02
السادات أذهل الجميع بمفاجأة الحرب
واشنطن: خالد داوود
الأهرام الجمعة 3 أكتوبر 2003م - 7 شعبان 1424هـ
كان كيسنجر يستبعد التوصل إلى اتفاق للسلام بين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وإسرائيل. ويقول إن الرئيس ناصر "أبدى من ناحية استعدادًا عامًا للمشاركة في مسيرة السلام ولكن مع التمسك ببرنامج لم يكن من الممكن تحقيقه. فهو كان يطالب بانسحاب إسرائيل من حدود 1967 مقابل إنهاء مصر لحالة العداء مع اشتراط التوصل إلى تسوية إسرائيلية مع الفلسطينيين وفى النهاية المطالبة بتدمير الدولة اليهودية. كما أن ناصر لم يكن ليقبل التفاوض مباشرة مع إسرائيل. فقد كان يطالب أمريكا بحمل إسرائيل على الانسحاب، وفى المقابل كان سيتكرم علينا بالقبول بعودة العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن والقاهرة. وفى نفس الوقت فإن راديو القاهرة بقى مركزًا للدعاية المعادية للولايات المتحدة والغرب عمومًا في الشرق الأوسط بأكمله. وباختصار فإن ناصر كان يريد قيادة العالم العربى يتبنى موقف معاد للولايات المتحدة وفى نفس الوقت تصوير أية تنازلات يحصل عليها على أنها نتيجة للمواقف العربية المتشددة وللدعم العسكرى والدبلوماسى الذى كان يقدمه السوفيت. ولم يكن لدى الولايات المتحدة أية مصلحة في اتباع هذا الطريق."
وفى إطار حالة الجمود هذه فإن دور الاتحاد السوفيتى بدا متخبطًا. فمن ناحية أدى تزويد السوفيت للدول العربية بالسلاح إلى زيادة المواقف المتشددة ولكن من ناحية أخرى فإن هذا السلوك أدى فقط إلى تزايد المخاطر ولم يزل العقبات القائمة. كما أن السوفيت كانوا يهتمون في الأساس بإرضاء حلفائهم من الدول العربية مما لم يمكنهم من لعب دور دبلوماسي لحل الصراع أو حتى القيام بدور مستقل. أما الولايات المتحدة فلم يكن من المتوقع منها أن تقوم بمساندة أنظمة راديكالية تقوم بمهاجمتها باستمرار وفى حالة رغبتها في تغيير سياستها فإنها لم تكن لتستعين بالاتحاد السوفيتى السابق كوسيط للتعامل مع العرب.
ويضيف كيسنجر أن الولايات المتحدة لم تكن ترغب أيضًا في الضغط على إسرائيل للقبول بتسوية في إطار الضغوط التي كانت ترغب أيضًا في الضغط على إسرائيل للقبول بتسوية في إطار الضغوط التي كانت تتعرض لها من قبل الدول العربية الراديكالية، وذلك لأن هذا من شأنه ترسيخ القناعة بأن أمريكا لا يمكن التعامل معها إلا من خلال الضغط. "وفى داخل العالم العربى كنا بحاجة إلى تقوية المعتدلين في مواجهة المتشددين والحكومات المعروفة بولائها للغرب بدلا من تلك الموالية للسوفيت وبالتالي رفضنا كمسألة مبدأ تقديم أية تنازلات لمصر ما دام ناصر (أو خليفته السادات بعد ذلك) تبنى مواقف معادية للغرب واعتمد على وجود قوات سوفيتية. كما لم نر أية ضرورة للتقدم بشكل مشترك مع الاتحاد السوفيتى ما دامت مواقف موسكو جاءت متطابقة مع الأنظمة العربية الراديكالية. وكنا على اقتناع بأنه عاجلا أو آجلا أن مصر أو دولة عربية أخرى سوف تقر بأن الاعتماد على الدعم السوفيتى، وتبنى مواقف راديكالية لم يؤديا إلا إلى إحباط آمالهم. وفقط عند هذه النقطة قد يكون لديهم استعداد لإنهاء الوجود السوفيتى (وكنت استخدمت كلمة طرد في تقرير تقدمت به وتم انتقاده في 26 يونيو 1970) والنظر في ما يمكن تحقيقه من أهداف. وعندئذ سوف تأتى اللحظة التي يمكن فيها للأمريكيين التقدم بمبادرتهم الرئيسية ومطالبة أصدقائنا في إسرائيل بتبنى مواقف جديدة إذا كان ذلك ضروريًا.
وبعد وفاة ناصر في 1970 بدأ الرئيس السادات في التحرك في هذا الاتجاه وإن كان بصورة غير واضحة. فقد استمر في الاعتماد على السوفيت لتوفير العتاد العسكرى وفى نفس الوقت بدأ في حذر في استكشاف البدائل الدبلوماسية. وفى عام 1971 كانت هناك محاولة من أجل التوصل إلى اتفاق لفض الاشتباك عبر قناة السويس تحت إشراف ممثل للأمم المتحدة وهو الدبلوماسي السوفيتى جونار يارنج. ولكن فشلت هذه المبادرة لأن إسرائيل لم تكن ترى أية مكاسب من تقديم تنازلات في أعقاب استعانة مصر بنحو عشرين ألف من الخبراء العسكريين الروس على طول القناة، كما لم يوجد لدى الولايات المتحدة أي حافز للضغط على إسرائيل، ولم يكن السوفيت مستعدون لتحدى الولايات المتحدة بشكل مباشر.
وفى 1972 قام السادات بطرد الخبراء العسكريين الروس وذلك بعد فشل السوفيت في تحقيق تقدم في قضية الشرق الأوسط بعد قمة عقدها الرئيس نيكسون مع الرئيس السوفيتى ليونيد بريجينيف في موسكو. ولكن الظروف لم تكن مهيأة بعد لتحقيق اختراق. فلقد كانت هناك انتخابات رئاسية في الولايات المتحدة بجانب ضرورة التعامل مع آثار حرب فيتنام وهى القضايا التي تمكنا من تحقيق تقدم في عام 1972 وفى العام 1973 كان من المنتظر عقد انتخابات في إسرائيل وتعهد نيكسون لرئيسة الوزراء الإسرائيلي جولدا مائير بتأخير تقديم أية مبادرات دبلوماسية حتى يتم عقد هذه الانتخابات في الأول من نوفمبر. وعلى الرغم من ذلك فقد أوضح نيكسون أن الولايات المتحدة سوف تبدأ في القيام بمبادرة دبلوماسية رئيسية بعد ذلك. واستعدادًا لذلك التقيت مرتين مع حافظ إسماعيل المستشار الأمني للرئيس السادات، كما تحدث في نفس هذا الإطار في لقاء عقدته مع وزير خارجية مصر محمد الزيات في الخامس من أكتوبر 1973 أي قبل يوم واحد من اندلاع الحرب.
ولكن السادات على الرغم من ذلك أذهل جميع الأطراف بتوجهه للحرب في السادس من أكتوبر. وكان الذهول نتيجة للفشل في التحليل السياسى. فكل التقديرات الأمريكية والإسرائيلية قبل الحرب اتفقت على أن مصر وسوريا تفتقدان القدرة العسكرية لاستعادة الأراضى بقوة السلاح. وما لم يفهمه أحد في البداية أن هدف السادات لم يكن الغزو، ولكن تغيير التوازن في المفاوضات التي كان ينوى البدء فيها. ورأى أن صدمة الحرب سوف تمكن الطرفين مصر وإسرائيل - من إظهار المرونة التي كان من المستحيل إبداءها في الوقت الذى كانت ترى إسرائيل فيه أنها متفوقة عسكريًا بينما كانت تعيش مصر حالة من الإهانات القومية (بعد حرب 1967).
والافتراضات السياسية هي عادة التي تحدد لون تقديرات أجهزة المخابرات. وحتى ظهر الخامس من أكتوبر أي قبل أقل من أربعة وعشرين ساعة من وقوع الهجوم قدمت وكالة المخابرات المركزية (سى. آى. إيه) التقييم التالى للرئيس: يبدو أن الطرفين يشعر أن بقلق متزايد من تحركات الطرف الآخر. وقد تكون الإشاعات وتقارير العملاء هي أحد الأسباب وراء زيادة الشعور بعدم الراحة الذى ينمو. ولكن الاستعدادات العسكرية التي تمت حتى الآن لا توحى بأن طرفًا ما ينوى المبادرة بشن عمليات عدائية".
وفى إطار هذه الخلفية اندلعت حرب الشرق الأوسط بشكل غير متوقع في أكتوبر 1973.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.