الثلاثاء، 12 أكتوبر 2010

الملك زوسر.. مؤسس الأسرة الثالثة

الملك زوسر.. مؤسس الأسرة الثالثة



إعداد الباحث: أشرف السيد الشربينى


هو الملك نترى خنت المعروف باسم (زوسر  Djoser),  ويعد زوسر هو مؤسس الأسرة الثالثة, والذى دام حكمه نحو 29 سنة, حيث حكم مصر من 2630ق.م. – 2611ق.م, وهناك أقوال عن أنه كان الملك الذى عاصره سيدنا يوسف الصديق عليه السلام وفسر له رؤياه, (ولهذا بحث آخر سيتم إعداده بإذن الله عن عصر يوسف الصديق).

 ويعد "زوسر" أول ملك بنى لنفسه مقبرتين:
المقبرة الأولى: بصفته ملكاً للوجه القبلى وكانت على شكل مصطبة ضخمة من اللبن مجهزة بمنحدر عميق وتتبعها عدة حجرات تحت الأرض وهى واقعة فى شمال العرابة المدفونة فى بيت خلاف, وفى هذه المقبرة تم بناء حجرة من الحجر الجيرى, غير أنه على ما يظهر لم يرض بأن تكون مقره الأخير فقام ببناء المقبرة الثانية (هرم زوسر المدرج).

هرم زوسر المدرج:
أما المقبرة الثانية: وهى (هرم زوسر المدرج) فقد قام المهندس المعمارى والوزير العظيم "إمحوتب" ببنائها له عام 2800ق.م بإعتباره ملكاً للوجه البحرى, وقد قام "إمحوتب" ببنائها على الهضبة التى فيها جبانة "منف" وهى المعروفة الآن "بسقارة" التى كانت تعتبر من هذا العصر مهبط العبادة والمقر الأخير لبعض الملوك كما أثبتت ذلك الكشوف الحديثة, وقد تم بنائها على شكل مصاطب مربعة ومتدرجة, وهذه المقبرة تعد أقدم هرم عرف إلى الآن فى التاريخ ويقول بعض علماء الآثار إن هذا البناء هو الحلقة المتوسطة بين المصطبة والهرم الحقيقى, هذا إلى أنها كانت على مقربة من محاجر طرة حيث كان من السهل قطع الأحجار الجميلة لبناء القبور والمعابد, وكذلك كانت قريبة من مقر حكمه.
ويتكون هرم "زوسر" من ست مصاطب وطوله 200 قدم (حوالى 60 متراً) وكل مصطبه أصغر حجماً من التى تحتها لذلك يسمى بـ (هرم زوسر المدرج), وتدل الظواهر على أنه أقام لنفسه مصطبة من الحجر الجيرى المحلى المهذب, ثم بنى فوقها ثانبة أصغر مساحة, ثم ثالثة أقل مساحة من الثانية وهكذا, حتى بلغ عدد المصاطب سبعاً بعضها فوق بعض, غير أن تغالب الدهور قد أغار على السابقة منها فمحاها من الوجود, ولم يبق منها إلا ما يدل على أثرها. وقد أطلق على هذا المبنى خطأ إسم (الهرم المدرج) إذ أن شكله لا ينطبق تماماً على مدلول الهرم الحقيقى. ولا غرابة فى أن "زوسر" رفع بنيان قبره إلى هذا الحد, لأن فى ذلك معنى عميقاً, إذ كان يريد علواً فى الممات كما كان فى الحياة. فكان غرضه أن يشرف قبره على قبور رجال بلاطه, وعظماء دولته, التى كانت حول قبره, ويكون أول بناء ترسل الشمس أشعتها عليه من كل جوانبه عندما تشرق فى الصباح, وبخاصة إذا علمنا أن الإله الأعظم لهذه المنطقة فى هذا العصر هو الإله "آتوم" الذى أصبح فيما بعد إله الشمس بكب معانيها.
وقد أسفرت البحوث الأثرية التى قام بها علماء الآثار فى الجزء الأسفل تحت الهرم المدرج, وما حوله عن معلومات وثروة أثرية لا تقدر بقيمة. فقد عثر فى جوف الصخر الذى تحت مسطح الهرم, على حجرة الدفن العظيمة المكسوة بالجرانيت, وعلى حجرتين مرصعتين بألواح صغيرة من القاشانى الأزرق, وقد كانتا معروفتين منذ زمن بعيد. وتعد الطريقة الفنية الحاذقة التى نسقت بها هذه الألواح فى الملاط بالغة حد الإعجاب والدهشة ودالة على ما وصل إليه القوم من المهارة الفنية فى هذا العصر, وهذه الألواح كان سطحها الخارجى مقوساً بعض الشئ, وكان فى ظهر كل منها ثقبان صغيران, يوضع فيهما خيط من القنب يلصق بالملاط. وقد أمكن بالألقاب الرسمية التى وجدت منقوشة على إطارى باب الحجرتين, أن نحدد بالضبط تاريخهما, ولكن أحد ولكن أحد علماء الآثار قد شك فى لون القاشانى الأزرق, والمهارة العظيمة التى رصعت بها هذه الألواح, وكذلك إسم الملك "زوسر الحورى" "نبت معات" يرجع تاريخها إلى عصر هذا الملك. وفى إعتقاده أن هذه ترميمات, وإصلاحات عملت فى عهد الأسرة السادسة والعشرين, أى فى عهد النهضة المصرية الأخيرة. غير أن هذا الرأى قد دحض نهائياً بالكشوف الحديثة, ولم يأخذ به أحد من العلماء. وذلك لأنه فى عام 1927 عثر فى الجهة الجنوبية من الهرم فى جوف الأرض, على مقبرة أخرى تحتوى على حجرة دفن من الجرانيت, وعلى عدد عظيم من الممرات والحجر المستطيلة الشكل معظمها مزين بألواح من القاشانى مشابهة لما وجد فى المقبرة الأولى, ووجد منقوشاً على إطارات الأبواب "نترخت", وهو لقب الملك "زوسر", ووجد فى إحدى الحجر ثلاث لوحات كل منها على شكل الباب الوهمى, وعلى كل مثل الملك "زوسر". ولا نزاع إذن أن هذا القبر هو لمؤسس الأسرة الثالثة.
 وقد قام بتقليد هذا البناء ابنة زوسر الثانى وآخرون وربما كان الملك حونى آخر ملوك الأسرة الثالثة هو من حاول ان يشيد بناء شبيها فكان هرم ميدوم ثم جاء سنفرو أول ملوك الأسرة الرابعة فبنى مهندسوه هرمى دهشور وكانت عملية بناء الهرمين هى المدرسة العملية التى أهلت مهندسى ابنه خوفو لبناء هرم الجيزة الأكبر وتجنبوا هذه المرة اخطاء سابقيه ثم توالى بناء الأهرامات‏.‏
وبناء هرم زوسر يعتبر رمزاً.. فقد جاء مئات العمال من كل أنحاء مصر لبنائه تأكيداً على وحدة مصر.

زوسر وأول تعديلات دستورية:
كان "زوسر" أول حاكم يصدر ما يسمى "بتعديلات دستورية" أو "حِب ست" وهى مجموعة من التعديلات شملت 13 مادة جاءت فى المقام الأول لتحدد صلاحيات الحاكم والتنازل عن بعض هذه الصلاحيات لرئيس البلاط الملكى "رئيس ديوان رئاسة الجمهورية حالياً" وللكاهن الأعظم "رئيس الوزراء الحالى" بالإضافة إلى وضع حد أقصى لفترة الحكم والتى كانت بلا سقف إذ تنتهى بموت الحاكم، وكان هذا السقف ثلاثين عاما ويتم الاحتفال بالملك عند إتمامه هذه المدة.

الجيش فى عهد الملك زوسر:
بدأ يكون للبلاد جيشاً ثابتاً منظماً منذ أوائل الأسرة الثالثة, وليس لدينا من الآثار ما يدلنا على وجود جيش موحد لكل البلاد المصرية قبل عهد "زوسر" وذلك لقلة المصادر, ومما لا نزاع فيه أنه كان لملك الدلتا جيش, وكذلك كان لملك مصر العليا جيش, ولكن يغلب على الظن أن جنود كل جيش لم يكونوا خاضعين للملك. بل كانوا يجندون من المقاطعات, التى كانت مقسمة إليها البلاد فى هذا العصر وكان يقود جند كل مقاطعة حاكمها لمساعدة مليكه وقت الحرب.
ولما تولى "زوسر" حكم البلاد, ووطد السلطة الإدارية فى يده, كان لابد له من جيش قائم فى البلاد ليمكنه من القبض على ناصية الحال فى داخل البلاد وخارجها, وفعلاً عثر على نقوش فى عصره تثبت وجود مصلحة خاصة لإدارة شئون الجيش.
وكان أهم ما عنى به هو حماية البلاد من الغارت الأجنبية, التى كانت تجتاح البلاد من أطرافها, وبخاصة من أهل البدو. ولذلك قسم حدود البلاد إلى مناطق أطلق عليها إسم (أبواب المملكة) وجعل فى كل منها حامية, وهذ التسمية تنم عما يقصد بها أى أنها كانت المواطن التى يمكن أن ينفذ منها العدو إلى داخل القطر. وقد نصب على كل من هذه حاكم خاص يلقب (مرشد الأرض) "سشم تا" وقد كان لهؤلاء الحكام, الكلمة العليا على حكام المقاطعات, وكان فى يدهم إدارة الشرطة كل فى منطقته, ولذلك كانوا مسئولين عن النظام والأمن فى هذه المناطق التى لا يمكن البلاد أن تعيش فى أمان إلا فى ظلها.
ومن أجل ذلك وضعت حاميات ثابتة للمحافظة على الحدود تحت سلطة هؤلاء الحكام (مرشدى الأرض) مباشرة, وقد أقيمت لها المعاقل وكان لكل معقل إدارة عسكرية خاصة, فكان له مخازن غلاله الخاصة التى بها يمكنه أن يقاوم إذا حوصر.
وعلى ما يظهر أن مصر كانت تحصن النقط الضعيفة فى حدودها بإقامة أسوار ضخمة عظيمة الإمتداد, من ذلك يروى أن الملك "زوسر" أقام سوراً من أسوان إلى الفيلة يبلغ طوله نحو 12 كيلو متر ليضمن سلامة حدوده الجنوبية.
ووما يدل على حرص فراعنة هذه الأسرة على حفظ النظام فى داخل البلاد والقضاء على الخصومات التى كانت تقوم بين الوجه القبلى والوجه البحرى, ما أقامه ملوكها من الحصون لكبح جماع أى عصيان أو ثورة داخلية, ولا أدل على ذلك من القلعة التى بناها "زوسر" وأطلق عليها إسم "بطولة البحرين".

بعض آثار زوسر:
وقد عثر على تمثال جميل للملك زوسر فى سردابه, وكذلك كشف عن عدة مبان له وبخاصة معبده الجنازى ومقبرة إبنتيه, وهذه المبانى تضع المهندس الذى وضع تصميمها فى أعلى مرتبة من الشرف والعلم.
وكذلك تشهد للعمال الذين كانوا يقومون بتنفيذها بالمهارة. والواقع أننا أمام هذه المبانى نشاهد أول خطوة إنتقال فى تاريخ فن المعمار فى تصميم البناء بالأحجار فى وادى النيل, إذ نرى عمدها مضلعة تشبه العمد الدوريكية فى الفن الإغريقى ومزخرفة بزخرف نباتى, ولكننا نشك فى أن روح تلك المبانى منقولة بذاتها عن المبانى التى أقيمت بالخشب واللبن فى عهد الأسرتين الأولى والثانية, وهذا المعمار الذى يعتبر كأنه نوع من النجارة الدقيقة هو الحد الفاصل بين البناء الأولى باللبن والبناء بالأحجار الضخمة التى ساد إستعمالها وبلغت قمتها فى الأسرة الرابعة فى بناء الأهرام والمصاطب. وقد أرسل "زوسر" حملات إلى المحاجر والمناجم فى شبه جزيرة سيناء لإحضار النحاس والفيروز.
ويعد "زوسر" أول ملك توغل فى نوبيا السفلى فيما وراء الشلال إلى المحرقة فى منتصف الطريق إلى الشلال الثانى. وهو الذى ينسب إليه اليونان فتح الإقليم المعروف بإسم "دوديكاشين" أى المنطقة التى تبلغ نحو 143 كيلو متراً من الفنتين فصاعداً.
وقد عثر فى دهاليز هرمه المدرج على أوان من الأحجار الصلبة من المرمر والجرانيت والديوريت والإردواز وغيرها من أنواع الأحجار الصلبة النادرة ويبلغ عددها أكثر من ثلاثين ألفاً غير أن معظمها وجد مهشماً وربما يرجع ذلك إلى زلزال أرضى أو إلى أنها قد كسرت عمداً لأسباب جنائزية. وقد وجد بين هذه الأوانى أشكال تنم عن منتهى الرقى فى دقة الفن وحسن الذوق والأناقة والتنسيق إلى حد يعجز القلم عن وصفه, وقد وجد على بعضها أسماء الأشخاص الذين أهدوها إلى الملك مكتوبة بالمداد الأسود, ولا نكون مغالين إذ قلنا إن قطع الحجر اللازم لصنع بعض الأوانى الكبيرة وتنسيقها ربما إستغرق عاماً كاملاً من مجهود صانع واحد. وقد كان لهذا الكشف أثر عظيم فى تحويل آراء علماء الآثار إلى الأهرام الكبيرة وعما عساه أن يوجد فيها من المخلفات.

المراجع:
موسوعة: مصر القديمة جزء1 , 2   سليم حسن  مكتبة الأسرة 2000 الهيئة العامة المصرية للكتاب
جريدة المصرى اليوم   الجمعة 23 فبراير 2007م

هناك 5 تعليقات:

  1. رائعه تسلم ياشرف ماشاء الله دائما للامام :)

    ردحذف
  2. انى سمعت بوجود اثار العائلة الثالثة فى محافظة الدقهلية بالرياض بمنطقة التل ان هناك اثار وسيتم بيعها لئناس من اليونان ولكن انا سمعت ولكن لا اعرف اذا كان الخبر صحيح ام لا

    ردحذف
  3. جميل اوى اتمنى لو كان عندكم اخبار اكتر

    ردحذف

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.