41
على سبيل المزاح.. طلبت من جولدا مائير لقاء السادات عند الكيلو 111 ونصف!
واشنطن: خالد داوود
الأهرام السبت 22 نوفمبر 2003م - 28 رمضان 1424هـ
في الساعة 1.55 بعد الظهر يجري اتصال بين كيسنجر والسفير الاسرائيلي سيمحا دينيتز الذي ينفي منع دخول مراقبي الأمم المتحدة إلي السويس ويقول أنهم وصلوا في ساعة متأخرة وطلبوا البقاء عند مدخل المدينة حتي الصباح. وأضاف "إنني أطلعك علي آخر المعلومات من ديان. هناك اتفاق والكل هناك سعيد. لا يوجد قتال الآن." وفيما يتعلق بالقافلة والاجتماع يبلغ دينيتز كيسنجر بموافقة الحكومة الإسرائيلية "رغم كل المصاعب" علي عقد الاجتماع في نفس المكان وأنه تم التنسيق مع مراقبي الأمم المتحدة الذين قاموا بدورهم بالتنسيق مع المصريين لكي يتم عقد الاجتماع عند منتصف الليل. وفيما يتعلق بالقافلة قال أنه سيتم السماح لها بالدخول إلي السويس بشرط أن يتولي قيادة الشاحنات سائقون تابعون للأمم المتحدة أو إسرائيليون وليسو مصريين وذلك بزعم إن إسرائيل لديها معلومات أن مصر سترسل رجال مخابرات في هيئة سائقين للاطلاع علي الموقف ومواقع القوات والدبابات الإسرائيلية "بعد التقدم لنحو سبعين كلم داخل أراضينا" (سريعًا اعتبر ديان الجزء الذي احتلته إسرائيل علي الضفة الشرقية جزءًا من الأراضي الإسرائيلية - الأهرام.) ويناشده كيسنجر عدم القيام بأية ألاعيب وألا يكون ذلك المطلب الأخير الخاص بالسائقين محاولة للتعطيل لأن ذلك سيكون أمرًا غير مقبول. كما يزعم دينيتز بأن الجيش الثالث يقوم بمواصلة محاولة بناء الجسور علي مدي اليوم وإطلاق النار علي الجنود الإسرائيليين ويطلب من كيسنجر أن يطلب من مصر الالتزام الكامل بوقف إطلاق النار.
في الساعة 2.10 بعد الظهر يعود كيسنجر للاتصال بشليزنجر ليبلغه بتفاصيل الاتفاق مع إسرائيل وأنه تم تحديد منتصف الليل كموعد نهائي للقاء. ويهنئه وزير الدفاع على ذلك ويطلب منه أن ينسب الفضل في التوصل لذلك الاتفاق إلى الرئيس نيكسون لأنه يحتاج مثل هذا النوع من الدعم وسط مشاكله الداخلية. (ومن المعروف أن كيسنجر كان يقوم بنسبة كافة القرارات المهمة إليه وهو ما قد يكون صحيحًا إلى حد ما في تلك الفترة حيث كان الرئيس نيكسون غارقًا في توابع أزمة ووتر جيت.)
وفى الساعة 2.40 بعد الظهر يتصل كيسنجر بدينيتز ليبلغه بموافقة مصر على أن يقوم سائقون تابعون للأمم المتحدة بقيادة الشاحنات وأنهم يرغبون في دخول السويس عند منتصف الليل. ويعرب دينيتز عن رأيه أن الأمم تسير على ما يرام.
وفى الساعة 3.05 بعد الظهر تجرى المكالمة الأخيرة التي يشير لها كيسنجر في كتابه وكانت مع دينيتز الذى أبلغه رسالة مع مائير توكد فيها مجددًا أن قوة الأمم المتحدة هي التي اختارت طوعًا عدم الدخول إلى مدينة السويس في المساء بسبب المخاطر هناك وأن عددهم زاد من خمسين إلى 250. وأضاف أنه سيتم السماح لهم بدخول المدينة ولكن دون تقديم مساعدة لهم بزعم أن إسرائيل ترفض تحمل مسئوليتهم. كما تم التأكيد على الاتفاق الخاص بسائقى الشاحنات وأن يكونوا تابعين للأمم المتحدة وكذلك قيام مصر بإصدار أوامر جديدة تدعو إلى الالتزام بوقف إطلاق النار.
ويحاول دينيتز إضفاء جو من المرح على المحادثة ويقول لكيسنجر إن مائئر طلبت أن ينقل له المزحة التالية:
د: رئيسة الوزراء تريد اللقاء بالسادات في الساعة 3.30 من مساء اليوم عند الكيلو 111 ونصف. وإذا وصلتك رسالة إيجابية من السادات.. وهى تتفهم مهمتك المستحيلة في معرفة الحقيقة عندما تقنعه بالإجابة.
ك: أنا سعيد أنه ما زال لديها روح دعابة.
د: نعم لقد كنت على وشك أن أفقد هذه الروح.
ك: أن متأكد أن الأمور ستسير على ما يرام.
ك: لقد انتهينا من أسوأ يوم.
"وأخيرًا في الساعة الواحدة والنصف بالتوقيت المحلى من صباح الأحد 28 أكتوبر وبعد تأخير نحو ساعة ونصف الساعة عن الموعد المقرر التقى ممثلون عسكريون مصريون وإسرائيليون في مباحثات مباشرة للمرة الأولى خلال 24 عامًا تحت رعاية الأمم المتحدة".
"وفى صباح الاثنين 29 أكتوبر أبلغ كيسنجر حافظ إسماعيل بوصول القافلة إلى مدينة السويس "ووافقت مصر على عقد المزيد من الاجتماعات مع إسرائيل للتوصل إلى تسوية بشأن أمور أكثر أهمية. وبينما بقيت هذه الأمور دون حل حاسم فلقد بدأ التحول نحو المفاوضات وبات من الصعب التراجع عنها. وانتهت هذه المحادثات باتفاقية فض الاشتباك الأولى بين مصر وإسرائيل في يناير 1974 ولحقها اتفاق سياسى في سبتمبر 1975 ثم معاهدة سلام في 1979 والتي مازالت نافذة حتى وقت كتابة هذه الكلمات".
***
في شهر مايو الماضى احتفل وزير الخارجية ومستشار الأمن القومى السابق هنرى كيسنجر بعيد ميلاده الثمانين. ورغم أنه خرج رسميًا من الحكومة الأمريكية عام 1977 فهناك إجماع على أنه ما زال شخصية قوية ومؤثرة حتى وقتنا هذا من خلال مكتبه للاستشارات الدولية "كيسنجر آسوشيتز Kissinger Associates" في مدينة نيويورك. فكيسنجر يتمتع بعلاقات دولية نافذة عبر المحيطات واتصالات وثيقة بمراكز صنع القرار في واشنطن بحكم الانتماء لناد واحد هو نادى السياسيين الأمريكيين الذى يسميه البعض هنا بـ "الحكومة الدائمة".
ومنذ وصول الرئيس الحالي جورج بوش إلى البيت الأبيض عام 2001 كان كيسنجر من بين مستشاريه المقربين الذين يستعين بنصائحهم في قضايا السياسة الخارجية. وأثارت هذه العلاقة زوبعة في نهاية العام الماضى بعد أن قرر بوش تعيينه ليرأس لجنة مستقلة للتحقيق في أوجه القصور التي أدت لوقوع هجمات الحادى عشر من سبتمبر. القرار كان بمثابة الصدمة للرأي العام الأمريكي ولغالبية أسر الضحايا الذين يرغبون قبل كل شيء في معرفة حقيقة ما حدث ومن المسئول الذى يمكن توجيه اللوم له للفشل في إحباط مقتل 2700 شخص. فكيسنجر والحقيقة بشكلها المثالى لا يجتمعان إلى حد ما ولا يمكن لهما أن يكونا وجهين لعملة واحدة. فالرجل نموذج للسياسى المحنك الذى اعتمد طوال مسيرته السياسية المبدأ الأكر بدائية في إدارة أي صراع وهو أن الغاية تبرر الوسيلة بغض النظر عن أي أبعاد أخلاقية أو قانونية. وأحد أقواله المأثورة: "الأشياء غير القانونية نقوم بها على الفور. أما الأمور غير الدستورية فتستغرق وقتًا أطول". ومثلما ينظر البعض في العالم إلى كيسنجر كنموذج يحتذى للسياسى العبقرى فهناك كثيرون في أمريكا يرون أنه يستحق معاملة "مجرمى الحرب" وذلك لدوره في بعض أسوأ المذابح والحروب التي شهدتها دول جنوب شرق آسيا وتحديدًا في فيتنام وكمبوديا ولاوس وكذلك في بنجلاديش وتيمور الشرقية. وكيسنجر متهم كذلك بوقوفه وراء بعض أسوأ أعمال العنف والانقلابات الدموية التي قادها عسكريون في أمريكا اللاتينية وعلى رأسها بالطبع الإطاحة بالرئيس المنتخب لتشيلى سلفادور الليندى على يد الجنرال بينوشيه والذى ما زال ضحاياه يتعقبونه لمحاكمته حتى اليوم كمجرم حرب. وعندما قرر كيسنجر الاعتذار عن قبول مهمة رئاسة لجنة 11 سبتمبر لم يكن استجابة لحملة الانتقادات التي تجددت ضده في الصحف الأمريكية والتي أعادت التذكير بماضيه المثير للجدل ولكن لأنه رفض لكشف عن قائمة الدول والجهات التي يتعامل معها ويخدم مصالحها في إطار شركة الاستشارات الخاصة التي يديرها بناء على طلب أسر الضحايا الذين أرادوا ضمان نزاهة التحقيق.
ولكن بالنسبة لمؤيدى كيسنجر فهو الأكاديمى الخبير في العلاقات الدولية والذى أتى من ألمانيا مهاجرًا وهو طفل في الخامسة عشرة في أوج اضطهاد اليهود هناك عام 1938 وهو الذى أنقذ الولايات المتحدة خطر المواجهة النووية مع الاتحاد السوفيتى القوة العظمى المنافسة في ذلك الوقت. وكما بدأ ودفع كيسنجر الولايات المتحدة للحرب مع فيتنام عام 1968 في إطار المواجهة الأوسع مع موسكو فلقد كان هو أيضًا الذى عمل على إنهائها مما أهله للحصول على جائزة نوبل للسلام بينما هو منشغل في حل الموقف المتفجر في الشرق الأوسط بعد اندلاع حرب أكتوبر. وكذلك فإن كيسنجر هو صاحب سياسة الانفتاح على الصين وزياراته التاريخية لبكين هي التي مهدت الطريق أمام تحسين العلاقات بين البلدين. وبالتالي اكتسب سمعة دولية في ذلك الوقت بأنه هو الوحيد القادر على حل الأزمات العالمية وأصبح إعلان تدخله لتسوية صراع ما إيذانًا بأنه على وشك الحل على يد الساحر كيسنجر. فالإنجازات التي حققها كانت تبدو مستحيلة ومستعصية على الحل في زمن الحرب الباردة والتي كانت حربًا فعلية بين القوتين العظميين استخدمت فيها كل الوسائل العلنية والسرية وراح ضحيتها الملايين. ولكن الضحايا لم يكونوا أمريكيين أو روس حيث أن المواجهة المباشرة بين العملاقين في ذلك الوقت كانت تعنى استخدام أسلحة نووية بل كانت الضحايا أبناء الشعوب الأخرى في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية الذين دفعوا ثمن المنافسة بين القوتين لتوسيع نفوذهما وإمبراطوريتها الخاصة.
وكيسنجر بذكائه ونفوذه وطموحه الواسع كان محرك سياسة الولايات المتحدة في واحدة من أهم مراحل المواجهة مع الاتحاد السوفيتى. ودفعه طموحه لعدم الاكتفاء بمنصب مستشار الرئيس ريتشارد نيكسون لشون الأمن القومى بل ناور وحارب لأعوام حتى تمكن كذلك أن يستولى على منصب وزير الخارجية الذى مثل طموحًا شخصيًا له بصفته خبيرًا في الشئون الدولية. وكان هدفه الأول والمعلن في كل الأزمات التي خاضها هو تقليص نفوذ "العدو الشيوعى" وبروز الولايات المتحدة كأكبر قومة مهيمنة على العالم. وإذا كان هذا هو الدافع الأساسى وراء السياسات التي صاغها في ذلك الوقت فإن الأمر يكتسب بُعدًا آخر عندما يكون متعلقًا بالشرق الأوسط وإسرائيل. فكيسنجر يهودى أمريكى لا يخفى تعاطفه الكامل وإيمانه بإسرائيل مثل العديد من السياسيين الأمريكيين أعضاء "الحكومة الدائمة" وبغض النظر عن ديانتهم. فالكثير من اليهود الأمريكيين المؤمنين بإسرائيل كنبوءة توراتية تغلغلوا داخل كافة مؤسسات صنع القرار الأمريكي منذ عقود حتى أصبح النظر لإسرائيل كحليف استراتيجى لابد من حمايته ولا يمكن التخلي عنه هو أحد أركان السياسة الخارجية الأمريكية في التعامل مع الشرق الأوسط. وإذا كان هناك من انقسام في صفوف الإدارات الأمريكية المختلفة حول هذه القضية فهو حول درجة دعم إسرائيل في مواجهة العرب بطريقة لا تؤدى إلى خسارتهم تمامًا مع التمسك التام بحماية أمن إسرائيل. أما احتمال التفكير أو الإشارة أو التلميح بالتخلى عن التأييد الكامل لإسرائيل فهو من المحظورات السياسية هنا في الولايات المتحدة. (ويكفى على سبيل المثال للتدليل على ذلك ما تعر له هوارد دين أحد مرشحى الحزب الديمقراطى للتنافس على منصب الرئاسة العام القادم عندما قال قبل شهرين أن الولايات المتحدة يجب أن تتبنى سياسة "منصفة" تجاه الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. تعرض دين لنقد قاس وكأن أول من هاجمه زملاءه في الحزب الديمقراطى وعلى رأسهم السناتور جو ليبرمان الذى أصر على أن "الانحياز" إلى إسرائيل "هو ركن من أركان السياسة الخارجية الأمريكية".)
ومن نفس هذا المنطلق أدار كيسنجر الأزمة التي واجهها بعد اندلاع حرب 6 أكتوبر. فمن ناحية كان يزعم أمام بقية أقطاب الإدارة أن هدفه الأساسى وراء مساندة إسرائيل المطلقة من خلال جسر جوى غير مسبوق في التاريخ بلغ هبوط طائرة أمريكية مقاتلة في مطار تل أبيب كل 15 دقيقة هو عدم السماح بهزيمة دولة حليفة للولايات المتحدة أمام العرب الذين يدعمهم السوفيت في إطار الحرب الباردة. ولكنه كان يلقى مقاومة من آخرين في الإدارة ممن كانوا يتفقون معه على وجوب مساعدة إسرائيل ولكنهم كانوا يدركون أن انحياز كيسنجر العاطفى والمطلق لها قد يؤدى في النهاية إلى الإضرار بمصالح الولايات المتحدة نفسها.
وفى خطاب ألقاه كيسنجر مؤخرًا في مقر السفارة الإسرائيلية في واشنطن بمناسبة حضوره حفل تأبين لرئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين أكد الرجل الذى أدار سياسة أمريكا تجاه الشرق الأوسط إبان حرب أكتوبر 1973 ومهد للتحول التاريخيى في علاقة مصر بالولايات المتحدة واستمرار ولائه الكامل والمطلق لإسرائيل بل ومساندته لحكومة رئيس الوزراء الحالي إيريل شارون. ففي قاعة اكتظت بكبار المسئولين في إدارة بش وقيادات الكونجرس وضع كيسنجر مساندة الولايات المتحدة لإسرائيل في إطار تأييد "قضية شعب يعيش في بيئة معادية ووسط جيران يرفضون الاعتراف حتى بوجوده". وبالنسبة له فإن وجود إسرائيل مثل "نهاية للعذاب والاضطهاد الذى عانى منه اليهود على مدى تاريخهم الطويل". (أي أن السيد كيسنجر مؤمن بوجود إسرائيل مثله في ذلك مثل عتاة الصهاينة). وأضاف أن رابين اتخذ "مخاطرة كبيرة" ببدء مسيرة السلام "لأن التنازلات التي كان سيقدمها الطرف الآخر (العرب والفلسطينيين) تكاد تكون رمزية (78 في المائة من أرض فلسطين التاريخية تنازل رمزى للغاية بالفعل!). بينما كان كل ما يريده هو الحصول على الاعتراف بهذه الدولة المهددة بالتدمير... ولذلك فإن الولايات المتحدة مطالبة بأن تبدى دائمًا التفهم لحقيقة أن إسرائيل تشعر طوال الوقت بأن وجودها نفسه مهدد".
ويواصل حديثه عن ما يرى أن مأساة وخصوصية إسرائيل والشعب اليهودى الذى واجه (إبان الحقبة النازية) ويواجه خطر الفناء. فالسيد كيسنجر يعتقد بأنه "لا توجد دولة أخرى في العالم تقدر الروح البشرية كما تقدرها إسرائيل. وعندما تعاملت مع أمهات الأسرى الإسرائيليين في مصر وسوريا (أثناء حرب 1973) فهمت مدى صعوبة التضحيات التي يقدمها شعب يعادل سقوط كل قتيل فيه مصرع المئات من الأمريكيين (نظرًا لصغر حجم شعبها واليهود عمومًا)". ورغم كل معاهدات السلام التي وقعتها إسرائيل في مصر والأردن والفلسطينيين فإن السيد كيسنجر الصديق الصدوق لإسرائيل يرى أن جوهر صراعها مع العرب ما زال قائمًا "حيث لم يتضح بعد إذا كان شركاء إسرائيل يقبلون بوجودها وينظرون إلى المفاوضات على أنها وسيلة للتوصل إلى تسوية نهائية أم يتعاملون مع هذه المفاوضات باعتبارها خطوة نحو تدمير إسرائيل. لا توجد دولة في العالم تقدم تنازلات مقابل وعود رمزية. وفى إسرائيل يجب الحفاظ على ذلك التوازن الرفيع لحماية شعب كان في مقدمة من تعرضوا للاضطهاد بسبب عزتهم ورغبتهم في الاستقلال". وبالرغم من كل هذه المخاطر أضاف كيسنجر فإن إسرائيل عندما رأت في عهد رابين فرصة للسلام "اتخذت مخاطرات ضخمة وربما غير مسئولة. ولا يوجد لدى شك في نوايا الحكومة الحالية (برئاسة إيريل شارون) وأنها إذا رأت فرصة أمامها للسلام فسوف تتصرف بنفس الطريقة".
أما السفير الإسرائيلي في واشنطن دانييل أيالون فلقد أشاد بدوره بالعلاقات مع الولايات المتحدة قائلًا أنها "لم تكن أفضل حالا مما هي عليه الآن. فنحن نشترك في نفس القيم ونواجه نفس التهديدات وتاريخنا متداخل من ناحية طريقة نشأتنا كدول (وفقًا لهذا المنطق فالفلسطينيون هم الهنود الحمر وقد ينتهى بهم الحال في محميات تحيطها الأسلاك الشائكة).... كل الأمريكيين شعروا أنهم إسرائيليون في 11 - 9 (بزغم أن ما تتعرض له إسرائيل على يد الفلسطينيين شبيه بهجمات 11 - 9) وكل الإسرائيليين شعروا أنهم أمريكيون عندما تم اغتيال رابين حيث كان الأمر شبيهًا بمقتل جون كينيدى". وأوضح أنه على الرغم من كل المخاطر التي تتعرض لها إسرائيل فإن "رئيس الوزراء شارون قال أنه على استعداد لتقديم تنازلات مؤلمة وذلك على الرغم من أننا لم نخسر أي حرب". فهذا هو المنطق الذى يفهمه صناع القرار في السياسة الأمريكية وهو أن من ينجح في تحقيق النصر بالقوة أمام عدوه لا يجوز مطالبته بتقديم تنازلات.
شعرت أن هذه المقدمة الطويلة عن كيسنجر ضرورية قبل الخوض في التعليق على كتابه "الأزمة" الذى عرض الأهرام فصوله على مدى الفترة الماضية. هذا الكتاب الذى احتوى مئات المكالمات الهاتفية التي أجراها كيسنجر منذ اندلاع الحرب في السادس من أكتوبر وحتى نهايتها لم يكن مجرد مراجعة للتطور اليومى للحرب والدور الذى لعبه هو شخصيًا في كافة مراحلها ولكنه كان أيضًا وثيقة نادرة تعكس الطريقة التي تنظر بها المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة للصراع العربى - الإسرائيلي بدءًا من البيت الأبيض ومرورًا بوزارة الخارجية والدفاع ووكالة الأمن القومى ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.