الأربعاء، 17 مارس 2021

أهل الكهف فى المخطوطات السريانية

 أهل الكهف فى المخطوطات السريانية

حدثت فى العصر الرومانى

روبير الفارس

القاهرة الثلاثاء 1 يناير 2002م - 17 شوال 1422هـ


تعد قصة أهل الكهف من أجمل القصص الخالدة فى تراث الإنسانية وقد خلدت هذه القصة بذكرها فى القرآن الكريم، واستخدمها العديد من الأدباء كدراما خصبة لعدة أعمال أدبية كبرى وتحلت سيرة أهل الكهف بطابع إنسانى عام، فتعددت الروايات والتقت فى أجزاء واختلفت فى أخرى.

وقد وضع غبطة البطريك ماراغناطيوس زكا الأول عيواص بطريك كرسى أنطاكية سوريا للسريان الأرثوذكس بحثًا مهمً عن سيرة أهل الكهف، كما وردت فى المخطوطات السريانية على النحو التالى:

"عندما ملك داكيوس على المملكة الرومانية (249 - 251م) وزار مدينة أفسس أصدر أمره بنحر الذبائح للأصنام وأمر بقتل المسيحيين الذين لم يخضعوا فقتل عددًا كبيرً منهم وألقيت جثثهم للغربان وسائر الجوارح، وحاول بالوعد والعيد إقناع سبعة شبان من أبناء النبلاء وشى بهم إليه أن ينكروا دينهم فرفضوا، فنزع عن أكتافهم شارات الحرير "رتب الجندية" وأخرجهم من أمامه واستمهلهم أيامًا علهم يخضعون له، وكانت الفرصة سانحة ومواتية للفتيان السبعة ليقرنوا إيمانهم بأعمال الرحمة، فأخذوا من دور آبائهم ذهبًا أو تصدقوا به على الفقراء والتجأوا إلى كهف كبير فى جبل أنكيلوس مواظبين على الصلاة، وكان "يمليخا" أحدهم يتشح بأسمال متسول ويدخل المدينة ليبتاع لهم الطعام ويتسقط الأخبار ومجريات الأمور فى قصر الملك، ويعود إلى رفاقه فيخبرهم عما فى المدينة.. وذات يوم عاد داقيوس الملك إلى أفسس، وطلب الفتيان السبعة لم جدهم وكان "يمليخا" إذ ذاك فى المدينة فخرج منها هلعًا وصعد إلى الكهف، وأخبرهم عن دخول الملك إلى المدينة وبحثه عنهم، فتملكهم الخوف وركعوا على الأرض ممرغين وجوههم بالتراب متضرعين إلى الله بحزن وكآبة، ثم أكلوا، وبينما هم يتجاذبون أطراف الحديث استولى عليهم النعاس وغشاهم سبات فرقدوا بهدوء، رقاد الموت، ولم يشعروا بموتهم، وحيث أن الملك لم يعثر عليهم فى المدينة استقدم ذويهم فأخبروه بأن الفتية قد هربوا إلى كهف فى جبل "أنكيلوس"، فأمر الملك بسد باب الكهف بالحجارة ليموتوا، وكان "أنتودروس" و"أريوس" خادما الملك مسيحيين وقد أخفيا عقيدتهما فتشاورا معًا، وكتبا صورة هؤلاء المعترفين بصحائف من رصاص وضعت داخل صندوق ودُست فى البنيان عند مدخل الكهف.. وهلك داكيوس وخلفه على العرش الرومانى ملوك كثيرون حتى جلس الملك المؤمن تيؤدوسيوس الصغير "408 - 450م"، وظهرت على عهده بدع عديدة حتى أن بعضهم أنكر قيامة الموتى وتبلبلت أفكار الملك وشقه الحزن فاتشح بالمسوح وافترش الرماد، وطلب من الرب أن يضئ أمامه سبيل الإيمان، وألقى الله فى نفس "أدوليس" صاحب المرعى الذى يقع فيه الكهف أن يشيد هناك حظيرة للماشية فنزع العمال الحجارة عن باب الكهف، ولما انفتح أمر الإله أن يُبعث الفتية الراقدون أحياء فعادت أرواحهم إلى أجسادهم واستيقظوا وسلم بعضهم على بعض كعادتهم صباح كل يوم، ولم تظهر عليهم علامة الموت، ولم تتغير هيئتهم ولا ألبستهم، فظنوا وكأنما قد ناموا مساء واستيقظوا صباحًا، ونهض "يمليخا" وأخذ فضة متجهًا نحو المدينة ليشترى طعامًا ودخل المدينة فلم يعرفها، إذ شاهد فيها أبنية جديدة تنكرت له وازداد حيرة، وقال لنفسه: لعمرى لا أعلم ما جرى لى، ألعلى فقدت عقلى وغاب عنى صوابى، الأفضل أن أسرع بالخروج من هذه المدينة قبل أن يمسنى الجنون، وإذ كان مسرعًا ليترك المدينة تقدم إلى أحد الخبازين وأخرج دراهم من جيبه وأعطاه إياها فأخذ هذا يتأملها فرآها كبيرة الحجم ويختلف ضرب طابعها عن طابع الدراهم المتداولة فى عصرهم، وناولها لزملائه فتطلعوا إلى "يمليخا" وقال إنه قد عثر على كنز من زمن طويل فألقوا عليه القبض وتألب الناس حوله، وأخيرًا جاءوا به إلى أسقف المدينة، وكان يزوره وقتها والى أفسس فأقر "يمليخا" أمامهما بأنه رجل من أهل أفسس، وأنه لم يعثر على كنز وأنه قد اشترى بمثل هذه الدراهم قبل يوم واحد فقط خبزًا، فقال له الوالى: إن صورة الدراهم تشير إلى أنها ضربت قبل عهد داكيوس بسنتين فهل وجدت يا هذا قبل أجيال عديدة وأنت لا تزال شابًا؟.. فعندما سمع "يمليخا" ذلك سجد أمامهم، وقال أجيبونى أيها السادة عن سؤال وأنا أكشف لكم مكنون قلبى أنبئونى عن الملك داكيوس أين هو الآن؟.. أجابه الأسقف قائلا: إن الملك داكيوس مات قبل أجيال، فقال "يمليخا" إن خبرى أصعب من أن يصدقه أحد من الناس هلم معى إلى الكهف لأريكم أصحابى وسنعرف منهم جميعًا الأمر الأكيد فانشغل بال الأسقف عند سماعه هذا الأمر وقال: إنها لرؤيا يظهرها الله لنا اليوم على يد هذا الشاب فهلم بنا ننطلق معه لنرى واقع الأمر.. وعندما بلغوا الكهف عثروا على صندوق من النحاس فتناوله الأسقف وفتح الصندوق فوجد لوحين من رصاص وقرأ ما كتب عليهما:

"لقد هرب إلى هذا الكهف من أمام وجه داكيوس الملك المعترفون مكسيمليانوس ويؤانس وسرافيون وقسطنطوس وأنطونينوس وقد سد الكهف عليهم بحجارة"، فتعجب السامعون ودخلوا الكهف فشاهدوا المعترفين جالسين بجلال، ووجوههم مشرقة كالورد النضر، وأرسل فورًا للملك تيؤدوسيوس مكتوبًا يحكى ماة حدث، وأقر مجمع الأساقفة عيدًا لهؤلاء المعترفين..


الروايات القبطية

وقد ذكرت سيرة أهل الكهف مع تشابه كبير فى المضمون مع المخطوطات السريانية فى السنكسار العربى اليعقوبى، طبعة رينيه باسيه، وذكرت باختلاف عن هذه القصة وعن المخطوكات السريانية فى السنكسار المتداول، فقد جاء به تحت يوم (20) مسرى ما يلى:

"فى هذا اليوم تعيد الكنيسة بتذكار شهادة الفتيان السبعة القديسين، ومن أمرهم أنهم كانوا إخوة بالجسد، قد ولدوا بمدينة أفسس، وهذه أسماؤهم مكسيمانوس ومالخوس ومرتينياس وديونيسيوس ويوحنا وسرابيون وقسطنوطينوس، فهلاء الفتيان دخلوا الجندية، ثم صاروا رقباء على الخزينة الملوكية فى عهد تملك داكيوس ولما أثار هذا الملك عبادة الأوثان وأمر بعذاب المسيحيين التجأ هؤلاء القديسون إلى كهف خوفًا من أن يوجدوا فى خطر الضعف البشرى فينكروا السيد المسيح، فعلم الملك بذلك وأمر الجند بسد باب الكهف عليهم، وهكذا أسلم هؤلاء أرواحهم الطاهرة ونالوا إكليل الشهادة نحو 252م، وبعد نحو مائتى سنة أراد الله أن يكرمهم كعبيده الأمناء فأظهر أجسادهم عارية من الفساد بواسطة رؤيا سماوية على يد أسقف تلك المدينة،وفى عهد تملك الملك ثاؤدسيوس الصغير، وذلك كان نحو سنة 447م، وقد عرفوا ذلك وتحققوا زمان ومكان هؤلاء القديسن من ذلك اللوح النحاسى المكتوب فى أيام داكيوس قيصر ومن قطعة نقود وجدوا عليها صورته، بركة صلواتهم فلتكن معنا ولربنا المجد دائمًا أمين".

وقد قارن الأب الفاضل القس "يوسف الحومى" فى بحثه المتفرد عن سيرة أهل الكهف بين القصة السريانية والقصة القبطية، فأشار إلى أن التشابه والتلاقى يمكن حصرها فى أن الفتية سبعة، وأن الأسماء تتطابق لحد كبير وأن الأحداث تدور فى مدينة أفسس ورقوده فى كهف ومدة رقادهم تكاد تكون واحدة وظهورهم ثانية فى عهد ثيؤدسيوس، أما عن الاختلاف، ففى عمل الفتية قبل هروبهم للكهف ودرجة القرابة بينهم، ومن أخبر الأسقف.. الشعب أم الرؤيا؟ والقصة السريانية تعتبرهم معترفين، أما القصة القبطية فتعتبرهم شهداء.


نسخ أخرى

وقد أورد الأب "يوسف الحومى" فى نهاية بحثه أهم النسخ التى تحمل القصة، فأشار إلى أن هناك نصًا شعريًا لقصة أهل الكهف كتبه الشاعر السريانى الملهم ماريعقوب السريانى، وهو عبارة عن قصيدة عصماء على الوزن الاثنى عشرى الذى استنبطه وعرف بالبحر السروجى نسبه إليه، تقع فى (74) بيتًا، وقد سمح لفكره أن يسبح فى الخيال، ولكنه احتفظ بعناصر القصة الرئيسية، ومن النسخ الأخرى التى تذكر القصة:

كتاب "تاريخ زكريا الفصيح" "المتوفى 536" طبعة لوفان - بلجيكا - الجزء الأول.

وكتاب "تاريخ الراهب الزوقنينى" والموضوع عام "755م" طبعة لوفان - بلجيكا.

و"تاريخ الرهاوى" و"تاريخ البطاركة" لابن العبرى.. وغيرها.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.