخصص لمواجهة فترات الشجة وقلة المحاصيل.
الصناعة:
إزدهرت صناعات كثيرة فى العصر الفاطمى, وتنوعت ما بين صناعات كبيرة كصناعات السفن أو صناعة السلاح, والصناعات الغذائية كصناعة السكر والعسل والصابون والشمع والزيوت والخل وغيرها.
كما إرتقت الصناعات التطبيقية أى التى تطبق أو تنفذ على مواد مختلفة كصناعة النسيج, والمعادن, والأخشاب, والخزف, والأحجار, والورق, والجلود, وكان من الطبيعى أن تحقق هذه الصناعات وغيرها تقدماً كبيراً وزيادة فى منتجاتها لتواكب حركة الإنشاء والتعمير الكبيرة التى تشهدها مصر والقاهرة فى العصر الفاطمى.
كما كانت كسوة الكعبة تنسج بالقاهرة وترسل سنوياً فى موكب ضخم إلى الحجاز قبل موسم الحج.
كما لعبت صناعة الخشب دوراً هاماً فى العصر الفاطمى سواء فى مجال تلبية حاجة العمائر من أبواب ونوافذ وأسقف, أو فى مجال صناعة قطع الأثاث اللازم للمنازل.
التجارة:
نشطت التجارة فى العصر الفاطمى وإهتم الخلفاء والوزراء الفاطميون بطرق التجارة النيلية والبحرية بإقامة الثغور وإصلاحها وحمايتها, كما إهتموا بإنشاء الطرق البرية وحفر الآبار على مسافات متقاربة, وحمايتها وتامينها من اللصوص, ولعب النيل فى العصر الفاطمى دوراً كبيراً فى نقل التجارة فكانت المراكب تقطعه صيفاً وشتاء تحمل الغلات والسلع بين موانى مصر النيلية.
كما لعب خليج أمير المؤمنين دوراً رئيسياً فى نقل تجارة مصر, وكانت طرق القوافل تنقل كميات ضخمة من السلع.
مظاهر الحضارة الإجتماعية:
أولاً: مجالس الغناء فى القصور الفاطمية:
تفيض كتب التاريخ والأدب بأوصاف مجالس الغناء التى كانت شائعة فى عصر الفاطميين وبصفة خاصة فى قصورهم, حيث كان يجتمع الندماء للشرب بينما تغنى المغنيات على أنغام الموسيقى.
ومما يذكر للخليفة "الحاكم بأمر الله" أنه أصدر أوامر تحرم الإجتماع أو الجلوس للهو واللعب أو سماع الموسيقى والمغنيات مما كان سبباً فى بقاء المغنيات والراقصات فى بيوتهمن سبع سنوات, ولم تخرجن إلا عندما تولى إبنه "الظاهر" الخلافة.
ثانياً: المواكب والإحتفالات بالأعياد والمناسبات:
تعددت المظاهر الإحتفالية بالقاهرة فى العصر الفاطمى فلم يترك الفاطميون مناسبة إلا واحتفلوا بها, بل أنهم إبتدعوا المناسبات ليحتفلوا بها, وكانت مظاهر إحتفالهم زاخرة بالمواكب التشريفية, والعروض, والولائم ومظاهر الفرح والبهجة, ومن أهم الأعياد والمواسم التى إهتمام الفاطميين وإحتفلوا بها: رأس السنة الهجرية, ويوم عاشوراء, ومولد النبى صلى الله عليه وسلم ومولد "على بن أبى طالب" ومولد "الحسن" ومولد "الحسين" ومولد السيدة "فاطمة", ومولد الخليفة القائم فى الحكم وغيرها.
وإتخذت هذه الإحتفالات مظاهر عديدة من أهمها ركوب الخليفة فى موكب كبير يشق القاهرة حتى الجامع العتيق بالفسطاط ومن حوله الوزير وحرس الخليفة.
أهم مؤرخى مصر الإسلامية فى العصر الفاطمى:
المسبحى (366 – 420هـ / 977 – 1029م):
هو الأمير المختار عز الملك محمد بن عبد الله المعروف بـ (المسبحى), ولد بمصر فى 10 رجب سنة 366هـ وتوفى بها فى ربيع الثانى سنة 420هـ , وهو أحد أفراد أسرة جاءت من حران (بين الموصل والشام) إلى مصر.
وعلى الرغم من ذكر بعض المؤرخين له وإشادتهم به وأخذهم عنه فإنهم لم يشيروا إلى نشأته الأولى والعوامل المؤثرة فى تربيته وتكوينه, ويمكن فى ضوء ما وصلنا من معلومات عنه القول بأنه درس عدداً من العلوم الأدبية والعلمية والعسكرية كان لها تأثيرها فى إهتماماته وكتاباته, وأول ما يذكر له إشتغاله بالجندية, ولهذا تصفه بعض المصادر بالأمير الجندى.
كما أنه تقلد بعض الوظائف الإدارية الهامة بمصر فى العصر الفاطمى, فقد تولى رئاسة ديوان الترتيب, وهو أحد دواوين الدولة الفاطمية الهامة, وكان مختصاً بتدبير الأعطيات والرواتب وغيرها.
وتشير بعض الروايات التاريخية إلى أن المسبحى إعتزل العمل والمناصب بعد وفاة الخليفة الحاكم سنة 441هـ وأنه إنقطع للكتابة والتأليف حتى وفاته سنة 420هـ.
وقد ظهرت آثار ثقافته والعلوم التى أجادها فى كثرة مؤلفاته وتنوعها التى بلغت الثلاثين مؤلفاً, ومن أهمها:
كتاب التاريخ الكبير أو (أخبار مصر), وكتاب (الراح والإرتياح), وكتاب (قصص الأنبياء وأحوالهم), وعلى الرغم من كثرة مؤلفاته لم يصلنا منها مؤلف واحد كامل, وإنما شذرات وبعض الإشارات إليها فى كتب المؤرخين اللاحقين له.
وتدلنا كثرة إشارات المؤرخين اللاحقين إلى المسبحى وكتاباته على قيمة كتاباته وما جاء فيها من معلومات, كما تدلنا على إهتمامه بخطط مصر والقاهرة فى ذلك العصر.
القضاعى (توفى سنة 454هـ / 1063م):
هو القاضى أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعى, وهو فقيه شافعى مصرى , ولد فى مصر فى أواخر القرن الرابع الهجرى, وتوفى بها فى 16 ذو القعدة سنة 454هـ , ولا نعرف كثيراً عن نشأته سوى دراسته لعلوم الحديث النبوى الشريف وعلوم الفقه على المذهب الشافعى وأنه نبغ فيها نبوغاً ملحوظاً حتى أنه عين قاضياً شافعياً, وتولى منصب قاضى القضاة عدة مرات لعلمه وفضله.
وقام القضاعى بعدة أسفار تجول خلالها فى أرجاء الدولة الفاطمية حيث زار الحجاز والشام والعراق مما مكنه من التعرف على أخبارها وأحوالها كما إنتدبه الخليفة المستنصر بالله ليكون رسولاً لدى الإمبراطورية البيزنطية لإنجاز أمرين: أولهما طلب التحالف مع الإمبراطورية البيزنطية ضد السلاجقة السنيين حلفاء الخلافة العباسية ببغداد, والثانى هو طلب المؤن والأغذية التى كانت الدولة البيزنطية قد تعهدت بإرسالها إلى دار الخلافة الفاطمية بمصرلإنقاذ مصر من الشدة العظمى التى حدثت فى منصف عهد المستنصر بالله, وتشير المصادر التاريخية إلى فشل القضاعى فى مهمته لتفضيل الدولة البيزنطية التحالف مع السلاجقة على التحالف مع الفاطميين لأن خطر السلاجقة عليهم كان أقوى فآثر البيزنطيون التحالف معهم تجنباً لهذا الخطر.
أما عن مؤلفات القضاعى فلم يصلنا منها شيئاً كثير على الرغم من ذكر أسمائها فى كثير من المصادر التالية, ويعتبر كتاب (الشهاب) وكذلك (مسند الصحاب) و (عيون المعارف وفنون أخبار الخلائف) من أهم مؤلفات القضاعى التى لاتزال باقية.
ويعتبر كتاب القضاعى المعروف بإسم (المختار فى ذكر الخطط والآثار) أهم مؤلفاته وذلك لسببين هامين: أولهما يتمثل فى نقل كثير من المؤرخين ومؤلفى كتب الخطط العديدة عنه.
وثانيهما أنه يمثل آخر رواية ووصف لما كان قائماً بمصر والقاهرة من خطط ومعالم قبل حدوث الشدة العظمى.
وإذا كان كتاب المختار فى ذلك الخطط والآثار لم يصلنا, فإن بعض العلماء يرى أنه وكتاب تاريخ القضاعى ليس إلى كتاباً واحداً تميز بالإفاضة والشمول, والأسلوب الدقيق للقضاعى وتمحيض الروابات التاربخة والتحقق من صحته.
المقريزى (766 – 845هـ / 1264 – 1442م):
ولد أحمد بن على المقريزى بحارة برجوان بقسم الجمالية (محافظة القاهرة) فى سنة 766هـ / 1364م وإمتد به العمر حتى توفى فى القاهرة أيضاً سنة 845هـ / 1442م, وفيها توفى بالقاهرة أيضاً وهو فى سن الثمانين بحساب التقويم الهجرى.
وكانت أسرته أسرة علم ومعرفة ولها تاريخها بالإشتغال بالعلم فى دمشق وبعلبك والقاهرة أيضاً, أى أن المقريزى قد نشأة فى بيئة ذات فكر وعلم.
وكغيره من الشباب الناشئ فى بيت علم ودين, درس المقريزى علوم الدين وحفظ القرآن الكريم ودرس النحو والفقه والتفسير والحديث, كما درس كتب الأدب والتاريخ وتقويم البلدان والحساب.
إلتحق المقريزى بالعمل فى ديوان الإنشاء وهو يقابل حالياً وزارة الخارجية, وكان أباه قد سبقه فى العمل فى هذا الديوان, وقد كان هذا الديوان يتولى الرسائل الصادرة من القصر السلطانى والرد على ما يصله من رسائل خارجة وإعداد الرد عليها.
كما تولى المقريزى وظيفة إمام للجامع الحاكمى الفاطمى, وكانت هذه الوظيفة من الوظائف الكبيرة فى ذلك العصر, وبعد ذلك تولى المقريزى وظيفة مدرس للحديث بالمدرسة المؤيدية.
ثم إنتقل المقريزى من التدريس إلى وظيفة أخطر وأهم وذلك فى سنة 1398م حين عينه السلطان برقوق فى وظيفة محتسب القاهرة والوجه البحرى, فانتقل بذلك من المشتغلين بالعلم والتدريس إلى المشتغلين بالإدارة وما تستوجبه من إختلاط وإحتكاك مع طبقات المجتمع المختلفة, فقد كان على المحتسب أن يتعرف على الأسعار فى الأسواق وأحوال النقد وضبط المقاييس والمكاييل.
وفى ذلك الوقت تزوج أحمد المقريزى وأنجب ولد وبنت وقد ماتت له بنت فى سن السادسة بمرض الطاعون الذى إجتاح القاهرة وما حولها من البلاد الإسلامية سنة 1403م, وهذا المرض دفع المقريزى إلى تأليف كتابه (إغاثة الأمة بكشف الغمة) والذى أرخ فيه للشدائد والمجاعات التى أصابت مصر فى عصورها المختلفة.
رحل المقريزى إلى الحجاز لأداء فريضة الحج وبقى هناك فترة قصيرة بمكة إمتدت لخمس سنوات كان خلالها يقوم بتدريس الحديث, وعاد المقريزى بعد سنوات مكة إلى القاهرة حيث أمضى بقية حياته الطويلة بمسقط رأسه فى حارة برجوان التى ظل طوال حياته يفاخر بها عن سائر حارات القاهرة.
وبقد بدأ المقريزى نشاطه العلمى فى هذه المرحلة الرئيسية من حياته بكتابة تاريخ القاهرة المعروف بإسم (المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار) وهو المعروف بإسم (الخطط المقريزية).
وقد زادت مؤلفات المقريزى الصغيرة والكبيرة عن مائة كتاب, وقد إستحق عن جدارة أن يلقب بعميد المؤرخين, وذلك لأخلاقه الشخصية وما إتسمت به مؤلفاته من دقة وتفصيل وتحرى الصدق كلما أمكن ذلك فضلاً عما ضمته مؤلفاته من الوثائق والإقتباسات الطويلة والقصيرة من أمهات الكتب العربية السابقة على عهده.
المراجع:
تلخيص لفصول كتاب: عواصم مصر الإسلامية تحكى تاريخها.. للدكتور حسين عبد الرحيم عليوة.. والمقرر على طلبة كلية آداب المنصورة للصف الثالث.. وإن كان فى هذا الكتاب هجوم شديد على الخليفة الثالث عثمان بن عفان بما لا يليق مع أحد أحد المبشرين بالجنة.. لذلك كان التصحيح من خلال:
- موقع قصة الإسلام للدكتور راغب السرجانى:
http://islamstory.com
والدكتور على الصلابى:
http://www.alsallaby.com
المراجع:
تلخيص لفصول كتاب: عواصم مصر الإسلامية تحكى تاريخها.. للدكتور حسين عبد الرحيم عليوة.. والمقرر على طلبة كلية آداب المنصورة للصف الثالث.. وإن كان فى هذا الكتاب هجوم شديد على الخليفة الثالث عثمان بن عفان بما لا يليق مع أحد أحد المبشرين بالجنة.. لذلك كان التصحيح من خلال:
- موقع قصة الإسلام للدكتور راغب السرجانى:
http://islamstory.com
والدكتور على الصلابى:
http://www.alsallaby.com
مشكوووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووور
ردحذففين المصادر اوالمراجع ومشكووووووووووووور
ردحذفبالنسبة للمصادر والمراجع:
ردحذفجميع الأبحاث التى عنوانها:
مصر فى عهد .......
هى تلخيص لفصول كتاب:
عواصم مصر الإسلامية تحكى تاريخها.. للدكتور حسين عبد الرحيم عليوة.. والمقرر على طلبة كلية آداب المنصورة للصف الثالث..
مع تصحيح لبعض المعلومات فى "مصر فى عهد الخلفاء الراشدين" من مواقع:
قصة الإسلام: www.islamstory.com للدكتور راغب السرجانى
وموقع الصلابى: www.alsallaby.com للدكتور على محمد الصلابى
وموقع إسلام أون لاين: www.islamonline.net
....
فقد كان هذا الفصل يحتوى على معلومات كثيرة خاطئة روجها المعاديين للخليفة عثمان من أنه كان يأخذ من أموال المسلمين.. وما إلى ذلك من تشويه لسيرة الخليفة عثمان.. فكيف لأحد المبشرين بالجنة أن يكون كذلك؟؟؟
عايزين بعض المراجع
ردحذفمجهود جيد جدا تشكر كثيراااااااااااااااااا عليه
ردحذفمشكووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووور جددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددا
ردحذفرائع
ردحذفما شاء الله روعة
ردحذف