إظهار الرسائل ذات التسميات روجر أوين. إظهار كافة الرسائل
إظهار الرسائل ذات التسميات روجر أوين. إظهار كافة الرسائل
الخميس، 15 أغسطس 2019
أسرار لا تزال خفية فى مصر
أسرار لا تزال خفية فى مصر
روجر أوينجريدة القاهرة الثلاثاء 17 سبتمبر 2002م - 10 رجب 1423هـ
من الأمور التى لم يُشر إليها إلا نادرا خلال الاحتفالات الأخيرة بمناسبة الذكرى الخمسين للثورة هو أداء مصر الكارثى، عسكريًا وسياسيًا ودبلوماسيًا، قبل حرب يونيه عام 1967 مباشرة وخلالها. ومن الواضح أنها قضية حساسة إذ لا تتعلق بسمعة الرئيس جمال عبد الناصر بشكل مباشر فحسب، بل أيضًا بعلاقته المثيرة للجدل مع صديقه وزميله قائد الجيش المشير عبد الحكيم عامر.
وعلى الرغم من أن الحقائق الرئيسية للقضية أصبحت معروفة الآن بشكل جيد من الكتب والمذكرات، لا يزال المرء يصاب بدهشة عندما يقرأ عن مدى طموح عامر والجموح الذى استبد به آنذاك، وهذه إحدى النقاط الرئيسية التى يتناولها الكتاب الجديد لمايكل ب. أورن بعنوان "ستة أيام من الحرب"، الذى صدر أخيرا عن دار "إكسفورد يونيفرسيتى برس" للنشر فى نيويورك.
يتبع "أورن" عموما المنهج المعتاد إذ يلفت إلى الحادثتين اللتين وضع فيهما جمال عبد الناصر أمام أمر واقع من جانب عامر فى بداية الأزمة، أولًا بإصدار أوامر إلى القوات بالتقدم فى سيناء، وبعدئذ بإرسال وحدات من المظليين إلى شرم الشيخ بغرض إجلاء قوة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة. وفى كلتا الحالتين سايره عبد الناصر، لكنه حسب رواية "أورن" لم ينظر إلى هاتين الحادثتين كتنبيه إلى ضرورة أن يسترد سيطرته على عامر وزملائه العسكريين الذين كانوا عازمين بتهور، كما يؤكد "أورن" على استخدام الأزمة لبدء حرب مع إسرائيل واثقين بأنهم سينترون فيها.
كما لا يخرج "أورن" عن الإجماع التاريخى بالتأكيد على أن عامر هو الذى أصدر الأمر الانتحارى بجلاء عسكرى كامل عن سيناء بعد ظهر اليوم الثانى من القتال الفعلى. ومرة أخرى سايره عبد الناصر، لأنه مثل عامر، ضخم بشكل كبير الخطر الذى كان يهدد قوات مصر بعد الأربع والعشرين ساعة الأولى من الهجوم الإسرائيلى. لكن هذا القرار مثل - حسب وجهة نظر "أورن" - خطأ جسيمًا ف التقدير عندما كان ما لا يقل عن نصف الوحدات المصرية ما يزال سليما بينما لم يكن بعضها، مثل اللواء المدرع بقيادة الجنرال الشاذلى، قد أطلق النار بعد، فيما كانت القوات الإسرائيلية مجهدة ومشتتة. وكان الأفضل بكثير أن يأمر بعض قواته بأن تصمد بعناد لتخوض قتالًا مديدًا بينما يصدر تعليمات إلى بقية القوات لتقوم بتحصين خطوط الدفاع على امتداد سيناء المصممة لحماية الممرات المؤدية إلى قناة السويس، وأن يقرن ذلك بحملة دولية مكثفة تهدف إلى الحصول على وقف نار فورى يعقبه انسحاب إسرائيلى.
وأبدى "أورن" أيضًا بعض الملاحظات المثيرة للاهتمام بشأن حادثة أخرى عندما تحرك عبد الناصر لضبط عامر، وكان يمكن للوضع أن يكون أفضل بكثير بالنسبة لمصر لو أنه لم يفعل ذلك. كان هذا يتعلق بخطة اقترحها عامر لشن هجوم على النقب فى إسرائيل تعرف بـ "عملية الفجر"، وكان يفترض أن تبدأ صباح 27 مايو. وتضمنت الخطة هجومًا مدرعًا من رفح وقصف أهداف إسرائيلية كان يمكن أن تشمل المفاعل النووى فى ديمونا.
ومن الأدلة الظرفية على هذا الادعاء الأخير الحماس الكبير الذى أبداه إثر نجاح عملية الاستطلاع الت نفذتها طائرات مصريتان من طراز "ميج" فوق ديمونا فى 17 مايو قبل أن يتمكن سلاح الجو الإسرائيلى من الرد.
ألغيت "عملية الفجر" قبل بضع ساعات فحسب من الموعد المقرر لتنفيذها، وكان أحد الأسباب الضغوط الأمريكية على الاتحاد السوفيتى لإقناع مصر بأن تكف عن القيام بتحرك، إذ كانت كلا القوتين العظميين تشعر بقلق بشأن مخاطر الانجرار إلى حرب فى الشرق الأوسط على طرفين متقابلين، لكن "أورن" يجادل بأن سببًا أهم وراء هذا الموقف كان اعتقاد عبد الناصر بأن خطط العملية وقعت فى أيدى الإسرائيليين. كما أنه يستخدم الحادثة كدليل إضافى على مدى اختلال العلاقة بين عامر وعبد الناصر آنذاك، إذ تجاهل عامر متعمدا الأمر الأول الذى أصدره عبد الناصر بإلغاء العملية ولم يستجب إلا للأمر الثانى بعد ذلك بخمسة وأربعين دقيقة عندما كان الطيارون فى مقاعدهم يتأهبون للانطلاق وللأسف فإن "أورن" لا يوضح لماذا حدث ذلك. وفى الوقت نفسه يبدوا مبهمًا على نحو متعمد بشأن مدى ما كان يعرفه الإسرائيليون فعلًا.
وعلى مستوى أعم، يستخدم "أورن" حوادث من هذا النوع للتأكيد على الطبيعة العرضية للكثير من التطورات التى سبقت الحرب ليثير بالتالى - بشكل ضمنى - أسئلة كثيرة من نوع "ماذا لو؟".
على سبيل المثال. ماذا كان سيحدث لو أن هجوم "الفجر" وقع فعلًا؟ يبدو من المعقول الافتراضى أنه مهما كان مستوى تنفيذ العملية سيئًا وحتى إذا كان جرى احتواؤها بسرعة، فإن النتيجة كانت ستكون بالتأكيد أفضل لمصر مما حدث بعد عشرة أيام فى 6 يونيه، فالنجاح المحدود هو بالطبع أفضل من عدم تحقيق أى نجاح إطلاقًا، ومن منظور الثقة بالنفس والجانب المعنوى، كما أن هجومًا كهذا ربما كان سيربك خطط إسرائيل لدرجة تكفى لجعل هجومها اللاحق أقل نجاحًا بكثير.
وعل نحو مماثل يثير "أورن" ملاحظات مهمة بشأن السؤال المناقش مطولًا عن سبب قيام الروس بإعطاء المصريين تحذيرًا مبالغًا فيه بأن إسرائيل كانت قد تحشد قواتها لشن هجوم كبير على سوريا، وهو شئ اعتبر منذ وقت طويل العامل الذى فجر الأزمة كلها. وكما يلفت، فإن مثل هذه التحذيرات كانت أصبحت شيئًا روتينيًا، ولذا فإن السؤال الحقيقى هو ليس لماذا كان الاتحاد السوفيتى قلقًا بشأن احتمال وقوع هجوم قد يطيح بالنظام البعثى فى دمشق، بل لماذا تعامل عبد الناصر وعامر مع التحذير بهذا المستوى من الجدية؟ وهنا يجادل "أورن" بأن عبد الناصر اعتقد بأن أمن مصر وهيبتها كانا يتوقفان على القيام بشئ للتصدى لخطر يهدد حليفًا عربيًا. أما بالنسبة إلى عامر، فإنها كانت فرصة لاستعادة بعض من سمعة الجيش التى فقدها جراء المأزق فى اليمن، بدلًا من ذلك، كما أظهرت الأحداث لاحقًا، حصل عبد الناصر وعامر بالضبط على عكس ما كانا يطمحان إليه.
ما لا يقوله "أورن" فى هذا الكتاب، لكن قاله بالفعل خلال حديث فى جامعة "هارفرد"، هو أنه كانت هناك خطة إسرائيلية حقيقية لشن هجوم على مواقع سورية على مرتفعات الجولان بتاريخ 17 / 18 أبريل، لكنه أرجئ لأسباب كان يجهلها أو اختار ألا يطرحها.
لابد من الترحيب بأية محاولة جدية لمراجعة وإعادة تقويم علاقة عبد الناصر المطربة مع عامر. فهى تكمن فى صلب أكبر فشل للنظام وتثير أسئلة شتى حول السبب الذى جعل الرئيس لا يسمح لقائد جيشه أن يكون خارج سيطرته فحسب، بل أن يكون أيضا فى موقع يتيح له اتخاذ الكثير من القرارات المهمة بمفرده. لا يمكن بلا ريب تفسير هذا الأمر بمجرد أن عامر كان صديقه، أيا كان ما يعنيه ذلك فى مثل هذا السياق التاريخى المهم. ويرى "أورن"، الذى يؤلف الآن كتابًا حول الموضوع مع إفراهام سيلا، أن الأمر يرجع إلى غياب الإرادة السياسية. لكن الجواب المرجح أكثر يمكن كما يبدو فى بنية النظام ذاته بأكملها، وفى التوازن الذى سعى عبد الناصر إلى الحفاظ عليه بين جناحيه السياسى والعسكرى، وفى الثمن الذى كان مستعدا لأن يدفعه لضمان ألا يقع أبدا انقلاب عسكرى آخر.
حاشية أخيرة: يعيد "أورن" عرض صورة فوتوغرافية تظهر إسرائيليين يأمرون جنودًا أسرى مصريين بأن ينزعوا أحذيتهم، وهو ما يدحض واحدة من أخبث أكاذيب الدعاية الإسرائيلية التى ادعت بأن المجندين من الفلاحين المصريين كانوا يتخلصون من أحذيتهم كى يتمكنوا من العدو بسرعة أكبر عبر سيناء والعودة إلى مزارعهم فى الدلتا.
نقلا عن الحياة "اللندنية"
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)