37
موسكو تشجعت على التهديد باتخاذ إجراء منفرد بسبب حالة الفوضى السائدة في إدارة نيكسون مع توسع فضيحة ووتر جيبت
واشنطن: خالد داوود
الأهرام الأحد 16 نوفمبر 2003م - 22 رمضان 1424هـ
وطالب بأن يكون هناك "حد أدني من الثقة بأن كبار المسئولين في الحكومة الأمريكية لا يتلاعبون بأرواح الشعب الأمريكي". (تستخدم الإدارة الحالية للرئيس جورج بوش تقريبا نفس الحجج بل وربما الجمل في مواجهة الانتقادات الداخلية لحرب العراق والاتهامات الموجهة لها بأنها تخاطر بحياة الأمريكيين من أجل حرب غير مبررة سوي برغبة الرئيس الحالي في الحفاظ علي شعبيته كقائد لأمة في حالة حرب وللفوز بفترة رئاسية ثانية - الأهرام) وبعد أن أنهي مؤتمره الصحفي تلقي كيسنجر مكالمة في الساعة 1.18 ظهرا من الأمين العام للأمم المتحدة فالدهايم يخطره فيه بأنه قد تم تجاوز الأزمة وأن مجموعة دول عدم الانحياز تقدمت بمشروع قرار جديد لا يطالب بقوة أمريكية - سوفيتية مشتركة ولكن يدعو إلي تشكيل قوة دولية.
وأصر كيسنجر علي التقدم بتعديل لينص القرار كذلك علي أن هذه القوة الدولية يجب ألا تتضمن أيا من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن للتأكيد علي موقفه الرافض لوجود قوات عسكرية سوفيتية في المنطقة. وتركزت مكالمات كيسنجر بعد ذلك علي الاتفاق علي تفاصيل هذه القوة وتشكيلها.
كيسنجر - فالدهايم الساعة 1.18 ظهرًا.
فالدهايم: الموقف كما تعرف هو أن السوفيت تلقوا تعليمات بقبول التعديل الأمريكي. والفرنسيون فقط هم المترددون الآن. ولقد التقيت بالسفير الفرنسي الذي قال أنه سيطالب بتصويت منفصل علي التعديل الخاص بعدم استخدام قوات تابعة لأي من الدول دائمة العضوية وذلك لكي يبدي اعتراض فرنسا عليه.
ك: لا ينبغي أن تشك يا سيادة الأمين العام في أننا سنستخدم الفيتو في مواجهة أي قرار لا يتضمن هذا التعديل. نحن لن نتساهل في هذا الأمر.
ف: هذا مفهوم. لا توجد مشكلة. الفرنسيون فقط هم الذين يطالبون بتصويت منفصل علي التعديل. ولكنهم بعد ذلك سيوافقون علي مشروع القرار كما هو.
ك: هذا حقهم. ولكن هناك أمر آخر يثير قلقي يا سيادة الأمين العام. نحن نعارض بشكل مبدئي إرسال قوات من دول أوربا الشرقية أو أي دول شيوعية. سيثير ذلك أزمة ثقة هنا.
ف: الاتجاه هنا هو أن يكون بجانب قوات الدول الاسكندنافية قوة من دولة أفريقية مثل نيجيريا وأسيوية مثل ماليزيا.
ك: لا يوجد لدينا اعتراض علي ذلك طالما لا توجد قوات من دول أوربا الشرقية.
ف: هناك اقتراح بقوة من بولندا.
ك: أعتقد أننا قدمنا تنازلا كافيا بالسماح بقوة من السويد (بسبب تأييدها للموقف العربي.)
ف: ولكننا قد نواجه مشكلة مع كندا وذلك بسبب عضويتها في حلف الناتو.
ك: نحن علي استعداد للاستغناء عن كندا ولكن لا نريد قوات كذلك من يوجسلافيا.
وفي الساعة 2.40 ظهرا يتصل دوبرنين بكيسنجر ليبلغه رسميا بأن الأزمة انتهت كما يتضح من خطاب أرسله بريجينف إلي نيكسون والذي تراجع فيه تماما عن المطالبة بقوة عسكرية مشتركة واكتفي باقتراح إرسال سبعين مراقبا من كل طرف لمراقبة وقف إطلاق النار. وأبدي الزعيم السوفيتي استعداده للتعاون مع الولايات المتحدة لتنفيذ القرارات التي تم التوصل لها في مجلس الأمن في 22 و23 أكتوبر وجدد مطالبته بتنفيذ التفاهمات التي توصل لها مع كيسنجر خلال زيارته لموسكو والمتعلقة بتنفيذ إسرائيل لقرارات مجلس الأمن سعيا نحو تسوية دائمة في المنطقة.
ويحاول كيسنجر أن يلاطف دوبرنين حيث كان علي دراية بأنه يشعر بالغضب من عدم إخطار موسكو مقدما بالتوجه نحو رفع حالة الاستعداد في خرق واضح لسياسة الوفاق. ويذكر كيسنجر دوبرنين أنه حاول أن يكون لطيفا في كلامه عن السوفيت خلال مؤتمره الصحفي الأخير. ويرد دوبرنين متهكما: "نعم لقد شعرت بذلك منذ الرسالة التي وصلتني في الرابعة صباحا".
ك: لا. في الرابعة صباحا لم أكن أحاول أن أكون لطيفا. لقد اعتقدت أنكم توجهون لنا تهديدا. ونحن نأخذ التهديدات علي محمل سيء للغاية.
د: ربما لا يجب علينا مناقشة ذلك الآن
....
وفي الساعة 5.35 مساء يتصل كيسنجر بدينيتز لاطلاعه علي آخر التطورات.
ك: لقد وصلنا رد من الاتحاد السوفيتي. كل ما يقومون به الآن هو اقتراح سبعين رجل كمراقبين منفردين. لقد تمكنا من هزيمتهم ثانية. سوف نقول لهم أننا لا نري حاجة لسبعين شخصا (من كل طرف).
د: إذن الاقتراح هو وجود مجموعة مشتركة من المراقبين الأمريكيين والسوفيت بجانب القوة الدولية. وأنتم ستقولون لهم أنه لا يوجد حاجة لمثل هذا العدد. هل لديك معلومات عما كان في الطائرات السوفيتية الخمسة التي هبطت في القاهرة اليوم؟
ك: لا
د: ربما كانت تحمل السبعين مراقبا
ك: هذا هو انطباعي.
وكان قد أجري قبل هذه المحادثة مكالمة مع وزير الدفاع شليزنجر لكي يشكره علي المساهمة في النتيجة الناجحة التي أمكن التوصل لها.
ك: أعتقد أن الأمور تسير.
ش: تعتقد أننا نجحنا؟
ك: نعم. لقد وافقوا (السوفيت) علي قرار مجلس الأمن.
ش: ولكن هل سمعنا ردا مباشرا؟
ك: نعم ولكن لتبق علي الأمر هادئا في المرحلة الحالية وإلا سيبدو أننا قد بالغنا في هذا الأمر. (رفع حالة الاستعداد).
ش: لقد كنت أناقش الأمر مع توم (مورار رئيس الأركان) وبيل (كليمنتس نائب وزير الدفاع). ولدينا الآن حالة استنفار في جميع أنحاء العالم ونعتقد أننا يمكننا تخفيض هذه الحالة في بعض المناطق.
ك: أعتقد أننا يجب أن ننتظر حتي منتصف الليل. لا تقم بذلك مباشرة بعد التصويت علي القرار. وإلا سيبدو الأمر وكأنه لعبة لممارسة الضغط (اعتراف صريح من كيسنجر بأن الخطاب السوفيتي لم يكن يستحق رد الفعل القوي الذي دعا له برفع حالة الاستعداد.)
ثم يتصل كيسنجر بالرئيس نيكسون ومستشاره المقرب هيج ليبلغهم ما رأي أنه انتصار أمريكي بعد قبول السوفيت بقرار مجلس الأمن الجديد والتخلي عن المطالبة بقوة مشتركة وإن كان الرئيس الأمريكي يبدو متشككا في ذلك وغاضبا في نفس الوقت من الاتهامات المتزايدة له بأنه لجأ لرفع حالة الاستعداد لصرف الانتباه عن مشاكله الداخلية.
....
كيسنجر - نيكسون الساعة 3.05 بعد الظهر
ك: السيد الرئيس لقد انتصرنا ثانية.
ن: هل تعتقد ذلك
ك: لقد وافق السوفيت علي القرار الذي تقدمنا به إلي مجلس الأمن والذي يمنع مشاركة أعضاء دائمين. ووصلنا رد من بريجينيف يوافق فيه علي اقتراحنا ويعرض إرسال 70 مراقبا.
ن: هذا أمر سهل لنرسل 170 إذا أرادوا.
ك: سنبقي علي حالة رفع الاستعداد حتي منتصف الليل ثم نقوم بخفضها في المناطق المختلفة تدريجيا بدءا بألاسكا.
ن: وكيف سنتعامل مع الصحافة غدا؟
ك: سأكون علي استعداد لعقد مؤتمر صحفي غدا والرد علي أولئك الـ (كلمة خارجة) الذين يقولون أننا قمنا بكل ذلك الأمر من أجل أغراض سياسية.
وبعد استعراض أسماء الصحفيين والمعلقين الكبار الذين تبنوا هذا الموقف يقول نيكسون: "بمعني آخر هم يتهموننا بأننا افتعلنا الموقف وخلقنا أزمة" ويطالبه بأن يكون قاسيا مع الصحفيين علي أن يعقد هو لاحقا مؤتمره الصحفي الخاص به. ويقترح كيسنجر عليه الانتظار حتي يوم الأحد أو الاثنين ولكن نيكسون يقول أنه لا يستطيع الانتظار كل ذلك الوقت.
ك: إذن لتعقد مؤتمرك الصحفي غدا (الجمعة) وسأعامل أولئك الأنذال (الصحفيين) باحتقار. سألوني عن ووترجيت وقلت لهم أنه لا يمكن أن نتوقع المس بالسلطة المركزية في البلد من دون دفع الثمن. (وذلك وفقا لوجهة نظره بأن الأزمة الداخلية في الولايات المتحدة هي التي شجعت موسكو علي التصعيد والتهديد بإجراءات انفرادية).
وفي عدة مكالمات لاحقة يعمل كيسنجر علي ترتيب تفاصيل عقد المؤتمر الصحفي للرئيس الأمريكي بعد أن قرر نيكسون الانتقال إلي كامب ديفيد لقضاء عطلة نهاية الأسبوع هناك.
كما يتصل بزعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ السيناتور مانسفيلد ليطلب منه عقد مؤتمر صحفي يعبر فيه عن سعادته بأداء الرئيس في الأزمة ويخطره بأن مجلس الأمن تبني القرار الجديد مع قيام الصين فقط بالامتناع عن التصويت مما يعني عمليا أن الأزمة قد انتهت "بعد أن كانوا (السوفيت) يهددون حتي أمس بالقيام بغزو عسكري". ولكنه يطالبه في نفس الوقت ألا يعلن انتهاء الأزمة والانتظار لمدة يوم حتي تتضح طريقة تعامل السوفيت مع القرار الجديد.
كيسنجر - نيكسون الساعة 7.15 مساء.
ن: هذه أسماء المجموعة (من الصحفيين) التي أرغب في قيامكم بنقلهم بالطائرة غدا من نيويورك (رؤساء تليفزيونات سي.بي.إس و إن.بي.سي وأيه.بي.سي ورؤساء وتحرير النيويورك تايمز والواشنطن بوست). أعتقد أنه يمكن لك أن تمارس تأثير كبير عليهم (بحكم أنه يهودي تربطه علاقة قوية بالقيادات اليهودية الأمريكية النافذة في وسائل الإعلام). إن همهم الرئيسي هو إسرائيل. من الذي أنقذ إسرائيل هل كان بإمكان أحد آخر إنقاذها؟
ك: الأمر المؤكد هو أننا إذا لم نتمكن من عقده (المؤتمر الصحفي) غدا سنقوم بذلك يوم الاثنين. إننا نسيطر علي الأخبار (بعد موافقة مجلس الأمن علي القرار الجديد وما صوره كيسنجر أنه انتصار أمريكي). لقد أعطونا (شبكات التليفزيون) خمس عشرة دقيقة.
ن: ولكنني فهمت أنه كان من بينهم ست دقائق تتعلق بزعم أننا زيفنا الأمر برمته في شبكة سي.بي.إس وأننا اخترعنا الأمر بأكمله. لقد استخدموا ست دقائق للتركيز علي هذه النقطة السيئة وما سوف يرسخ في اعتقاد العامة أننا افتعلنا الموقف برمته. يجب أن يتأكد زيجلر (المتحدث باسم البيت الأبيض) من عدم استمرار هذا الخلط. أنت تعرف أننا كنا قريبين من مواجهة نووية هذا الصباح.
ك: لقد شاهدت ما عرضته سي. بي. إس وأعتقد أنه كان جيدا بالنسبة لنا. لقد قدموا كل الإجابات الصارمة للرد علي هذه الاتهامات.
ن: هل يحملون الرئيس المسئولية...؟
ك: لا. القيادة بشكل عام.
ن: لتأت بهذه المجموعة من الصحفيين ولتقل لهم أنكم أمريكيون أولا وأعضاء في الجالية الأمريكية اليهودية ومهتمين بشأن إسرائيل. من الذي أنقذ إسرائيل ومن الذي سوف يقوم بإنقاذها في المستقبل..؟
ك: سأفعل بكل ما في وسعي.
....
وفي تقييمه لمجمل الأزمة يقول كيسنجر أن الولايات المتحدة نجحت في تحقيق ثلاثة من بين أربعة من أهدافها وسط أسوأ أزمة دستورية تشهدها الولايات المتحدة: 1- ساعدنا في ضمان أمن إسرائيل 2- هزمنا تهديدا سوفيتيا بالتدخل العسكري مع حرصنا في نفس الوقت علي عدم إهانة القيادة السوفيتية و3- حافظنا علي خيار تحسين العلاقات مع الدول العربية. ولكن بقيت المشكلة الرابعة من دون حل وكان السادات قد أرسل خطابا إلي نيكسون في الساعة 9.30 من صباح الجمعة 26 أكتوبر يتهم فيه إسرائيل باستغلال الموقف لكي "تعزز من مواقعها عبر خطوط المواصلات الخاصة بالجيش الثالث في محاولة لعزله وإجباره علي التسليم" بجانب استمرارها في منع الأفراد التابعين للأمم المتحدة من الوصول إلي المنطقة.
وهدد السادات باتخاذ إجراءات انفرادية لإعادة فتح خطوط الإمداد للجيش الثالث. وأخبرنا أنه أطلع السوفيت علي نفس الموقف وحذر من أن "استمرار حالة الجمود الحالية ستؤثر علي جو المباحثات المقبلة مع كيسنجر في القاهرة. وكتب السادات: "وإنني أود إخطارك بأنه استعدادا لهذه الزيارة فنحن نعمل علي إعداد مقترحات شاملة نأمل أن تمثل نقطة تحول نحو التوصل لتسوية سلمية نهائية".
ويعلق كيسنجر علي هذه الأزمة بالقول: "لقد ساندنا إسرائيل طوال الحرب لأسباب عديدة تاريخية وأخلاقية واستراتيجية. وبلغ الأمر أننا انتهينا للتو من مخاطرة احتمال الدخول في حرب مع الاتحاد السوفيتي وسط أزمة ووترجيت الداخلية. ولم يكن استئناف القتال بعد سريان وقف إطلاق النار سيفيد مصلحة إسرائيل علي المدي الطويل. ولكن قادة إسرائيل الذين جن جنونهم إثر واقع أنه قد تمت مفاجأتهم (بالحرب التي بدأتها مصر وسوريا) وإحساسهم بالألم بسبب الخسائر الكبيرة التي لحقت بهم كانوا يشعرون بعدم الثقة في الرئيس السادات الذي أدار وخطط لهزيمتهم وكانوا يرغبون في أن تنتهي الحرب بالتخلص منه." ويزعم الدكتور كيسنجر بأنه "كان من الممكن تفهم مشاعرهم. ولكن أحد مصالحنا كانت تكمن في منح القادة العرب حافزا لتبني موقفا معتدلا. ولقد اقتنعنا بعد الرسائل التي تم تبادلها مع السادات أنه كان يمثل أفضل فرصة من أجل تحقيق سلام معتدل في الشرق الأوسط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.