الثلاثاء، 5 أكتوبر 2021

01 إسرائيل انهزمت لولا تدخل أمريكا!

 01

إسرائيل انهزمت لولا تدخل أمريكا!

واشنطن: خالد داوود

الأهرام الخميس 2 أكتوبر 2003 - 6 شعبان 1424هـ


كتاب وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر الذي صدر الأسبوع الماضي في الولايات المتحدة بعنوان "الأزمة: كيفية تفاعل أزمتين كبيرتين في السياسة الخارجية" يتناول بالتفصيل دوره الشخصي في التعامل مع أزمتين من أهم الأزمات العالمية التي لعب دورا محوريًا في تسويتها أثناء عمله كمستشار للأمن القومي ووزير للخارجية مع الرؤساء ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد: حرب السادس من أكتوبر والأيام الأخيرة من حرب فيتنام والتي سعي خلالها لتحجيم الخسائر الفادحة التي لحقت ببلاده هناك.

ويعتمد الكتاب الذي يكاد يكون مخصصا بالكامل لحرب أكتوبر فيما عدا الصفحات الخمس والعشرين الأخيرة - علي نشر المحادثات الهاتفية للوزير الأمريكي المحنك والمثير للجدل في آن واحد منذ اليوم الأول لاندلاع حرب السادس من أكتوبر وحتي السابع والعشرين من نفس الشهر عام 1973 ليكشف بشكل مفصل ما دار في الكواليس السياسية العالمية في إطار محاولات الولايات المتحدة وقف الحرب وضمان عدم هزيمة حليفتها إسرائيل أمام الهجوم المفاجئ والمباغت للقوات المصرية والسورية. ويتضمن الكتاب محادثات أجراها كيسنجر مع رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير ووزير خارجية مصر محمد الزيات وسفير إسرائيل لدي الولايات المتحدة سيمحا دينيتز وسفير الاتحاد السوفيتي السابق لدي الولايات المتحدة أناتولي دوبرنين والأمين العام السابق للأمم المتحدة كورت فالدهايم وشخصيات أخري كثيرة من ضمنها مساعدوه المقربون في ذلك الوقت. ونظرا لتلاحق أحداث الحرب وسرعتها فلقد اعتمد الوزير الأمريكي المعروف بتأييده القوي لإسرائيل - بشكل كبير علي الهاتف لإدارة موقف الولايات المتحدة من هذه الأزمة وخاصة في ظل غياب تكنولوجيا البريد الالكتروني والفيديو كونفرانس أو حتي الفاكس في تلك الفترة.

ولم يكن بالطبع من الممكن الاعتماد علي المكاتبات الرسمية لملاحقة تطورات الحرب المتسارعة.

ويقول كيسنجر في مقدمة الكتاب أن نصوص محادثاته الهاتفية في تلك الفترة كان يقوم بتسجيلها طاقم السكرتارية الخاص به وذلك لكي يتمكن من متابعة الوعود التي تقدمت بها الأطراف المختلفة بجانب تضمين بعضها في المذكرات التي كان يقوم بإعدادها للرئيس نيكسون. والنصوص الأصلية لم تتعرض لأي تعديل منذ كتابتها علي الآلة الكاتبة وقام في العام 1977 بإيداعها في مكتبة الكونجرس. وفي العام 1980 سلم كيسنجر هذه النصوص لوزارة الخارجية ومنذ العام 1997 باتت متاحة لكي يستخدمها قسم الدراسات التاريخية الملحق بها في إصداراته. وفي عام 2001 قام الوزير الأسبق الذي لعب دورا شديد الحساسية في حرب أكتوبر من خلال علاقته الوثيقة بالرئيس الراحل أنور السادات بإيداع كل ما لديه من سجلات لمحادثات هاتفية إلي مجلس الأمن القومي وإلي وزارة الخارجية لكي يستفيدوا من محتوياتها والنظر في طرحها للعلن.

ويقول كيسنجر إن المحادثات التي يوردها في كتابه تعكس الجو العام الذي تم فيه اتخاذ القرارات الرئيسية المتعلقة بالحرب ولكنه ينفي أن تكون محاولة للتأريخ لتلك الفترة والتي ستتطلب بالضرورة الاطلاع علي وثائق أخري كثيرة تتضمن محاضر الاجتماعات الرسمية والمذكرات التي تم تبادلها بين الأطراف المختلفة التي لعبت دورا في تلك الحرب. ويتدخل الكاتب بين المحادثات الهاتفية ليورد الخلفية اللازمة لفهم مجراها وكذلك شرح تطورات أخري متعلقة بها مثل الاجتماعات الرسمية التي كانت تعقد في نفس الوقت.

ويشير الكاتب إلي أن حرب أكتوبر تزامنت مع مشاكل داخلية كان يواجهها الرئيس نيكسون في نفس الوقت. ففي نفس اليوم الذي اندلعت فيه الحرب تقدم نائب الرئيس سبيرو آجنو باستقالته لنيكسون في إطار تصاعد أزمة فضيحة ووترجيت. وخلال الأسبوع الثاني من الحرب كان الرئيس السابق مشغولا بالتفاوض مع لجنة التحقيق حول شروط تسليم شرائط تسجيل المحادثات الهاتفية للبيت الأبيض والتي كانت تكشف تورطه شخصيا في الفضيحة. وبينما كان كيسنجر في موسكو في العشرين من أكتوبر للتفاوض مع الاتحاد السوفيتي السابق علي شروط وقف إطلاق النار علي الجبهة المصرية توالي مسلسل الاستقالات من إدارة نيكسون. وفي هذا الإطار لعب كبير موظفي البيت الأبيض ألكسندر هيج دورا مهما كحلقة وصل بين كيسنجر ونيكسون لملاحقة تطورات الحرب.

وفي إطار الأمور المثيرة الكثيرة التي تكشف عنها هذه المحادثات فلقد بدا هناك خلاف واضح بين وزارتي الخارجية والدفاع حول كيفية التعامل مع حرب أكتوبر وهو ما يترك انطباعا بأن هذا الانقسام يبدو تاريخيا مقارنة بما هو عليه الوضع حاليا في إدارة الرئيس جورج بوش الابن والانقسام بين الوزارتين حول كيفية إدارة الاحتلال الأمريكي للعراق. ولكن كيسنجر يحذر القارئ من أنه نتيجة لسرعة تطور الأحداث واعتماده في الأساس علي المحادثات الهاتفية فقد تبدو الخلافات أعمق مما كانت عليه في الواقع. وفيما يتعلق بالأمور المبدئية "كنت أتفق مع وزير الدفاع جيمس شليزنجر بشكل عام ونصل إلي نفس النتائج وإن كان ذلك عبر طرق مختلفة نتيجة لاختلاف المؤسسات البيروقراطية التي كنا نرأسها. وأحد أهم النماذج علي ذلك الجسر الجوي الذي قررنا القيام به لمساعدة إسرائيل وهو ما تكشف عنه صفحات هذا الكتاب.

ولم يفت كيسنجر أيضا أن ينبه القارئ إلي أن وكالة الأمن القومي قد قامت بمراجعة نصوص المحادثات وطلبت إلغاء بعض ما ورد فيها وهو ما أشار إليه في الكتاب بوضع نقاط بين أقواس(.....).

يري كيسنجر أن أزمة الشرق التي أدت إلي اندلاع حرب 1973 كانت لها عدة مكونات: الصراع العربي - الإسرائيلي والصراع الأيديولوجي بين الدول العربية المعتدلة وتلك الراديكالية والتنافس بين القوتين العظميين في ذلك الوقت: الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي السابق. ومن أجل الوصول لحل لهذه الأزمة كان لا بد من وضع تلك العوامل الثلاثة في عين الاعتبار. وبعد استعراض مختصر لظروف نشأة إسرائيل وتطورات حرب 1967 يقول كيسنجر أن إسرائيل التي لم يكن قد سبق لها العيش أبدا في ظل حدود معترف بها منذ نشأتها في 1948 لم تكن تري فارقا كبيرا في أن تكون حدودها عند خطوط 1948 أو1967.

وفي مواجهة حالة العداء العربي لها في ذلك الوقت فإنها كانت تري في أية أراضي جديدة تتمكن من الاستيلاء عليها حماية لأمنها في مواجهة أي هجمات مفاجئة. ومن ناحية أخري رفض الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الاعتراف بالهزيمة وتبني موقفا حازما عكسته قرارات قمة الخرطوم الشهيرة" لا سلام لا تفاوض لا اعتراف بإسرائيل." وفي العام 1970 اندلعت المواجهات في الأردن بين الحكومة الهاشمية ومنظمة التحرير الفلسطينية وهددت سوريا بغزو الأردن ووضعت الولايات المتحدة قواتها في حالة تأهب. "وخلال تلك الفترة بدا العالم العربي منقسما بين المعارضة الأيديولوجية والدينية لوجود إسرائيل والحقيقة العملية أنه ليس بإمكانهم تغيير الأمر الواقع إلا من خلال الطرق الدبلوماسية". وتحركت الدول العربية مثل الأردن ولاحقا مصر بعد وفاة الرئيس عبد الناصر إلي الموافقة علي القبول بإسرائيل في حدود ما قبل 1967 ولكنهم اشترطوا عدم القبول بسلام كامل مع إسرائيل إلا بعد التوصل لتسوية بشأن مصير الفلسطينيين.

ولكن الخط الرافض للتفاوض الذي تبنته غالبية الدول العربية في ذلك الوقت وفقا لكيسنجر - هو الذي أدي لإحباط أية محاولات دبلوماسية لحل الصراع مع إسرائيل خلال الفترة بين حربي1967 و1973.

ويعتبر أن قرار مجلس الأمن الشهير رقم 242 كان يعبر بشكل واضح عن الطريق المسدود الذي وصلت له الجهود الدبلوماسية. فهو أشار إلي ضرورة قيام "سلام عادل وشامل" في إطار "حدود آمنة ومعترف بها" ولكنه لم يحدد بالتفصيل هذه الحدود. وفي الوقت الذي رفضت بعض الدول العربية القرار فلقد قبلته دول أخري وكذلك إسرائيل مع احتفاظ كل طرف بتفسيره للقرار وهو ما أدي إلي حالة من الجمود في الجهود الدبلوماسية. فالدول العربية التي قبلت القرار كانت تصر علي الانسحاب الكامل من كل الأراضي التي قامت باحتلالها عام 1967 بينما تمسكت إسرائيل بالقول أن حدودها السابقة لتلك الحرب لم تكن آمنة وبالتالي لا بد من أن تحتفظ ببعض الأراضي التي قامت باحتلالها.

وللتيقن من حماية مصالحها اشترطت إسرائيل بعد حرب 1967 أن تقوم الدول العربية بالتفاوض معها مباشرة أي ضرورة الاعتراف بها كدولة أولا وكشرط مسبق للدخول في أية مفاوضات. ولكن الدول العربية أصرت علي القبول أولا بمبدأ الانسحاب من أراضي 1967 قبل النظر في الوسائل الدبلوماسية. "ولم يكن بمقدور أي حاكم عربي مهما بلغت درجة اعتداله أن يقبل بمطالب إسرائيل بالاحتفاظ بالأرض وتحقيق السلام معا ويبقي حيا في مناخ الإهانة والراديكالية والنفوذ السوفيتي الذي كان سائدا في تلك الفترة. كما لم يكن بإمكان أي رئيس وزراء إسرائيلي الاستمرار في منصبه إذا أعلن التخلي عن بعض الأراضي المحتلة كثمن مدفوع مقدما لدخول المفاوضات. واستمرت إسرائيل في مطاردة الوهم أنها بإمكانها مواصلة السيطرة علي معظم الأراضي وتحقيق السلام في نفس الوقت. بينما عاش منافسوها من العرب في ظل وهم مماثل وهو أنه بإمكانهم استعادة الأرض دون تقديم السلام".

وفي هذه الظروف يقول كيسنجر أن مصر أصبحت المدخل لتحريك الدبلوماسية في الشرق الأوسط. "ولقد دعمت عوامل تقنية أخري ما لدي مصر أساسا من حجم وتقاليد وثقافة وتأثير وتضحيات قدمتها في سلسلة من الحروب العربية - الإسرائيلية. ومصر هي أكبر الدول العربية من ناحية عدد السكان وهي المركز الثقافي للمنطقة. ومدرسوها مثلوا العمود الفقري للنظم التعليمية التي تم بناؤها في العالم العربي كما أن تاريخها هو الأطول بعد التاريخ الصيني. وسواء كملكية أو جمهورية فلقد كان لمصر دور يفوق حدود المصالح الوطنية المصرية الضيقة. ولقد قامت مصر بالتضحية بشبابها من أجل أهداف الوحدة العربية وحق الفلسطينيين في تقرير المصير. وخلال هذه المسيرة فقدت شبه جزيرة سيناء وخاطرت بتماسكها الداخلي. لقد استحقت مصر الحق في التوصل إلي سلام".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.