‏إظهار الرسائل ذات التسميات أحمد كامل عبد المقصود. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات أحمد كامل عبد المقصود. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 1 يناير 2010

تاريخ الحروب الصليبية

تاريخ الحروب الصليبية

تلخيص كتاب: محاضرات فى تاريخ الحروب الصليبية
تأليف: أ.د/ أحمد كامل عبد المقصود
أستاذ العصور الوسطى - كلية الآداب - جامعة المنصورة

الفصل الأول
أسباب الحروب الصليبية
لا شك أن هناك مجموعة من الدوافع والأسباب التى أدت إلى الحروب الصليبية ولا يمكن حصرها بالعامل الدينى كما حاول البعض لأن واقع الأمر يشير إلى أن هذه الحروب كانت نتيجة لتفاعل عوامل متعددة دينية وسياسية وإقتصادية وإجتماعية.
العامل الدينى: فقد إختصت كنيسة روما دون غيرها بلقب البابا ومن ثم سعت الباباوية إلى توحيد كنيستى الشرق والغرب تحت نفوذها, ولاحت الفرصة حين إستنجد الإمبراطور البيزنطى "ميخائيل السابع" بالبابا "جريجورى السابع" يدعوه لإرسال حملة إلى الشرق لإنقاذ آسيا الصغرى من الأتراك السلاجقة الذين قهروا بيزنطة فى معركة مانذكرت عام 1071م, إدعى البابا "أوربان الثانى" المعروف بتعصبه ضد المسلمين أن الحجاج المسيحيين يلاقون الإضطهاد والأذى أثناء زيارتهم لبيت المقدس وإتخذ من ذلك ذريعة لحرب المسلمين, ولكن الوقائع تؤكد أن الحجاج النصارى كانوا يدخلون إلى الأماكن المقدسة بكامل حريتهم وأن النصارى كانوا إخواناً للمسلمين فى اللغة والوطنية وأن أصحاب الكفايات والمؤهلات منهم كانوا يشغلون مناصب رفيعة.
العامل السياسى: كان القانون الإقطاعى فى الغرب الأوربى وبشكل خاص فى فرنسا المحرك الأساسى للحروب الصليبية يعتمد على توريث الإقطاع للإبن الأكبر فقط وبالتالى يصبح الأخوة الآخرين بلا إقطاع فأخذ بعض الأمراء الإقطاعيين الذين لا يرثون إقطاع يسعون للحصول على إقطاع جديد إما بالزواج من وريثة إقطاع أو بمهاجمة الأراضى المجاورة لهم فجاءت الحروب الصليبية فرصة لهم لتأسيس إقطاعات كبيرة لهم فى الشرق أو لإقامة كيانات سياسية لهم فى أراضى المسلمين.
العامل الإقتصادى: كانت رغبة المدن الإيطالية (بيزا وجنوا والبندقية وأمالفى) فى توسيع مجال سلطانها التجارى على حساب المسلمين من العوامل المحركة للحروب الصليبية حيث بحثت عن وسائل جديدة مباشرة للإتصال بطرق التجارة الشرقية لشراء المنتجات الشرقية من الهند والصين دون وساطة العرب المسلمين, هذا فضلاً عن أن الأمراء الأوربيون كانوا يبحثون عن ثروات وأرض جديدة فكانت الأطماع متوجهة نحو الشرق حيث الكنوز والثراء والتجارة والذهب والحرير والجوارى.
العامل الإجتماعى: حيث كان الناس العاديون فى أوربا يعيشون فى أوضاع مزرية من الفقر وتكرر المجاعات التى فتكت بعشرات الآلاف فى الفلاندرز واللورين بفرنسا, وتعرضت الكثير من الآراضى الزراعية للخراب نتيجة لغزوات الفايكنج والجرمان فقلت الأقوات فى ظل زيادة السكان, بالإضافة إلى الحروب والمنازعات الإقطاعية التى أخلت بالأمن وعرضت أرواح الناس للهلاك وممتلكاتهم للنهب فكانت الحروب الصليبية فرصة عظيمة لهم للخروج مما هم فيه من أوضاع إجتماعية سيئة.

الفصل الثانى
الحملة الصليبية الأولى 1095 – 1099م
فى السابع والعشرين من نوفمبر 1095م وفى حقل فسيح خارج مدينة كليرمونت وأمام جمع غفير من الكنسيين والعلمانيين خطب البابا "أوربان الثانى" خطاباً حماسياً مطولاً إستعرض فيه ما وصفه بإضطهاد المسلمين للحجاج المسيحيين فى بيت المقدس, ودعا فيه آلاف الكاثوليكيين الذين إحتشدوا من حوله إلى أن يشنوا حرباً مقدسة ويزحفوا إلى الشرق لتحرير بيت المقدس من أيدى المسلمين, ولم ينس فى خطابه أن يمتدح شجاعة الغربيين وقدراتهم القتالية وان يذكرهم بأمجاد أسلافهم وبحثهم عن ترك خلافاتهم ونزاعاتهم وعدم إراقة الدماء المسيحية فى حروبهم ضد بعضهم, كما أشار إلى منح الغفران الجزئى لكل من يشارك فى الحملة الصليبية التى سيشنوها لتحرير بيت المقدس سواء مات فى الطريق إلى الأرض المقدسة أو قتل فى المعارك معتبراً كل من يشارك فى الحملة جندياً فى جيش الرب, وفى نهاية خطابه وزع صلباناً من القماش على الجمع المحتشدة ليخيطوها على ملابسهم وبذلك صار الصليب شارة لكل فارس مشارك فى الحملة الصليبية.
لقيت خطبة البابا العاطفية الحماسية بما تخللها من تلويح بالمكاسب الدنيوية وترغيب فى المكاسب الدينية إستجابة فورية وهائلة من الحاضرين. وزيادة فى ترغيب الأوربيين وتشجيعهم للمساهمة فى الحملة الصليبية أصدرت الكنيسة مراسيم غاية فى الأهمية لصالح الصليبيين فأثناء فترة غياب الصليبى تعفى أملاكه من الضرائب كما يمنح تسهيلات فى الديون التى يستدينها لاسيما وأن تكاليف الرحلة قد إضطرت كثيرين إلى الإستدانة من أقاربه ومعارفه ومن الكنيسة أيضاً.
تحدد يوم الخامس عشر من أغسطس 1096م موعداً لرحيل الحملة حين تكون المحاصيل الزراعية قد جمعت من الحقول, أما مكان الإلتقاء والتجمع فكان مدينة القسطنطينية الحصينة على ضفاف البوسفور. وهكذا, وعلى مدى ثمانية شهور بعد مجمع كليرمونت أخذ البابا أوربان الثانى ينتقل بين أنحاء الغرب والجنوب الفرنسى داعياً إلى حملته الصليبية فى محاولة لأن يجند لها أكبر عدد من الفرسان والأمراء البارزين بعد أن رأى أن عدد الحاضرين الذين إستمعوا إلى خطابه لم يكن بالقدر الكافى.
وبناء على طلب البابا قام الأساقفة والمبشرين والدعوة بالدعوة إلى الحملة الصليبية فى كل مكان. وكان من بين هؤلاء إثنين هما "والتر المفلس" و"بطرس الناسك", والأول هو الذى قاد أول فرقة من حملات الفلاحين أو الحملة الشعبية, وهو فارس شرس نبيل المولد, لم يكن فى جيشه سوى ثمانية فرسان ولم تواجه حملته سوى المتاعب القليلة فى نهاية رحلتها فى وسط أوربا وعبر المجر, ولكن أعمال النهب والسلب التى بدأ أتباع "والتر المفلس" يمارسونها فى بلغاريا جعلت البلغار يهاجمونهم ويقتلون منهم عدداً كبيراً على حين لاذ الناجون بالغابات عدة أيام حتى وصلوا فى النهاية أمام أسوار القسطنطينية وهناك أمر الإمبراطور بأن يعسكروا خارج المدينة إنتظاراً لوصول بطرس الناسك.
والثانى هو أشهرهم "بطرس الناسك" الذى هجر الدير بتكليف من البابا وأخذ يتجول بين أرجاء الشرق الفرنسى واللورين داعياً لحملة البابا, وفى كل مكان كان يذهب إليه بطرس الناسك كان يسحر العقول بفصاحته التى تناقض هيئته الذرية, إذ كان رث الثياب حافى القدمين بينه وبين حماره شبه كبير, وحينما حل كان الفقراء المتأثرين بما يقول يتزاحمون ويتسابقون لنزع شعرات من ذيل حماره المسكين ومن جسده طلباً للبركة. وبسرعة غريبة إلتف حول "بطرس الناسك" جموع غفيرة من الفلاحين والفقراء الذين لم يصبروا حتى يرحلوا فى الموعد الذى حدده البابا "أوربان الثانى" للرحيل فوجد بطرس نفسه وقد إمتطى حماره فى مقدمة جيش يتكون من عدد قليل من الفرسان الذين يمتطون جيادهم وخلفهم آلاف من المشاة ثم العربات الثقيلة التى تجرها الثيران حاملة المؤن والأموال والمعدات التى كان "بطرس الناسك" قد جمعها من أثرياء الغرب الأوربى, وغادر هذا الجيش العجيب الذى أطلق عليه جيش الرب أو حملة الرعاع أو حملة الفقراء أو الحملة الشعبية الأراضى الألمانية فى ربيع عام 1096م.
وبطبيعة الحال لم يكن "بطرس الناسك" الذى حرك مشاعر الجماهير يصلح لقيادة مثل هذا الجيش المؤلف من الفقراء والمغامرين والأفاقين والمجرمين كلهم يحلمون بثروة الشرق. ووصل جيش العامة إلى القسطنطينية وأخذ يعيث فيه فساداً ونهباً وقتلاً مما جعل الإمبراطور يسارع بنقلهم إلى آسيا الصغرى حيث وقعوا فى شباك الأتراك السلاجقة وأجهز عليهم الأترك وقضوا على هذه الحملة الشعبية وقد تكونت حول "بطرس الناسك" أسطورة ظن الناس فى البداية أنها حقيقة تاريخية ظلت على مدى الأجيال ونسبت إلى بطرس فضل إثارة الغرب الأوربى بشن الحرب الصلبيبة ضد الشرق الإسلامى على الرغم من أنها أسطورة كشف زيفها, إلا أنه لا يزال يحظى بإهتمام المؤرخين بإعتباره تجسيد للحماسة الدينية الشعبية من ناحية وبسبب تناقض تصرفاته مع المثال الذى بشر به ودعا إليه فـ "بطرس الناسك" الذى يعتبره بعض المؤرخين لبى الحركة الصليبية هرب أثناء معاناة الصليبيين فى حصار أنطاكية عام 1089م وجرى القبض عليه وأعيد إلى المعسكر الصليبى بصورة سيئة.
وفى تلك الأثناء كانت جيوش الفرسان فى غرب أوربا تتأهب للرحيل وكانت قد تكونت عدة جيوش على أساس من التقسيمات اللغوية والجنسية من جهة وعلى أساس الروابط الإقطاعية من جهة أخرى فكان هناك جيش يقوده "جودفرى دى بوايون" وبصحبته أخيه "بلدوين" وتألف جيشهما من فرسان شمال فرنسا وغربها ونورمانديا, وجيش يقوده "ريموند الرابع" كونت تولوز وبصحبته المنودب الباباوى أدهيمار ويتألف من فرسان جنوب فرنسا وبروفانس, وجيش يقوده "هيوكونت فرماندى" وهو شقيق ملك فرنسا "فيليب الأول" وكان جيشه هو أصغر جيوش الحملة الصليبية الأولى وضم جيشه فرسان وسط فرنسا, ويعتبر "هيوكونت فرماندى" أول من وصل بجيشه إلى الأراضى البيزنطية, وقد أرسل قبله وفداً من خمسة وعشرين فارساً يحملون رسالة تفيض غطرسة وغرور إلى الإمبراطور البيزنطى "الكسيوس كومنين" يحذره وينبهه إلى وجوب مقابلته بما يليق بمكانته, وعندما وصل هذا الأمير إلى الأراضى البيزنطية كان قد تبقى مع عدد قليل من فرسانه بعد أن فقد عدداً من رجاله فى عاصفة بحرية.
وصلت تلك الجيوش تباعاً إلى القسطنطينية وإستقبلها الإمبراطور البيزنطى الذى لم يسمح إلا للقادة وعدد قليل من مرافقيهم بالدخول إلى العاصمة وفرض على القوات الصليبية أن تضرب خيامها وتعسكر خارج العاصمة وذلك لسابق تجربته ومعاناته من الحملة الشعبية, وكادت الحملة الصليبية الأولى أن تفشل فى القسطنطينية وينقلب الحال إلى قتال بين البيزنطيين والصليبيين بعد أن تأزمت الأمور بين قادة الحملة والإمبراطور البيزنطى إلى أن تم توقيع إتفاق القسطسنطينية 1096م وهو إتفاق تم بين قادة الحملة الصليبية الأولى والإمبراطور البيزنطى "الكسيوس كومنين", حيث قرر الإمبراطور أن يتعامل ويتفاوض مع قادة الصليبيين بشكل إنفرادى حيث يتفق مع كل منهم على حدة, وتنوعت أساليبه فى التفاهم بين الترغيب والترهيب بأن أغراهم بالهدايا أو قطع المؤن والإمدادات عنهم والقتال حتى نجح فى أن يحصل منهم جميعاً على يمين الولاء والتبعية بإستثناء "ريموند الرابع" كونت تولوز الذى أقسم فقط على حماية شرف الإمبراطور وحياته وتضمن إتفاق القسطنطينية أن يكون كل أمير صليبى تابعاً للإمبراطور البيزنطى فى الأراضى الأسيوية وبالتالى إسترداد الممتلكات التى إستولى عليها المسلمين من الإمبراطورية البيزنطية وإعادتها إليها, فى مقابل تعهد الإمبراطور بمد الصليبيين بكل ما يحتاجون إليه من المؤن والزاد والعتاد فضلاً عن إرشادهم إلى الأراضى المقدسة, وقد أصر الإمبراطور على أن يقسم له قادة الحملة يمين الولاء والتبعية قبل أن يسمح لهم بعبور أراضيه, بينما قادة الحملة الذين ملأهم الغرور والغطرسة كانوا يرفضون ذلك معتبرين أنفسهم فى مهمة مقدسة تستوجب خضوع الجميع لهم, ومن أسباب تلك الأزمة العداء القديم بين الإمبراطورية البيزنطية وبين الغرب الأوربى والخلاف المتوارث بين الكنيسة البيزنطية وبابا الكاثوليك على زعامة العالم المسيحى.

الفصل الثالث
سقوط الرها وأنطاكية وبيت المقدس
عبرت القوات الصليبية مضيق البوسفور إلى آسيا الصغرى وهناك وعلى بعد أميال قليلة من القسطنطينية وجد الصليبيون أنفسهم فى أرض العدو لأول مرة, وهناك إنضم إليهم "بطرس الناسك" وشراذم الناجين من حملته الشعبية, وكان الإمبراطور البيزنطى قد إعتذر عن قبول العرض الصليبى بقيادة الحملة, وإكتفى بأن زود الجيش الصليبى بعدد من الأدلاء والمرشدين وعدد من العساكر والقادة كما ظل يرسل لهم المؤن والإمدادات عن طريق البر والبحر, ووصلت جيوش الحملة الصليبية الأولى أمام نيقية فى السادس من مايو 1097م, وكانت نيقية عاصمة دولة الأتراك السلاجقة ومقر السلطان "قلج أرسلان", وكانت المدينة تتحكم فى الطريق الأساسى عبر آسيا الصغرى, فتم فرض الحصار عليها من قبل القوات الصليبية والبيزنطية إلى أن إستسلمت المدينة فإقتحمها الصليبيين وسلبوها ونهبوها ودمروها وذبحوا أهلها.
وقد أصيب المسلمون بالصدمة بوصول هذه القوات الصليبية إلى نيقبة, وكانوا قادرين على إبادة هذه القوات إلى أن ميراث الشك والعداوة بين حكام المنطقة والذى غرسته طوال قرن كامل حروب ودسائس ومنازعات سادت المنطقة, مما جعل المسلمون عاجزون عن مواجهة الصليبيين ولابد أن السلاجقة ظنوا أن الحملة الصليبية لم تكن أكثر من حملة عسكرية بيزنطية من النمط الذى تعودوا عليه.
وبالنسبة للفاطميين الشيعة فإنهم لم يفكروا أبداً فى مساعدة السلاجقة السنة ضد الصليبيين وإنما حاولوا الإستفادة غير مدركين للخطر الكبير المحدق بهم وبالمنطقة العربية الإسلامية كلها فسارعوا بالزحف على بيت المقدس التى كانت حتى ذلك الحين فى أيدى السلاجقة وإستولوا عليها مستغلين ضعف قبضة السلاجقة عليها نتيجة لإنشغالهم بمواجهة الصليبيين فى الشمال, وبعد سقوط نيقية واصل الصليبيون زحفهم فاستولوا على قونية فى يونيو 1097م وهرقلة فى سبتمبر 1097م وقيصرية ومرعش ثم إستولوا على الرها فى مارس 1098م وأسسوا بها إمارة صليبية كأول إمارة فى الشرق الأوسط وهى كانت تشغل مساحة من الأرض على جانبى نهر الفرات شمال العراق وسكانها أغلبيتهم من الأردن والذين إعتنقوا الإسلام, وكانت أهميتها تتمثل فى دورها كدولة حاجزة فى الشمال الشرقى من دولة السلاجقة.
واصل الصليبيون زحفهم نحو مدينة أنطاكية ذات الموقع البديع بالقرب من البحر على منحدر يؤدى إلى وادى نهر العاصى والتى كانت فى تاريخها القديم درة فى تاج الإمبراطورية الرومانية القديمة. بدأ الصليبيون فى 11 أكتوبر 1097م يفرضون الحصار على أنطاكية وإستمر حصارهم لها حوالى تسعة أشهر, وحاول خلالها أمراء دمشق وحمص السلاجقة فك الحصار عدة مرات ولكنهم لم يفلحوا, وخلال هذا الحصار ظن الفاطميون أن بوسعهم الإستفادة من الوضع, فأرسل "الأفضل بن بدر الجمالى" وزير الخليفة الفاطمى من يفاوض الصليبيين لإقتسام بلاد الشام نكاية فى السلاجقة والعباسيين ولكن المفاوضات فشلت, وتمكن الصليبيون بعد حصار تسعة أشهر من إستمالة أحد الأرمن المشتركين فى الدفاع عن المدينة, ففتح لهم بابا البرج الذى كان قائماً على حراسته فتدفقوا منه إلى داخل المدينة, وتمكنوا من السيطرة عليها, والحقيقة أن خبر سقوط أنطاكية فى أيدى الصليبيين قد أثار موجه من الذعر فى البلدان القريبة من أنطاكية.
وإستجابة للإستغاثة التى أرسلها "ياغى سيان" حاكم أنطاكية قرر سلطان سلاجقة فارس "بركياروق" تكليف "كربوغا" أتابك الموصل بإعداد حملة لإنقاذ أنطاكية, وبعد أن أعد "كربوغا" عدته وخرج بجيشه لم يتوجه مباشرة إلى شمال الشام وأنطاكية بل توقف فى الطريق لمحاولة إسترداد الرها مما مكن الصليبيين من السيطرة على أنطاكية فى 3 يوليو 1098.
وصلت قوات "كربوغا" أمام أنطاكية فى 4 يونيو 1098 وحاول "كربوغا" إقتحام المدينة ولكنه فشل فقرر إحكام الحصار على أنطاكية لتجويع الصليبيين وظل الحصار ثلاثة أسابيع عانى الصليبيين الكثير بسبب قلة الطعام والمؤن وطلبوا الأمان والخروج من المدينة ولكن "كربوغا" رفض ذلك وقال لهم: (لا تخرجون إلا بالسيف) فقرر الصليبيين الخروج فى جماعات صغيرة لملاقاة المسلمين وكان من الممكن أن يقضى المسلمين على كل جماعة تخرج ولكن "كربوغا" قال للجنود المسلمين: "أمهلوهم حتى يتكامل عددهم" وعندما إكتمل خروج الصليبيين هزموا المسلمين وإنتصروا عليهم وتفرق الجيش الإسلامى بسبب غطرسة "كربوغا" وهكذا سقطت المدينة الحصينة وأسس فيها القائد الصليبى "بوهيمند" ثانى إمارة صليبية على أرض الشرق فى يونيو 1098م وإستمرت فى أيديهم حتى تحررت على يد الظاهر بيبرس فى عام 1268م.
بعد انطاكية واصل الصليبيون زحفهم نحو بيت المقدس التى وصلوا إليها فى السابع من يونيو 1099, وفرضوا عليها حصار دام خمسة أسابيع حتى عجز الفاطميون بداخلها عن الصمود فأقتحم الصليبيون المدينة فى يوم الجمعة 15 يوليو 1099م, وأخذوا فى سلبها ونهبها وقتل كل من كان حياً بها, حتى بلغ عدد من قتلوه بها من المسلمين نحو سبعين ألفاً ولم ينج من سكان القدس سوى قائد حاميتها الفاطمى "إفتخار الدولة" وعدد من رجاله.
إجتمع زعماء الصليبيين فى كنيسة القياة ليقرروا مسألة حكم المدينة وبعد مشاورات ومداولات بين قادة الحملة الصليبية إنتهوا إلى إختيار "جودفرى دى بوايون" ليكون حاكماً لبيت المقدس تحت لقب فضفاض وهو "حامى الضرح المقدس", ولم يلبث أن مات "جودفرى" فى يوليو 1100م فأُستدعى بلدوين من إمارته فى الرها ليتولى الحكم بدلاً منه, وهكذا قامت مملكة بيت المقدس التى كانت فى ذلك الحين تتكون من مدينة بيت المقدس ذاتها إلى جانب يافا والرملة وبيت لحم والخليل.

الفصل الرابع
تأسيس إمارة طرابلس الصليبية 1109م
فى عام 1101م تجمعت حملة يقودها القديس "أنسلم" أسقف ميلانو بدعوة من البابا "باسكال الثانى" وسلكت نفس الطريق إلى القسطنطينية ومنه إلى آسيا الصغرى لإطلاق سراح "بوهيمند النورماندى" الأسير لدى السلاجقة, لكن السلاجقة إتحدوا هذه المرة وقضوا على هذه الحملة وإنسحب الناجون منها إلى القدس فصحب "ريموند الرابع" كونت تولوز هذه الجموع ليعمل لحسابه على الساحل الشامى ليؤسس إمارة له هناك فحاصر الطرسوس وإستولى عليها بمساعدة إسطول "جنوى" فى فبراير 1102م وإتخذ من هذه المدينة نواة لمشروعاته المقبلة وكان أولها فتح طرابلس. هاجم "ريموند" طرابلس فى عام 1103م ولكنه فشل فهاجم مدينة جبيل التى إستسلمت له فى أواخر عام 1104م وبالإستيلاء على الطرسوس فى الشمال وجبيل فى الجنوب تم وضع الإطار الخارجى لإمارة طرابلس الصليبية ولم يبقى سوى الإستيلاء على مدينة طرابلس ذاتها.
قام "ريموند" بإنشاء قلعة فى مواجهة طرابلس أسماها المسلمون قلعة "صنجيل" فهاجموا بنى عمار وأشعلوا النار فيها وأصيب "ريموند" ومات من أثر الحريق فى عام 1105م, فأختار أتباعه "وليام جوردان" و"بين برتراند" و"برترارند" هو إبن "ريموند الرابع"كونت تولوز الذى توفى فى قلعة صنجيل فى نهاية فبراير 1105 متأثراً بجروحه, وكان "ريموند الرابع" قد ترك إبنه "برتراند" يحكم أملاكه فى الغرب الأوربى (تولوز) فى حين إختار "آفصال ريموند" وفرسانه فى الشام إبن خالته "وليم جوردان" ليتابع سياسة "ريموند" فى الشام بعد وفاته أكثر من ثلاث سنوات على أمل السيطرة على طرابلس, وقبل أن يحقق حلمه تعرض لمنافس شديد وهو "برتراند بن ريموند الرابع" وصاحب الحق الشرعى فى تركة أبيه والذى وصل إلى الشام على رأس أربعة آلاف فارس أملاً فى السيطرة على طرابلس وبدأ الأمر على وشك القتال بين "برتراند" و "وليام جوردون" إلى إن تدخل ملك بيت المقدس لتسوية الأمر بينهم.
لم يكن بإمكان طرابلس مقاومة هذا الحصار الصليبى الكبير فى ظل تخاذل القوى الإسلامية الفاطمية والعباسية, فعندما وجد أهل طرابلس أنفسهم بمفردهم أمام مجموعة من الأعداء إضطروا إلى التفكير فى الإستسلام وطلبوا أن يكون إستسلامهم للملك "بلدوين الأول" أو الأمير "برتراند" فدخل الصليبيون طرابلس فى يوليو 1109م وإتخذ "برتراند" لقب أمير طرابلس لتقوم رابع إمارة صليبية فى الشرق.

الفصل الخامس
توسع مملكة بيت المقدس الصليبية على حساب الفاطميين
لأن مملكة بيت المقدس تعتبر معرضة للخطر دائماً طالما إستمرت المدن الساحلية فى أيدى المسلمين ولذلك سعت للإستيلاء على هذه المدن فى ظل ضعف القوى الإسلامية وتنامى قوة الصليبيين, ويلاحظ أن المدن الساحلية فى فلسطين وهى قيسارية وعكا وصور أرسلت مندوبين عنها فى مارس 1101م إلى الملك "بلدوين" تحمل إليه الهدايا وتطلب المهادنة للتمكن من مباشرة نشاطها الإقتصادى والمتاجرة, سعى "بلدوين الأول" ملك بيت المقدس إلى ضم جميع شواطئ فلسطين المواجهة لمملكته لتأمين طريق الحجاج وتنشيط التجارة مع الغرب, وبدأ بمهاجمة أرسوف التى كانت فى أيدى الفاطميين فإستسلمت المدينة له فى أبريل 1101م, ثم إلى قيسارية فأستولى عليها فى مايو 1101م.
قرر الفاطميون التحرك لإبعاد الخطر الصليبى عن ممتلكاتهم فى فلسطين وأرسلوا حملة بقيادة "سعد الدولة القواسمى" ربيع 1101م وإتجهت الحملة إلى عسقلان ومنها إلى الرملة لتتمكن من تهديد يافا وبيت المقدس وإلتقى الجيش الصليبى بالجيش الفاطمى فى مدينة الرملة فى 7 سبتمبر 1101م ولحقت الهزيمة بالفاطميين وسقط قتيلاً قائد الجيش الفاطمى.
أرسل الفاطميون حملة أخرى بقيادة "شرف المعالى" إبن الوزير "الأفضل"وتقدمت من عسقلان إلى الرملة واللد لتهديد يافا وبيت المقدس فى مايو 1102م وإنتصر المسلمون على جيش صليبى يقوده "بلدوين" فى الرملة ولكن "بلدوين" جمع القوات الصليبية وجاءت نجدات من الغرب وهاجم الفاطميين وفك حصارهم على يافا وانزل بهم هزيمة قاسية, ولم يقنع الصليبيين بالسيطرة على يافا وأرسوف وقيسارية وحيفا بل طمعوا فى السيطرة على عسقلان وعكا وصيدا وبيروت, فحاصر بلدوين عكا فى 1102م ولكنه رفع الحصار عنها لمناعتها وبعد عام 1104م هاجمها مرة أخرى وإستولى عليها.
فى عام 1105م خرجت حملة فاطمية ثالثة بقيادة "سناء الملك حسين" بن الوزير "الأفضل", وطلب الوزير الأفضل المساعدة من سلاجقة دمشق حيث قدم "طغتكين" صاحب دمشق المساعدة, وفى أغسطس دارت معركة عنيفة بين الصليبيين والمسلمين قرب الرملة إنتهت بإنتصار الصليبيين وخسارة فادحة للجيش الإسلامى, إستمر الصليبيين فى بيت المقدس يتوسعون على حساب المسلمين, ففى عام 1110م حاصر "بلدوين" مدينة بيروت وإقتحموها فى مايو 1110م وإستباحوها وبعد ذلك إستولى على مدينة صيدا فى ديسمبر 1110م.

الفصل السادس
إستعادة الرها
تمكن الصليبيين من فرض سيطرتهم على ساحل البحر المتوسط كله بإستثناء صور وعسقلان وكان معنى هذا إختلال كبير فى التوازن العسكرى لصالح الصليبيين بالشكل الذى أقلق إمارة دمشق, وإزاء الفشل على محور دمشق القاهرة أو فشل تنسيق الجهود الإسلامية بين الشام ومصر بدأ أمير دمشق "طغتكين" يحاول عقد تحالفمع حاكم الموصل الجديد "مودود" الذى كان بدوره يحاول تنظيم تحالف إسلامى كبير لطرد الفرنج من بلاد الشام ومن المنطقة العربية.
وفى نفس الوقت ومع التوازى مع هذا المسعى من حاكم الموصل كان العالم الإسلامى قد بدأ يشهد ظاهرة إيجابية, إذ تشكل رأى عام ضاغط يقوده أصحاب الرأى والمفكرين وشيوخ المساجد, بدأ يتساءل عن سبب تخاذل الحكام وأنانيتهم وضيق أفقهم الذى ضيع البلاد وأذل العباد, وأثارت أعداد اللاجئين الفارين من مذابح الصليبيين مشاعر الإستياء والغضب فى كل مكان ذهب إليه اللاجئون, كما أدرك المسلمون أن الصليبيين قد جاءوا إلى بلادهم بقصد البقاء وكانت تلك صدمة نفسية مؤلمة, وبدأت الدعوى إلى الجهاد تسرى بين الناس فى العالم العربى الإسلامى بسرعة كبيرة بحيث عمت سائر المناطق, وفى رحم هذه الحركة القوية تبلورت إتجاهات المقاومة العربية الإسلامية ضد الصليبيين.
وظهر "عماد الدين زنكى" الذى دانت له الموصل عام 1127م ليقود حركة الجهاد والمقاومة التى بدأها من قبل "مودود" على محور الموصل دمشق, وما لبث "عماد الدين زنكى" أن صار أقوى حاكم مسلم فى زمانه لأنه طوع قوته وموارده العسكرية فى خدمة المطلب العربى الإسلامى العام, أى الجهاد ضد الغزاة حملة الصليب, وبرزت إمارة الموصل بإعتبارها مقدمة للدولة العسكرية التى يقودها ملك مقاتل لكى تتولى عملية قتال الصليبيين حتى نجحت فى طردهم نهائياً من المنطقة العربية بعد فشل كل من الخلافتين العباسية والفاطمية فى التصدى لهم, وهذه الدولة التى نعنيها هى الدولة الأيوبية ودولة المماليك.
وشيئاً فشيئاً تمكن "عماد الدين زنكى" من التغلب على الروح الإنعزالية فى كل من بلاد الشام والعراق, فتمكن عام 1137م من ضم مدينة حلب وتوحيدها مع الموصل بعد أن تقرب من أميرها وتزوج من إبنته, وكان هذا أمراً فى غاية الخطورة على الصليبيين فى شمال الشام لأنه كان يقطع الطريق بين الرها وغيرها من المستوطنات الصليبية. وفى العام التالى إستولى على حماة وتوالت فتوحاته وتوسعاته فأستولى على حمص عام 1143م وبذلك أصبح يسيطر على مساحة كبيرة من الأرض التى تحيط بإمارة الرها التى يحتلها الصليبيون من ناحية الشرق والغرب.
صار الطريق ممهداً أمام "عماد الدين زنكى" لتوجيه ضربة قوية للصليبيين, ولكن الذىأجل هذه الضربة ووقف حائلاً دون إتمام جهوده لتوحيد الجبهة الإسلامية فى مواجهة العدو الصليبى هو حاكم دمشق "معين الدين" الذى رفض دعوات "عماد الدين زنكى" المتكررة له لكى ينضم للتحالف الإسلامى وفضل الإحتفاظ بملكه الخاص فى دمشق ومهادنة الصليبيين, فأستغل "زنكى" تعاطف أهالى دمشق معه وحماسهم للثأر من الصليبيين وقام بالزحف على دمشق وحصارها حتى يجبر حاكمها "معين الدين" على تغيير موقفه لكن الأخير أصر وسارع بطلب الحماية من حاكم بيت المقدس الصليبى الذى لم يفوت الفرصة وأرسل له جيشاً صليبياً ليشترك معه فى محاربة "عماد الدين زنكى" فآثر "عماد الدين زنكى" الإنسحاب حتى لا يضيع الدماء الإسلامية فى معركة جانبية تبعده عن هدفه وهو دحر بيت المقدس.
وبعد ان إنسحب من أمام أسوار دمشق وإلتقط أنفاسه زحف بجيشه نحو الرها وبعد حصارها لمدة ثمانية وعشرين يوماً إستطاع أن يدخلها ويستولى عليها بعد أن قضى على الصليبيين بها, وبعد عامين من تحرير الرها قـُتل "عماد الدين زنكى" على يد أحد غلمانه فى عام 1146م وخلفه إبنه "نور الدين محمود" فى حكم الموصل ليواصل حركة الجهاد الإسلامى.

القصل السابع
الحملة الصليبية الثانية 1145 – 1149م
أحدث سقوط إمارة الرها وتحريرها على يد "عماد الدين زنكى" صدمة كبيرة فى أوربا وفى الشرق حيث كانت مستوطنات الصليبيين فكان الإحساس بالهزيمة مريراًفذهب وفد من صليبى الشرق إلى بلاط البابا أيوجين الثالث فضلاً عن وفد آخر من الأرمن ذهب إلى البابوية وملوك الغرب يستنهضوا الهمم لمحاولة إسترداد الرها التى ضاعت منهم, ونتيجة لهذه المساعى تجمع جيش فرنسى كبير قوامه سبعون ألف على رأسه "لويس السابع" ملك فرنسا, وتجمع جيش ألمانى قوامه سبعون ألفاً أيضاً على رأسه الإمبراطور الألمانى "كونراد الثالث", وإتخذ الجيشين طريقين مختلفين للوصول إلى الشرق, فالجيش الألمانى إتخذ طريق البحر ورست سفنه على شواطئ آسيا الصغرى ثم عبر البوسفور وعلى أرض الأتراك السلاجقة قام الأتراك المسلمون بهاجمة جيش "كونراد الثالث" وأجبروا قسماً كبيراً منه على العودة وإضطر الإمبراطور الألمانى إلى التخفى وإستطاع أن يفلت من حصار السلاجقة ويصل إلى بيت المقدس.
أما الجيش الفرنسى فسار بطريق البر حتى وصل إلى القسطنطينية وهناك عرف أن حشود إسلامية منتظرة فى إمارة الرها فدار حولها وتجنب الصدام مع تلك الحشود وفضل التقدم نحو بيت المقدس. وفى بيت المقدس إتفق كلٍ من الملك الفرنسى والإمبراطور الألمانى مع "بلدوين الثالث" ملك بيت المقدس على الزحف نحو دمشق وإحتلالها على الرغم من أنه كان هناك حلفاً معقوداً فى ذلك الوقت بين أمير دمشق "معين الدين" وبين الصليبيين على ألا يهاجموا دمشق نظير جزية سنوية يدفعها لهم.
حاصر الصليبيين مدينة دمشق التى كانت بالغة القوة والتحصين وفى نفس الوقت سارعت قوات إسلامية كثيرة لإنقاذ دمشق وفك الحصار المضروب حولها مما إضطر الجيوش الصليبية إلى التقهقر والإنسحاب ليتفادوا معركة دموية كبرى لم تكن فى حسبانهم, وهكذا فشلت الحملة الصليبية الثانية التى كان هدفها إسترداد إمارة الرها وإنسحبت جيوش الصليبيين إلى أوربا وهى تشعر بمرارة الخزى والهزيمة. هذا وقد إستغرقت أحداث الحملة الصليبية الثانية الفترة من أواخر عام 1147م إلى أواخر عام 1149م, وأنعش هذا الفشل الذى منيت به الحملة الصليبية الثانية آمال العالم الإسلامى فى إمكانية القضاء على الوجود الصليبى فى بلاد الشام, وتهيأت الفرصة أمام "نور الدين محمود" بن "عماد الدين زنكى" لتكوين جبهة إسلامية قوية للتصدى لأطماع الصليبيين.

الفصل الثامن
الجهاد المقدس ضد الصليبيين وتحرير بيت المقدس
كان من أهم نتائج فشل الحملة الصليبية الثانية أن خضعت دمشق لسيطرة "نور الدين محمود"وإنضمامها إلى جبهة الجهاد ضد الصليبيين فكما كان "معين الدين" حاكم دمشق يمثل عقبة فى وجه "عماد الدين زنكى" لتوحيد الجبهة الإسلامية كان "مجير الدين" الذى خلف أباه "معين الدين" فى حكم دمشق يمثل نفس العقبة إلى أن إنكسر الصليبيون وبائت حملتهم الثانية بالفشل. ولكن فى عام 1145م نجح "نور الدين محمود" فى دخول دمشق بناء على رغبة أهلها الذين سئموا ظلم حاكمها "مجير الدين" وسياسته المهادنة للصليبيين.
وهكذا توحدت الجبهة الإسلامية بقيادة "نور الدين محمود" وبسبب تماسك هذه الجبهة والهجمات المستمرة التى كانت تشنها على مستوطنات الصليبيين إتجهت الأنظار نحو مصر التى كانت آنذاك تعانى ضعفاً سياسياً شديداً إذ كانت الخلافة الفاطمية فى الطور الأخير من عمرها عارية إلا من بعض ظلال قوتها السابقة ومجدها الغابر بعد ان أنهكتها الكوارث الطبيعية والمنازعات الداخلية, فقد صار الوزراء فى الدولة الفاطمية أصحاب السلطة الحقيقية وأصبح الخلفاء ألعوبة بأيديهم كما توالى جلوسهم على كرسى الحكم فى إيقاع سريع يدل على مدى الإضطراب والتدهور الذى وصلت إليه حالة الدولة.
زاد إرتباك الدولة الفاطمية فى عهد الخليفة العاضد بسبب التنافس على منصب الوزارة بين "شاور" ومنافسه "ضرغام" فى الوقت الذى بدأ فيه "عمورى الأول" غزو مصر سنة 1163م فإجتاحت قواته برزخ السويس وحاصرت مدينة بلبيس. ولكن "ضرغام" الذى كان منفرداً بسلطة الحكم آنذاك بعد فرار غريمه "شاور" ولجوئه إلى "نور الدين محمود" بالشام تصدى لهم وقطع الجسور والسدود فغادر الصليبيون البلاد, فى نفس الوقت كان "شاور" قد إتفق مع "نور الدين محمود" على أن يشن الأخير حملة عسكرية يستعيد بها كرسى الوزارة الذى ضاع منه فى القاهرة وإلتزم بأن يتحمل نفقات الحملة وأن يجعل له ثلث الموارد المصرية فأرسل "نور الدين محمود" مع "شاور" حملة عسكرية بقيادة "أسد الدين شيركوه" ومعه إبن أخيه "صلاح الدين الأيوبى".
وعندما علم "ضرغام" بإتفاق "شاور" مع "نور الدين محمود" سارع بطلب النجدة من الصليبيين فتحركت على الفور حملة عسكرية بقيادة "عمورى الأول" نحو مصر وكانت هذه إحدى خمس محاولات حاول فيها هذا الملك الصليبى غزو مصر ولم يفلحفى واحدة منها وأعقب هذه المحاولات الفاشلة من "عمورى الأول" ضد مصر نتيجتين هما تقلص الموارد البشرية والمادية لمملكة بيت المقدس وتغير الخريطة السياسية لصالح القوى العربية الإسلامية بعد قتل كلٍ من "شاور" و"ضرغام" فى خضم الصراع وبعدما تولى "أسد الدين شيركوه" كرسى الوزارة ثم موت "أسد الدين شيركوه" وتولى إبن أخيه "صلاح الدين" الوزارة.
فى تلك الأثناء كانت راية "نور الدين محمود" ترفرف على دولة متسعة الأرجاء وكان "نور الدين" يلح على "صلاح الدين" فى مصر لإتخاذ الخطوات الحاسمة وإعلان نهاية الخلافة الفاطمية فأستبدل فى خطبة أول جمعة من عام 1171م إسم الخليفة الفاطمى بإسم الخليفة العباسى وبعد أسبوع مات الخليفة الفاطمى, وجاء إنفراد "صلاح الدين" بالسلطة فى مصر مقدمة لمرحلة حاسمة من مراحل الصراع ضد الصليبيين, ثم جاءت وفاة "نور الدين محمود" فى عام 1174م وبعدها موت عدوه اللدود "عمورى الأول" فى نفس العام فرصة طيبة لـ "صلاح الدين" لكى يوحد الجهود العربية ويؤكد زعامته للعالم الإسلامى.
وبعد عدة تطورات سياسية أعلن "صلاح الدين" نفسه ملكاً على مصر والشام فى عام 1175م ثم قضى نحو ست سنوات فى ترتيب الأوضاع الداخلية فى كل من مصر والشام وإستعداداً للمواجهة مع الصليبيين, وفى هذه الأثناء كان الصليبيون يقومن بغارات عبر سيناء ووصلت قواتهم حتى السويس وشنوا غارات على شبه الجزيرة العربية, وحاول "رينالد دى شاتيون" (آرناط) أمير الكرك أن يقتحم البحر الأحمر ويغزو مكة والمدينة لكى يتحكم فى حركة التجارة الدولية التى تمر بالبحر الأحمر كما هاجم بعض موانى مصر والحجاز ولكن الأسطول المصر واجهه وسحقه تماماً ورده على أعقابه.
وهكذا وجد "صلاح الدين" مبرراً قوياً لبدء عملياته ضد الصليبيين وكانت قمة إنتصاراته عليهم فى موقعة حطين وقد جرت هذه الموقعة يوم السبت 4 يوليو 1187م وكان من نتائجها أن فقدت مملكة بيت المقدس قواتها العسكرية الرئيسية حيث تمكن جيش المسلمين بقيادة "صلاح الدين" من إبادة جيش الصليبيين ولم يبقى منهم حياً إلا مائة وخمسين صليبياً تم أسرهم جميعاً بما فيهم كبار القادة والأمراء وعلى مدى شهرين بعد حطين أخذت الجيوش الإسلامية تدخل المدن والقلاع التى كان يحتلها الصليبيون ورغم هذه الإنتصارات إلا أن هدف "صلاح الدين" كان بيت المقدس.
سار "صلاح الدين" نحو بيت المقدس وحاصرها لمدة أسبوع حتى إستسلمت له فدخلها يوم الجمعة 2 أكتوبر 1187م, فأعطى أهلها الأمان فى مقابل أن يدفعوا عن كل رجل عشرة دنانير وعن كل إمرأة خمسة دنانير وعن كل طفل ديناراً واحداً وبلغ ما تم جمعه نحو مائتى وعشرين ألف دينار ومن عجز عن دفع الجزية اعتبر أسيراً وحرر "صلاح الدين" ثلاثة آلاف مسلم كانوا أسرى, فهو لم يسفك دماً كما فعل الصليبيون عند دخولهم من قبل.

الفصل التاسع
الحملة الصليبية الثالثة
لم يتبقى لدى الصليبيين بعد موقعة حطين سوى صور وأنطاكية وطرابلس وبعض القلاع والحصون المتناثرة هنا وهناك على أرض الشام, وبعد ضياع القدس من أيديهم ذهب كبير أساقفة صور فى جولة زار فيها بلاط عدد كبير من ملوك وأمراء الغرب الأوربى لكى يستنجد بهم ويستنهض هممهم لمحاربة المسلمين, فقام البابا "جريجورى الثامن" بإرسال كتاباً دورياً إلى ملك إنجلترا وملك فرنسا وإمبراطور ألمانيا يدعوهم لنبذ خلافاتهم وتعبئة قواهم ضد المسلمين ولكن البابا "جريجورى" توفى فى ديسمبر 1187م ليواصل مساعيه البابا "كلمنت الثالث" فإتصل بالإمبراطور الألمانى "فريدريك بارباروسا" وإنتقل رئيس أساقفة صور لمقابلة ملكى إنجلترا (ريتشارد قلب الأسد) وفرنسا (فيليب أغسطس).
فى مايو 1189م تحركت قوات الإمبراطور الألمانى "فريدريك بارباروسا" وسار عبر الطريق الذى سارت عليه الحملتين السابقتين ولكن الإمبراطور لقى حتفه غريقاً فى أحد أنهار آسيا الصغرى فى يونيو 1190م وكانت تلك خسارة فادحة لحقت بالجيش الصليبى قبل أن يصل إلى هدفه وإنتهى الألمان بعد موت إمبراطورهم بالمشاركة الرمزية فى تلك الحملة.
أما "ريتشارد الأول" ملك إنجلترا و"فيليب أغسطس" ملك فرنسا فقد وصلا بقواتهما إلى صقلية بطريقين بحريين مختلفين وامضيا شتاء 1190م و 1191م فى نزاع حول الأمور الداخلية فى صقلية وأبحرا بعد ذلك تجاه فلسطين حيث وصلا إلى مدينة صور الساحلية ثم بدأ مسيرهما نحو عكا وحاصرت قواتها المدينة حصاراً طويلاً إمتد نحو عامين إلى أن سقطت فى أيديهم عام 1191م بعد أن داف عنها أهلها دفاعاً مستميتاً.
فكر "ريتشارد" فى إسترداد مدن الساحل الشامى فأستولى على حيفا وقيسارية فى أغسطس 1191م وأسرع "ريتشارد" بالزحف صوب أرسوف فدارت معركة كبيرة بين "صلاح الدين" و"ريتشارد قلب الأسد" هى معركة أرسوف فى سبتمبر 1191م التى تحولت بسرعة لصالح الصليبيين وإستطاع ريتشارد أن يلحق الهزيمة بـ "صلاح الدين" وبعث هذا الإنتصار الثقة بنفس الصليبيين بعد هزائمهم التى توالت عليهم منذ موقعة حطين, وتعتبر معركة أرسوف نقطة تحول فى تاريخ الحروب الصليبية لأن تيار الحرب بعدها بدا يتحول لصالح الصليبيين لمدة ستين عاماً.
إتجه "صلاح الدين" نحو بيت المقدس للإشراف على الدفاع عنها لعلمه أنها غاية الصليبيين ومقصدهم, وبالفعل تقدم "ريتشارد" نحو بيت المقدس فوجدوها محصنة فإنسحب عائداً إلى الرملة ودخل فى مفاوضات مع "صلاح الدين" إنتهت بعقد صلح الرملة عام 1192م الذى يقضى بأن تخضع المنطقة الساحلية من صور إلى يافا للصليبيين وأن تستمر كافة المناطق التى حررها "صلاح الدين" بما فى ذلك بيت المقدس فى أيدى المسلمين مع السماح للمسيحيين بحرية الحج إلى بيت المقدس دون دفع ضريبة وأن تكون مدة الصلح ثلاث سنوات وثلاثة أشهر. وهكذا فشلت الحملة الصليبية الثالثة فى الوصول إلى الهدف الأساسى لها وهو بيت المقدس على الرغم من إشتراك ثلاث ملوك من ملوك الغرب الأوربى فى قيادتها.
وقد لعبت طائفة الإسماعيلية الباطنية الحشيشية, دوراً خطيراً فى تاريخ الشرق الإسلامى فى فترة الحروب الصليبية, وهم ينتسبون مثل بقية الشيعة الإسماعيلية إلى "إسماعيل بن جعفر الصادق" الذى نجح أتباعه فى إقامة الدولة الفاطمية, وقد ظهرت طائفة الباطنية أو الحشيشية فى القرن الحادى عشر الميلادى ويرتبط ظهورها بالأحداث التى أعقبت وفاة الخليفة الفاطمى "المستنصر بالله" وتسمية الحشيشية ترجع إلى أن داعى الباطنية كان يعطى لشباب الفداوية نبات مخدر وهو الحشيش فى قلعة الجبل, أما تسمية الباطنية فهى لإيمانهم بأن العقيدة ظاهراً وباطناً.

الفصل العاشر
الحملة الصليبية الرابعة 1202 – 1204م
أدرك البابا والغرب الأوربى والصليبيون فى الشرق أن الإستيلاء على مصر هو الخطوة المنطقية والضرورية لتأمين وجودهم فى الشام. وبات غزو مصر حتمياً لضمان إسترداد ما حرره "صلاح الدين" من أراضى مملكة بيت المقدس بل وبيت المقدس ذاته. وهكذا أخذ البابا "أنوسنت الثالث" على عاتقه مهمة الدعوة إلى حملة صليبية جديدة يكون هدفها مصر وبدأت الإستعدادات لتجميع الحملة الجديدة, بيد أن مشكلة نقل القوات والعتاد الحربى إلى الشواطئ المصرية فرضت على قادة الصليبيين أن يدخلوا فى مفاوضات مع جمهورية البندقية التجارية التى كانت تمتلك أكبر وأقوى الأساطيل العاملة فى البحر المتوسط وتمت المفاوضات.
ونظراً لعجز الصليبيون عن دفع المال اللازم لنقلهم طلبت البندقية مهاجمة مدينة زارا وإستردادها من ملك المجر لصالح البندقية مقابل نقلهم إلى مصر وإستجاب الصليبيون وهاجموا مدينة زارا ونهبوها ووقعت فى قبضتهم فيما يعرف بالإنحراف الأول للحملة الصليبية الرابعة أكتوبر 1202م ودب الخلاف بين الصليبيين والبنادقة حول إقتسام الغنائم ونزاع مسلح إنتهى بإتفاق سريع وإن كان البابا قد غضب لفعل البنادقة وأصدر قرار الحرمان ضدهم.
بعد ذلك دبت ثورة فى مدينة القسطنطينية إنتهت بخلع الإمبراطور "إسحق الثانى أنجلوس" وفرار إبنه "ألكسيوس الرابع" طالباً المساعدة من الغرب وإتصل بالصليبيين فى زارا وطلب منهم المساعدة مقابل أن يدفع لهم مائتى ألف مارك وأن تخضع الكنيسة البيزنطية للكنيسة الغربية وأن يساعد البيزنطيين الصليبيين فى حملتهم ضد مصر بعشرة آلاف جندى, وقد وافق الصليبيون والبابا والبندقية على تقديم المساعدة لتنحرف الحملة الصليبية الرابعة للمرة الثانية عن غايتها وتتجه إلى مدينة القسطنطينية وحصارها لمدة ثمانى أشهر ودخولها فى أبريل 1204 وهرب الإمبراطور "ألكسيوس الثالث" وجلس "إسحق الثانى أنجلوس" وبجانبه إبنه "ألكسيوس الرابع" الذى إنفرد بالحكم وعجز عن الوفاء بإلتزاماته للصليبيين فقاموا بعزله وعاثوا فساداً فى القسطنطينية ونهبوها وقاموا بتقسيمها وأملاكها فيما بينهم واقاموا إمبراطورية لاتينية فى مدينة القسطنطينية إستمرت ما يقرب من ستين عاماً.

الفصل الحادى عشر
حملة الأطفال الصليبية
فى عام 1212م قام طفل ألمانى لا يعرف التاريخ من ماضيه إلا أن إسمه "نيقولا" وأعلن أن الله أمره أن يقود إلى الأرض المقدسة حملة صليبية مؤلفة من الأطفال, وعارضه فى ذلك رجال الدين وغير رجال الدين ولكن فكرته إنتشرت سريعاً فى عصر تسوده أكثر مما تسود العصور موجات الحماسة العاطفية وحاول الآباء بكل ما وسعهم من الجهد أن يمنعوا أبناءهم من الإستجابة لدعوته ولكن آلاف الغلمان أو بعض البنات فى ثياب الغلمان لا يزيد متوسط أعمارهم عن الثانية عشر تسللوا من بيوتهم وساروا وراء "نيقولا", وخرج القسم الأكبر من هذا الحشد المؤلف من ثلاثين ألف طفل من مدينة كلونى وساروا بحذاء نهر الراين وفوق جبال الألب. وأهلك الجوع عدداً كبيراً منهم وفتكت الذئاب ببعض المتخلفين وإختلط اللصوص بالزاحفين وسرقوا ثيابهم وطعامهم, ووصل من نجا منهم إلى جنوة حيث سخر منهم الإيطاليون ولم يجدوا سفناً لنقلهم إلى فلسطين.
أما فى فرنسا فقد قدم إلى "فيليب أغسطس" فى ذلك العام راعٍ فى الثانية عشرة من عمره يدعى "ستيفن" وقال أن المسيح ظهر له وهو يرعى غنمه وأمره أن يقود حملة من الأطفال إلى فلسطين فأمره الملك أن يعود إلى غنمه ولكن عشرين ألفاً من الغلمان إجتمعوا رغم هذا وراء "ستيفن" وإجتازوا فرنسا إلى مرسيليا وكان "ستيفن" قد وعدهم أن البحر سينشق عند هذه المدينة ليمكنهم من الوصول إلى فلسطين راجلين, ولم ينشق البحر, ولكن إثنين من أصحاب السفن عرضوا عليهم أن ينقلاهم إلى حيث يقصدون دون ان يتقاضوا منهم أجراً, فأزدحم الأطفال فى سبع سفن وتحطمت إثنتان من هذه السفن بالقرب من سردينيا وغرق كل من كانوا فيها, وجئ بالباقيين من الأطفال إلى تونس ومصر حيث بيعوا فى أسواق الرقيق.

الفصل الثانى عشر
الحملة الصليبية الخامسة 1218 – 1221م
فى عام 1205م توفى "عمورى لوزجنال" ملك مملكة بيت المقدس والممثلة فى عكا حالياً وأصبحت زوجته إيزابيل هى صاحبة المملكة هى وإبنتها "مارى" إبنة "كونراد دى مونتفرات" البالغة من العمر أربعة عشر عاماً تحت وصاة حاكم بيروت "حنا دى برين" ومرت فترة الوصاية (1205 – 1210م) فى هدوء ولكن فى عام 1208 بلغت مارى سن الرشد وبدأت مشكلة البحث لها عن عريس له من الخيرة والكفاءة ما يمكنه حماية مصالح الصليبيين فى بلاد الشام والدفاع عنهم وتنافس الأمراء الصليبيين على الزواج من الأميرة الشابة. عقد مجلس فى عكا ورأى المجتمعون ضرورة الرجوع إلى "فيليب أغسطس" ملك فرنسا ليختار الزوج المناسب لها فأختار لها "حنا دى برين" (النبيل المفلس البالغ من العمر ستين عاماً ولكنه يتمتع بالصفات اللازمة للصليبيين فى بلاد الشام) الذى وصل فى 1210م إلى عكا بعد أن زوده البابا وملك فرنسا بالمال اللازم ليستعين به على مطالب الزواج.
تم الزواج والتتويج لـ "يوحنا دى برين" فى أكتوبر 1210, ولكن توفت مارى فى عام 1212م بعد ان أنجبت طفلة إسمها "إيزابيل برين" ليتعرض عرش مملكة بيت المقدس للذيذية مرة أخرى حيث ساء موقف "حنا دى برين" الذى لم يعد له صفة شرعية بعد وفاة زوجته طبقاً للقواعد والأصول الإقطاعية وتم الإتفاق على أن يقوم "حنا دى برين" بالوصاية على المملكة وعلى إبنته "إيزابيلا" حتى تبلغ سن الرشد.
منذ مطلع القرن 13 آمن الصليبيون بأن الإستيلاء على مصر ضرورى لتأمين مشاريعهم الإستيطانية فى فلسطين ولإستقرار حياتهم فى بلاد الشام, دعا البابا "أنوسنت الثالث" فى عام 1213م إلى حملة صليبية جديدة وكان "يوحنا دى برين" ملك مملكة بيت المقدس له من التجارب وبـُعد النظر ما جعله يؤمن بفكرة مهاجمة مصر وطوال الفترة من 1217م / 1218م إستمرت جموع الصليبيين تتدفق على بلاد الشام تلبية لدعوة البابا "أنوسنت الثالث" ومن بعده "هونوريوس الثالث", إستغل "حنا دى برين" الجموع الصليبية التى وفدت إلى بلاد الشام للقيام بحملة على مصر لضرب الإسكندرية أو دمياط والذين أيدوه هم الصليبيون بالشام وعلى رأسهم الداوية والإسيتارية, والصليبيين فى قبرص وتولى هو زعامة الحملة, وإتصل بنجاشى الحبشة ليتعاون معهم لضرب الإسلام عن طريق غزو الحجاز.
إختار الصليبيون النزول بدمياط التى كانت أقرب الموانى المصرية لهم بالشام ولم يدركوا أن غزو مصر من دمياط يعنى ضرورة عبور الدلتا وأن عبور الدلتا يتضمن عقبات طبيعية تتمثل فى السدود والترع والقنوات مما جعل عبور الدلتا إلى القاهرة أمراً غاية الصعوبة. وفى 27 مايو 1218م خرج "حنا دى برين" على رأس ما إستطاع جمعه من السفن والرجال قاصداً دمياط ووصلت السفن إلى مصب فرع دمياط ونسب الصليبيون معسكرهم على الضفة الغربية للنيلالمواجهة لمدينة دمياط. وما وجده الصليبيون أن المدينة محصنة تحصيناً قوياً وتمتد بعرض مجرى النيل سلاسل غليظة من الحديد تمنع المراكب من دخول مجرى النيل وهناك برج السلسلة وهو حصن بناه المسلمون وسط مجرى النهر لحماية المدينة ودفع أى عدوان يقع عليها. وعندما علم "الكامل" الذى كان ينوب عن السلطان "العادل" فى حكم مصر بنزول الصليبيين أسرع على رأس جيشه ونصب معسكره جنوب دمياط ليكون على إتصال بالمدينة من ناحية ويمنع الصليبيون من العبور إليها من ناحية أخرى.
توفى السلطان "العادل سيف الدين أبو بكر" فى 31 أغسطس 1218م فخلفه إبنه "الكامل محمد" فى حكم مصر و "المعظم عيسى" فى حكم دمشق وعمل "الكامل" على طرد الصليبيين من مصر فى حين واصل "المعظم عيسى" هجماته على الصليبيين فى الشام. ففى 6 أكتوبر 1218م قام "الكامل" بعبور النيل على رأس أربعة آلاف من رجاله وهاجم المعسكر الصليبى فى بورة – المواجهة لدمياط – ولكن حذر الصليبيين جعلهم يصمدوا للهجوم وهزموه فأضطر للتراجع للضفة الشرقية للنيل بعد أن خسر الكثير من قواته. ولكن الصليبيون فشلوا فى عبور النيل إلى ضفة دمياط. وزاد الموقف غارات بدور الصحراء على القرى.
الكامل من دمياط ليواجه فى القاهرة مؤامرة وإنقلاب دبرها أحد الأمراء ضده وتفرقت جموع المدافعين عن دمياط فسقطت فى أيدى الصليبيين فى 5 فبراير 1219م بعد حصار تسعة أشهر وغدروا بأهلها وقتلوهم وسبوا النساء.
وجدير بالذكر أنه قبل سقوط دمياط وفى أثناء حصارها كان السلطان "الكامل" قد إنتابه اليأس من إمكانية صمودها فأرسل يفوض الصليبيين من أجل الجلاء عن مصر فى مقابل تنازله عن بيت المقدس إلا أن المندوب الباباوى "بيلاجيوس" وقادة الحملة المتغطرسين الذين كانوا يريدون القاهرة بعد دمياط بالإضافة إلى المدن الإيطالية التى كانت المصدر الأساسى لتمويل الحملة كانوا يريدون الإستيلاء على دمياط لتكون مركزاً تجارياً لهم إلى جانب مراكزهم التجارية المنتشرة فى البحر المتوسط كل هؤلاء رفضوا ما عرضه الملك "الكامل" وواحد فقط الذى قبل العرض ويرغب فى التفاوض وهو "حنا دى برين" ملك بيت المقدس.
وعلى مدى ثمانية عشر شهراً كاملاً جمد الصليبيون نشاطهم فى دمياط ووصلت قوات إضافية من أوربا ومن عكا فبدأوا يزحفون جنوباً حتى مدينة "فارسكور" وذلك فى منتصف شهر يوليو 1221م وهو وقت فيضان النيل السنوى وزحفت قوات الجيش المصرى لكى تحاصر الصليبيين قرب المنزلة ثم بدأ فيضان النيل وفتحت الجسور فأغرقت كل الطرق أمام الجيش الصليبى المحاصر. وعلى ضفة النيل كانت سفن البحرية المصرية تستولى على سفن العدو ومعداته الحربية وتقتل وتأسر ما لا حصر له من الصليبيين الذين إضطروا إلى التقهقر والإنسحاب إلى دمياط ومنها عادوا إلى عكا, وهكذا غرقت أحلام الصليبيين بالإستيلاء على مصر فى أوحال الدلتا ووسط أمواج النيل الهادئة ودخلت القوات المصرية دمياط بعد أن دحرت آخر الصليبيين فى سبتمبر 1221م.

الفصل الثالث عشر
الحملة الصليبية السادسة 1127 – 1129م
فى نفس الوقت الذى كان السلطان الكامل يطلب النجدة من الإمبراطور "فريدريك الثانى" ضد الأخطار الداخلية التى واجهته من إخوته ومن الخوارزمية كان البابا "هونوريوس الثالث" يواصل الضغط على الإمبراطور "فريدريك الثانى" للقيام بحملة صليبية وبعد وفاة "هونوريوس الثالث" أبى خليفته على العرش وهو "جريجورى التاسع" (1127 – 1141م) قبول الأعذار وأصر على ضرورة رحيل الإمبراطور إلى الشرق فوراً.
أبحر الإمبراطور من برنديزى قاصداً بلاد الشام ولكنه عاد بعد أيام مدعياً المرض مما جعل البابا يعتبر المرض تمارضاً فأصدر قرار بالحرمان ضد الإمبراطور فى 29 سبتمبر 1227م وفتح باب النزاع بين البابوية والإمبراطورية من جديد.
أدرك الإمبراطور أن المصلحة تستدعى القيام بحملته الصليبية حتى يفوت على البابا هدفه فى إظهار الإمبراطور فى صورة المسيحى العاق فخرج "فريدريك" على رأس قوة صغيرة من رجاله يقال أنها لم تزد عن خمسمائة فارس لا تكفى لمجرد التفكير فى شن حرب على المسلمين. وإنما كان يعول على فتح باباً للمفاوضات مع الكامل للحصول على بيت المقدس بطريق السياسة لا بالحرب وتوجه إلى عكا فى يونيو 1228م وكان وضع مملكة بيت المقدس فى هذا الوقت قد تغير لأنه ترتب على زواج "فريدريك الثانى" من "إيزابيلا الثانية" وريثة مملكة بيت المقدس زوال وصاية أبيها "حنا دى برين", وكان أن توفيت "إيزابيلا الثانية" فى إبريل 1228م بعد أن أنجبت ولداً هو "كونراد" الذى أصبح صاحب الحق الشرعى فى المملكة الصليبية بالشام. وإنحصرت حقوق "فريدريك" عند وصوله إلى الشام فى كونه وصياً على "كونراد" الصغير.
وهناك فروق بين الحملة السادسة وسابقيها من الحملات وهى أن حملة "فريدريك الثانى" جاءت ملعونة من البابا وعلى رأسهن إمبراطور محروم من رحمة الكنيسة على حين حظيت الحملات السابقة بعطف البابوية, وأن حملة "فريدريك" لم يحضر معه فيها سوى خمسمائة فارس وهى قوة صغير لا تستطيع منازلة المسلمين على حين حرصت الحملات السابقة على جلب ما أمكنها جمعه من الرجال والسلاح, وأن حملة "فريدريك" خلت من الروح العدوانية الكبيرة ضد المسلمين وبدت كأنها نزهة جميلة خرج فيها إمبراطور الغرب لزيارة ودية لصديقه سلطان الشرق. فى حين كانت الحملات السابقة تفيض بروح العداء ضد المسلمين.
مر "فريدريك" بجزيرة قبرص لنشر سلطانه الفعلى على الجزيرة وتوسيع نفوذه على الشرق وتقوية مركزه فى نظر السلطان "الكامل". وعندما وصل إلى ميناء ليماسول فى قبرص فى 21 يوليو 1228م إستقبله أهل قبرص إستقبالاً طيباً وفرض سيطرته على الجزيرة وعين نائباً له فيها وأخيراً أبحر فى سبتمبر 1228م قاصداً عكا.
أما عن الموقف الإسلامى فى بلاد الشاد عند وصول الحملة فلم يعد الملك "الكامل" فى حاجة لمساعدة "فريدريك" لأن الملك "المعظم عيسى" صاحب دمشق ومصدر الخطر كان قد توفى فى 12 نوفمبر 1227م وخلف إبنه "الناصر داود" وهو شاب صغير فى العشرين من عمره. إتفق "الكامل" و"الأشرف" على إقتسام ممتلكات "المعظم عيسى", وخرج "الكامل" من مصر وإحتل بيت المقدس ونابلس فى صيف 1228م وإتفق "الكامل محمد" و"الأشرف موسى" على إقتسام ملك أخيهما الراحل فحاصرا "الناصر داود" فى دمشق ودخلوها فى 12 يونيو 1228م وترك "الكامل" دمشق لأخيه "الأشرف" وأخذ "الكامل" لنفسه حران والرها وتنازل "الناصر داود" لعمه الكامل عن الكرك.إستقرت أحوال البيت الأيوبى فى الشام ولم يعد "الكامل" فى حاجة إلى عون "فريدريك".
وهناك أسباب لرفض الكامل الصدام مع الصليبيين منها إدراك "الكامل" أن مصلحته تستدعى عدم الإصطدام بالصليبيين بالشام لتخوفه من الخوارزمية ومن خلفهم المغول, وأن أى تفريط فى حقوق المسلمين سيثير الرأى العام.
وعن حساسية موقف فريدريك فهى ترجع إلى أنه خرج من بلاده محروماً من الكنيسة معتمداً على وعد "الكامل" بإعطائه بيت المقدس لإصلاح مركزه فى الغرب الأوربى, ولم يحضر معه جيشاً كبيراً للحرب وإذا رجع فاشلاً إلى الغرب سيفقد ملكه وعرشه بسبب قرار الحرمان الصادر ضده, كما أن البابوية أخذت تعمل على ألا ينجح "فريدريك" فى إسترداد بيت المقدس حتى لا يكسبه ذلك شرفاً ونصراً فى معركته مع البابوية فأخذت البابوية ترسل الرسل إلى السلطان "الكامل" تحرض على عدم تسليم بيت المقدس للإمبراطور, ولم يبقى أمام "فريدريك" سوى سلاح واحد هو التفاوض والإستعطاف للوصول إلى غرضه والحصول على بيت المقدس.
ولحساسية موقف "فريدريك" بادر بإرسال الرسل إلى السلطان "الكامل" تحمل الهدايا وتطالبه بتحقيق وعده بتسليم بيت المقدس فتنكر "الكامل" لوعده وقال بأنه كان سيعطيه بيت المقدس مقابل معاونته أما وأنه الآن لا يحتاج للمعونة فإنه لا يستطيع التنازل عن بيت المقدس.
طالت المفاوضات وساء موقف الإمبراطور حين علم أن البابا أباح لرعاياه فى صقلية الإعتداء على ممتلكاته كما أشاعت البابوية أن الإمبراطور توفى وإدعى البابا لنفسه حق الوصاية على الإمبراطور. ولجأ "فريدريك" إلى سلاح الإستعطاف والتذلل للسلطان الكامل وكان يبكى فى بعض مراحل المفاوضات وأفلح الإستعطاف فى التأثير على "الكامل" وهو السلطان المتسامح البعيد عن التطرف وربما خشى "الكامل" أن يقود الإمبراطور جموع الصليبيين فى الشام للقيام بعمل حربى ضده فيقع بين ثلاثة أعداء هم أخيه "الناصر داود" والصليبيين والخوارزمية وسلطانهم.
وتحت تأثير رسول "الكامل" الأمير "فخر الدين يوسف بن الشيخ" وافق "الكامل" على عقد إتفاقية يافا مع "فريدريك الثانى" فى فبراير 1229م بالبنود التالية: الصلح مدته عشر سنوات, وأن يأخذ الصليبيين بيت المقدس وبيت لحم والناصرة فضلاً عن تبنين وصيدا وتبقى أسوار بيت المقدس على ماهى من الخراب ولا تجدد وأن تكون القدس للمسلمين, وأن يكون الحرم القدسى بما حواه من قبة الصخرة والمسجد الأقصى بأيدى المسلمين لا يدخله الفرنج إلا للزيارة فقط ويتولاه مسئول من المسلمين ويقيمون فيه الآذان والصلاة. ولم تتعرض الإتفاقية لأنطاكية أو طرابلس أو لأملاك الداوية والإسبتارية فيها.
وهكذا حقق "فريدريك" من المكاسب ما عجزت عنه جهود "ريشارد قلب الأسد" بإمكانياته الضخمة لحصوله على بيت المقدس دون قتال, وأثار تسليم بيت المقدس للصليبيين موجة عارمة من السخط والأسى فى العالم الإسلامى لدرجة أن "فريدريك" أحس حرج الملك "الكامل" وإعتذر له عن هذا الإحراج.
غضب الصليبيون أيضاً وإستاءوا وقال بعضهم أن كرامة المسيحية كانت تقتضى أن تؤخذ بيت المقدس بحد السيف لا عن طريق الإستجداء لاسيما أن المسلمين إحتفظوا بكثير من حقوقهم فيها. وشق "فريدريك" طريقه إلى بيت المقدس ودخلها يوم السبت 17 مارس 1229م ليملكها من القاضى "شمس الدين" وفى اليوم التالى دخل كنيسة القيامة ليتوج نفسه بيده بعد رفض كل رجال الدين وإنما من الرب مباشرة. وفى 19 مارس غادر "فريدريك" بيت المقدس إلى يافا ومنها إلى عكا وفى أول مايو 1229م أبحر من عكا إلى قبرص ثم عاد إلى إيطاليا فى 10 مايو 1229م وإضطرت البابوية فى النهاية للإعتراف بما حققه "فريدريك" من كسب للمسيحية وعقدت معه صلح "سان جرمانو" عام 1230م وبمقتضاه تم رفع الحرمان عن "فريدريك الثانى".

الفصل الرابع عشر
الحملة الصليبية السابعة على مصر 1248 – 1250م
فى عام 1244م نجح الصالح "نجم الدين أيوب" من إسترداد بيت المقدس من ايدى الصليبيين بمساعدة الخوارزمية مما ترتب عليه مجئ الحملة الصليبية السابعة بزعامة "لويس التاسع" إلى الشرق. ففى عام 1248م تواترت الأنباء عن قرب قدوم حملة جديدة ضد مصر بقيادة ملك فرنسا وعلى وجه السرعة عاد الملك "الصالح" من الشام إلى مصر لكى ينظم وسائل الدفاع ويستعد للمواجهة مع الصليبيين وتروى المصادر العربية أن الإمبراطور "فريدريك الثانى" صديق الأيوبيين قد أسل أحد رجاله متخفياً فى زى تاجر إلى الملك "الصالح" الذى كان مريضاً بدمشق يخبره بالإستعدادات الأوربية لشن حرب جديدة على مصر.
ففى خريف 1248م أبحر الأسطول الصليبى من ميناء مرسيليا الفرنسى إلى قبرص حيث أمضى "لويس التاسع" فترة من الوقت فى إنتظار تكامل قواته. وفى مايو 1249م أقلعت السن تجاه الشواطئ المصرية وفى يونيو 1249م أنزل الصليبيون قبالة دمياط وأمامهم "لويس التاسع" يخوض مياه البحر الضحلة على الشاطئ رافعاً سيفه ودرعه فوق رأسه وإنسحب المدافعون عن المدينة بسرعة بعد أن ظنوا أن ملكهم المريض قد مات, كما فر السكان مذعورين وسقطت دمياط دون قتال, تلك المدينة التى أجهدت رجال الحملة الصليبية الخامسة بمقاومته الشرسة. وما إن تأكد الصليبيون من حقيقة النصر السهل الذى حققوه دون قتال حتى أخذوا يدعمون وجودهم فى المدينة الأسيرة.
وقد أضاع "لويس التاسع" شهوراً طويلة فى دمياط دون التقدم إلى الداخل, وصلت هذه المدة خمسة أشهر كاملة, فى إنتظار قدوم أخيه "ألفونس دى بواتييه" ومعه الإمدادات التى طلبها, هذه الفترة سمحت للمصريين بتجهيز أنفسهم, وأخيراً وصل "ألفونس دى بواتييه" ومعه المدد المنتظر أواخر أكتوبر 1249م فعقد الصليبيون مجلساً للحرب لتقرير الخطوة التالية إما بالإتجاه إلى الإسكندرية أو الزحف إلى القاهرة وإمتثلوا للرأى الأخير.
إستقبل السلطان سقوط المدينة بمزيج من الألم والمرارة وأعدم عدداً من الفرسان الذين هربوا من دمياط ونقل معسكره إلى مدينة المنصورة, ومن هناك بدأ حرب عصابات ساهم فيها المصريون جميعاً وكثرت أعداد الأسرى الصليبيين الذين كانت تتخطفهم أيادى المجاهدين وتعددت مواكب الأسرى فى شوارع القاهرة, ثم جاءت قوات عربية أخرى من بلاد الشام لمساندة الجيش المصرى. وفى خضم هذه الأحداث توفى الملك الصالح "نجم الدين أيوب" فى 20 نوفمبر 1249م وأخفت زوجته شجرة الدر نبأ وفاته لكى لا تتأثر معنويات الجيش وأرسلت تستدعى على عجل إبنه "توران شاه" من إمارة الشام.
وإشتدت المقاومة المصرية ضد القوات الصليبية التى كانت تتقدم نحو مدينة المنصورة لتحدث معركة كبيرة هى معركة المنصورة سنة 1250م حيث كان بإنتظار القوات الصليبية هناك الأمير "بيبرس البندقدارى" أحد مماليك الصالح "نجم الدين الأيوبى" وأحد قواده الأفذاذ والذى صار بعد ذلك السلطان "الظاهر بيبرس" الذى نظم الدفاع عن مدينة المنصورة بشكل جيد وإنقشع غبار المعارك عن عدد كبير من القتلى الصليبيين من بينهم عدد من النبلاء ولم ينجح فى الهرب سوى عدد قليل من الفرسان هربوا على أقدامهم تجاه النيل ليلقوا حتفهم غرقاً فى مياهه.
أما الجيش الصليبى الرئيسى بقيادة "لويس التاسع" فكان لا يزال فى الطريق إلى المنصورة ولا يعلم مصير الطليعة الصليبية التى أرسلها لإقتحامها. ودارت معركة رهيبة فى نفس العام بالقرب من فارسكور كان نتيجتها القضاء التام على الجيش الصليبى وأسر "لويس التاسع" الذى سيق مكبلاً بالحديد إلى دار القاضى "إبن لقمان" بالمنصورة حيث بقى سجينا به فترة من الزمان حتى أفرج عنه لقاء فدية قدرها 200 ألف دينار وبعد أن أقسم بألا يعود إلى مصر. وقد قتل فى هذه الحملة وحدها من الفرنسيين حوالى خمسين ألفاً.