36
كيسنجر يتفق مع السفير الإسرائيلي على تعطيل التحرك السوفيتى المنفرد
واشنطن: خالد داوود
الأهرام السبت 15 نوفمبر 2003م - 21 رمضان 1424هـ
وفي الصفحات التالية من الكتاب يروي كيسنجر تفاصيل اجتماع "مجموعة العمل الخاصة" الذي ترأسه وبدأ في الساعة 10.40 من مساء الأربعاء 24 أكتوبر وانتهي في الثانية من صباح الخميس أي نحو ثلاثة ساعات ونصف. وكانت النتيجة التي خلص لها كبار المسئولين في وزارة الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي ووكالة المخابرات المركزية هي أن الرد المناسب علي رسالة بريجينيف هو رفع حالة الاستعداد الدفاعي إلي الدرجة الثالثة DefconIII (في مقياس من خمسة وفي الوقت الذي كانت معظم القوات الأمريكية في حالة الاستعداد الرابعة أو الخامسة). ويعني هذا القرار اتخاذ أقصي حالات الاستنفار العسكري في وقت السلم ويتضمن وضع الوحدات النووية كذلك في وضع استعداد. كما تم إصدار الأوامر لقوات وناقلات حربية بالتوجه نحو منطقة الشرق الأوسط لإبلاغ رسالة واضحة إلي موسكو أن الولايات المتحدة لا تقبل التهديد. الداهية كيسنجر يورد مبررات سياسية كثيرة لمثل هذا القرار الخطير والذي لم يذهل فقط السوفيت بل كذلك أقرب حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا والرأي العام الأمريكي نفسه حيث تصاعدت الاتهامات لإدارة نيكسون بأنه يسعي لافتعال أزمة دولية خطيرة تصل لحد المخاطرة بمواجهة بين القوتين النوويتين للتغطية علي أزمة ووترجيت والبدء في إجراء إقالته من منصب الرئاسة. وما أكد هذه الاتهامات هو قرار كيسنجر نفسه بسرعة انهاء حالة الاستعداد العسكري هذه والعودة إلي الوضع الطبيعي خلال فترة لا تتجاوز أربعة وعشرين ساعة.
ومن ضمن الوثائق التي كشفت عنها الولايات المتحدة مؤخرا بمناسبة مرور ثلاثين عاما علي حرب أكتوبر محضر اجتماع بين الرئيس نيكسون والسفير السوفيتي دوبرنين في30 أكتوبر والذي تساءل فيه بغضب واضح "أي نوع من العلاقة هذه إذا كان خطاب واحد يكفي لرفع حالة الاستعداد" كما تتضمن نفس الوثائق مذكرات أمريكية رسمية عن نتائج اجتماعات حلف الناتو عبر فيها ممثلو معظم الدول الأوروبية وخاصة الفرنسيون (إذن المسألة تاريخية ولا تتعلق فقط بالعراق!) عن غضبتهم لقيام واشنطن برفع حالة الاستعداد العسكري دون إخطار أقرب حلفائها بهذا الإجراء.
ورغم أن كيسنجر يحاول أن يوحي بأنه كان يعمل بناء علي توجيهات نيكسون فيبقي ذلك أمر يتشكك فيه المؤرخون الأمريكيون أنفسهم كما يرفضون حجته بأنه كان يتحرك لمواجهة العدو الأول للولايات المتحدة في ذلك الوقت الاتحاد السوفيتي وليس لمجرد حماية أمن إسرائيل بسبب تحيزه وولائه لها. ويقر كيسنجر في كتابه بأن الرئيس الأمريكي لم يطلع علي نص الخطاب الذي قام بصياغته وأرسلته "مجموعة العمل الخاصة" باسمه إلي بريجينيف ردا علي "التهديد" السوفيتي. وفي هذا الخطاب لم يشر إلي رفع حالة الاستعداد الدفاعي بالطبع ولكنه حذر من أن لجوء الاتحاد السوفيتي إلي أي تحركات منفردة ستؤدي إلي "إثارة قلق عميق يتضمن نتائج لا يمكن حسابها" من قبل الولايات المتحدة.
هذه الأزمة الدولية التي لم يكن من الممكن أن تعني سوي التهديد بحرب نووية في إطار حسابات الحرب الباردة في ذلك الوقت انتهت ليس بسبب حنكة كيسنجر وذكائه الخارق وقدرته علي اتخاذ مخاطرات محسوبة بل بسبب استجابة الرئيس الراحل أنور السادات لطلب كيسنجر برفض الاقتراح السوفيتي بإرسال قوة مشتركة مع الولايات المتحدة والموافقة بدلا من ذلك علي إرسال قوة دولية لمراقبة وقف إطلاق النار مقابل وعد جديد بالعمل علي التوصل لتسوية سلمية دائمة بعد انتهاء العمليات العسكرية.
ورغم أن كيسنجر كان يتحمل شخصيًا مسئولية هذه الأزمة بسبب منحه الضوء الأخضر لإسرائيل لمواصلة هجومها علي الجيش المصري لتحسين مواقعها بغض النظر عن نفاذ وقف إطلاق النار بموجب قرار مجلس الأمن رقم338 وكذلك لمقاومته العنيفة لضغوط العسكريين في البنتاجون من أجل وقف الجسر الجوي بعد التوصل لاتفاق علي وقف القتال فلقد أضطر الوزير الأمريكي وللمرة الأولي منذ بداية الحرب أن يمارس الضغط علي رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير وقال صراحة للسفير الإسرائيلي دينيتز أنه لن يتم السماح لهم بمهاجمة الجيش الثالث بعد سريان وقف إطلاق النار كما يجب عليهم الموافقة علي دخول الإمدادات الإنسانية. وفي اعتراف نادر يقول كيسنجر أنه اضطر إزاء الموقف الدولي وتهديدات الاتحاد السوفيتي أن يتصرف كوزير خارجية الولايات المتحدة أولا وليس "كطبيب نفسي لإسرائيل" في مواجهة مشاعرها بالصدمة والإهانة بسبب الهزيمة التي لحقت بها.
وفي نفس الوقت قدم كيسنجر اقتراحا للسادات بعقد مباحثات مباشرة مع الإسرائيليين للاتفاق علي تفاصيل وقف إطلاق النار وهو ما وافق عليه الرئيس الراحل وانعقدت بعد مناورات إسرائيلية استمرت حتي اللحظات الأخيرة اجتماعات الكيلو 101 الشهيرة في الساعة الواحدة والنصف من صباح الأحد الثامن والعشرين من أكتوبر. وفور أن أبلغ كيسنجر الإسرائيليين بموافقة السادات علي عقد مباحثات مباشرة مع الإسرائيليين للمرة الأولي منذ اندلاع الصراع العربي - الإسرائيلي عام 1948 وافقت مائير علي دخول الإمدادات الإنسانية للجيش الثالث وتوقف الجيش الإسرائيلي عن خرقه المتكرر لوقف إطلاق لنار. وأعتبر كيسنجر هذا التطور أحد أهم إنجازات الدبلوماسية الأمريكية في ذلك الوقت.
وفي استعراضه لاجتماع "مجموعة العمل الخاصة" ليلة 24 - 25 أكتوبر يقول كيسنجر أن قبول الاقتراح السوفيتي الخاص بتشكيل قوة عسكرية مشتركة لوقف إطلاق النار كان أمرا لا يمكن مجرد التفكير في قبوله. فمن ناحية كان السادات قد قام بطرد الخبراء السوفيت من مصر” والموافقة علي دور مشترك مع السوفيت كان سيعني عودة قواتهم إلي مصر بمباركتنا. وكان المطروح إما أن نكون في ذيل قوة سوفيتية في قوة مشتركة تعمل ضد إسرائيل أو أن ينتهي الأمر بمواجهة علي أرض دولة (مصر) تتفق مع الأهداف السوفيتية الخاصة بوقف القتال أو لا يمكنها أن تبدو أنها تعارضها.
"ويزعم كيسنجر كذلك أن ذلك الاقتراح كان من شأنه يثير مخاوف الدول العربية التي يصفها بالمعتدلة وبشكل عام سيؤدي إلي انهيار الاستراتيجية التي كان يعمل علي بنائها علي مدي أربعة سنوات ومنذ اندلاع الحرب:” فمصر ستعود إلي المدار السوفيتي وسيبرز الاتحاد السوفيتي وحلفاؤه الراديكاليون علي أنهم العامل المسيطر في المنطقة كما ستشعر الصين وأوروبا بالغضب من بروز تعاون سوفيتي - أمريكي في مثل هذه المنطقة الحيوية".
ويضيف كيسنجر أن ما دفعه كذلك إلي مساندة قرار رفع درجة الاستعداد العسكري هو ما وصل للولايات المتحدة من تقارير مخابراتية (يشكك فيها هو شخصيا لاحقا) من أن السوفيت أوقفوا جسرهم الجوي في وقت مبكر من يوم 24 أكتوبر علي الرغم من استمرار الجسر الجوي الأمريكي وهو ما تم تفسيره علي أنه إعادة تجميع للطائرات السوفيتية من أجل نقل قوات للمنطقة. كما وردت تقارير أخري عن رفع حالة الاستعداد بين قوات ألمانيا الشرقية وارتفاع عدد السفن السوفيتية في البحر المتوسط إلي خمسة وثمانين وتحرك فرقة بحرية سوفيتية مكونة من 12 سفينة بما في ذلك سفينتين برمائيتين إلي الإسكندرية.
وفي تفسيره للتحرك السوفيتي أمام مجموعة العمل الخاصة طرح كسينجر ثلاثة احتمالات: 1- إما أن يكون السوفيت قد اتخذوا هذا القرار من فترة وأن دعوتهم له لزيارة موسكو كانت لمجرد لكسب الوقت 2- أن ذلك هو رد فعل علي ما بدا أنه هزيمة قد تلحق بالجيوش العربية (بعد البدء بالطبع في الجسر الجوي الأمريكي - الأهرام) 3- أنهم قد شعروا أن إسرائيل والولايات المتحدة قد قاموا بخداعهم مع تحرك الجيش الإسرائيلي لمهاجمة الجيش المصري الثالث بعد التوصل لوقف إطلاق النار.
وفي الساعة 11 مساء قطع كيسنجر الاجتماع ليلتقي سريعا بالسفير الإسرائيلي دينيتز وليؤكد له أن التوجه العام هو رفض الطلب السوفيتي وأن ما يجري الاتفاق عليه هو وسائل مواجهته. وعند عودته للاجتماع كان هناك اتفاق علي محاولة تأخير التحرك السوفيتي المنفرد بإرسال قوات إلي المنطقة وذلك من خلال محاولة إقناع موسكو بعقد مباحثات حول الأمر عن طريق إرسال خطاب إلي بريجينيف..
ولكن في نفس الوقت كان هناك إصرار علي ضرورة اتخاذ تحركات يشعر بها السوفيت علي الفور لتأكيد رفض واشنطن لمثل هذا التهديد وذلك قبل وصول الرد الأمريكي إلي موسكو. (ويتضح من خلال مكالمات كيسنجر في هذا الفصل أنه لم يكن هناك ذلك الإجماع علي خطورة الرسالة السوفيتية وأن كبير موظفي البيت الأبيض الكسندر هيج رأي أن الأمر قد يكون مجرد خدعة أو مبالغة لدفع الأمريكيين للتحرك لإجبار إسرائيل علي احترام وقف إطلاق النار - الأهرام.) وفي النهاية كان القرار هو رفع حالة الاستعداد إلي الدرجة الثالثة. ولما كان تلقي السوفيت لهذه الرسالة سوف يستغرق بعض الوقت حتي يتمكنوا من رصد التحركات العسكرية الأمريكية فلقد قرر المجتمعون النظر في اتخاذ إجراءات أخري فورية مثل إصدار الأوامر برفع حالة الاستعداد في الكتيبة 82 المحمولة جوا وكذلك تحريك حاملة الطائرات فرانكلين روزفلت إلي شرق البحر المتوسط لتلتحق بالحاملة إندبندنس وأخيرا تحريك الحاملة جون كينيدي والسفن الملحقة بها علي وجه السرعة من المحيط الأطلنطي إلي البحر المتوسط.
وفي الساعة 11.25 مساء عاد دينيتز ليقدم اقتراحا لكيسنجر أدرك علي الفور أن مصر سترفضه. وكان الاقتراح هو أن تنسحب إسرائيل إلي الضفة الغربية وتعود القوات المصرية إلي الضفة الشرقية مقابل إنشاء منطقة عازلة مسافتها عشرة كيلومترات منزوعة السلاح علي كل ناحية من القناة. ويقر كيسنجر بأن السادات كان سيعتبر هذا العرض بمثابة إهانة لأن الإسرائيليين يطالبونه ببساطة بالانسحاب من أراض مصرية، كما لم يكن بإمكانه إنهاء الحرب بالتراجع عشرة كيلومترات عما كان عليه الوضع عند بداية العمليات العسكرية. كذلك فإن العرض كان يتطلب إجراء مفاوضات مطولة في وقت كان هدف كيسنجر الأول هو تجنب التدخل السوفيتي "ذلك إذا كان بالفعل وشيكا". وبالتالي تم استبعاد الاقتراح الاسرائيلي.
وكانت الخطوة التالية أمام مجموعة العمل هي تجاوز الاقتراح السوفيتي بالاتصال مباشرة بالرئيس السادات لإقناعه بعدم قبوله. وفي الساعة 11.55 مساء تمت الموافقة علي نص خطاب باسم الرئيس نيكسون يؤكد معارضة واشنطن للاقتراح السوفيتي بتشكيل قوات مشتركة مع الولايات المتحدة والتحذير من أن ذلك قد يؤدي إلي مواجهة بين الطرفين علي الأراضي المصرية. كما ألمح الخطاب أن مثل هذا التحرك سيؤدي إلي إلغاء زيارة كيسنجر إلي القاهرة في7 نوفمبر بناء علي دعوة الرئيس السادات.
وفور أن تم الاتفاق علي القرار برفع حالة الاستعداد العسكري أصدر كيسنجر توجيهاته لسكوكروفت بمغادرة الاجتماع للاتصال بدوبرنين وإبلاغه بالتوجيهات التالية: "قل له أن يمتنعوا عن اتخاذ أي تحركات حتي يصلهم رد علي رسالتنا (إلي بريجينيف). وأخبره أنك غير مخول لإعطاء أي رد. لا يجب اتخاذ تحركات انفرادية وإذا تم ذلك فسيترتب عليها أكثر النتائج خطورة. لا بد أن يعرفوا أننا نعني ما نقول". "ولكن يمكن للطرفين أن يمارسا لعبة الحذر".
وقد امتنع دوبرنين عن الرد بحدة علي هذه الرسالة واكتفي بالقول أنه سيبلغ محتواها لموسكو وسيبقي في انتظار ردنا علي رسالة بريجينيف. ومع تواصل الاجتماع وصلت المزيد من التقارير الخاصة باحتمال تحريك ثمانية طائرات سوفيتية تكفي كل منها لحمل 200 مقاتل من بودابست إلي مصر خلال ساعات وتأكيد رفع حالة الاستعداد بين قوات ألمانيا الشرقية بدءا من الساعة الخامسة صباحا بتوقيت واشنطن أي خلال ساعات قليلة أيضا. وفي الساعة 12.25 بعد منتصف الليل تمت الموافقة علي القرارات الأخري الخاصة برفع حالة استعداد الفرقة 82 المحمولة جوا وتحريك حاملات الطائرات. وبعد ذلك جري استئناف العمل علي الرد علي خطاب بريجينيف وتقرر أن يكون إرساله له في الخامسة والنصف صباحا بتوقيت واشنطن (الواحدة والنصف ظهرا بتوقيت موسكو). ويوضح كيسنجر أنه لما كان تنفيذ التهديد السوفيتي يعتمد علي الرد الأمريكي فلقد تقرر استغلال هذا الوقت لاستكمال الاستعدادات العسكرية. وفي الواحدة من صباح الخميس25 أكتوبر أتصل كيسنجر بالسفير البريطاني كرومر ليبلغه بالقرار الأمريكي الخاص برفع حالة الاستعداد والخطاب الموجه لبريجينيف لتكون لندن الحليف الأوروبي الوحيد الذي أطلع بشكل مسبق علي هذه المعلومات. كما أطلعه أنه سيبلغ تحالف الناتو رسميا بهذه التطورات بعد ساعة من إرسال الخطاب إلي موسكو أي نحو الظهر في بروكسل مقر الناتو (وذلك بدلا من التشاور مسبقا مع الحلفاء المفترضين والذين كانوا سيتأثرون بكل تأكيد في حالة وقوع مواجهة أمريكية - سوفيتية في زمن الحرب الباردة) وطالبه بأن تقوم بريطانيا بتوفير المساندة للولايات المتحدة في حلف الناتو والعواصم الأخري.
وفي الساعة 1.35 صباحا عاد دينيتز للظهور ليناشد الولايات المتحدة نيابة عن رئيسة الوزراء جولدا مائير بعدم إجبار إسرائيل علي العودة إلي خطوط 22 أكتوبر أي الموعد الفعلي لتنفيذ القرار 338 ووقف إطلاق النار. "وأكدت له أنه لا يوجد لدينا نية للضغط علي إسرائيل في مواجهة تهديد سوفيتي".
وفي الساعة 1.45 صباحا وفي إطار سياسة كيسنجر القائمة علي كسب الوقت طلب من سكوكروفت أن يعاود الاتصال بدوبرنين ليبلغه نفس الرسالة بأنه لا يجب علي موسكو القيام بأية تحركات قبل وصول الرد الأمريكي. ومن خلال رفضه الاتصال مباشرة بدوبرنين كان كيسنجر يعرف أن السفير السوفيتي سيفهم رسالته وهي أن الولايات المتحدة ليست علي استعداد للتفاوض في هذه المرحلة. وتبني دوبرنين نفس الموقف المتماسك القائم علي أنه سيبقي في انتظار الرد وسيبلغ التعليمات إلي موسكو. وفي نفس الوقت صدرت توجيهات إلي قائد القوات الأمريكية في أوربا بتأخير عودة جنود أمريكيين كانوا قد شاركوا في مناورات في حلف الناتو.
وفي الساعة 5.40 صباحا تم تسليم الرد الأمريكي بإسم الرئيس نيكسون إلي دوبرنين والذي تضمن رفض كل المقترحات السوفيتية. كما تم تسليم الخطاب عبر مبعوث وليس عن طريق الهاتف لكي لا يكون هناك أي مجال لتقديم تفسيرات. وعرض الخطاب موافقة الولايات المتحدة واستعدادها للمشاركة في قوة موسعة من المراقبين تابعة للأمم المتحدة تتشكل من أشخاص غير مقاتلين ولمدة محدودة علي أن تكون مهمتهم الأساسية "توفير المعلومات المناسبة الخاصة بالتزام كلا الطرفين بشروط وقف إطلاق النار". وتضيف الرسالة: "ولكنكم يجب أن تعرفوا علي الرغم من ذلك أننا لا يمكننا الموافقة في أي حال من الأحوال علي اتخاذ إجراءات أحادية. وسيمثل ذلك خرقا للتفاهمات التي توصلنا لها وللمبادئ التي قمنا بالتوقيع عليها في موسكو عام 1972 والمادة الثانية من الاتفاقية الخاصة بمنع الحرب النووية. وكما أشرت فإن مثل هذا التحرك سينتج عنه عواقب لا يمكن حسابها ولن تكون في مصلحة أي من بلدينا وستؤدي إلي إنهاء كل ما عملنا بجهد من أجل تحقيقه".
وفي الثامنة من صباح 25 أكتوبر وصلت لكيسنجر أول مؤشرات "أننا قد انتصرنا علي السوفيت. فلقد بات واضحا أن السادات كان يراهن علي الولايات المتحدة وليس الاتحاد السوفيتي". وعندما وصل إلي مكتبه في البيت الأبيض كانت في انتظاره رسالتان بصفته مستشار الأمن القومي (بجانب حيازته لمنصب وزير الخارجية) من حافظ إسماعيل والرئيس السادات شخصيا. "وفي تعبير واضح عن التقدير لخطورة الموقف فلقد قام المصريون بترقيم الرسالتين بالترتيب وذلك لمساعدتنا في متابعة تطور تفكيرهم. الرسالة الأولي كانت إجابة إسماعيل علي رسالتي (ظهر يوم 24 أكتوبر) حول الجهود التي قمنا بها لتأمين التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار. عبر إسماعيل عن تقديره لجهودنا في المساعدة. ولم ير أن إرسال ملحقين عسكريين أمريكيين (إلي الجبهة) أمر مناسب وتمسك بأن إرسال قوة سوفيتية - أمريكية مشتركة هو أفضل ضمان. وعلي الرغم من ذلك قال إسماعيل أنه" طالما أن الولايات المتحدة ترفض هذا الإجراء فإن مصر تطالب مجلس الأمن بتوفير قوة دولية (والتأكيد هنا في رسالة إسماعيل)".
وكان هذا يعني أن مصر قامت بسحب الاقتراح الذي تسبب في الأزمة أي تشكيل قوة سوفيتية مشتركة وتقدمت بدلا من ذلك بطلب قوات دولية. ووفقا لتقاليد الأمم المتحدة فإن المطالبة بهذه القوة الدولية كان يعني استبعاد وكان هذا يعني أن مصر قامت بسحب الاقتراح الذي تسبب في الأزمة أي تشكيل قوة سوفيتية مشتركة وتقدمت بدلا من ذلك بطلب قوات دولية. ووفقا لتقاليد الأمم المتحدة فإن المطالبة بهذه القوة الدولية كان يعني استبعاد استخدام قوات من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن (أمريكا - الاتحاد السوفيتي - بريطانيا - فرنسا - الصين) أي عمليا إنهاء اقتراح بريجنيف.
وكان هذا الأمر أكثر وضوحا في الرسالة رقم 2 والموجهة من الرئيس السادات إلي نيكسون. واتفقت هذه الرسالة ليس فقط مع محتوي الخطاب الذي أرسله نيكسون الليلة السابقة ولكن كذلك المنطق الذي اعتمد عليه وفقا لكيسنجر. وقال السادات في رسالته: "إنني أتفهم المبررات التي تقدمتم بها فيما يتعلق بالاستعانة بقوة أمريكية - سوفيتية مشتركة ولقد طلبنا من مجلس الأمن بالفعل أن يرسل وبسرعة قوة دولية إلي المنطقة للتحقق من تنفيذ قرارات مجلس الأمن. ونأمل أن يؤدي ذلك إلي تمهيد الطريق أمام المزيد من الإجراءات نحو إرساء سلام عادل في المنطقة وفقا لما دعا له قرار مجلس الأمن الصادر في 22 أكتوبر (338)".
ويقر كيسنجر بأن هذه الرسالة كانت تعني "أننا كنا علي وشك كسب اللعبة الدبلوماسية. فبدون المساندة المصرية كان من غير المتوقع كثيرا صدور قرار من الأمم المتحدة يطالب بقوة أمريكية - سوفيتية. وإذا أرسل السوفيت قوات فذلك سيكون إجراء انفراديا من دون موافقة الدولة المضيفة أو الأمم المتحدة. كما أظهرت (الرسالة) أن السادات كان يراهن بمستقبله علي المساندة الدبلوماسية الأمريكية بدلا من الضغط العسكري السوفيتي."
ومن ناحية أخري زاد من شعور كيسنجر بأن الأزمة علي وشك الانتهاء التقارير التي وصلته من سكالي في الأمم المتحدة. فلقد خفتت المساندة بين الأعضاء لاقتراح تشكيل قوة أمريكية - سوفيتية مشتركة وتقدمت مجموعة عدم الانحياز بمشروع قرار جديد صباح الخميس تطالب فيه بتشكيل قوة طوارئ من الأمم المتحدة تحت سلطة مجلس الأمن. ويفسر كيسنجر ذلك بأن الدول غير دائمة العضوية في مجلس الأمن عادة ما تتجنب التصويت علي قرار تعارضه أحدي الدول دائمة العضوية التي تتمتع بحق الفيتو إذا ما شعرت بأن هناك بديلا آخر. وفي وقت لاحق من نفس الصباح أتصل السفير البريطاني كرومر بكيسنجر ليبلغه بمساندة لندن للموقف الأمريكي.
وفي هذه الأجواء المتفائلة اجتمع كيسنجر وهيج بالرئيس نيكسون في الثامنة من صباح الخميس ليبلغاه بتطورات الموقف من النواحي العسكرية والدبلوماسية. "واتفقنا علي أنه سيكون أمر غير مسبوق وبالتالي تحديا كبيرا - إذا أرسل السوفيت وحدات مقاتلة نظامية في منطقة تبعد عن مدارهم وضد رغبة الحكومة المحلية". وعلي الرغم من أن الكونجرس الأمريكي كان قد مرر قبل أيام قانونا يطالب الرئيس بإبلاغه مسبقا بقرار التوجه للحرب فلقد كان نيكسون متمسكا بضرورة معادلة عدد القوات السوفيتية التي قد يتم إرسالها للمنطقة.
وبعد الاجتماع مع نيكسون أرسل رد رئاسي إلي السادات رحبت الولايات المتحدة فيه "بطريقة رجل الدولة في التعامل مع قضية قوات حفظ السلام" وأشار إلي مساندة أمريكا لتشكيل قوة دولية لا تتضمن أعضاء دائمين في مجلس الأمن.
وبين الساعة 8.40 والعاشرة صباحا أنهمك نيكسون وكيسنجر في إطلاع قادة الكونجرس علي تطورات الليلة السابقة وما تلاها من أحداث. ورغم أن هؤلاء القادة رحبوا بقرار رفع حالة الاستعداد ومعارضة تشكيل قوة مشتركة مع السوفيت فإن كيسنجر يري أن السبب وراء ذلك كان أساسا العقلية الانعزالية التي سادت الولايات المتحدة في عقب حرب فيتنام وتراجع التأييد لإرسال قوات أمريكية مجددا إلي الخارج بغض النظر عن الأسباب. "وبالتالي كانوا (أعضاء الكونجرس) سيعارضون إرسال قوات أمريكية حتي لو كان ذلك بغرض مقاومة تحرك سوفيتي منفرد". وفور أن أطلع نيكسون قادة الكونجرس علي نيته إرسال قوات أمريكية للمنطقة تتمركز في إسرائيل أو أي دول عربية أخري صديقة لتضاهي عدد القوات التي قد يرسلها السوفيت تراجعت روح التعاون التي سادت بداية الاجتماع. وعبر قادة الكونجرس عن تحفظهم الشديد علي اتخاذ أي قرار بنقل قوات أمريكية واعتبار ذلك التحرك منفصلا تماما عن تأييدهم لقرار نيكسون برفع حالة الاستعداد كرد علي ما بدا أنه تهديد سوفيتي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.