الخميس، 7 أكتوبر 2021

42 كتاب كيسنجر أكد هزيمة إسرائيل في حرب أكتوبر

42

كتاب كيسنجر أكد هزيمة إسرائيل في حرب أكتوبر

واشنطن: خالد داوود

الأهرام الأحد 23 نوفمبر 2003م - 29 رمضان 1424هـ


رغم أنه مضي ثلاثون عاما وتغيرت العديد من الإدارات منذ انتهاء حرب أكتوبر فلا تزال الخطوط العريضة للسياسة الأمريكية منذ ذلك الوقت قائمة دون تغيير: اعتبار أن القرارات الدولية مثل 242 و338 مبادئ عامة يجري تنفيذها فقط من خلال المفاوضات المباشرة مع رفض الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 لأن المنتصر لا بد أن يحقق بعض المكاسب ولكن الأهم من هذا وكما قال كيسنجر في خطابه في حفل تأبين رابين - ضمان اعتراف العرب "بحق" إسرائيل في الوجود وعدم اعتبار المفاوضات خطوة أولي نحو السعي لتدميرها. وبسبب "الطبيعة الخاصة" للشعب اليهودي وشعوره التاريخي بالاضطهاد والخشية من الفناء رأت الإدارات الأمريكية المتعاقبة أنه لا بد من التعامل مع إسرائيل برفق وتفهم وعدم إجبارها علي قبول ما تري أنه يضر بأمنها.

وعندما تقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك باقتراحات قال الإسرائيليون إنها كانت "الأكثر كرمًا" في التاريخ لتسوية الصراع مع الفلسطينيين أثناء مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات كان الشرط الأساسي مقابل ما قدمته من تعهدات هو موافقة الجانب الفلسطيني علي التوقيع علي وثيقة يعلنون بمقتضاها إنهاء الصراع والاعتراف "بحق" إسرائيل في الوجود "كدولة يهودية". كم غريب هو أن يطالب الإسرائيليون العرب بأن يصبحوا هم أيضا صهاينة فيؤمنوا بادعاءاتهم حول أن الحل النهائي لمأساة اليهود عبر تاريخهم هو إنشاء دولة خاصة بهم في أرض فلسطين (هذا هو تعريف الصهيونية وفقا للكتب الرسمية الإسرائيلية.).

لو كان اليهود قد قرروا أن الحل الوحيد لاضطهادهم التاريخي هو إنشاء دولة في روسيا أو ألمانيا أو بولندا أي المناطق التي تعرضوا فيها بالفعل لمذابح وممارسات يخجل منها التاريخ البشري لكان من الممكن تصور أن يتعاطف العرب مع معاناتهم كقضية نظرية تتساوي مع مساندتنا لأي أقلية تتعرض لاضطهاد في أماكن تبعد عنا آلاف الأميال وأن نقول مثلا بأننا نؤمن بحق اليهود في روسيا في دولة مستقلة. ولكن أن يأتوا إلي قلب المنطقة العربية بعد اضطهادهم في أوربا ليستولوا علي قطعة غالية من أرضها ويفرضون نظاما أسوأ من الحكم العنصري علي الفلسطينيين ثم يطالبوننا أن نؤيدهم في ذلك "الحق" التاريخي فلا شك أن هذا عبث وجنون ولكن ليس من وجهة نظر السيد كيسنجر والمؤمنين بإسرائيل في الولايات المتحدة.

ومثلما يكشف كتاب "الأزمة" عن جهود كيسنجر ومناوراته المتواصلة للدفاع عن إسرائيل وضمان تفوقها فإنه يعكس أيضا مدي روعة النصر الهائل الذي حققه المصريون والسوريون والعرب جميعا خلال هذه الحرب المجيدة والفاصلة في تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي بكل تأكيد.

كنت في السادسة من العمر عندما اندلعت حرب أكتوبر ومثل أبناء جيلي الذي يقترب الآن من العقد الرابع ومن لحقنا من أجيال لا نفهم حقيقة ما جري في أكتوبر 1973 وأهمية هذا الحدث. وفي الوقت الذي تبدو فيه الأوضاع العربية شديدة التردي ويتعرض الفلسطينيون لمذابح يومية وتحتل القوات الأمريكية العراق فإنه يمكن للأجيال الحالية أن تنظر إلي حرب أكتوبر علي أنها نموذج قريب لما يمكن أنه ينجم عنه التخطيط الدقيق والتعاون والتنسيق الحقيقي بين الدول العربية وكذلك القيادة الحازمة التي تعرف حدودها جيدا وتعمل من أجل تحقيق هدف واضح.

يختلف الكثيرون علي الرئيس السادات وسجله ولكن من يقرأ كتاب كيسنجر يدرك جيدا مدي شجاعة ذلك الرجل في اتخاذ قرار الحرب شديد الصعوبة. فالحرب حينذاك لم تكن مجرد مغامرة بمستقبله الشخصي بل كذلك مغامرة بمستقبل أمة بأكملها كان من الواضح أنها فقدت إلي حد كبير شعورها بالثقة ويعتصرها إحساس بالإهانة. وبعد الهزيمة الكاسحة التي لحقت بالدول العربية في 1967 فلقد كان احتمال وقوع هزيمة مماثلة بمثل تلك النتائج الكارثية يكفي بمفرده لتردد أي قائد في اتخاذ قرار جديد بالحرب. وبسبب هزيمة67 يتضح من محادثات كيسنجر في الأيام الأولي للحرب مدي ثقته المفرطة في أن الأمر برمته سينتهي بهزيمة ماحقة للعرب خلال يومين أو ثلاثة. وعندما كشف له السفير الإسرائيلي دينيتز في التاسع من أكتوبر حقيقة الموقف وأن حليفته المدللة إسرائيل قد عانت من خسائر فادحة برر كيسنجر ذلك بأن إسرائيل حاربت في 1973 وفقا لعقلية 1967 وبالتالي ساهم غرورها واستهانتها بقدرات الجانب العربي في خسارتها. ولم يكن كيسنجر والإسرائيليون يستبعدون فقط احتمال انتصار المصريين في أي حرب ولكنهم لم يكونوا يتوقعون اندلاعها من الأساس وذلك بزعم إدراك الرئيس السادات بأنه لن يتمكن من الانتصار في مواجهة إسرائيل القوية.

ولم يكن علي الرئيس السادات فقط تجاوز ذلك الشعور الحقيقي بالخشية من هزيمة جديدة بل كان عليه أن يدير الحرب أيضا في ظروف دولية صعبة للغاية ترتبط بظروف الحرب الباردة بين القوتين العظمتين. ولا شك أن الرئيس السادات كان يدرك جيدا أن الولايات المتحدة ستسرع لنجدة إسرائيل ولكن هدفه منذ البداية كان تحريك قضية الشرق الأوسط بعد أن بدا أنها دخلت مرحلة طويلة من الجمود. وكما يتضح من الوثائق الأمريكية الرسمية التي تم الكشف عنها مؤخرا بمناسبة حرب أكتوبر (والتي سيصدرها الأهرام كاملة قريبا في كتاب) فلم يكن لدي كيسنجر المسئول عن صياغة سياسة أمريكا الخارجية في ذلك الوقت النية في القيام بأي تحرك حقيقي لتسوية الصراع العربي - الإسرائيلي والاستجابة لمطلب العرب الأساسي وهو انسحاب إسرائيل من الأراضي التي تم احتلالها عام 1967. فقد كان منشغلا للغاية في قضايا دولية أخري كثيرة وعلي رأسها بالطبع سياسة الوفاق مع السوفيت وحرب فيتنام والعلاقات مع الصين. وبالتالي أدرك الرئيس السادات أنه لم يكن أمامه من خيار سوي الحرب لاستعادة الاهتمام بملف الشرق الأوسط ولكن بشرط أن يتمكن من تحقيق انتصار يحسن من موقف العرب التفاوضي. كما استغل الرئيس السادات ظروف الحرب الباردة لمصلحة القضية العربية وكان دور المواجهة القائمة في ذلك الوقت بين أمريكا والاتحاد السوفيتي حاسما في تحديد مسار حرب أكتوبر ونهايتها.

ورغم مرور ثلاثون عاما علي حرب أكتوبر فما زال الجدل يدور حول الحكم النهائي علي نتيجة هذه الحرب وهل انتهت بانتصار مصر أم إسرائيل. ويأتي كتاب كيسنجر ليعطي الرد النهائي علي هذا الجدل الطويل. "لو لم نكن قد أقمنا الجسر الجوي لكانت إسرائيل قد ماتت بحلول الوقت الحالي" كانت هذه شهادة كيسنجر يوم السابع عشر من أكتوبر أي بعد ثلاثة أيام من البدء في الجسر الجوي الأمريكي بكامل قوته. فذلك الجسر الجوي لم يكن أمرا عاديا أو مسبوقا حتي داخل الإدارة الأمريكية نفسها. فوزارة الدفاع والعسكريون في البنتاجون لم يكونوا يعارضون فقط اقامة الجسر الجوي خشية تأثير ذلك علي العلاقات مع العالم العربي بل كذلك لأنه قد يضر بالمخزون الأمريكي نفسه في إطار التزاماتها العسكرية التي كانت قائمة في ذلك الوقت خصوصا في جنوب شرق آسيا. ولم يكتف كيسنجر بالإصرار علي البدء في جسر جوي فقط ولكنه طلب إقامة جسر بحري كذلك ليحمل آلاف الأطنان من المعدات الثقيلة وليتواصل الجسران حتي بعد أن كان قد أتفق شخصيا مع الرئيس السوفيتي السابق ليونيد بريجينيف علي قرار لوقف إطلاق النار. فكيسنجر لم يكن يريد فقط ضمان تعويض إسرائيل عن كل الخسائر التي لحقت بها في حرب أكتوبر (وهي كثيرة للغاية) بل تزويدها كذلك بمخزون ضخم من الأسلحة لضمان تفوقها وعدم تعرضها لهزيمة مماثلة في حالة تجدد القتال. وهذا الإصرار علي استمرار تدفق الأسلحة رغم إصدار مجلس الأمن لثلاث قرارات (339 و338 و340) تدعو لوقف إطلاق النار قام هو شخصيا بصياغتها لم يغضب فقط حلفاء الولايات المتحدة في أوربا بما في ذلك ألمانيا الغربية التي قررت منع السفن الأمريكية المحملة بالدبابات من الإبحار من موانئها بل كذلك المسئولين في وزارة الدفاع الأمريكية الذين بدأوا يسربون للصحف الأمريكية قرب اتخاذ قرار بوقف الجسر الجوي وهو ما أغضب كيسنجر بشدة.

وبجانب دوره المحوري في استمرار تدفق الجسر الجوي والبحري فلقد كانت استراتيجية كيسنجر منذ أن أدرك هزيمة إسرائيل في بداية الحرب هي ضمان استمرار القتال لأطول فترة ممكنة بعد البدء في الجسر الجوي وذلك لكي تتمكن من تعويض خسائرها وتحسين موقفها في أي مفاوضات ستعقب وقف إطلاق النار. وعندما طالب السوفيت بعد نحو أسبوع من اندلاع الحرب بتمرير قرار في مجلس الأمن يدعو لوقف إطلاق النار (وكان الموقف حينذاك لصالح مصر بالتأكيد) كان كيسنجر هو الذي تعمد تعطيله حتي تتمكن إسرائيل من تحسين موقفها العسكري. وفي إطار نفس السياسة القائمة علي كسب الوقت لصالح إسرائيل جاءت مؤامرة كيسنجر الكبرى (وهي بالفعل مؤامرة) بإعطائه الضوء الأخضر لرئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير لمواصلة الهجوم علي الجيش الثالث وتوسيع الثغرة التي نجحوا في فتحها علي الضفة الشرقية للقناة بعد صدور قرار رسمي بوقف إطلاق النار يوم 22 أكتوبر. وعلي مدي خمسة أيام كاملة قامت فيها إسرائيل بمحاصرة الجيش الثالث ومنع حتي الإمدادات الغذائية والمياه والأدوية من الدخول لجنوده وهي الإجراءات التي وصفها وزير الدفاع الأمريكي في ذلك الوقت شليزنجر بأنها كانت إجرامية كان كيسنجر يقاوم بشراسة اتخاذ قرار أمريكي لإلزام إسرائيل فورا بالتوقف عن القتال رغم إدراكه الكامل أنها هي التي كانت تقوم بخرق وقف إطلاق النار أو بوقف الجسر الجوي. ولكن بعد أن أتضح له أنه لم يعد من الممكن مقاومة هذه الضغوط الداخلية والدولية والتي تضمنت تهديدا من السوفيت باتخاذ إجراءات منفردة اضطر كيسنجر وبصعوبة شديدة أن يبلغ مائير أنه لم يعد يوجد أمامها بديل سوي التخفيف من حصار الجيش الثالث والالتزام بوقف إطلاق النار.

كيسنجر الموالي لإسرائيل والذي كان يري في هزيمتها هزيمة للولايات المتحدة نفسها يصعب عليه بالطبع الإقرار صراحة بانتصار مصر في تلك الحرب بل أنه في حديثه مع مائير في 22 أكتوبر يستغرب معها تصميم السادات علي أنه حقق انتصارا. ولكن الحقيقة مرة أخري تكشفها مكالمات كيسنجر نفسه والتي أوردها في كتابه. ففي مكالمة أجراها مع الرئيس نيكسون قبل قيامه بالاجتماع مع أربعة وزراء خارجية عرب يوم 17 أكتوبر أقر كيسنجر بأن "الوضع قد تغير استراتيجيا" بعد الحرب "ولم يعد بإمكان دولة واحدة ادعاء التفوق في المنطقة". عندها يرد نيكسون: "بمعني آخر وبشكل أساسي إن إسرائيل لم يكن بإمكانها ادعاء التفوق. "كيسنجر المؤمن بإسرائيل والذي أدهشته الصراحة المباشرة في رد نيكسون قال: "صحيح وإن كنت لا أنصح صياغة الأمر بهذه الطريقة" وذلك لكي لا يشعر العرب بالنشوة من النصر الذي تحقق. وحتي في تبريره لرفض إسرائيل الالتزام بوقف إطلاق النار ومواصلة هجومها علي الجيش الثالث يقول كيسنجر أنه كان يتفهم مدي شعور الإسرائيليين بالغضب مما لحق بهم من إهانة في بداية الحرب وبالتالي تحكمت فيهم رغبة في الانتقام من مصر ولكن هذا الإصرار كان من شأنه التهديد بمواجهة نووية مع الاتحاد السوفيتي. وعند هذه النقطة يتذكر كيسنجر آسفا أن وظيفته الأساسية كانت وزير خارجية الولايات المتحدة وليس طبيبا نفسيا لإسرائيل واضطر إلي مطالبة مائير بوقف القتال.

الانتصار الذي حققته مصر كان في كسر غرور إسرائيل وشعورها بالمناعة وعدم قدرة العرب جميعا علي المس بها. ولولا هذه الحرب وهذه الهزيمة التي لحقت بها لما كانت قد تقدمت خطوة واحدة ولو لمجرد التفكير في الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967. فالسادات وكافة القادة العسكريين المصريين خططوا ليس لتحرير سيناء بالكامل عن طريق الحرب لأننا ببساطة لم نكن نملك الإمكانيات أو الأسلحة اللازمة للقيام بذلك. ولكن الهدف كان تحريك الموقف وتحقيق أكبر قدر من المكاسب بعد تحطيم أسطورة إسرائيل التي لا تقهر. ومن هذا المنطق فلقد حقق السادات غرضه الأساسي. أما تطورات الحرب اللاحقة بما في ذلك تمكن إسرائيل من العبور إلي الضفة الشرقية للقناة ومحاصرة الجيش الثالث فلقد أضحت تفاصيل معركة حربية كان السادات يدرك جيدا أن ظروف الحرب الباردة ستؤدي إلي وقفها والخروج منها بموقف أفضل مما كان عليه الحال قبل 6 أكتوبر 1973 وهو ما حدث بالفعل. وبعد أن كان كيسنجر يصر في بداية الحرب علي ضرورة عودة القوات المصرية إلي مواقعها قبل بدء القتال فلقد أقر مع نهاية الحرب أن هذا المطلب سخيف وأن مصر والسادات لن يقوما أبدا بالانسحاب ولو من سنتيمتر واحد من أراض مصرية نجح الجنود المصريون البواسل في تحريرها. وفي مواجهة رغبة إسرائيل الدموية لتحطيم الجيش الثالث أخبر كيسنجر الإسرائيليين صراحة أن السادات لن يوافق أبدا علي استسلام جنوده وأنهم سيواصلون القتال رغم كل الظروف. كما ذكرهم بأنه من غير المعقول الموافقة علي مواصلة إسرائيل الهجوم علي الجنود المصريين بعد الاتفاق علي وقف إطلاق النار. وفي كلا الموقفين كانت مصر تحظي بتأييد رأي عام عالمي كاسح بما في ذلك في أوروبا وحتي داخل بعض قطاعات الإدارة الأمريكية. أما ادعاءات إسرائيل بأن قواتها كانت علي بعد عشرات الكيلومترات من القاهرة أو دمشق فقد يكون ذلك صحيحا. ولكن الإسرائيليين الذين آلمتهم هزيمتهم كانوا يدركون جيدا أنهم لم يكونوا قادرين علي الإقدام علي الاقتراب من هذه العواصم الأبية ليس فقط لعدم إمكان هذه الدولة الصغيرة السيطرة علي شعوب لو تقدموا نحوها لأكلوهم أحياء ولكن أيضا لأن إقدام إسرائيل علي هذه الخطوة كان سيعني ببساطة حربا نووية بين الولايات المتحدة والسوفيت. ولم يكن السوفيت وحتي الولايات المتحدة نفسها ليسمحا لإسرائيل باحتلال المزيد من الأراضي العربية في إطار الظروف الدولية التي كانت قائمة في ذلك الوقت.

ومثلما كان قرار الحرب هاما وفاصلا فلقد كان قرار الدول العربية النفطية بتخفيض انتاجها تدريجيا وفرض مقاطعة علي الدول التي تساند إسرائيل وعلي رأسها الولايات المتحدة بنفس درجة الأهمية. وللمرة الثانية يستبعد كيسنجر أن يكون لدي العرب الشجاعة لاتخاذ مثل هذا القرار ويدلل علي ذلك بموقف وزير الخارجية السعودي السابق عمر السقاف الذي بدا "لطيفا للغاية" وأشاد بقدراته الشخصية الفائقة بقوله أن من استطاع حل أزمة فيتنام يستطيع بالتأكيد التوصل لتسوية في الشرق الأوسط. ولكن العرب قاموا باستخدام سلاح النفط للمرة الأولي في تاريخهم وكانت النقطة الأساسية هي أن يؤكدوا للعالم أنه لا يجوز الاستهانة بمطالبهم وأنهم سيستخدمون الأسلحة الفاعلة التي يملكونها للضغط من أجل تحقيق أهدافهم. وقد يكون كيسنجر مولعا ومؤمنا بإسرائيل ولكن ليس باستطاعة العالم بأكمله التضحية بمصالحه الحيوية لدعمها في مواقف تخالف قرارات الشرعية الدولية.

السفير الإسرائيلي في واشنطن عندما قدم كيسنجر في حفل تأبين رابين قال إن كتبه تعتبر نصوصا يدرسها الباحثون والمهتمون بالسياسة الخارجية. وكتاب "الأزمة" نص مهم بالفعل لا يكشف فقط عن العديد من الحقائق الهامة المتعلقة بحرب أكتوبر المجيدة ولكنه أيضا مدخل لفهم دهاليز السياسة الأمريكية بكل تعقيداتها (بما في ذلك افتعال أزمات دولية لدرجة رفع حالة الاستعداد النووي للتغطية علي مشاكل داخلية مثل فضيحة وترجيت) ومدي تغلغل ونفوذ "المؤمنين" بإسرائيل سواء في الإدارة أو الكونجرس ودورهم في تحديد سياسة القوة العظمي الوحيدة في العالم الآن نحو الصراع العربي - الإسرائيلي. كما أنه وأخيرا دليل دامغ علي النصر المهم الذي حققته مصر والعرب في هذه الحرب التي جاءت تتويجا لجهد شاق وتخطيط مضني قام به قادة مصر علي مدي ست سنوات ونفذه جنودها البواسل.


انتهي عرض الكتاب


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.