‏إظهار الرسائل ذات التسميات الأهرام. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الأهرام. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 7 أكتوبر 2021

35 أمريكا ترد على "تهديد" بريجنيف بإعلان رفع حالة الاستنفار العسكرى

35

أمريكا ترد على "تهديد" بريجنيف بإعلان رفع حالة الاستنفار العسكرى

واشنطن: خالد داوود

الأهرام الأربعاء 12 نوفمبر 2003م - 18 رمضان 1424هـ


بعد أن أنهي كيسنجر محادثته مع السفير الإسرائيلي سميحا دينيتز، حيث أطلعه علي مضمون الرسالة ذات اللهجة العنيفة التي وجهها الزعيم السوفيتي بريجينيف إلي الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون.. أجري كيسنجر محادثة مع ألكسندر هيج كبير موظفي البيت الأبيض الذي يبدي تشككه في دوافع السوفيت ويقول أن الغرض من اقتراح إرسال قوة مشتركة قد يكون التمهيد لإرسال قوات سوفيتية لعلمهم أن الولايات المتحدة لن توافق علي ذلك. ويحذر كيسنجر من أن إقدام السوفيت علي هذه الخطوة قد يترتب عليه مواجهة مباشرة بين الطرفين خاصة إذا قاموا بمهاجمة إسرائيل. كما يعبر عن رأيه في أن السوفيت ما كانوا ليقدموا علي هذه الخطوة لو لم يكن الرئيس نيكسون يعاني من أزمة داخلية بسبب فضيحة ووترجيت وبدء إجراءات إقالته. كما يطلع كيسنجر هيج علي تطورات الموقف العسكري ويقول أن إسرائيل تواجه الجيش الثالث في الضفة الشرقية وتحاول قطع طرق إمداده. ويتفق الاثنان علي عقد اجتماع عاجل لمجموعة العمل الخاصة في البيت الأبيض. وينقل كيسنجر عن مذكرات نيكسون قوله أنه عندما أبلغه هيج بالرسالة التي وصلت من بريجينيف طلب منه عقد اجتماع مع كيسنجر في البيت الأبيض "وصياغة الخطط اللازمة للرد بشكل حازم علي التهديد السوفيتي المبطن باتخاذ إجراء منفرد. ولم تكن الكلمات تكفي للتعبير عن موقفنا: كان لا بد من اتخاذ تحرك بما في ذلك إعلان حالة الاستنفار العسكري لإحداث صدمة.


(بقية الحلقة مكررة بالكامل في الحلقة 36)

34 رسالة شديدة اللهجة من بريجينيف إلى نيكسون

 34

رسالة شديدة اللهجة من بريجينيف إلى نيكسون

"مسئوليتكم أن تطالبوا إسرائيل بالتوقف فورًا عن الأعمال الاستفزازية"

واشنطن: خالد داوود

الأهرام الثلاثاء 11 نوفمبر 2003م - 17 رمضان 1424هـ


لم تكد تمضى دقائق قليلة على مكالمة السفير السوفيتى أناتولى دوبرنين مع كيسنجر حتى يعاود دوبرنين الاتصال بكيسنجر ليبلغه في هذه المرة رسالة شديدة اللهجة من بريجينيف إلى نيكسون: "سيادة الرئيس لدينا معلومات محددة أن القوات الإسرائيلية تهاجم الآن باستخدام الدبابات والسفن الحربية القوات المصرية في الضفة الغربية من القناة. وهم يحاولون الاستيلاء على هذا الميناء (السويس) في انتهاج لقرار مجلس الأمن الخاص بوقف إطلاق النار في الشرق الأوسط. وفى نفس الوقت فإن القوات الإسرائيلية تقوم بمهاجمة الجانب الشرقى لقناة السويس وكذلك القوات المصرية جنوب القناة. ولقد قامت إسرائيل بهذه التصرفات العنيفة بعد ساعات قليلة فقط من تأكيد مجلس الأمن للمرة الثانية ضرورة الالتزام المتبادل بوقف إطلاق النار وبعد بيانكم الحازم لنا بأن الولايات المتحدة ستتحمل المسئولية الكاملة لضمان التزام إسرائيل الكامل بوقف إطلاق النار.

"سيادة الرئيس نحن على ثقة بأن لديكم مسئولية لكى توضحوا لإسرائيل أن القوات يجب أن تتوقف فورًا عن الأعمال الاستفزازية. ونود أن نأمل أنكم ونحن سنبقى مخلصين للوعود التي قدمناها لبعضنا البعض وللاتفاق الذى توصلنا له معكم. وسنقدر للغاية تنفيذ ما ورد في رسالتكم بشأن الخطوات التي تتخذونها للتأكد من أن إسرائيل سوف تنصاع للقرار الثانى الصادر عن مجلس الأمن".

ك: أشكرك يا أناتول. سوف نرد على رسالتكم خلال ساعتين فيما يتعلق بالمحتوى. ولكن بداية أود أن تقوم بإبلاغه (بريجينيف) ما يلى: لقد أخبرنا الإسرائيليين أن مواصلة هذه العمليات سيعنى إعادة تقييم شامل لعلاقتنا بما في ذلك قضية الإمداد. ثانيًا أننا طالبناهم بوقف عملياتهم. وثالثًا لقد طالبنا بأن يتيقن المراقبون التابعون لنا بأنهم ليسوا في مواقع هجومية وذلك حتى يتمكن المراقبون التابعون للأمم من الوصول إلى هناك. ورابعًا أن الرئيس شخصيًا اتصل بالسفير الإسرائيلي وأبلغه بنفس النقاط.

د. حسنًا.

ك: كما أرجو أن تبلغ بريجينيف أننا نأمل في أن تستمر نفس الروح التي سادت في مفاوضات نهاية الأسبوع وأننا لسنا متورطين في أي لعبة بهدف الحصول على خمسة أميال وهو أمر لا يعنى شيئًا بالنسبة لنا أو بالنسبة لكم.

وفى نفس الوقت وصلت رسالة من حافظ إسماعيل تفيد أن إسرائيل قامت مجددًا بخرق قرار وقف إطلاق النار الجديد. وتلتها مباشرة رسالة أخرى من السادات إلى نيكسون ويطلب فيها تدخله شخصيًا. واقترح السادات عدة أمور رأى كيسنجر أنها سيترتب عليها عواقب خطيرة ومنها المطالبة بأن ترسل الولايات المتحدة فورًا قوات أو مراقبين إلى الجانب المصرى لضمان وتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار. "وكان الجديد هو ما كنت أخشى حدوثه طوال الأزمة. فلقد أخبرنا السادات أنه قدم نفس الطلب "رسميًا إلى السوفيت. وبعد هذه الرسالة الخاصة من السادات علمت أن القاهرة صرحت علنًا بأنها تدعو لاجتماع لمجلس الأمن للمطالبة بإرسال قوات أمريكية وسوفيتية إلى الشرق الأوسط. وكان من الواضح أننا نرى أزمة كبيرة تظهر أمامنا. فنحن غير مستعدين لإرسال قوات أمريكية إلى مصر كما لن نقبل بإرسال قوات سوفيتية. فنحن لم نعمل على مدى سنوات من أجل تقليل النفوذ السوفيتى في مصر لكى نقوم لاحقًا بالتعاون على عودتهم من خلال قرار للأمم المتحدة. كما أننا لن نقبل المساهمة في قوة مشتركة مع الروس لأن ذلك كان من شأنه إضفاء الشرعية على دورهم في المنطقة وتقوية العناصر الراديكالية. كذلك كان من الممكن أن يؤدى ذلك إلى إثارة فزع الدول العربية المعتدلة المعادية للسوفيت مثل السعودية والإمارات والأردن والكويت. وقد يثبت لاحقًا أن القوة السوفيتية المقترحة لن يصبح من الممكن إزاحتها وسيكون هناك العديد من الحجج التي ستسمح لها بالتدخل ضد إسرائيل أو ضد الدول العربية المعتدلة في هذه الحالة.

وقررنا مقاومة استقدام قوات سوفيتية إلى المنظمة مهما كانت المبررات وبالقوة لو استدعى الأمر. وأخبر كيسنجر دوبرنين عند لقائهما في الرابعة من ظهر ذلك اليوم أن الولايات المتحدة سترفض أي قر ار يطالب أي عضو دائم في الأمم المتحدة بإرسال قوات.

وأول ما قام به كيسنجر كالمعتاد هو الاتصال بالسفير الإسرائيلي دينيتز لاطلاعه على تطورات الموقف.


كيسنجر - دينيتز الساعة 3.40 بعد الظهر

ك: لقد وصلنا للتو من السوفيت أنباء لا أقول أنها صحيحة ولكنها تفيد بأن قواتكم تواصل هجومها.

د: لقد تحدثت مع إسرائيل قبل خمس دقائق وهم يقولون أن الوضع هادئ وأننا ألغينا حالة الإظلام المفروضة على إسرائيل.

ك: دعنى أوضح لك استراتيجيتنا في الأمم المتحدة. إذا تمت الدعوة لاجتماع سنتخذ الموقف التالى: 1- نحن نساند إصدار أقوى نداء ممكن لاحترام وقف إطلاق النار. 2- سوف نعارض تمامًا استقدام قوات أمريكية وسوفيتية ما لم تكونوا موافقين على ذلك...

د: لا.. لا.. لا

ك: 3- سنرحب بتقوية دور الأمم المتحدة من خلال استخدام مراقبين من الدول الاسكندفانية ومن أماكن أخرى. 4- وفيما يتعلق بقضية العودة إلى الخط الأصلى فإننا نساند المبدأ بقوة ولكننا لا يوجد لدينا أفكار بشأن كيفية تطبيق ذلك. وسنصدر تعليمات لسكالى بأن يتعمد التعطيل وأن يبقى الموقف غامضًا.

د: هل تعرف إذا ما كان أحد سيتقدم بمشروع قرار؟

ك: لا أعرف. لقد دعا المصريون والسوريون إلى اجتماع. سوف أرى دوبرنين في الرابعة وأطالبه بأن لا يقترحوا هذا (إرسال قوة مشتركة) لأننا سنعترض على ذلك. وفى نفس الوقت فلتعطونا أكبر كم ممكن من الضمانات أنكم لن تقوموا بأية أعمال عسكرية.


وفى الساعة 4.25 مساء يتحدث كيسنجر مع شليزنجر

ك: هل تم السماح لنا بالذهاب إلى الجبهة في إسرائيل؟

ش: لقد تم السماح لنا ولكننى لست متأكدًا أن هذه فكرة جيدة بأى حال.

ك: حسنًا هل توجد أي طريقة نستطيع من خلالها التأكد بأنفسنا أن الموقف هادئ؟ الإسرائيليون يقولون لنا أن هذا هو الوضع بينما السوفيت يقولون أنه ليس كذلك.

ش: يمكننا أن نرسل مراقبين من الأمم المتحدة وهم مستعدون للذهاب. ولقد قلنا لهم أننا سنتولى نقلهم.

ك: لا أود إرسالهم (الأمريكيين) كمجموعة مراقبة رسمية. كما لا أريد إرسال الروس أيضًا. لماذا لا نرسلهم كمجموعة غير رسمية.

ش: المشكلة هي أننا إذا أرسلنا عسكريين أمريكيين إلى هناك فإنهم سيقومون باستغلال ذلك.

ك: هل من الممكن أن نرسل واحدًا فقط من أجل معلوماتنا من دون أن يكون له صفة رسمية لترسل شخصين أو ثلاثة إلى هناك ثم ليعودوا مرة أخرة إلى تلك أبيب فقط لكى أتمكن من أن أقول للسوفيت ما معتقد أنه يحدث هناك. لا يوجد لدى تقييم مستقل.

ثم يتحدث كيسنجر مع ديفيد بوبر مساعد وزير الخارجية لشئون المنظمات الدولية ليناقش معه مجددًا مسألة إرسال الملحقين العسكريين الأمريكيين إلى الجبهة مع التشديد على ضرورة ألا يكون لهم صفة عسكرية وأن يبقوا هناك لفترة قصيرة وذلك في إطار رفضه للاقتراح السوفيتى بإرسال قوات مشتركة إلى هناك. كما طالب بأن تكون مهمتهم مستقلة عن مهمة المراقبين التابعين للأمم المتحدة.

وفى الساعة 7.05 مساء يتصل دوبرنين بكيسنجر ليعلمه بأن موسكو قررت الموافقة على الاقتراح المصرى بإرسال قوات سوفيتية وأمريكية مشتركة من أجل ضمان تنفيذ وقف إطلاق النار إذا تم طرح ذلك من خلال مشروع قرار جديد في مجلس الأمن. ويرد كيسنجر أن واشنطن لن تقبل ذلك وستمارس حق النقض أو الفيتو وعلق قائلا أنه إذا أصر السوفيت على هذا الموقف فلن يكون من الممكن تجنب مواجهة.

ثم يتصل كيسنجر بسكالى مندوبه في الأمم المتحدة ليبلغه بالتطورات الجديدة ويطلب منه رفض القرار الداعى لإرسال قوات سوفيتية - أمريكية مشتركة وإلقاء خطاب قوى ينتقد فيه القرار. كما يطلعه بأنه سيحاول إقناع دول أخرى دائمة العضوية وتحديدًا البريطانيين برفض القرار. وأبلغه سكالى أن هناك مشروع قرار يجرى تداوله في مجلس الأمن يدعو إلى إدانة إسرائيل والدعوة لإرسال قوات سلام من دول صغيرة من أجل دعم المراقبين. وكان رد فعل كيسنجر هو القول "ولكننا لا يمكننا إدانة إسرائيل هل يمكن ذلك" ويرد سكالى "بالطبع لا". ويضيف كيسنجر أنه لا يفضل عمومًا إرسال قوات حفظ سلام دولية ويحبذ تدعيم فريق الأمم المتحدة الذى كان متواجدًا هناك قبل اندلاع الحرب. وعندما يبلغه سكالى بأن المندوب الصينى في مجلس الأمن تساءل عن موقف الولايات المتحدة من فكرة إرسال قوات سوفيتية إلى المنطقة كرر كيسنجر موقفه بأنه سيرفض ذلك.

وفور انتهاء هذه المكالمة يعاود كيسنجر الاتصال بدوبرنين في الساعة 7.25 مساء ليناشده مجددًا عدم تقديم القرار الداعى لإرسال قوات مشتركة.

ك: لقد كنت أتحدث مع الرئيس ونحن نريد أن نطالبكم بالفعل ألا تدفعوا الأمور نحو الحد الأقصى لأننا سنمارس الفيتو ضد أي قرار يدعو لإرسال أي قوات عسكرية. ما نحتاجه هو المزيد من المراقبين.

د: عندما كنت في موسكو لم تكن قضية إرسال قوات مطروحة. ولكنهم (القيادة السوفيتية) يشعرون الآن بغضب كبير ويريدون إرسال قوات.

ك: ولكن لماذا من خلالنا ما الذى سيتم تحقيقه.

د: السبب هو أنكم سمحتم للإسرائيليين أن يقوموا بما كانوا يريدونه. لقد كان هناك اتفاق بينك وبين بريجينيف...

ك: ليكن ما يكون ولكن إذا كنتم تريدون مواجهة فسيجب علينا الخوض في مواجهة. ولكن سيكون ذلك أمرًا مؤسفًا.

د: أنت تعرف أننا لا نريد مواجهة.

ك: لا يمكن تجنب تبادل الاتهامات خلال الـ 24 ساعة الأولى بعد التوصل لاتفاق إطلاق النار. لقد تقدمنا سويًا بقرارين مشتركين...

د: سوف أرسل هذه المعلومات لموسكو ولكن التوجيهات صدر بالفعل إلى ماليك المندوب السوفيتى في مجلس الأمن.

ك: سوف نرفض القرار وسيكون من المؤسف أن ندخل في مواجهة.

ثم يتصل كيسنجر باللورد كرومر السفير البريطاني لدى واشنطن ويبلغه بقرار الولايات المتحدة الاعتراض على الاقتراح الداعى إلى إرسال قوات حفظ سلام إلى الشرق بما في ذلك قوات سوفيتية وأمريكية ويطلب منه أن تقوم لندن أيضًا برفض القرار. كم يخطره بأن الصينيين قد يقومون أيضًا برفض القرار.

وفى الساعة 7.30 يتصل بمساعده سكوكروفت ليؤكد له أن الولايات المتحدة تعترض من حيث المبدأ على فكرة إرسال قوات حفظ سلام وليس فقط إرسال قوات أمريكية. "وحتى لو لم تكن هذه القوات أمريكية أو سوفيتية فإنها ستكون خاضعة للنفوذ السوفيتى". ويطلب منه إبلاغ الصينيين بالموقف الأمريكي.

ثم يتصل بالسفير الإسرائيلي ليطلعه على الموقف وقرار الولايات المتحدة ممارسة حق النقض ضد أي قرار يدعو لإدانة إسرائيل أو إرسال قوات حفظ سلام أو إرسال قوات أمريكية.


وفى الساعة 7.50 مساء يجرى كيسنجر المكالمة التالية مع ألكسندر هيج:

ك: أردت اطلاعك على آخر تطورات ما يحدث. لقد اتخذ الروس منحى قذرًا بعد أن أدركوا أنه قد تم هزيمتهم. هم يقولون لنا الآن أنهم سيوافقون على مشروع قرار تتقدم به الدول غير دائمة العضوية 1- يدين إسرائيل لانتهاكاتها لقرار وقف إطلاق النار 2- يطالب بإرسال كتائب من قوات حفظ السلام بما في ذلك قوات سوفيتية وأمريكية ولقد قلت لدوبرنين أن هذا تحرك خاطئ ومثير للغضب. نحن سوف ندين كلا الطرفين ونعارض تمامًا إرسال أي قوات عسكرية.

هيج: هل ذهبوا بعيدًا إلى هذا الحد؟

ك: قد يجب علينا مواجهتهم.

هيج: كنا نعلم أن الأمر لن يكون سهلا.

ك: أعتقد أننا يجب أن نقاوم بصلابة الأظافر الآن.

هيج: بالطبع يجب ذلك. تمامًا.

ك: بالطبع إن الموقف سيكون أفضل كثيرًا لو كان الإسرائيليون توقفوا أمس.

هيج: جاءتنى مكالمة من الرئيس.


ويعود كيسنجر للاتصال بدوبرنين قائلا أن ذلك يتم بناء على توجيه من الرئيس في محاولة جديدة لتجنب مواجهة بين الطرفين في حال أصر السوفيت على تأييد مشروع القرار. ويضيف أن معلوماته تفيد بأن القتال قد توقف في ذلك الوقت. ولكن يبدو أن طلبه جاء متأخرًا حيث أن المندوب السوفيتى في مجلس الأمن ألقى خطابه بعد دقائق من هذه المكالمة بإرسال قوات أمريكية وسوفيتية إلى الجبهة. ويدعو كيسنجر دوبرنين مجددًا إلى "ضبط النفس" وأنه ما زال هناك وقت لتغيير موقفهم حيث أن مشروع القرار لم يطرح للتصويت بعد.


وفى الساعة 8.52 مساء يتحدث كيسنجر مع سكالى حيث يطلعه على ما جرى في مجلس الأمن.

سكالى: لقد امتنع ماليك بالكاد عن مهاجمتنا مباشرة واكتفى بانتقاد إسرائيل بشدة. كما قال أنه فيما يتعلق بطلب السادات فإنه طلب مشروع تمامًا في إطار ميثاق الأمم المتحدة. وطالب الجميع بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وفرض عقوبات عليها. كما أشار إلى زيارتك إلى تل أبيب وأنك تتحمل مسئولية كبيرة. وهو يعتقد أن الولايات المتحدة في موقع يسمح لها بإجبار إسرائيل على القيام بما ترغب فيه. واتهم إسرائيل بتجاهل قرارات مجلس الأمن. كما انتقد تشكيل قوات المراقبة وألمح إلى أنه يجب إرسالهم إلى هناك ولكن لم يشر إلى ذلك مباشرة. لدى خطاب يمكننى إلقاؤه.

ك: لن أقوم برفض شيء لم يتم اقتراحه من الأساس.

س: لقد طلب الزيات منا ذلك رسميًا في المجلس (إرسال مراقبين).

ك: من الأفضل أن تقوم بإلقاء خطابك.

س: السادات يقول أنه يريد من "القوى العظمى أن تتدخل وتحرك قواتنا إلى هناك".


ويقول كيسنجر أنه بعد ساعة تحولت المواجهة التي كانت متوقعة في مجلس الأمن تحولت إلى مواجهة سوفيتية - أمريكية مباشرة وذلك بعد أن أبلغه دوبرنين بخطاب موجه من بريجينيف إلى نيكسون:

"لنقم سويًا الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة وبشكل عاجل بإرسال فرق عسكرية أمريكية وسوفيتية إلى مصر من أجل ضمان تنفيذ قرارات مجلس الأمن الصادرة في 22 و23 أكتوبر (338 و339) والمتعلقة بوقف إطلاق النار وكل النشاطات العسكرية وكذلك ما توصلنا له من تفاهم معك بشأن ضمان تنفيذ قرارات مجلس الأمن.

"ومن المهم الالتزام بذلك دون تأخير. وسأقول لك بشكل مباشر أنه إذا وجدتم من المستحيل القيام بعمل مشترك معنا فيما يتعلق بهذا الأمر فإننا سنجد أنفسنا مضطرين للنظر بشكل عاجل في اتخاذ الإجراءات المناسبة بشكل منفرد. ولا يمكن لنا السماح بعدم الانصياع من قبل إسرائيل...".

ويرى كيسنجر أن هذه الرسالة مثلت أخطر تحد موجه لرئيس أمريكى من قبل زعيم سوفيتى بدءًا بالطريقة المتعجرفة التي بدأت بها الرسالة في مخاطبة نيكسون فقط "بالسيد الرئيس" ونهاية بخلاصتها المتعجرفة أيضًا والتي طالبت "برد فورى وواضح". وأضاف أن الرسالة طالبت أيضًا ليس فقط بأن تقوم القوات الأمريكية والسوفيتية بفرض وقف إطلاق النار ولكن كذلك بفرض تسوية نهائية وفقًا لشروط لم يتم تحديدها ولكن جرت الإشارة إليها مرارًا من قبل موسكو على مدى ذلك العام والتي قمنا نحن برفضها. كما هددت الرسالة بإرسال قوات بشكل منفرد إذا رفضت الولايات المتحدة ذلك. وحقيقة أن الخطاب الذى أرسل نحو الرابعة صباحًا بتوقيت موسكو كان يعكس مدى توتر القيادة السوفيتية.


وفى الساعة 9.50 مساء يتصل كيسنجر مجددًا بهيج.

ك: لقد تلقيت للتو رسالة من بريجينيف يطلب منا إرسال قوات مشتركة أو أنه سوف يقوم بذلك منفردًا.

هيج: هذا هو ما كنت أخشه.

ك: أعتقد أنه سيتحتم علينا إظهار الصلابة في هذا الموقف.

هيج: هل هذه الرسالة تأتى ردًا على موقفك المتشدد.

ك: لا. كل ما قلنا أننا سنرفض أي قرار يصدر من الأمم المتحدة. في هذا الشأن وما قالوه هو أنهم سيؤيدون القرار لو تقدم به طرف آخر.

هيج: ما هو موقف الإسرائيليين في هذه اللحظة؟

ك: إنهم يواجهون الجيش الثالث.

هيج: أعتقد أنهم (السوفيت) فقط يقومون بالتهويش. هم لن يقوموا بإرسال قوات إلى الحرب هناك. لا أصدق ذلك.

ك: لا أعرف. ما الذى سيمنعهم من نقل مقاتلين عن طريق الجو إلى هناك؟

هيج: لتفكر فيما سيؤدى إليه ذلك بالنسبة لهم؟ بالطبع حجتهم هي أن الإسرائيليين غير ملتزمين.

ك: أعتقد أن الإسرائيليين يجب أن يتقدموا بعرض للتراجع ولكن سيكون هذا أمرًا خطيرًا لأنهم قد يصرون على تراجعهم إلى خلف النقطة التي كانوا عندها.

هيج: لا نتوقع قيام الإسرائيليين بذلك. هل يعرف الإسرائيليين بما يجرى هل أحطتهم علمًا.

ك: نعم. هل يجب على إيقاظ الرئيس.

هيج: لا.


ثم يتصل كيسنجر بالسفير الإسرائيلي في العاشرة مساء لكى يطلعه فيه على مضمون الخطاب السوفيتى.

د: وما هي نواياهم؟

ك: هم يقولون أن كل ما يرغبون فيه هو وقف القتال.

د: لدى أمران أود لفت انتباهك لهما. لقد تلقيت معلومات للتو أن إحدى وحداتنا المحمولة جوًا في مدينة السويس تتعرض لإطلاق نار منذ ساعة. لقد تمت محاصرة أفرادها ومهاجمتهم بالمدفعية الثقيلة من قبل وحدة الكوماندوز التابعة لهم (المصريين). ما ننوى القيام به هو توفير مساعدة جوية لهم لكى يتمكنوا من الخروج من الحصار.

ك: حسنًا. إذا كان السوفيت قد قرروا التدخل فأعتقد أننا قد نكون قد بالغنا في الموقف أمس (إشارة واضحة من كيسنجر إلى التجاوزات الإسرائيلية التي قررها هو شخصيً غض الطرف عنها - الأهرام).

د: لا أود أن نخوض في ذلك مجددًا.

ك: دعنا نفكر في التكتيكات. لابد أن نقدم لهم شيئًا يظهر أنهم في موقف خاطئ تمامًا. وأود أن أعرف إذا كان من الممكن أن توافقوا على العودة إلى الخطوط التي كنتم عليها قبل أن يبدأ هذا الأمر برمته (خرق إطلاق النار).

د: كيف يمكن القيام بذلك؟ يمكننى إطلاع رئيسة الوزراء على ذلك ولكن باستطاعتى أن أقول لك مقدمًا...

ك: لا يوجد لدى وقت لمثل هذا الكلام..

د: هل سيضع السوفيت قوات لمحاربتنا؟

ك: هذا ليس مستحيلا في الواقع. أعتقد أن هذا هو ما سوف يقومون به. سأقرأ لك نص الخطاب لاحقًا ولكن السوفيت يقولون أنه إذا لم نوافق على وضع قوات مشتركة فهم سيقومون بذلك وحدهم.

د: هل يريدون وضع وحدات للسلام أم للقتال.

ك: هم يتحدثون عن السلام.

د: أنا مجرد ممثل لدولة صغيرة.

ك: أنظر. لا يوجد لدى وقت لمثل هذا الكلام! هم يقولون إذا لم نقم بذلك سويًا فسوف يقومون بإرسال قوات من جانب واحد. إذا لم يكن هناك شيء بإمكانك القيام به فسأقبل ذلك أيضًا. ماذا يجب أن يكون ردنا من وجهة نظرك.

د: سأعرض الأمر على رئيسة الوزراء.


كيسنجر - دوبرنين الساعة 10.15 مساء

ك: نحن على وشك الاجتماع للنظر في خطابكم. وأردت أن أخبرك أنه إذا قمتم بأى تحرك منفرد قبل أن يكون لدينا فرصة للرد فسيكون أمرًا خطيرًا للغاية.

د: نعم حسنًا.

ك: هذا أمر شديد الأهمية. لا تضغطوا علينا. أريد أن أكرر ثانية. لا تضغطوا علينا.


33 السادات يبعث برسالة إلى نيكسون يطالبه بالتدخل لوقف إطلاق النار ويقترح إرسال قوة مشتركة مع السوفيت

33

السادات يبعث برسالة إلى نيكسون يطالبه بالتدخل لوقف إطلاق النار ويقترح إرسال قوة مشتركة مع السوفيت

واشنطن: خالد داوود

الأهرام الاثنين 10 نوفمبر 2003م - 16 رمضان 1424هـ


في هذه الحلقة الثالثة والثلاثين يواصل هنري كيسنجر سرد محادثاته الهاتفية مع أطراف النزاع في يوم 23 أكتوبر (اليوم الثامن عشر للحرب) حيث يبدأ بمحادثته مع يوري فورنتسوف نائب رئيس الوفد السوفيتي بالأمم المتحدة، لكي يبلغه بضرورة الوقف الفوري لجميع الأعمال العسكرية علي الجبهتين المصرية والسورية، ثم يتحدث إلي المندوب الأمريكي بالأمم المتحدة لكي يبلغه بقرب التوصل إلي قرار مشترك مع السوفيت.. ويتصل بعد ذلك بوزير الدفاع الأمريكي جيمس شيلزنجر لكي يبلغه بضرورة استمرار الجسر الجوي الذي يمد إسرائيل بالأسلحة الأمريكية، وذلك علي الرغم من تعالي الأصوات في الكونجرس للمطالبة بإنهاء هذا الجسر بعد التوصل في الأمم المتحدة إلي قرار لوقف إطلاق النار.


كيسنجر ـ فورنتسوف الساعة 1.35 بعد الظهر.

ك: دعني أخبرك بما لدينا في مشروع القرار: تأكيد القرار الخاص بالوقف الفوري لكافة الأعمال العسكرية والمطالبة بأن تعود قوات الجانبين إلي المواقع التي كانت عليها عند دخول قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. نحن علي استعداد للقبول بذلك وأن يصدر كقرار مشترك. والفقرة الثانية تشير إلي الاستعانة بكافة المراقبين في الشرق الأوسط والقاهرة.

ف: سوف أتحدث مع جوزيف ماليك (المندوب السوفيتي في مجلس الأمن) وأعاود الاتصال بك.

ك: كما أننا نعلق اهمية كبيرة علي التفاهم الذي توصلنا له مع السكرتير العام (بريجينيف) بخصوص تبادل الأسري.

ف: سأكرر الرسالة إلي موسكو.

ثم يتحدث كيسنجر مع سكالي ليبلغه بقرب التوصل إلي قرار مشترك مع السوفيت ويطلب منه أن يهدأ من روع المندوب السوفيتي لدي مجلس الأمن ماليك ويقول مازحا "وإلا سأقوم بإرساله إلي سيبريا. أنا أعرف بريجينيف أكثر مما يعرفه هو. وأساله إن كان قد سبق له تلقي قبلة علي الفم من بريجينيف كما حدث معي. لقد تقدمنا باقتراح جديد وأعتقد أنه (ستتم الموافقة عليه)".


ولم تمض خمس دقائق حتي قام فورنتسوف بالاتصال بكيسينجر ليبلغه موافقة موسكو علي التعديلات الأمريكية علي نص القرار.

ويقول كيسنجر إنه من خلال هذه المجهودات كان يعتقد أنه منح إسرائيل أكبر درجة من المرونة لتحسين موقفها في أي مفاوضات قادمة. "ولكنها كانت تطلب ما لم يمكننا منحه". واتضح ذلك من خلال برقية عاجلة أرسلتها مائير إلي كيسنجر بعد ظهر ذلك اليوم تنتقد فيها بغضب مشروع القرار الجديد وتصفه بأنه جهد أمريكي - سوفيتي مشترك لفرض حل علي إسرائيل. وتقول: "من غير الممكن لإسرائيل أن تقبل مرة بعد أخري مواجهة الإنذارات الروسية والمصرية والتي تقوم الولايات المتحدة بالموافقة عليها بعد ذلك". ويعترف كيسنجر بأن مائير كانت تبالغ وأنه "لم يكن من الممكن اعتبار مطالبة إسرائيل ومصر وقف إطلاق النار والتفاوض علي العودة إلي الخطوط التي كانت قائمة عندما دخل الاتفاق حيز التنفيذ بمثابة إنذار خاصة أن الولايات المتحدة كانت حريصة علي عدم تحديد الخط الذي يجب العودة إليه كما واصلت الجسر الجوي بكامل قوته". وفسر رد فعل إسرائيل بأنه كان تعبيرا واضحا عن الإحباط الذي عانوا منه علي مدي الأسابيع الثلاثة الماضية. وأبلغت مائير الأمريكيين أنها لن تلتزم بمشروع القرار المقترح أو حتي تقبل الحديث عنه.

"وكان واضحا أن إسرائيل كانت مصممة علي أن ينتهي القتال بهزيمة مصر. ولم يكن لدينا أي مصلحة في أن نسمح بتدمير السادات نتيجة لتحدي إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق نار قمنا نحن بالتفاوض عليه ورعايته. ولو لم تكن إسرائيل تشعر بالاهتزاز نتيجة لأحداث الأسابيع الماضية لكانت قد تفهمت أيضا أن ما كانت تطالب به من شأنه عمليا أن ينهي أي أمل من البدء في جهد دبلوماسي وسيؤدي إلي حرب متواصلة. كما أن الاحتمالات كانت تشير إلي أنه إذا سقط السادات فسيحل مكانه غالبا قائد موال للسوفيت. ومن ناحية أخري فإن السوفيت كانوا سيقومون تدريجيا مع الوقت بإعادة بناء بديل للجيش الثالث وعاجلا أم آجلا كانت ستندلع حرب مصرية - إسرائيلية جديدة نواجه من خلالها نفس المعضلات التي ما كدنا ننجح في احتوائها. وكانت مسيرة السلام التي تهيمن عليها الولايات المتحدة ستنتهي قبل أن تبدأ وإذا تم إحياؤها في مستقبل غير معروف فستتم في ظل ظروف رعاية أقل تفضيلا".


وفي الساعة 3.02 بعد الظهر اتصل كيسنجر بشليزنجر وزير الدفاع وكان أهم ما ركز عليه ضرورة مواصلة الجسر الجوي وذلك بعد أن تعالت أصوات في البنتاجون تطالب بضرورة وقفه بعد التوصل إلي وقف إطلاق نار في الأمم المتحدة.

شليزنجر: لدينا الآن مشكلة فيما يتعلق بمرحلة ما بعد اتفاق وقف إطلاق النار.

ك: إننا نعمل علي حل المشكلة وسنتقدم بمشروع قرار مشترك في الرابعة مع الاتحاد السوفيتي.

ش: إن سؤالي يتعلق بالجسر الجوي.

ك: يجب أن ندعه يتواصل حتي نتمكن من السيطرة علي الجوانب الأخري.

ش: إذن عندما يتوقف (السوفيت) نتوقف نحن.

ك: لقد تقدمنا باقتراح ولا بد من أن نتمسك بموقفنا. إذا أوقفنا الجسر الجوي من جانب واحد الآن فذلك سيكون أمرا سيئًا.

ش: بالتأكيد. المصريون الآن مهتزون بعض الشيء.

ك: لا أعتقد ذلك.

ش: تقترح أن نبقي متمسكين بموقفنا في نفس الاتجاه.

ك: هل تعتقد أننا ارتكبنا خطأ بالمشاركة في قرار يدعو إلي وقف جديد لإطلاق النار (بافتراض أن ذلك في غير مصلحة إسرائيل).

ش: أنا لا أعرف في هذه المرحلة.

ك: بافتراض أن السوفيت تقدموا بمفردهم باقتراح لوقف إطلاق النار هل كنا سنعترض عليه (ممارسة حق الفيتو)

ش: لا لا يمكننا القيام بذلك.

ك: إذا قمنا بذلك فسنقع في مشاكل مع العرب.

ش: عنوان اللعبة هو أن نبقي الجسر الجوي قائما.


وفي الساعة 4.20 مساء يجري كيسنجر مكالمة تتناول أيضا قضية الجسر الجوي مع نائبه سكوكروفت.

سكوكروفت: أعرف أنك تحدثت مع شليزنجر. الكل يريد وقف الإمدادات.

ك: سوف أتحدث معهم.

ش: إن البنتاجون يحتاج إلي التهدئة. إنهم ليسوا علي دراية بما يجري ويتساءلون عن سبب استمرار الجسر الجوي بينما هناك اتفاق لوقف إطلاق النار.

ك: لتقل لهم علي الأقل أن ينتظروا حتي أقوم بالاتصال بهم. لماذا نقوم بوقف الدعم لإسرائيل بينما لم يقم الروس بوقف دعمهم للعرب


وفي الساعة 5.09 بعد الظهر يعاود كيسنجر الاتصال بلشيزنجر ليبلغه استياءه من تصريح أدلي به مسئول في البنتاجون لإحدي وكالات الأنباء يقول إنه "بعد أن بدأ السوفيت في التراجع (في دعمهم العسكري للعرب) فإننا سنتراجع أيضا." ويقول "هل بإمكانك أن تقول لرجالك أن يلتزموا الهدوء.


إننا نحتاج إلي استمرار الجسر الجوي إلي إسرائيل مع تواصل الأزمة. وأنت ستبقي الجسر قائما بأقصي طاقته.

وردا علي سؤال من وزير الدفاع حول سير وقف إطلاق النار يجيب كيسنجر "نحن نحقق انتصارات كبيرة ولكن الضغوط الضخمة ستأتي عندما نبدأ في مفاوضات السلام."

وفي الساعة 6.50 مساء يجري كيسنجر اتصالا بنيكسون الغارق في أزمته الداخلية. ويبدأ الحوار بمحاولة رفع معنوياته بالقول إنه تلقي رسائل من الكثير من الصحفيين يشيدون فيها بطريقة تعامله مع الأزمة.

نيكسون: إذا قارنا ما حدث بالأزمة الكوبية فسنجد أن الروس لم يكن من الممكن أن يقوموا بالاتصال بكينيدي. ولكنهم في الشرق الأوسط فعلوا ذلك وبعد قيامنا بتحريك طائراتنا لم يعد أمامهم خيار.

ك: هذه هي نقطتي الرئيسية. (تحقيق انتصار علي السوفيت)

ن: لا شك أنهم أدركوا أن الأمر تطلب بعض الشجاعة للقيام بذلك.

ك: لا يوجد شك. لقد كان انتصارا رائعا.

ن: إن الاتفاق الذي تفاوضت للتوصل إليه كان رائعا. وتغيير الصياغة إلي الاكتفاء بمطالبة الأطراف (بدلا من الزامهم) كانت جيدة للغاية.


وفي الساعة 8.28 مساء يتصل كيسنجر برئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال توماس مورار ليشدد مجددا علي ضرورة استمرار الجسر الجوي و "ألا يتم تخفيضه سواء من ناحية الكمية أو عدد الطلعات... نحن لن نقوم بتخفيض الجسر الجوي. وإذا وصلتك أي أوامر بعكس ذلك فلتبلغني وسأقوم بتوصيل ذلك الشخص إلي مكتب الرئيس. أود التيقن من أن الكميات ومعدل الطلعات الجوية تسير بنفس المعدل الذي وعدناهم به".

وكان السفير السوفيتي دوبرنين قد عاد إلي واشنطن وأجري المحادثة التالية مع كيسنجر في الساعة 7.10 مساء.

د: عندما غادرت موسكو كان كل أعضاء المكتب السياسي يشعرون بالرضا. ولكن الآن الموقف يبدو سلبيا بعد رحلتك لإسرائيل وكل التطورات اللاحقة.

ك: لدينا الآن مشروع قرار جديد. هل اتفقتم علي شيء مع المصريين

د: النقطة الوحيدة التي أثارت دهشتي رفضك للفقرة الثانية الخاصة بعودة القوات إلي خط وقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه.

ك: أولا هذا غير صحيح. الصعوبة غير العادية تكمن في تحديد مكان الخط. لم نكن نريد الدخول في مشكلة حول موقع الخط.

د: الأمر يبدو جيدا مرة ثانية. هل أصابتك الدهشة (من الهجوم الإسرائيلي)

ك: لم يكن لدي أي علم بالأمر (بالطبع كان هذا غير صحيح في إطار الضوء الأخضر الذي منحه شخصيا لمائير لمواصلة القتال).

د: ما هو الموقف علي الجبهة؟

ك: الإسرائيليون يقسمون علي أن المصريين هاجموهم أولا (رغم عدم قناعته شخصيا بهذه الحجة). لا يوجد لدينا معلومات مستقلة.

د: ولكن ما هو الموقف. هل يتواصل القتال أم توقف؟

ك: أعتقد أنه توقف. لقد طالبنا الإسرائيليين بأقوي الكلمات أن يتوقفوا.

د: وهل بدأوا في العودة إلي الخطوط التي كانت قائمة يوم الأحد؟

ك: هم يقولون أنهم سيوافقون علي ذلك. ولكن من يعرف أين كانت هذه المواقع؟ أعتقد أنهم لن يوافقوا أبدا.

د: ألا توجد لديكم صور استطلاعية من الجو

ك: لم نقم بأية عمليات استطلاع جوي. لنقل أننا لا نعرف حقيقة الموقف بصراحة. لقد أرسلنا لهم (إسرائيل) اليوم رسالتين عاجلتين نطالبهم بالتوقف. كما اجتمعت بالسفير الإسرائيلي هنا لأطالبه بالتوقف.

د: لقد كان هناك اتفاق بينك وبين بريجينيف أن يتم وقف القتال خلال 12 ساعة (من تمرير القرار).

ك: إن مشروع القرار كان يطالب بالعودة إلي الخطوط التي كانت متواجدة عندما تم الاتفاق علي تمرير القرار. وكنا غير راغبين في الموافقة علي شيء لا يمكن لأحد تنفيذه. المصريون يقولون شيئا والإسرائيليون يقول شيئا آخر وأنتم لا تعرفون ونحن لا نعرف. ولكن لم يكن من السهل إقناع طرف يحقق تقدما بقبول وقف إطلاق النار. بدءا من ذلك الوقت كانت إسرائيل تحقق انتصارا ولكننا وافقنا علي القرار رغما عن ذلك.

د: نحن لم نتفق في موسكو علي تحديد الطرف الذي كان يحقق انتصارا في الحرب.

ك: لقد بذلنا مجهودا كبيرا للتوصل إلي اتفاق.

د: إنني أكثر قلقا علي التفاهم بيننا الآن أكثر مما هو الموقف مع العرب...

ك: لقد أمضينا اليوم بأكمله لإقناع الإسرائيليين بالتوقف ونعتقد أنهم توقفوا الآن. كما أعتقد أننا تمكنا من إقناع الإسرائيليين من ناحية المبدأ بقبول رعايتنا المشتركة.

د: هل وافقوا علي هذا الأمر؟

ك: ليس مائة في المائة ولكن إذا تمكنا من تسوية القضية الخاصة بسجناء الحرب فأعتقد أنهم سيوافقون. (استراتيجية كيسنجر الكلاسيكية في الحصول علي تنازلات مقابل أي وعد يتقدم به). لقد تحدثت مطولا مع رئيسة الوزراء ولقد أرسلت خطابا بهذا المعني لبريجينيف.

ثم تنتهي المكالمة بتأكيد الطرفين علي أهمية استمرار التنسيق بينهما في هذه المرحلة ويشدد دوبرنين علي أهمية التزام كيسنجر بالاتفاق الذي توصل له مع بريجينيف. ويرد قائلا: "أنا لن أقوم بخداع بريجينيف. سيكون هذا أغبي شيء يمكنني القيام به. حتي لو انتصرنا في هذه المرة فلن يكون من الممكن إقامة علاقة ثقة بيننا مجددا. لا يمكننا السيطرة علي كل شيء يقوم به الإسرائيليون وهم يقسمون أن المصريين هم الذين بدأوا".

ولكن كيسنجر يقر لاحقا بأنه كان علي دراية بأن الموقف كان قد تدهور علي الجبهة بطريقة تفوق كثيرا ما عبر عنه في محادثته مع دوبرنين. ففي الثالثة والربع من ظهر نفس اليوم وصلت رسالة مباشرة عاجلة من الرئيس السادات إلي نيكسون وكانت هذه هي المرة الأولي التي يقوم فيها الرئيس المصري بذلك مما عكس خطورة الموقف.

وفي هذا الرسالة قدم السادات اقتراحا اعتبره كسينجر غير عادي ويقضي بأن تقوم الولايات المتحدة التي لم تكن تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع مصر في ذلك الوقت بـ "التدخل بشكل فعال حتي لو تتطلب ذلك استخدام القوات بغرض ضمان التنفيذ الكامل لقرار وقف إطلاق النار وفقا للاتفاق الذي تم التوصل له بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي". ومضي الخطاب "ليدعي" غالبا بناء علي سوء تقديم الموقف من الجانب السوفيتي أن الولايات المتحدة قدمت "ضمانا" لوقف إطلاق النار. (ومن الغريب أن يعتبر كيسنجر ما احتواه خطاب السادات "ادعاء" إذ كيف كان يمكن النظر إلي مشروع قرار مشترك تقدمت به القوتان العظميان في ذلك الوقت إلا أنه ضمان لوقف إطلاق النار من الطرفين ـ الأهرام).

ويقول كيسنجر إن الاقتراح المصري كان يعني عمليا وضع قوات أمريكية في مواجهة حليفتنا إسرائيل وكان هذا أمر يصعب الموافقة عليه بنفس درجة صعوبة الموافقة علي مطالبة إسرائيل بأن نواصل نحن جهودنا الدبلوماسية بينما يقومون هم بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار الذي قمنا بالتفاوض للتوصل له. وكان قرار كيسنجر الالتزام بنفس السياسة وهي العمل علي وقف القتال "علي أن نقوم لاحقا بتشجيع عقد مفاوضات حول مواقع وقف إطلاق النار". ويضيف أنه لما كان يعتقد أن الأمر يتعلق بعدة أميال فإنه طالب السفير الإسرائيلي دينيتز كذلك بالتراجع لعدة مئات من الأمتار وذلك لتأسيس المبدأ (الانسحاب إلي خطوط وقف إطلاق النار عندما دخل الاتفاق حيز التنفيذ). ويعده دينيتز بإبلاغ هذه الرسالة إلي مائير.

وينصحه كيسنجر بتأخير هذا التحرك حتي آخر لحظة ممكنة "فالوقت المناسب للقيام بتحرك هو آخر لحظة قبل أن يتم إجبارك علي القيام بذلك ثم ليكتشفوا هم لاحقا ما قمت أنت به للتو. ولكن إذا قمت بالانسحاب عدة مئات من الأمتار الآن فسيزيدون من ضغوطهم. أوقفوا القتال غدا وبعد ذلك فليعلن أحد أنه بدءا من يوم الخميس ستبدءون في العودة إلي المواقع الأصلية".


وفي الساعة 8.30 مساء يعاود دينيتز الاتصال بكيسنجر ليبلغه تعهدا من مائير إلي مصر والسوفيت بأنه "إذا توقف المصريون عن إطلاق النار فلن نطلق النار نحن أيضًا. وتضيف أنها تقدم تعهدًا شخصيًا لك بأنه إذا أعطت مصر تعليمات بوقف القتال ونفذتها فإننا لن نقوم بإطلاق النيران وبغض النظر عن المكاسب التي يمكننا تحقيقها".

ك: ولكن النقطة الأولي هي نفس النقطة الثانية.

د: لا في الثانية تقدم لك تعهدا شخصيا.

ك: ويمكننا إبلاغ الروس والمصريين أننا لدينا تعهدات منكم.

د: إذا أعطوا أوامر بوقف النار ونفذوها فإننا لن نطلق النار. وهي تقول أننا سنتوقف علي الرغم من أن هذا سيضر بموقفنا علي الجبهة. لقد قرروا (في إسرائيل) إعطاء وقف إطلاق النار فرصة. لقد كان المصريون هم من قرروا خرق وقف إطلاق النار.

ك: سأقول لك ما كنت سأقوم به لو كنت مستشار الأمن القومي الإسرائيلي...

د: لقد طلبت مني (مائير) أن أبلغك أن ذلك الأمر الخاص بعدة مئات من الأمتار غير مجد. فالمصريون والروس يعرفون أين كانت مواقعهم. ولقد اقترحت التكتيك التالي: أننا راغبون بأمانة وبصدق في القبول بوقف إطلاق النار وفورا. ولكن المصريين واصلوا القتال ونتيجة لذلك تم الاستيلاء علي أراض جديدة.

ك: إنها هي المسئولة عن شئون إسرائيل.... ولكننا في موقف صعب فيما يتعلق بهذا الأمر. لن نقول من هو الطرف المسئول عن بدء القتال.


وفي الساعة 8.25 مساء يتصل كيسنجر بدوبرنين ليبلغه بالرسالة التي وصلته من مائير ويطلب منه إقناع المصريين بإصدار قرار ثان بوقف القتال.

د: الخطوة التالية ستكون العودة إلي الخطوط التي حددها القرار.

ك: هذه هي القضية التالية. كل ما طالب به السادات هو وقف إطلاق النار.

د: التوقف ثم العودة إلي حيث كانوا.

ك: النقطة الأولي هي وقف القتال.

د: لا يوجد شيء آخر أرغب فيه.

ك: حتي الآن ما أفهمه هو أنهم (الإسرائيليون) سيواصلون التقدم.

د: سأتصل بموسكو في هذا الشأن.

ك: وبعد ذلك سنري ما سنقوم به بشأن الخطوة التالية.

ويقول كيسنجر إن اقتراح إسرائيل الذي بدا متراجعا بشأن إصدار أوامر لقواتها بوقف إطلاق النار لم يكن ليقبله المصريون. فحتي لو قام الإسرائيليون بوقف القتال فلقد كان من المؤكد أن الجيش الثالث سيحاول الخروج مما يعني تجدد القتال. وبات مؤكدا أن يؤدي قرار إسرائيل إلي أزمة كبيرة والتي كانت ستؤدي "لو تم الضغط علينا بشكل كبير إلي التمسك بما قمنا بالتفاوض بشأنه في موسكو". (وهنا إقرار آخر من كيسنجر بأن إسرائيل هي التي قامت بخرق الاتفاق وليس الجانب المصري). وركزت استراتيجية الولايات المتحدة علي التوصل لوقف إطلاق النار أولا قبل التعامل مع موقف الجيش الثالث. وتصاعد التوتر مع مرور اليوم.


الرابع والعشرين من أكتوبر

بدأ اليوم بمكالمة مع دوبرنين في الساعة 9.45 صباحا

ك: أناتولي يبدو أن المجانين في الشرق الأوسط قد بدأوا مرة أخري. لقد وصلتنا رسالة هذه المرة بشأن الضفة الشرقية. الضفة الغربية هادئة الآن.


لقد وصلتنا للتو رسالة من الإسرائيليين يدعون فيها تعرضهم للهجوم. والمصريون لا يقولون من الذي يقوم بالهجوم. أريدك أن تعرف ما قمنا به. قمنا أولا بإرسال خطاب للإسرائيليين نطالبهم فيها بالتوقف وذكرناهم بأن لدينا تعهدا منهم أنهم سيلتزمون بمواقع دفاعية. كما أرسلنا خطابا للمصريين والذي سأقوم بإرسال نسخة لك منه نقول فيه أننا سنعارض تماما أي هجمات إسرائيلية جديدة ونوصيهم أيضا باتخاذ إجراء مماثل.

وانطباعنا الذي لا نملك أي أدلة مستقلة لتأكيده هو أن المصريين قد يكونوا هم الذين بدءوا بالهجوم ولكننا غير متأكدين...لا بد أن تفهم موسكو أننا لا نمارس أي ألعاب هنا. لقد توصلنا لاتفاق والآن سيتم تنفيذه. لديك تأكيد منا بذلك.

د: سأرسل برقية إلي موسكو


وفي الساعة 10.10 صباحا يعاود دوبرنين الاتصال بكيسنجر ليبلغه بأنه قد وصلته برقية من موسكو ولكن كيسنجر يخبره أولا بأنه قد توصل إلي اتفاق مع الإسرائيليين علي السماح لملحقين عسكريين أمريكيين مقيمين في تل أبيب بالتوجه إلي الجبهة للتأكد من أنهم لا يقومون بأية أعمال هجومية وأنه قد تم إخطار مصر بهذا التطور. ويسأله دوبرنين عن الطرف الذي قام باتخاذ هذه المبادرة ويرد كيسنجر أنه كان صاحب الاقتراح للتأكد من توقف الإسرائيليين عن القيام بأية هجمات. كما يبلغه بطلب السادات الاستعانة بقوات أمريكية من أجل ضمان نهاية الأعمال القتالية وهو ما يرد عليه دوبرنين مندهشا "هم طلبوا منك ذلك؟".

ولم تمض سوي خمس دقائق حتي يقوم كيسنجر هذه المرة بالاتصال بدوبرنين ليبلغه بأن الإسرائيليين قد أطلعوهم بأن القتال توقف علي الجبهة الشرقية بينما بقي الموقف هادئا علي الضفة الغربية. كما ستقوم الولايات المتحدة بإرسال عشرة مراقبين من تل أبيب لمراقبة الموقف لمدة48 ساعة وذلك حتي تصل قوات مراقبة تابعة للأمم المتحدة مع الاستعداد لتمديد فترة مهمتهم إذا طلب أي طرف ذلك. وفي نفس الوقت يستفسر كيسنجر عن صحة تقرير بأن بريجينيف علي وشك التوجه إلي كوبا وهو ما ينفيه دوبرينين ويعرب عن دهشته من هذا الأمر. كما يخطر الوزير الأمريكي السفير الروسي بخطته التوجه إلي الصين في العاشر من نوفمبر في إشارة واضحة إلي ضرورة الانتهاء من هذه الأزمة الدائرة قبل ذلك الموعد.


32 السفير الإسرائيلي يسأل كيسنجر: "هل زيارتك لموسكو سرية؟"

32

السفير الإسرائيلي يسأل كيسنجر: "هل زيارتك لموسكو سرية؟"

واشنطن: خالد داوود

الأهرام الأحد 9 نوفمبر 2003م - 15 رمضان 1424هـ


عندما التقي الفريقان الأمريكي والسوفيتي للتفاوض صباح 21 أكتوبر، قدم كيسنجر مشروع قرار عمل علي صياغته مع مساعده سيسكو خلال الليل، وكانت أول نقطة فيه تدعو إلي وقف إطلاق النار علي ما هو عليه الحال. أما نقطتنا الثانية فلقد أزاحت الطلب السوفيتي للبدء في انسحاب إسرائيلي فوري إلي خطوط جديدة، بل لم تشر مطلقا إلي قضية الانسحاب ولكن طالبت الطرفين ببساطة أن يبدآ في تطبيق القرار 242 بكل أجزائه وهي صياغة غامضة بشكل يكفي لشغل الدبلوماسيين لسنوات لتفسيرها دون التوصل إلي اتفاق. أما نقطتنا الثالثة، فلقد دعت إلي مفاوضات فورية بين الأطراف المعنية تحت الرعاية المناسبة، وبمعني آخر فإن وقف إطلاق النار سوف يؤدي إلي مفاوضات مباشرة بين إسرائيل والدول العربية والتي رفضت دائما هذا الطلب، بينما زعمت حكومات إسرائيلية متعاقبة أن مجرد القيام بذلك سيفتح الباب أمام تقديمهم لتنازلات. ولم نقدم شيئا فيما يتعلق بالضمانات.

ولدهشتنا، فلقد وافق بريجينيف وجروميكو علي النص الذي تقدمنا به بعد القيام بتعديلات إنشائية صغيرة، وتحول هذا النص لاحقا إلي القرار 338. ثم حاولوا بعد ذلك أن يعدلوا الإشارة إلي الرعاية المناسبة للمفاوضات المباشرة لكي تصبح تقديم ضمانات أمريكية سوفيتية حول نتيجتها، وهو ما اعتبره كيسنجر معادلا لطلب فرض السلام، وبالتالي رفض هذا الطلب. وقام بتعريف الرعاية بأنها تعني حضور الدبلوماسيين الأمريكيين والسوفيت لافتتاح المفاوضات، وكذلك لاحقا فقط عندما يتم التعامل مع القضايا الرئيسية. وهذا أيضا قبله بريجينيف وجروميكو بعد قليل من الاعتراض.

قبل الرحلة إلي موسكو حرص كيسنجر علي إجراء محادثة هاتفية مع السفير الإسرائيلي سيمحا دينيتز، أكد له فيها أن محادثاته مع الجانب السوفيتي لن تبدأ قبل صباح الأحد 21 أكتوبر (بتوقيت موسكو)، ووعده بأنه لن يبدأ في تنفيذ أي اتفاق يصل إليه في موسكو إلا بعد مناقشة الأمر مع الجانب الإسرائيلي، ثم يقول له: أنا فقط أخبركم بهذه الأمور لكي ترسموا تخطيطكم علي هذا الأساس.


ويعود دينيتز فيؤكد علي كيسنجر ضرورة ألا يجري أي ربط بين وقف إطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي، ثم يسأله:

هل رحلتك إلي موسكو سرية؟

ك: نعم حتي يتم الإعلان عنها في الثانية صباحا.


وفي السابعة والربع مساء يعقد كيسنجر اجتماعا أخيرا لمجموعة العمل الخاصة والذين وصفهم بأنهم كانوا زملاءه علي مدي الأسبوعين السابقين: وزير الدفاع جيمس شليزنجر ورئيس هيئة الاركان المشتركة توماس مورار ومدير السي. أي أيه ويليام كولبي ونائبه في مجلس الأمن القومي برنت سكوكروفت. ويصف الاجتماعات اليومية لهذه المجموعة بأنها كانت متوترة أحيانا حيث لم نكن نتفق دائما (وفي الغالب كان يتم اتهام كيسنجر بأنه يضع مصلحة اسرائيل أولا ـ الاهرام) ولكننا تمكنا من إدارة ازمة صعبة وخرجنا بنتيجة جيدة. ونجحنا في تحقيق أهدافنا الرئيسية: خلقنا الظروف اللازمة من اجل إحداث اختراق دبلوماسي، كما دعمنا أمن أصدقائنا، ومنعنا تحقيق انتصار بسلاح سوفيتي، وحافظنا علي علاقة مع الدول العربية الرئيسية ومهدنا الأساس لدور رئيسي في دبلوماسية ما بعد الحرب. وقمنا بكل ذلك وسط أخطر أزمة دستورية داخلية نواجهها في القرن.


20 ـ 22 اكتوبر

غادر كيسنجر ومرافقوه إلي موسكو في الثانية من صباح السبت20 أكتوبر بعد نحو أسبوعين تماما من اندلاع الحرب. وقمت بتوصيل السفير السوفيتي أناتولي دوبرنين حيث ان هذه كانت أسرع طريقة له للوصول الي موسكو. وكان من المفترض أن تكون مغادرتي سرية ولكن البيت الأبيض سارع إلي الإعلان أن الرئيس نيكسون أرسلني إلي موسكو لإجراء مباحثات مباشرة مع القيادة السوفيتية حول وسائل إنهاء الأعمال العدائية في الشرق الاوسط.

ومن أجل كسب الوقت أخبرت دوبرنين أنني لم يسبق لي القيام بمفاوضات فور انتهائي من رحلة طيران طويلة تمر عبر توقيتات زمنية مختلفة وأنني لن أكون مستعدا للبدء في المحادثات حتي صباح الاحد بتوقيت موسكو وهو ما يعني بعد ما يزيد علي ستة وثلاثين ساعة، (يتحدث كيسنجر هنا وكأنه ساحر يجب عليه القيام بطقوس معينة قبل البدء في مفاوضات رغم أن القضية شديدة الحساسية. ولكن كانت هذه سمعة كيسنجر بالفعل علي ما يبدو في ذلك الوقت وهو أنه رجل شديد الذكاء تتطلب مجرد موافقته علي التدخل من أجل حل أي مشكلة دولية الكثير من الرجاء وذلك للشعور بأنه قادر علي حل أي أزمة ـ الاهرام) وخلال هذه الفرة، وكما كان كلانا يعرف، فإن الموقف العسكري كان يمكن أن يتغير لمصلحة إسرائيل. ولقد ذكرت دينيتز دائما بأن ينصح بأن تقوم إسرائيل بعملياتها (العسكرية) مع الوضع في الاعتبار أننا لن نستطيع تعطيل صدور قرار بوقف إطلاق النار لمدة أطول من 48 ساعة، ولكن رحلتي إلي موسكو ضاعفت في النهاية هذه الفترة.

وكما اتضح لاحقا فإن الموقف العسكري هو الذي أملي درجة سرعة المفاوضات وعلي الرغم من أنني طلبت من دينيتز أن يحيطنا دائما بتطورات الموقف لحظة بلحظة بينما كنت أقوم بالتفاوض في موسكو، فإننا لم نسمع أي شيء من الحكومة الإسرائيلية بخصوص أي موضوع. (وهذا سخف لأنه إذا كانت خطوط الاتصال مقطوعة مع الاسرائيليين، فإنها بلا شك لم تكن كذلك مع المسئولين الآخرين في واشنطن الذين كانوا علي دراية بدون شك بتطورات الموقف علي الجبهة لحظة بلحظة ـ الأهرام).

ووافق السوفيت علي طلب كيسنجر عدم التفاوض بعد رحلة عبر الاطلنطي ولكن علي مضض ووصل كيسنجر ومرافقوه إلي موسكو في الساعة 7.30 مساء من يوم 20 أكتوبر. وخلال عشاء عمل وبعد اربع ساعات فقط من المفاوضات، كان قد تم الاتفاق علي نص قرار وقف اطلاق النار، وكذلك موافقة الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة علي مفهوم الرعاية للمفاوضات ويقول كيسنجر (ممجدا لنفسه كالمعتاد) ان هذا الأمر كان يعتبر إنجازا قياسيا مع الوضع في الاعتبار ضرورة ترجمة جميع النصوص إلي الروسية وبالعكس، وكذلك انقطاع المفاوضات عدة مرات بزعم رغبة كل طرف في اجراء مشاورات مع أعضاء وفده.

ويقيم هذا الاتفاق بالقول انه كان يمثل تقدما عما كانت تقترحه الولايات المتحدة علي مدي أسبوعين فالاقتراح الأمريكي الأصلي كان يدعو إلي وقف لإطلاق النار يرتبط بإشارة عامة إلي القرار 242. وفي أثناء القمة الأمريكية ـ السوفيتية قبل أربعة أشهر (وقامت الأهرام أيضا بنشر محضر الاجتماع بين بريجينيف ونيكسون في ولاية كاليفورنيا في شهر يونيو 1973) كان بريجينيف يرفض مجرد مثل هذه الإشارة (إلي القرار 242)، وفي ذلك الوقت وأثناء الحرب كان السوفيت يصرون علي أن تقوم سوريا بتقديم تفسير لمعني القرار 242 وفرض شروط، بصياغتها السوفيتية، لم تكن تختلف عن البرنامج العربي الراديكالي. وترك النص الذي اتفقنا عليه المجال أمام تفسير القرار 242 وفقا للمفاوضات المباشرة التي ستجري بين الاطراف. كما ستقوم الأطراف بالمشاركة، وللمرة الأولي، في مفاوضات مباشرة.

وينهي كيسنجر هذا الجزء من الكتاب بالقول ان الولايات المتحدة نجحت في تحقيق أهدافها:1 ـ قامت بالوفاء بالتزاماتها لإسرائيل 2 ـ قللت من الدور السوفيتي في المنطقة وأصبحت في موقع يسمح لها بالاستمرار في ذلك وبشكل أكثر سرعة فور بدء مسيرة السلام 3 ـ حافظت علي علاقات ودية مع العالم العربي. وبناء علي الرسائل التي تلقيتها من حافظ إسماعيل، فلقد كان واضحا أن كافة المجالات مفتوحة أمام حدوث تغير جوهري في موقف مصر القائم علي الاعتماد التام علي التحالف مع السوفيت. ولكن الشرق الأوسط نادرا ما يري الآمال تتحقق بسهولة.


عشاء ثقيل في بيت للضيافة

تمت دعوتي فجأة إلي وجبة أخري خاصة مع بريجينيف في الكرملين في 11 مساء. ولم يخلو الاجتماع الثاني من الجوانب الغريبة. فلقد كنا نتناول الوجبة الثانية بينما يقوم الطرفان بتقديم الآلاف من الأطنان من الأسلحة يوميا لأطراف متنازعة في حرب قوية، ويحاول كل منا التقليل إن لم يكن إنهاء تأثير الطرف الآخر، وكانت مساهمة بريجينيف في تلطيف الجو قوله أن السوفيت لم يكونوا يقومون بأي شيء غير عادي في جسرهم الجوي والبحري إلي الشرق الأوسط، وانهم كانوا ببساطة ينفذون اتفاقات طويلة المدي عمرها أربع سنوات والتي بمقتضاها يجب علينا إرسال الكثير من البنادق ويقول كسينجر ان القبول بهذا المنطق كان كثيرا بعض الشيء بالنسبة له وأنه اضطر للرد ساخرا بالنسبة لنا، يبدو أنكم تقومون بتنفيذ الاتفاقية الممتدة علي أربع سنوات خلال أسبوعين، ولا شك أن أداؤكم كان رائعا.

عند ذلك أخبرني بريجينيف أنه تلقي رسالة من نيكسون يخطره فيها بأنني لدي الصلاحيات الكاملة (للتوصل لاتفاق) وهو ما حرمني من فرصة طلب اللجوء إلي المزيد من المشاورات مع واشنطن كوسيلة للمناورة في المفاوضات. (وتكشف الوثائق الخاصة بحرب أكتوبر التي تم الإفراج عنها مؤخرا أن كيسنجر شعر بغضب شديد من قرار نيكسون الذي جاء بمثابة مفاجأة بالنسبة له وحرمه من قدرته علي المناورة مما كان سيؤدي إلي تحسين موقف إسرائيل العسكري في أي مفاوضات لاحقة ـ الأهرام) ولكن في جميع الأحوال، علمت خلال ساعات أن واشنطن (الإدارة) لم تكن في موقع يسمح لها مطلقا بمتابعة تفاصيل أي مفاوضات بسبب تطورات فضيحة وترجيت والتي أدت خلال أيام إلي بدء الكونجرس في إجراءات إقالة الرئيس.

ويقول كيسنجر إن الولايات المتحدة علمت من مصادرها الخاصة ان السوفيت رفعوا حالة الاستعداد بين سبع فرق من فرقهم الإحدى عشرة المحمولة جوا. وعلي الرغم من عدم وصول أي معلومات من اسرائيل، فلقد عكست رسالة وصلت لنا من حافظ اسماعيل أن الموقف العسكري كان مناسبا لأهدافنا. وفي هذه الرسالة أخبرنا ان مصر لم تعد تصر علي انسحاب القوات الإسرائيلية بعد التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار ولكن باتت توافق علي الربط بينه وبين عقد مؤتمر دولي للسلام لاحقًا.

***

يمر كيسنجر في كتابه مرور الكرام علي الزيارة المهمة التي قام بها لإسرائيل يوم 22 أكتوبر بعد اجتماعاته في موسكو التي توصل خلالها إلي صياغة قرار وقف إطلاق النار. ففي هذه الزيارة التقي رئيسة الوزراء جولدا مائير لإقناعها بالقبول بالقرار وقال لها صراحة إنه علي الرغم من أن القرار يدخل حيز التنفيذ بعد 12 ساعة من تمريره في مجلس الأمن فإن بإمكانها مواصلة القتال بينما هو في طريق عودته إلي الولايات المتحدة (الأهرام نشرت النص الكامل لمحضر اجتماع كيسنجر مع مائير الشهر الماضي) واستغلت إسرائيل هذا الضوء الأخضر لتحسن من موقعها علي الضفة الغربية للقناة. وأغضب هذا الخرق الفاضح الرئيس السوفيتي بريجينيف وأعتبر أن الوزير كيسنجر قد قام بخداعه وأتهمه بالتواطؤ مع إسرائيل. ولكن كيسنجر كان يدير الأزمة منذ البداية باعتبار أن هدفه ليس فقط ضمان عدم هزيمة إسرائيل ولكن مساعدتها علي تحقيق انتصار كان يراه ضروريا في إطار مساندته الشخصية لها وكذلك باعتبارها أكثر الحلفاء قربا من الولايات المتحدة وبالتالي لا يمكن السماح بهزيمتها في مواجهة سلاح سوفيتي يحارب به العرب.

ويكتفي كيسنجر بالقول أنه توقف في إسرائيل يوم 22 أكتوبر لتطبيق وقف إطلاق النار ثم عاد إلي واشنطن بعد توقف قصير في لندن حيث التقي نظيره البريطاني أليك دوجلاس هوم. ويضيف أنه بعد ساعات قليلة من النوم تلت وصوله إلي واشنطن في الرابعة من صباح 23 أكتوبر علم أن القتال قد تجدد في الشرق الأوسط. وأعتقد في البداية بأن القتال هو مجرد الاشتباكات التقليدية التي تلي وقف إطلاق النار. ولكن علمنا لاحقا أن الأمر غير ذلك. وفي التاسعة والنصف صباحا أتصل الأمين العام للأمم المتحدة فالدهايم بكيسنجر ليبلغه بأن مصر قد تقدمت بشكوي رسمية من الاختراقات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار وطلبت عقد اجتماع لمجلس الأمن. وأقترح فالدهايم الاستعانة بقوة دولية من الدول الاسكندنافية ودول أخري من أجل ضمان تنفيذ وقف إطلاق النار. ورد كيسنجر بأنه سيتشاور أولا مع زملائه ومع السوفيت. وأتصل كيسنجر بديفيد بوبر مساعد وزير الخارجية لشئون الأمم المتحدة والذي نصحه بأن أفضل طريقة لمراقبة وقف إطلاق النار هي الاستعانة بفرق مراقبي الأمم المتحدة الذين كانوا موجودين في قناة السويس قبل اندلاع الأعمال القتالية. ثم أجري مكالمة مع نائب رئيس البعثة السوفيتية يوري فورنتسوف حيث أن دوبرنين لم يكن قد عاد بعد من موسكو. وبعد أن شكره علي ضيافة بريجينيف عاد لتذكيره بأن الاتفاق علي "الرعاية" المشتركة للمفاوضات يجب أن يسبقه تنفيذ الرئيس السوفيتي لوعده بالعمل علي ضمان الإفراج عن الأسري الإسرائيليين (بناء علي اتفاقه مع مائير) وبعد هذه المقدمة أطلعه علي السبب الحقيقي لمكالمته والخاص بتجدد القتال وتبادل الاتهامات بين الطرفين. واقترح أن الطريقة المثلي للتعامل مع الموقف هو إصدار تعليمات لفالدهايم لكي يطالب الأطراف باحترام وقف إطلاق النار فورا كما لن تمانع واشنطن في إرسال مراقبين أو قوة تابعة للأمم المتحدة. وكان من الواضح أن فورنتسوف لم يكن لديه تعليمات بشأن هذه التطورات ولكن عندما أقترح عليه كيسنجر استخدام وسائل الاتصال الخاصة بالبيت الأبيض رفض وقال أنه سيحاول الاتصال بموسكو خلال دقائق. ولفت ذلك انتباه كيسنجر الذي قال أن هذا التصرف أكد له أن دوبرنين وافق علي استخدام اتصالات البيت الأبيض في اليوم الأول للحرب وذلك لكي يؤكد للأمريكيين أنه لم يكن يوجد تواطؤ سوفيتي في الحرب التي شنها العرب.

وخلال خمس دقائق عاد فورنتسوف للاتصال بكيسنجر ولكنه كان يحمل رسالة شخصية له من بريجينيف. واعتبر الوزير الأمريكي أن ذلك الإجراء كان أمرا استثنائيا حيث عادة ما كان بريجينيف يوجه خطاباته إلي الرئيس نيكسون. وخلال ساعة تمت ترجمة الرسالة التي ذكر فيها بريجينيف أن القوات الإسرائيلية كانت تتحرك جنوبا علي طول الضفة الغربية لقناة السويس. وأضاف أن هذه المعلومات وصلت لموسكو من "مصادرها الخاصة الموثوقة" وهو ما فهمه كيسنجر علي الفور أنه إشارة إلي الصور الجوية التي التقطتها طائرات ميج - 25 السوفيتية والتي قال أنها كانت تنطلق من المطارات المصرية. ووصف السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفيتي التصرفات الإسرائيلية بأنها "غير مقبولة" و"خداع فاضح" وهو ما اعتبره كيسنجر تعبيرا عن حدوث تغير في الموقف العسكري لصالح الجانب الإسرائيلي بطريقة أزعجت مصر. وأقترح بريجينيف عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن في الظهر أي خلال فترة لا تتجاوز ساعتين لتأكيد قرار وقف إطلاق النار وتوجيه أمر لكل القوات بالانسحاب إلي الخطوط التي كانت عليها عندما تم تمرير قرار مجلس الأمن (رقم 338) في 22 أكتوبر أو قبل 12 ساعة من الموعد الذي كان من المفترض أن يدخل فيه القرار حيز التنفيذ. وقال كينسجر أن هذا المطلب السوفيتي كان يمثل خدعة واضحة كان من شأنها أن تدفع الإسرائيليين إلي التراجع كثيرا إلي وراء الخطوط التي بدءوا منها الهجوم (الخرق) لأخير. وتضمنت رسالة بريجينيف نص مشروع قرار اقترح تقديمه إلي مجلس الأمن.

ويقول كيسنجر أن الرسالة السوفيتية كانت تعني أن الولايات المتحدة باتت تواجه معضلة جادة.

وفي الساعة 11.04 صباحا أجري كيسنجر اتصالا عاجلا مع دينيتز الذي قال أنه لا يعرف مواقع القوات المحددة في ذلك الوقت. ولكن نقل له عن رئيسة الوزراء الإسرائيلية مائير أنها "تؤكد شخصيا وبأمانة وبإخلاص أن أيا من التحركات الجارية علي الجبهة المصرية لم نبدأها نحن". ويعلق كيسنجر علي هذه الرسالة قائلا أنه "مع كل الإعجاب الذي كنت أحمله لجولدا فلقد شعرت أنها تفترض في السذاجة لتصديق مفهومها لكلمة البدء. فلم يكن من المعقول أن يبادر الجيش المصري الثالث بشن هجمات في أعقاب وقف إطلاق النار وأن يسعي بعد ذلك إلي الطلب من كل الأطراف التي يمكن الاتصال بها من أجل الحصول علي قرار وقف إطلاق نار ثان بينما هو يقوم بإطلاق النار علي إسرائيليين مسالمين كل ما يقومون به هو الدفاع عن مواقعهم. ولكن لم يكن ذلك هو الوقت المناسب للخوض في نقاشات نظرية وكنا بحاجة للوقت لتقييم الخيارات المطروحة (ولم يقر كيسنجر هنا في كتابه بأنه كان السبب الرئيسي وراء ذلك الخرق الإسرائيلي لوقف إطلاق النار وربما لم يكن يتصور حين قال لجولدا مائير انه بإمكانها مواصلة القتال بينما هو في طريق عودته للولايات المتحدة أن توسع إسرائيل من هجومها بتلك الطريقة الأهرام).

وفي الساعة 11.25 صباحا يجري كيسنجر مكالمة مع فورنتسوف يطلب منه تأجيل اجتماع مجلس الأمن. ويتهكم المسئول السوفيتي متسائلا إن كان ذلك بغرض تمكين إسرائيل من الاستيلاء علي 50 ميل إضافية ولكن كيسنجر يقول أنه يطالب بتأجيله لمدة ساعة واحدة فقط. ويصر فورنتسوف علي عقد الاجتماع في الساعة 12 ظهرا قائلا إن أي تأجيل لن تنظر له الدول العربية بطريقة جيده وذكره بان اجتماعات مجلس الأمن لا تبدأ في موعدها تمام بأي حال من الأحوال واقترح إمكانية تأجيل التصويت بدلا من تأجيل موعد بدء الجلسة. كما أثار كيسنجر اعتراض بلاده علي مطالبة نص مشروع القرار السوفيتي بعودة الأطراف المتحاربة إلي الخطوط التي تزامنت مع لحظة تمرير قرار وقف إطلاق النار واقترح تغيير النص إلي "لانسحاب إلي الخطوط التي تتزامن مع اللحظة التي دخل فيها القرار حيز التنفيذ (بعد 12 ساعة من تمريره وفقا لوجهة النظر الأمريكية).

ثم يناقش كيسنجر نص مشروع القرار السوفيتي مع السفير الإسرائيلي دينيتز ويؤكد له أن بلاده لن تقبل بالصياغة الخاصة بالانسحاب إلي خطوط لحظة تمرير قرار وقف النار ولكنه في نفس الوقت كان يري من الصعب رفض ما ينص عليه القرار الجديد من مطالبة الأطراف الإلتزام بخطوط وقف إطلاق النار عند دخوله حيز التنفيذ. كما أطلعه علي موافقة واشنطن علي الاستعانة بمراقبين تابعين للأمم المتحدة ووعده دينيتز بالاتصال بإسرائيل للحصول علي تعليمات. وفي نفس الوقت واصل كيسنجر جهوده للتوصل إلي صياغة مشتركة للقرار مع السوفيت حيث أتصل بفورنتسوف في الساعة 11.32 صباحا.

ك: أردت إخطارك بأننا سنرد عليكم خلال نصف ساعة أو 45 دقيقة ولكن لا بد أن ينص القرار علي الانسحاب إلي الخطوط التي تزامنت مع دخول القرار حيز التنفيذ.

ف: إذن الأمر أصبح نهائي الآن.

ك: ليس نهائيا بعد ولكن هذه صياغة واحدة ننظر فيها الآن. وهناك نقطة أخري اقتراحكم يشير إلي الاستعانة بمراقبي الأمم المتحدة الموجودين الآن في القاهرة ونحن نقترح "استخدام كل الموظفين التابعين للأمم المتحدة في الشرق الأوسط ولكن مع إعطاء الأولوية لأولئك الموجودين (في القاهرة) أعني أولئك الموجودين في القدس علي سبيل المثال.

ف: ولكنك لا تفكر في ذلك بالنسبة للجبهة السورية

ك: لا. نحن نتحدث عن الموقف في مصر.

وعند الظهر يتصل دينيتز بكيسنجر ليبلغه برسالة وصفها بأنها "معقدة". وكان مضمون الرسالة أن القوات الإسرائيلية لن تنسحب من المواقع التي تحتلها الآن. وتري الحكومة الإسرائيلية أنه لا يمكن لأحد أن يحدد علي وجه الدقة الخط الذي كان قائما عند وقف إطلاق النار وبالتالي لا يمكنها الانسحاب إليه. ولم تساهم هذه الرسالة في التوصل لحل للمشكلة التي كانت قائمة في مجلس الأمن وكل ما تمكن منه كيسنجر هو إصدار تعليمات إلي سكالي مندوب الولايات المتحدة هناك بأن يعمد إلي التعطيل حتي يتم اتخاذ قرار.

ولكن في الساعة 12.36 ظهرا تصل رسالة عاجلة أخري من بريجينيف هذه المرة موجهة إلي نيكسون شخصيا. وكانت رسالته ساخنة أتهم فيها إسرائيل بـ"الخيانة" وقدم تعهدات مؤكدة من القادة العرب باحترام خط وقف إطلاق النار. ولكن كيسنجر رأي أن سخونة الرسالة جاءت علي حساب الدقة حيث أغفل بريجينيف الإشارة إلي القضية الأساسية التي كانت تعطل التوصل إلي اتفاق أي تلك الخاصة بمطالبة إسرائيل بالانسحاب وتحديد الخط الذي ستعود إليه. وكان كل ما تركز عليه رسالة الزعيم السوفيتي هو المطالبة بوقف القتال. ويقول كيسنجر أنه بناء علي ضمان سوفيتي - أمريكي غير موجود لاتفاق وقف إطلاق النار ربما تقدم به السوفيت لإقناع المصريين علي القبول بالاتفاق الأول لوقف إطلاق النار - طالب بريجينيف باتخاذ "أكثر الإجراءات حسما" و"بدون تأخير" لفرض وقف إطلاق النار. وكان تقييمي هو أنه لو كان كل ما يطالب به هو مجرد وقف لإطلاق النار فإن ذلك سيكون سهلا نسبيا. إما إذا تمت المطالبة بانسحاب إسرائيلي فكان ذلك يعني الدخول في مرحلة حرجة. واستغل كيسنجر هذه الثغرة ليقوم علي الفور بإرسال رد إلي موسكو باسم الرئيس نيكسون:

"أود أن أؤكد لكم أننا نتحمل المسئولية الكاملة من أجل التوصل إلي إنهاء كامل للأعمال العدائية من قبل إسرائيل ومعلوماتنا الخاصة تشير إلي مسئولية الجانب المصري عن خرق قرار وقف إطلاق النار (وذلك رغم أن كيسنجر نفسه أقر أن هذا الافتراض كان ساذجا بحكم ما يجري علي أرض المعركة - الأهرام) ولكن ليس هذا هو الوقت المناسب لمناقشة هذا الأمر. ولقد أصررنا في اتصالاتنا مع إسرائيل أن تتخذ خطوات فورية من أجل وقف الأعمال العدائية وأطالبك بأن تتخذ إجراءات مماثلة مع الجانب المصري".


الأربعاء، 6 أكتوبر 2021

31 بريجنيف دعانى لزيارة عاجلة إلى موسكو بعد أن وصلت المساعى إلى طريق مسدود

31

بريجنيف دعانى لزيارة عاجلة إلى موسكو بعد أن وصلت المساعى إلى طريق مسدود

واشنطن: خالد داوود

الأهرام السبت 8 نوفمبر 2003م - 14 رمضان 1424هـ


يقول كيسنجر إنه في صباح الثامن عشر من اكتوبر اعلنت إسرائيل أنها قامت بتدعيم الجسور التي بنتها عبر قناة السويس وبلغت عمق 12 كلم نحو الشمال وستة كلم نحو الجنوب، وفي اولي المكالمات التي أجراها في ذلك اليوم مع المتحدث باسم البيت الأبيض رون زيجلر أخبره أنه يتوقع التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار بحلول الاحد أو الاثنين (21 - 22 اكتوبر) كما ينصحه بأن يبقي تصريحاته عن الوضع في الشرق الأوسط هادئة، ويعرب عن ضيقه من تصريح المتحدث باسم الخارجية في اليوم السابق بأن هناك مجهودا دبلوماسيا في المرحلة الحالية ويقول ليس من تقاليدنا مناقشة النشاط الدبلوماسي بينما هو لايزال قائما وعندما يسأله زيجلر عن الموقف الذي يجب ان يلتزم به ردا علي قرار الدول العربية تخفيض انتاجها النفطي بمعدل خمسة في المائة احتجاجا علي الدعم الذي تلقاه إسرائيل من الولايات المتحدة، كان رده: لتقل إننا سنستطيع التعامل مع الموقف انا أعرف أن هذا مجرد تهديد كلامي، ولكنك اذا قلت هذا، فسوف يجبرهم ذلك علي التصعيد اليس من الممكن أن نقول إنه في هذه المرحلة الدقيقة، لا نعتقد أن مثل هذا القرار سيخدم أي هدف؟ ويوافق زيجلر علي هذه الصياغة ويقترح كذلك إضافة القول بأن الولايات المتحدة تقوم بالتشاور مع كل الاطراف ــ بما في ذلك السوفيت ــ وأنها أجرت اجتماعا بناء مع وزراء الخارجية العرب في اليوم السابق، وينصحه كيسنجر كذلك بعدم الرد علي قرار تخفيض النفط ويقول: لابد أن أقول لك إننا إذا انتهينا من هذا الأمر دون مواجهة مع العرب أو السوفيت فإن ذلك لن يكون إنجازًا سيئًا.

ويورد كيسنجر نص محادثة أجراها مع عضو مجلس الشيوخ فولبرايت في 1.15 ظهرا يطلعه فيها علي التحرك القائم علي الجبهة الدبلوماسية والتشاور القائم مع الاتحاد السوفيتي للتوصل إلي اتفاق وقف اطلاق النار تليه مفاوضات لتطبيق القرار 242 ويشير في هذه المكالمة إلي وجود كوسيجين في القاهرة حيث يواجه صعوبات لإصدار مصر علي ان تنص أي تسوية إلي موعد محدد لقيام إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967. كما يشيد كيسنجر بتأثير سياسة الوفاق مع السوفيت علي طريقة التعامل مع الأزمة ولولا الوفاق لما كان كوسيجين في القاهرة، ولما كانت الصحافة السوفيتية قبلت بالجسر الجوي الذي نقوم بتنفيذه ولسادت الفوضي. لقد تحدثنا مع رجال النفط الأربعة العرب، بما في ذلك الجزائري، وقدمنا لهم تعهدا أنه إذا تم التوصل إلي اتفاق لوقف إطلاق النار، فإننا سوف نضع كل هيبة الولايات المتحدة وراء محاولة التوصل إلي تسوية تتعامل مع أسباب الحرب، وعلي الرغم من أن الأمور تبدو هادئة الآن، فإننا نتوقع أن يحدث شئ خلال الثماني واربعين إلي الاثنتين وسبعين ساعة المقبلة، ونأمل أن يكون في الاتجاه الصحيح.


وفي الساعة 8.28 مساء يتصل كيسنجر بديينتز:

ك: لقد اتصلت بدوبرنين بعد رحيلك وقلت له إننا نريدهم ألا يفقدوا صبرهم بعد عودة كوسيجين وأننا سنكون بحاجة إلي 36 إلي 48 ساعة للنظر في الأمر، أردت أن يعرف رئيسه أننا لا نتعمد التأخير، ولقد سألته عن تقييمه للموقف العسكري فقال لي إنه مجمد، ورددت أن هذا هو تقييمنا أيضا، وقبل ثلاث دقائق أبلغني أنه سيتصل بي بعد ساعتين ليبلغني برسالة تحتوي الاقتراح (مشروع القرار).

د. يبدو أنه لم تصله بعد التقارير الواردة من الجبهة.

ك: هو لم يشر إلي ذلك بإمكاني الاتصال بهم والقول بأن رئيسي سيكون نائما في ذلك الوقت.

ن: لا أعرف موقف رئيسك ولكني متأكد أن رئيسة وزرائي نائمة الآن (الثالثة والنصف صباحا في إسرائيل)

ك: أردت فقط أن زنبهك للأمر لكي تكون علي استعداد إذا بدأت الجهود الدبلوماسية.

وفي الساعة 8.45 مساء يتصل دوبرنين بكيسنجر ليبلغه بمحتوي الرسالة التالية من بريجينف إلي نيكسون: نحن نواصل مشاوراتنا المطولة مع القادة العرب، ولكننا مازلنا بحاجة إلي المزيد من الوقت، وفي الوقت نفسه فإن القيادة السوفيتية تود طرح الصياغة التي سيتم تضمينها في مشروع القرار الصادر عن مجلس الأمن، ومن وجهة نظرنا، فإن القرار يجب أن يحتوي علي النقاط التالية:

1- نداء لكل الاطراف لوقف إطلاق النار فورا ووقف كل العمليات العسكرية علي المواقع الحالية للقوات.

2- الطلب بالبدء فورا بعد وقف إطلاق النار بانسحاب إسرائيلي تدريجي من الأراضي العربية إلي الخطوط التي يشير لها القرار 242 وإنهاء هذا الانسحاب في أقصر وقت ممكن.

3- اتخاذ قرار بالبدء فورا وبشكل متزامن مع وقف إطلاق النار في إجراء المشاورات المناسبة بهدف التوصل إلي سلام عادل ومشرف في الشرق الأوسط.

ك: مشاورات مناسبة مع من؟

د: نحن نري أن أفضل ما يمكن القيام به هو دعوة عدد محدود من المشاركين إلي هذه المشاورات.

نحن، الاتحاد السوفيتي، مستعدون، إذا ناسبكم ذلك وناسب الأطراف المعنية مباشرة وإسرائيل، أن نقوم بهذه المشاورات نيابة عن الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة.

ك: ولماذا تقسون بهذه الطريقة علي حلفائكم؟

د: أي حلفاء؟ لدينا حلفاء كثيرون.

ك: حليفكم الوحيد الذي يتمتع بعضوية دائمة في مجلس الأمن (الصين).

د: في إطار هذا الحوار، فلنبقهم خارجا.

ك: نحن أيضا لا نرغب في مشاركة حلفائنا في هذا الأمر.

د: دعنا نتفق علي أن تكون هذه التفاهمات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي هي إحدي القضايا التي سيجب علينا الرد عليها وأنها ترتبط بكيفية ضمان تنفيذ هذا القرار، ولقد سبق أن اتفقت معك أنه إذا وافق حلفاؤنا، فإن الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي سيضمنان تنفيذ هذا القرار، كما أننا علي استعداد لضمان وحدة اراضي وأمن وعدم جواز خرق حدود كل الاطراف، بما في ذلك إسرائيل مع الوضع في الاعتبار في نفس الوقت حقها في السيادة والوجود المستقل، بوجود هذا النوع من الضمانات من الولايات المتحدة وإسرائيل، نشعر أنه لن يكون هناك شك لدي أحد حول صدق الضمان، إن بريجينف يود أن يشارك الرئيس هذه الافكار ويحصل علي رد من البيت الأبيض، ومن ناحيتي فأود القول إن هناك أمرين رئيسيين: الشرق الأوسط ورغبتنا في تدعيم علاقتنا معكم.

ك: لدي رسالة من الرئيس ستصلكم غدا في الساعة العاشرة أو العاشرة والنصف وهي لا تتعلق بالطبع بهذا العرض ولكنها تشير إلي نفس النقطة دون الخوض في التفاصيل، هل تريدني أن ارسلها لك؟

د: نعم وسأذكر أنها وصلت قبل رسالتي هذه.

ك: وذلك لأننا لن نحصل علي إجابة خلال ساعتين، ولكن إذا فكرت بصوت عال قبل مناقشة الأمر مع الرئيس، فإنني أعتقد أن النقطة الثانية هي الأكثر صعوبة والتي تطالب ببدء إسرائيل في الانسحاب إلي الخط الذي يدعو له القرار242 بعد التوصل إلي اتفاق وقف إطلاق النار، حيث إن هذا الخط لم يتحدد بعد. لتدعنا نفكر في العرض أولا قبل ان نبدأ في مناقشته الآن، وإذا كان لدينا اقتراح مضاد، فسوف نعاود الاتصال بكم.


كيسنجر ـ نيكسون الساعة 9.35 مساء.

ك: أود أن أخبرك بأننا قد وصلتنا رسالة مبدئية من الروس. انهم يتحركون في اتجاهنا ولكن لم يصلوا إلينا بعد. الرسالة من بريجينيف وهي تحوي ملاحظات أولية. كوسيجين لم يغادر القاهرة بعد إنهم يتحركون بالتأكيد في الاتجاه الذي حددته أمس يجب أن نبقي هادئين وألا نستسلم لأي طرف.

ن: نحن لا نريد...

ك: لدي شعور أن الإسرائيليين يحققون تقدما في معركة الدبابات ولكنهم لا يقومون باطلاعنا.

ن: هذا من شأنه دفع الروس للتحرك.

ك: نحن لا نريد البدء في إحصاء دجاجاتنا، ولكنني أعتقد أنك حققت انتصارا.

ن: هذه أخبار جيدة.

ك: سوف نحتاج إلي نحو 48 إلي 72 ساعة وسأقوم بإرسال خطاب إلي بريجينيف نيابة عنك وذلك ردا علي رسالته امس. لن تقول الرسالة أي شيء عدا وإنك ممسك بزمام الأمور هنا أنك ترغب كثيرا في أن ينتهي الموقف الحالي بنتيجة بناءة.

ويقول كيسنجر إنه من أجل كسب الوقت ولزيادة الضغط علي موسكو والقاهرة، سارع في إرسال خطاب رد فيه علي بريجنيف وفقا للخطوط التي اتفق عليها مع نيكسون أي الترحيب بالرغبة في التوصل لاتفاق دون الدخول في أية تفاصيل تتعلق بعملية انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية.

ويجري اتصالا مع نائب رئيس البعثة السوفيتية يوري فورنتسوف يبلغه فيها بأنه في ضوء الرسالة التي تلقاها نيسكون من بريجينيف فإنه سيرد عليها من خلال الحديث عن أفكار عامة حول الشرق الأوسط والعلاقة بين بلدينا وذلك دون الخوض الآن في نقاش في التفاصيل الواردة في الخطاب، ويقول ما ستراه هو تعهد من قبل الولايات المتحدة القيام بمجهود كبير ولكن لن تركز (الرسالة) علي النقطة الخاصة بالانسحابات. سوف نتبادل الآراء في هذا الخصوص في وقت لاحق ويعتقد الرئيس أن هذا الأمر سيؤدي إلي الالتباس في المرحلة الحالية.


وفي الساعة 10.54 مساء يختتم كيسنجر اليوم بالمكالمة التالية مع الجنرال سكوكروفت:

ك: لقد أرسل الروس لنا ثلاث نقاط والتي سأوصلها لك، والنقطتان الأولي والثالثة مقبولتان إلي حد كبير، ولكن النقطة الثانية غير مقبولة، فهي تدعو إلي الانسحاب إلي الخط الذي حدده القرار 242 وهو ما لن يقبله الإسرائيليون، وفيما يتعلق بالحدود، فلقد اتصلت بدينيتز ولم أخبره بالنقطة الثالثة وذلك لكي يكون لدي ورقة استخدمها كحافز غدا. لقد أصبحوا مزعجين مثل الفيتناميين.

س: اعتقد أنك بدأت بطريقة صحيحة، وبحلول الوقت الذي سنتمكن فيه من التوصل إلي حد يمكننا قبوله، فإنهم سيكونون (الإسرائيليون) سعداء نسبيا.

ك: لقد أخبرني الإسرائيليون أنهم عبروا (إلي الضفة الغربية) بالمزيد من الدبابات، إنني أخشي أن يتحول الأمر إلي تبادل حام لإطلاق النار، إذا استمروا في عبورهم، فإن أحدا سيلقي مصرعه.

س: الخطر الحقيقي من الجيش المصري.

ك: عندما تتمكن نحو فرقة من العبور، فإن هذا يعني اختفاء حائط صواريخ سام، وعندما يرون الجيش من فوق ومن تحت، فإنهم سوف يتفككون هم ليسوا جيدين إلي هذه الدرجة، لن يستطيعوا الحصول علي إمدادات وسيموتون من الجوع، ما لا استطيع فهمه هو كيف تمكنوا (الإسرائيليون) من عبور القناة؟

س: هذا الأمر غامض بالنسبة لي، لقد كانوا في ذلك الموقع الدفاعي الجديد، وتمكنوا من الاختراق عبر فرقتين، واحدة مشاة والأخرى مدرعات.

ك: هل هذا هو التقرير المفصل؟

س: نعم.. لقد هاجم الإسرائيليون من نقطة قوية، لأنهم لو هاجموا من نقطة ضعيفة فإنهم كانوا سيجدون أنفسهم محاصرين من قبل فرقتين قويتين.

ك: تمكنوا من اختراق نقطة قوية وعبروا القناة إنهم جيش جيد.

س: إن الإسرائيليين أذكياء للغاية ومغامرون ولديهم استعداد للقيام بمخاطرات ودعمها بقوة..

ك: لقد اقترح الروس أن نقود نحن المفاوضات دون مشاركة أي أعضاء آخرين من الأمم المتحدة بجانب العرب والإسرائيليين. بإمكانك تخيل ما سيقوله الصينيون ردا علي ذلك، وكذلك الأوروبيون.

س: بالطبع انها الحيلة القائمة علي بدء المفاوضات من خلال الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن...

ك: سوف أقوم بإرسال خطاب إلي إسماعيل، هل تعتقد أن هذا أمر جيد. فكرت أن أقول أن موقفنا لن يتغير بغض النظر عن نتيجة الحرب ولكن خشيت أن يثير ذلك شكوكهم.

س: أنا معجب بالفكرة ويجب أن ترسل لهم خطابا، ولكن أن تقول لهم ذلك من شأنه لفت انتباههم وقد يغضبهم.

ك: أنني أخشي أنه سيتم شنقهم. أعتقد أن هذه هي نهاية السادات.

س: أعتقد أنك علي صواب. قد يتمكنون من هزيمتهم.

ك: لابد أن يكونوا حذرين (الإسرائيليين). فحقيقة الأمر في النهاية أن هذه ستكون هزيمة سوفيتية. ونفس الأسباب التي دعتنا إلي عدم قبول هزيمة إسرائيلية ستعمل ضدهم. وحتي لو قالوا أن عملية الإمداد هي السبب، فإن ذلك من شأنه أن يجعل العرب يدركون أنه من الأفضل أن يكونوا في جانبنا.

س: من هذا المنحي لا يمكن أن يكون الموقف أفضل من ذلك.


التاسع عشر من أكتوبر

كان الاختراق الإسرائيلي قد بدأ في التوسع في الجهة الغربية للقناة وزادت الضغوط من أجل التوصل لوقف إطلاق النار. وكان الكرملين لديه ما يكفي من الخبرة لكي يدرك أننا نتعمد تعطيل الرد علي العرض الذي تقدم به بريجينيف اليوم السابق ذلك، لأننا رأينا أن المطالبة بقيام إسرائيل بالبدء فورا في الانسحاب ولو إلي خطوط غير محددة، أمر غير مقبول. وللخروج من هذا الطريق المسدود، قام بريجينيف بدعوتي لزيارة موسكو.


ويتصل دوبرنين بكيسنجر في الساعة 11.04 ليقرأ له نص الرسالة التالية:

إن الأحداث في منطقة الشرق الأوسط تزداد خطورة. وكلا القوتين، كما اتفقنا، يجب أن يقوما بأقصي ما في وسعهما لكيلا تتخطي الأحداث الحدود وتصبح أكثر خطورة. وإذا تطورت الأمور بهذه الطريقة، فإن هناك خطورة من أن يلحق ذلك الأذي حتي بالعلاقات المباشرة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة. ونعتقد أنه لا نحن ولا أنتم راغبون في حدوث ذلك. وإذا كان الأمر كذلك، فإننا بحاجة إلي قرارات سياسية فاعلة. ولدينا قناعة بأنه مع توافر النية لدي القوتين، فإن ذلك من شأنه تسهيل التوصل إلي هذه القرارات. ولما كان عامل الوقت قد أصبح عاملا أساسيا، ليس باليوم ولكن بالساعة، فإنني وزملائي نقترح أن يقوم وزير خارجيتك وأقرب مساعديك، الدكتور كيسنجر بالقدوم بشكل عاجل إلي موسكو لعقد المفاوضات الضرورية معه ومع من تفوضونه من ممثلين. وسوف يكون من الجيد لو استطاع القدوم غدا، 20 أكتوبر. وسنقدر ردكم السريع

ك: هذا اقتراح ودي. سأتحدث مع الرئيس وأقوم بالاتصال بك مجددا.

ويقول كيسنجر أن هذه الدعوة حلت معظم مشاكلنا الاستراتيجية. فالأمر سيبقي خارج الأمم المتحدة حتي نتمكن من التوصل إلي نتيجة مقبولة، بينما سيمتنع الاتحاد السوفيتي عن القيام بأية تهديدات بينما أنا في الطريق أو أثناء اجراء المفاوضات، وسنكسب أيضا بهذه الطريقة 72 ساعة من الممكن أن تتزايد خلالها الضغوط العسكرية. وتشاورت حول هذه النقاط مع نيكسون وهيج وسكوكروفت وتوصلنا إلي أن هذه الرحلة ستدعم استراتيجيتنا.


وفي الساعة 11.38 صباحا يعاود الاتصال بدوبرنين:

ك: أناتول لقد عقدت مباحثات مبدئية مع الرئيس ونحن نوافق من حيث المبدأ علي اتصال رفيع المستوي. ولكن في نفس الوقت أريد رد فعلك السريع علي هذا السؤال: لماذا لا يأتي جروميكو إلي هنا؟

د: أعتقد أن السبب هو أن كوسيجين قد عاد للتو من القاهرة ولابد أنهم يودون مناقشته في نتائج رحلته: بريجينيف وجروميكو وكوسيجين. كما أن الفكرة هي أننا لا نريد أن نرسل لك برقية نقول فيها هذا هو ما يريده السادات ثم نرسل بعد ذلك ردكم عليه. هم يريدونك أن تذهب هناك لمدة يوم وأنا متأكد أن كوسيجين سيطلع الجميع علي ما دار.

ك: سوف أتصل بك مجددا خلال ساعتين. نحن متعاطفون للغاية مع الاقتراح.

د: أن الأمر مهم للغاية يا هنري

ك: أناتول، عندما تقوم الحكومة السوفيتية بإرسال هذا الاقتراح بشكل عاجل، فإن هذا أمر لا يمكننا أن نأخذه باستخفاف.

ك: سوف أصل مساء الغد ونبدأ المباحثات يوم الأحد. أعتقد في هذه الحالة سيجب علي المغادرة منتصف هذه الليلة وأصل هناك نحو الثامنة أو التاسعة مساء


وفي المكالمة التي جرت بينهما في الساعة 1.35 ظهرا، يتفق كيسنجر ودوبرنين علي المزيد من التفاصيل الخاصة بالرحلة بدءا من مرافقة السفير السوفيتي لكيسنجر في رحلته وتوقيت الاعلان عن الزيارة وكيف أنها تمت بدعوة من الحكومة السوفيتية.

ك: وفي نفس الوقت، فإننا نفترض أنكم لن تقوموا بأية أعمال أحادية بينما أنا في طريقي إلي هناك.

د: ماذا تعني؟

ك: عدم القيام بأية تهديدات عسكرية. وأعتقد أن كلانا سيعمل علي تهدئة الموقف. لا أعتقد أنه سيكون بإمكاني التفاوض هناك حول تسوية نهائية. سيكون بإمكاني التفاوض حول وقف إطلاق النار.

د: وقف إطلاق النار؟

ك: ولكن لا يجب توقع التوصل إلي تسوية في يوم واحد.

د: حسنا.


ويشير كيسنجر عند هذه النقطة إلي أن زيارته لموسكو كانت تتم وسط ظروف داخلية سيئة للغاية. فالرئيس نيكسون كان قد بدأ التفاوض للتوصل إلي اتفاق حول تسليم أشرطة تسجيلات محادثاته في اطار فضيحة وترجيت. وأدي الفشل في التوصل إلي اتفاق إلي استقالة النائب العام إليوت ريتشار دسون ونائب المدعي العام والقائم بأعمال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي ويليام روكسلاوش وطرد المحقق الخاص أرشيبالد كوكس يوم 20 أكتوبر. وبعد يومين بدأ مجلس النواب اجراءات خلع الرئيس نيكسون.

وفي الساعة 3.20 بعد الظهر يتحدث كيسنجر مع الكسندر هيج الذي طرح عليه رغبة الرئيس في أن يقوم شخصيا بإعلان زيارته لموسكو في نفس الوقت الذي يعلن فيه قرب التوصل إلي تسوية لتسليم شرائط التسجيلات الخاصة بفضيحة وترجيت. ويعترض كيسنجر بشدة علي هذا السيناريو ويقول لهيج أنه لا يجب استخدام السياسة الخارجية للتغطية علي مشاكل داخلية وأنهم سيندمون علي ذلك بقية حياتهم. وينصحه أن يقوم الرئيس علي الأقل بالقيام بإعلانين منفصلين، ويعرب عن رأيه أن قيام نيكسون شخصيا بإعلان زيارته إلي موسكو سيضع مصداقيته علي المحك ويقترح بدلا من ذلك أن يتم الاعلان عن الزيارة علي مستوي منخفض في منتصف الليل. وبعد نحو ربع ساعة، يقوم هيج بالاتصال بكيسنجر مجددا ويبلغه بموافقة الرئيس علي اقتراحه علي أن يصدر البيان الخاص بالاعلان عن زيارة موسكو من البيت الأبيض. ويوافق كيسنجر علي أن يقوم المتحدث باسم البيت الأبيض بالإعلان عن الزيارة في الثانية صباحا ثم يوفر المزيد من المعلومات في صباح اليوم التالي.

وفي الساعة 4.30 بعد الظهر يتصل دوبرنين بكيسنجر ليبلغه نص برقية مختصرة من بريجينيف يشكره فيه علي موافقته القيام بالزيارة. كما يشدد كيسنجر مجددا أنه ذاهب إلي موسكو لمناقشة التوصل إلي وقف اطلاق النار فقط وليس إلي تسوية سلمية شاملة لكيلا يصابوا (القيادة السوفيتية) بخيبة أمل وفي نفس الوقت، يقول كيسنجر أنه مع شعور إسرائيل بأنها تحقق تقدما في الحرب، بدأت تتراجع عن الموافقة علي ربط قرار وقف اطلاق النار بالقرار 242. برغم أن ذلك كان الموقف الذي تدعمه إسرائيل منذ العام 1967 وفي الساعة 7.09 مساء يجري كيسنجر المكالمة التالية مع السفير الإسرائيلي دينيتز والذي يخبره فيها أنه قد يتوقف في إسرائيل بعد انتهائه من زيارة موسكو.

ك: أنا لا أرغب في القيام بالرحلة. ولكنها قد تكون تحركا مفيدا للتعطيل.

د: سوف أتصل برئيسة الوزراء الآن وأعطيك ردا خلال عشر دقائق

ك: لدي موافقة الرئيس، وهو ما لم يكن متوافرا من قبل، أن أبدأ باقتراحكم (الاكتفاء بالتوصل لقرار وقف اطلاق النار) بدلا من اقتراحه. وهذا يفترض أنهم إذا قبلوا باقتراحكم، فإنكم سوف توافقون علي الفور.

د: تعني بحلول الأحد مساء؟

ك: لا أريد أن أعطيك توقيتا محددا لأنهم (السوفيت) لم يقوموا بذلك، ولكنني لا أعرف كم سيكون عمق المشكلة.

د: عميقة للغاية. آخر التقارير التي وردت لنا تشير أننا استولينا علي مدينة تبعد خمسة وثلاثين ميلا(55 كلم) عن القاهرة وهي في منتصف الطريق بين القاهرة والقناة.

ك: لقد استغرق الأمر منكم أكثر قليلا مما يجب. أنا فقط أحب أن أتعامل معكم بصلابة.

د: لقد مررنا سويا بالعديد من الأوقات الصعبة، وبالتالي قد يكون من المسموح لنا ببعض الاسترخاء.

ك: إنك تفهم استراتيجيتي كما تناقشنا فيها سويا. إن المحادثات لن تبدأ قبل صباح الأحد بتوقيت 21 أكتوبر بتوقيت موسكو ولا يمكن الانتهاء منها قبل بعد ظهر الأحد بتوقيت موسكو، وبناء علي ما نحققه من نتائج، فإننا لن نتمكن من تنفيذها قبل مناقشة الأمر معكم. أنا فقط أخبرك بهذه الأمور لكي تقوموا بالتخطيط علي هذا الأساس. ولكن هل لي أن أتقدم بطلب؟ أهمية الحفاظ علي النوايا الحسنة للرئيس من أجل المهام الدبلوماسية التي ستلي لاحقا. ولأن النتيجة التي حققتموها هي في صالحكم لقد تعايشتم لمدة ست سنوات مع القرار 242 وأنا لا أريد..

د: لن نخوض في هذا الأمر ثانية.

ك: أنا لا أطلب منك تغيير موقف حكومتك، وهو أمر لا تستطيع القيام به. ولكن إذا وصلت الأمور إلي هذه النقطة، وسوف تصل ولا يمكنني تجنب ذلك، أرجو أن تتذكروا أنه في أعقاب وقف اطلاق النار، فإنه من المهم من أجلكم أنتم أن يبدو مظهر الرئيس جيدا وألا يتم اتهامه بأنه تخلي عن أي طرف. سوف تحتاجونه كثيرا في العملية الدبلوماسية التي ستلي ذلك.

د: بالطبع أنا أفهم ذلك. هل تعني أنه خلال...

ك: ماذا سيحدث بافتراض وقوع الأسوأ، من وجهة نظرك؟ هذا القرار (السوفيتي) الذي سلمته لك لن يحدث. ولكن علي الرغم من ذلك فلتشيدوا بالرئيس علي انجازاته كرجل دولة.

د: ولكن ألا تتخيل أن أي ربط سيتم...

ك: لن يتم تضمين جملة واحدة من النقطة الثانية (من الاقتراح السوفيتي الذي يدعو لانسحابات إسرائيلية فورية)

د: ما أفهمه منك هو أنك تريد نوعا ما من الربط بالقرار 242. أو مفاوضات لتنفيذ القرار 242.


30 حرب أكتوبر أنهت ادعاء إسرائيل بالتفوق

30

حرب أكتوبر أنهت ادعاء إسرائيل بالتفوق

واشنطن: خالد داوود

الأهرام الأربعاء 5 نوفمبر 2003م - 11 رمضان 1424هـ


استمر كيسنجر في تنفيذ السياسة التي اتفق عليها مع الرئيس نيكسون، والتي تقوم علي انتظار تطور العمليات العسكرية مع الإسراع في نفس الوقت في عملية الجسر الجوي، والعمل علي تهدئة الدول العربية. وعلي الجبهة الدبلوماسية بدأ التحرك نحو التوصل الي وقف فوري لإطلاق النار يليه مفاوضات لتطبيق قرار مجلس الأمن 242. ويقول كيسنجر إن السبب وراء تقدمه باقتراح عقد مفاوضات بهدف تطبيق القرار 242 هو أن هذا القرار الشهير والذي مازال الجدل دائرا حوله حتي الآن ـ يدعو الي انسحاب إسرائيل من اراض احتلتها في النزاع الأخير وحتي حدود آمنة ومعترف بها. فالقرار، والكلام هنا لكيسنجر، لا يشير إلي ضرورة انسحاب إسرائيل من كل الأراضي العربية التي تم احتلالها عام 1967. ويضيف أن ما افتقده القرار من دقة، عوضه في المرونة التي سمح بها (لمصلحة إسرائيل طبعا بصفتها الطرف المحتل ـ الأهرام)، وبالتالي كان يناسب غرضه في البدء في مفاوضات تقدم فيها جميع الأطراف تفسيراتها المختلفة للقرار 242.


ومن المعروف أن الجانب العربي له تفسير مختلف تماما للقرار 242 يقوم علي أن النسخة العربية من القرار تتحدث عن انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في النزاع الأخير بينما قام من أعد صياغة القرار بالإنجليزية وبمكر شديد بإسقاط كلمة "the" التي تقوم مقام لام التعريف في اللغة العربية ليصبح من الممكن لإسرائيل والولايات المتحدة أن تدعيا لاحقا أن 242 يتحدث عن الانسحاب من أراض وليس الأراضي. كما كان يتمسك الجانب العربي بحجة أخري شديدة الأهمية وهي أن مقدمة القرار تشير إلي مبدأ دولي أساسي تستند إليه بقية القرار وهو عدم جواز احتلال اراضي الغير بالقوة وبالتالي لابد من انسحاب إسرائيل من كل الأراضي التي احتلتها بالقوة عام. 1967 ولكن وبغض النظر عن التفسير العربي للقرار، فإنه من الواضح أنه مع الزمن قد تجاوز هذا الخلاف، وقبل الجانب العربي (كما اتضح من مفاوضات أوسلو ومعاهدة السلام ـ الاردنية الإسرائيلية) أن المفاوضات المباشرة هي التي سوف تحدد نتائج الاتفاق النهائي وبغض النظر عما يعنيه 242.


يشرح كيسنجر مبادرته للرئيس نيكسون في المحادثة التالية التي جرت الساعة 8.44 من صباح الأربعاء 17 اكتوبر:

نيكسون: ما هو الجديد علي الجبهتين الدبلوماسية والعسكرية هذا الصباح؟

ك: علي الجبهة العسكرية، يبدو أن هناك حالة جمود. أما علي الجبهة الدبلوماسية فإن جميع محللي الاستخبارات الذين لا يعرفون بما يجري يقولون إن هناك شيئا ما يدور بسبب الزيارة الروسية والتصريحات المتحفظة من الدول العربية. شخصيا، لا اعتقد أنه سيحدث شيء حتي يغادر كوسيجين القاهرة.

ن: السؤال هو هل هو موجود هناك لتسخين الموقف أم لتهدئته؟

ك: من غير المتوقع (أن يقوم بتسخين الموقف). ولكن في جميع الأحوال يا سيادة الرئيس، فإننا لن نقوم بالإبطاء في أي شيء لمجرد أنه هناك. نحن نضخ السلاح بمعدل يفوق بنحو30 في المائة ما يقومون به، وإجمالي ما قمنا بشحنه سيفوق اليوم ما قاموا هم بشحنه (ما يقصده كيسنجر هنا هو أن القوات الأمريكية قامت بإمداد إسرائيل خلال ايام معدودة بكمية ضخمة من السلاح تفوق ما قدمه السوفيت للعرب منذ بدء الحرب).

ن: ألم تصلك أي رسائل منهم؟

ك: أنا واثق أننا لن نعرف شيئا حتي يعود (كوسيجين) من هناك (من القاهرة)، ولكن صحافتهم تبدو هادئة واعتقد أنهم يحاولون التوصل إلي شيء ما. ولكني لا اعرف إذا ما كان ذلك ممكنا بالنسبة للمصريين. كل المعلومات التي بحوزتنا تشير إلي أن المصريين يتبنون خطأ أكثر تشددا مقارنة بالسابق (كان واضحا من خلال قناة الاتصالات الخاصة التي أقامها كيسنجر مع حافظ اسماعيل أن مصر باتت علي استعداد للقبول بوقف اطلاق النار وكذلك الترحيب بدور الولايات المتحدة للتوصل الي حل دائم للصراع. ولكن يبدو أن وزير الخارجية الموالي لإسرائيل لم يرد أن يذكر هذه الأمور لرئيسه كي لا يؤثر علي قراره بتكثيف الجسر الجوي. ولم يشر كيسنجر ايضا في محادثته مع نيكسون إلي الدعوة التي تلقاها من السادات لزيارة مصر والتي كانت بادرة حسن نية أدهشته شخصيا، كما قال في الفصل السابق ـ الأهرام).

ن: الغارة الإسرائيلية التي تم شنها عبر قناة السويس لم تكن كبيرة، اليس كذلك؟

ك: يبدو ذلك. هناك معركة تدور بالدبابات الآن في سيناء ولا نعرف نتيجتها بعد. الآن فيما يتعلق باجتماعك مع وزراء الخارجية العرب. النقطة الاساسية التي يجب أن تتذكرها هي أن هذا الاجتماع قد تم الترتيب له قبل البدء في الجسر الجوي، وبالتالي فهم لم يأتوا هنا للاحتجاج، كما أنني لا أنصح بطرح أي افكار عليهم لأنهم ليس الطرف الذي سيقوم بالتفاوض، كما أن الافكار المحددة مطروحة بالفعل أمام الروس والمصريين.

ن: حسنا، ولكن عندما يقولون إن إسرائيل يجب أن تنسحب الي حدود 1967. فما الذي يجب قوله؟

ك: تقول إن هذا الأمر يتم التفاوض عليه بعد التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار.

ن: أن نقول إن هذا الأمر يخضع للتفاوض، هل هذا يعني اننا نوافق علي الهدف؟

ك: لا أعتقد يا سيادة الرئيس أنه من الممكن تحقيق هذا الهدف. وفي الحوارات التي أقوم بها فإنني أحاول تجاهل هذه النقطة والقول بأنه يجب التفاوض عليها في اطار قرار مجلس الأمن رقم 242 ولكن النقطة الرئيسية التي يجب توصيلها لهؤلاء الناس هي ضرورة الفصل بين اتفاق وقف اطلاق النار وما يليه، والحجة التي أجدها مفيدة للغاية هي القول إن ذلك ضروري إذا ارادوا (العرب) أن نقوم بجهد دبلوماسي في مرحلة لاحقة، وهو ما وعدت به. ولكن هذا يعني الآن أيضا ضرورة انتهاء الحرب في ظروف تسمح لنا بأن نكون علي اتصال بجميع الأطراف. وثانيا: أننا إذا حاولنا التوصل لتسوية كنتيجة للحرب، فإن هذا سيعني مفاوضات لا نهائية بينما تتواصل الحرب.

ن: هذا صحيح. إذا لم تراجع من أجل العمل علي التوصل إلي تسوية، فإنه لن يوجد امامهم بديل آخر، سوي ضرب الإسرائيليين.

ك: أن يشنوا حربا لا تنتهي لدفعهم للخلف.

ن: نحن الطرف الوحيد القادر علي التأثير علي إسرائيل.

ك: وهذه نقطة يجب توضيحها، النقطة الأخري هي أن الوضع العسكري قد تغير بالفعل نتيجة للحرب.

ن: قد تغير؟ ما الذي تعنيه؟

ك: القادة العرب سيقولون: وما الذي سيضمن لنا أنه بعد التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار أنه لن تكون هناك حالة جمود؟ وإحدي نقاط الرد عليهم ستكون أن الوضع قد تغير استراتيجيا، ولم يعد بإمكان دولة واحدة ادعاء التفوق في المنطقة وبالتالي لابد أن يعتمدوا علي...

ن: بمعني آخر، وبشكل أساسي، إن إسرائيل لم يعد بإمكانها ادعاء التفوق.

ك: صحيح. وإن كنت لا أنصح بأن تتم صياغة الأمر بهذه الطريقة لكي...

ن: أنا أفهم. حسنا لدي الكلمة المناسبة (الوضع تغير استراتيجيا)

ك: لقد تحدثت مع وزير الخارجية السعودي أمس وأبلغته بدعوتك للملك للزيارة وكان سعيدا للغاية.

وأنصح أن تنفرد به لدقائق عندما يغادر (الوزراء) الآخرون. وهناك أمران. أشكره علي الدور شديد الاعتدال والبناء الذي لعبه طوال الأسبوع، وثانيا: قل له أنك تتمني رؤية الملك فور التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار. وأشدد علي ربط الزيارة بالاتفاق يا سيادة الرئيس وإلا سيكون لديهم سبب آخر للتأخير.

وفي الساعة 9.35 يتحدث كيسنجر مع نائب وزير الدفاع ويليام كليمينتس ليحثه علي سرعة إقرار طلب الموازنة الإضافي في الكونجرس والذي ينص علي تقديم مساعدات لإسرائيل بنحو ثلاثة مليارات دولار. ويشدد علي أهمية أن يتم ذلك اليوم وذلك بدعوي احتمال فشل الجهود الدبلوماسية. ولكن بسبب انشغال جدول الرئيس وكيسنجر، يتفق الاثنان علي أن تتم مناقشة الصيغة النهائية لمشروع القرار الذي سيقدم للكونجرس في جلسة مجموعة العمل الخاصة صباح اليوم التالي.


وفي الساعة 9.42 تلقي كيسنجر مكالمة من السفير السوفيتي دوبرنين يبلغه فيها برسالة عاجلة من موسكو تتعلق بمهمة كوسيجين في القاهرة. ورغم أن كيسنجر كان علي دراية بهذه الزيارة، فلقد ادعي عكس ذلك في مكالمته مع دوبرنين وقال إن كل ما يعرفه هو أن هناك شخصية سوفيتية رفيعة المستوي تزور القاهرة وأضاف مازحا لقد طلبنا من الإسرائيليين الابتعاد عن القاهرة ومطار القاهرة ويبلغه دوبرنين أن كوسيجين يناقش في القاهرة الاقتراح الذي اتفقا عليه والخاص بوقف إطلاق النار مع الوعد بعقد مفاوضات لاحقة لتنفيذ القرار242.

وكعادته، يترك كينسجر الباب مفتوحا لكسب المزيد من الوقت لاقتناعه بأن الأيام القادمة من المعارك ستكون لصالح إسرائيل خاصة بعد البدء في الجسر الجوي غير المسبوق في كثافته. ويقول لدوبرنين إنه يجب أن يضع في اعتباره أنه لم يناقش حتي الآن هذه الصيغة مع الإسرائيليين خاصة الإشارة إلي القرار242. ولكن نعتقد أنهم سيوافقون عليه. ولكننا لم نرد بصراحة استفزاز الصحافة (الأمريكية) ضدنا. ويطلب كيسنجر من دوبرنين مهلة أربعا وعشرين ساعة ليبلغه الرد علي أي مقترح يأتي به كوسيجين من القاهرة لكي يتشاور مع الإسرائيليين. كما يبلغه دوبرنين بأن لديه أيضا رسالة من أربع صفحات موجهة من بريجنيف إلي نيكسون يؤكد فيها أننا لا نريد فقط الحفاظ علي استمرار (سياسة) الوفاق، ولكن تقويتها أيضا.

وفي الساعة 1.40 ظهرا يتحدث كيسنجر مع نيكسون مجددا ليراجعا تطورات اليوم ونتائج اللقاء مع وزراء الخارجية العرب، نشر الأهرام نص محضر الاجتماع ضمن الوثائق التي أفرجت عنها الولايات المتحدة مؤخرا بعد مرور30 عاما علي حرب أكتوبر).

ك: أعتقد يا سيادة الرئيس أن هذا الصباح كان الأكثر نجاحا. والأهم أنهم (وزراء الخارجية العرب) كانوا سعداء للغاية، إنه صباح ناجح جدا.

ن: الآن، فيما يتعلق بالروس، متي تتوقع أن تسمع من كوسيجين؟

ك: لقد تلقينا رسالة طويلة من بريجنيف. هي في ذاتها لا تحتوي علي جديد، فقط تؤكد أن الأمور لم تصل إلي نقطة اللاعودة كما تؤكد أنهم متمسكون بسياسة الوفاق.. سوف نسمع منهم ثانية غدا مساء.

وبعد أن يشكو نيكسون من عدم مساندة مجلس الشيوخ له وينتقد مجددا الاقتراح الذي تقدم به السناتور مانسفيلد لعقد مؤتمر دولي، يعود إلي الحديث عن اللقاء مع وزراء الخارجية العرب حيث أعرب عن دهشته من حجم التغطية الصحفية التي نالها الاجتماع.

ك: لقد تمكنا من استرضاء وزراء الخارجية المساكين هؤلاء.

ن: في الوقت الذي نقوم فيه بإمداد إسرائيل.

ك: في الوقت الذي تهبط الطائرات الأمريكية في تل أبيب كل نصف ساعة. إن بعض الناس تأخذ كل شيء علي أنه أمر مسلم به.

ن: هل من جديد بشأن المعركة؟ أعتقد أن الأمر فعلا في حالة جمود.

ك: أعتقد أنا ذلك أيضا.

ن: لقد نزف كلا الطرفين إلي حد ما.

ك: أعتقد أن الإسرائيليين بإمكانهم الانتصار بصعوبة وبثمن باهظ، ويتناول كيسنجر هنا ملاحظته في حواره مع نيكسون حول قضية استرضاء الوزراء العرب وأن ذلك كان بناء علي التصريحات التي أدلي بها وزير الخارجية السعودي عقب اللقاء والتي عبر فيها عن ثقته الكبيرة في كيسنجر وقال: إن الرجل الذي تمكن من حل حرب فيتنام، الرجل الذي ساهم في التوصل إلي سلام في كل أنحاء العالم، قادر بسهولة أن يلعب دورا جيدا من أجل التسوية وتحقيق السلام في منطقتنا في الشرق الأوسط.


وفي الساعة 5.20 مساء يتصل السفير الإسرائيلي دينيتز بكيسنجر يبلغه فيها برسالة مهمة من ديان تعكس تطور العمليات الحربية.

دينيتز: لدي رسالة من ديان الذي عاد للتو من الجبهة واتصل بي قبل نحو عشرين دقيقة. وهو يقول إنه لديه ثقة في أنه لن يوجد أي مبرر يجعلكم تشعرون بالخجل منا فيما يتعلق بالموقف في القناة (وذلك علي أساس أن إسرائيل كانت تحارب بالسلاح الأمريكي في مواجهة السلاح الروسي ـ الأهرام) إنه معجب جدا بما رآه، ولم نعد بحاجة للتوسل لأي طرف. وهو يعني نحن وأنتم ويفضل انتظار أن تأتي المبادرة منهم بدلا من أن تأتي من أي منا.

ك: لقد كان هذا هو نفس توجه وزراء الخارجية (العرب). لن يكون الأمر سهلا أن نعيد التأكيد علي قرار لمجلس الأمن صادر بالفعل.

د: إن القرار 242 له تفسيرات عديدة.

ك: لن نقوم بالموافقة علي أي تفسيرات.... ما هو الموقف بالنسبة لعملية الإمداد؟

د: جيد للغاية. لقد اتصلت بي جولدا هاتفيا. وهي تقول إن الناس يبكون في إسرائيل. لقد ذهبت للمطار ورأت رجالا أمريكيين يأتون بطائراتهم وقالت إن هذا كان أحد أكثر المناظر تأثيرا رأته في حياتها. وبالمناسبة أود أن أضيف تهنئتي لحصولك علي جائزة نوبل.

ك: شكرا. إن الرئيس فيما يتعلق بهذا الأمر يشعر أن الصيغة المطروحة (وقف إطلاق نار ومفاوضات علي أساس 242) سيكون من الصعب رفضها. بالطبع لم نصل للصياغة النهائية بعد.

د: ومتي تتوقع الحصول علي الصياغة؟

ك: شعوري هو أن ذلك سيتم بعد عودة كوسيجين من القاهرة، هذا إذا كان في القاهرة.

د: إننا لن نقبل إشارة محددة لحدود 1967.

ك: نحن أيضا لن نقبل بإشارة محددة لحدود 1967. ولقد أبلغنا ذلك لوزراء الخارجية وللسفراء العرب.