وثائق سرية كشفتها المخابرات المركزية الأمريكية:
موسكو أرسلت لمصر صواريخ نووية فى حرب أكتوبر!
محمد نعيممجلة الإذاعة والتلفزيون - عدد 3858 - السبت 21 فبراير 2009م
مازالت أوراق حرب أكتوبر ۱۹۷۳ تنطوى على العديد من الأسرار التى تكشف عنها الدوائر الاستخباراتية العالية وكانت آخر تلك المعلومات ما أزاحت عنه الستار اجهزة الاستخبارات الأمريكية، حينما أفرجت عن وثائق سرية تؤكد نجاة رئيسة وزراء اسرائيل - فى حينه - جولدا مائير من محاولة اغتيال مؤكدة فى مدينة نيويورك الأمريكية خلال مارس عام ۷۳، وإحباط أجهزة الأمن الأمريكية لتلك المحاولة.. كما فجرت الوثائق الاستخباراتية قنابل مدوية تتعلق بخرق إسرائيل لقرار وقف إطلاق النار خلال حرب اكتوبر، الذى وقعت عليه حكومة تل أبيب آنذاك مع مصر وسوريا، فضلا عن اقتراب الاتحاد السوفييتى السابق من الدخول فى مواجهة مع الولايات المتحدة على خلفية الخرق الإسرائيلى السافر لوقف إطلاق النار.
بلغ عدد الوثائق السرية التى يدور الحديث عنها ۱۹٦ ورقة ضمت جميعها أسرار وكواليس حرب أكتوبر، وما تزامن مع هذه الحرب من وقائع سرية لم يكشف عنها النقاب سوی مؤخرا، وكان من بينها تعرض جولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية - آنذاك. لعملية اغتيال فاشلة فى مطار كيندى بمدينة نيويورك، ووفقا لوثائق الوكالة الأمريكية للأمن القومی "N.S.A" تلقت أجهزة الأمن الأمريكية وقتها إنذارات من دوائر عربية تابعة للأمم المتحدة تقيم فى واشنطن تفيد بوضع ثلاث سيارات مفخخة فى المطار تستهدف جولدا مائير، وقالت التقارير الاستخباراتية إن الشخص المتهم فى تنفيذ المخطط يدعى "خالد الغواری" أحد أقطاب أحداث "سبتمبر الأسود" التى وقعت فى لبنان والذى استطاع الهرب لسنوات قبل أن يتم اعتقاله، ويقضى حاليا عقوبة السجن وهى ثلاثون عاما فى السجون الأمريكية ومن المقرر الإفراج عنه خلال شهر فبراير الحالى، سيناريو محاولة الاغتيال التى يدور الحديث عنها لم يكن معروفا فى حينه، غير أن الوثائق التى تم الإفراج عنها رصدت الوقائع كما حدثت بالفعل، ففى الرابع من مارس عام ۷۳ تلقت اجهزة الأمن الأمريكية إنذارا من دوائر دبلوماسية عربية تقيم فى العاصمة الأمريكية يفيد باعتزام جهات معادية استهداف رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير خلال زيارتها المقررة وقتذاك للولايات المتحدة، ورغم أن الإنذار "العربى" لم يحتو إلا على تلك العبارة الوجيزة، إلا أن الأجهزة الأمنية الأمريكية تمكنت من الوصول إلى أداة الجريمة وكانت عبارة عن ثلاث سيارات مفخخة تم وضعها فى أماكن متفرقة من مطار كيندي، بمدينة نيويورك وكان مقررا أن تقف إحدى تلك السيارات على مهبط طائرة شركة "العال" الإسرائيلية التى تقل مائير.
ووفقا لشهادة "جيم وولش"، أحد كبار أفراد الطاقم الأمريكى المكلف آنذاك بالتحقيق فى الحادث بدأت المباحث الفيدرالية وشرطة نيويورك عملية تفتيش موسعة حول السيارات الثلاث المفخخة، وفى السابعة مساء السادس من مارس عام 1973, وهو التوقيت الذى سبق زيارة رئيسة الوزراء الإسرائيلية لنيويورك بثلاث ساعات - تم سحب السيارات الثلاث ومصادرتها وتفجير المواد الناسفة بداخلها على أيدى الخبير الأمريكى "ترانس ماكينج" وبحسب الأخير لم تكشف المباحث الفيدرالية له كيف تعرفت على مكان أداة الجريمة فى المطار، حيث رفضت وكالة الأمن القومى الأمريكية. التى تعتبر إحدى الهيئات الاستخباراتية رفيعة المستوى فى واشنطن. إزاحة الستار عن أسلوبها فى تحديد مكان السيارات الثلاث إلا أن "جيم وولش" أحد أفراد طاقم التحقيق أشار إلى أن الوكالة الاستخباراتية التى يدور الحديث عنها كانت قد تلقت آنذاك رسالة مشفرة من أحد الأجهزة الاستخباراتية العربية، فى إطار التعاون السرى بين الولايات المتحدة وعدد من أجهزة الاستخبارات العربية فى حينه، وكان مصدر إطلاق الرسالة هو مدينة نيويورك واعتمادا على هذا المصدر كثفت المباحث الفيدرالية الأمريكية وشرطة نيويورك عمليات البحث والتفتيش فى المؤسسات الحيوية بالمدينة، وكان من بينها مطار كيندى حيث تم اكتشاف السيارات المفخخة الثلاث بداخله وكان من المنتظر أن تقف إحدى هذه السيارات على مهبط الطائرة التى تقل جولدا مائير خلال زيارتها بالتعاون مع بعض مستخدمى المطار.
الوثائق السرية الأمريكية التى تم الكشف عنها أوضحت أنه على الرغم من إبلاغ الجهاز الاستخباراتى العربى عن تلك المعلومات لنظيره الأمريكي، إلا أن واشنطن ارتابت فى حكومة الجهاز العربى ودارت حولها شبهة الضلوع فى محاولة اغتيال رئيسة الوزراء الإسرائيلية نظرا لما تنطوى عليه علاقة هذا البلد بإسرائيل من عداء وكراهية، إلا أن هذه الشكوك سرعان ما تبخرت فى ظل العلاقات الوطيدة التى كانت تربط حكومة الجهاز العربى بالولايات المتحدة آنذاك، فى الوقت ذاته ألمحت المعلومات الاستخباراتية الأمريكية إلى أن "خالد الغواری" - الملقب ب "أبو وليد العراقى" المتهم الأول فى محاولة اغتيال جولدا مائير والمعتقل حاليا فى الولايات المتحدة - كان ينتقل بهويات وجوازات سفر مختلفة فى مختلف أنحاء العالم واعتقلته المباحث الفيدرالية الأمريكية الـ "FBI" عام 1991 بعد مشاركته فى تشييع جثمان أحد كوادر منظمة التحرير الفلسطينية فى تونس.
ولم تقف وثائق الاستخبارات الأمريكية الـ "C.I.A" عند محاولة اغتيال جولدا مائير الفاشلة فى مدينة نيويورك وانما تطرقت إلى الخرق الإسرائيلى لقرار وقف إطلاق النار الذى تم اتخاذه بعد أيام من حرب أكتوبر بين حكومة تل أبيب ومصر وسوريا من جهة أخرى.. وبحسب الوثائق الممهورة بخاتم سرى للغاية خرقت إسرائيل قرار وقف إطلاق النار فى حينه بغطاء صامت من الإدارة الأمريكية وكان وزير الخارجية الأمريكى آنذاك كيسنجر الراعى الأول للتجاوزات الإسرائيلية وكان الهدف من هذه الخروقات وفقا للوثائق الأمريكية إعادة احتلال أكبر مساحة ممكنة من أرض سيناء وتطويق الجيش الثالث المصرى، وأضافت الوثائق: "فى الثانى والعشرين من أكتوبر ۱۹۷۳ خرقت إسرائيل بعلم من الولايات المتحدة قرار وقف إطلاق النار مع مصر وسوريا فى محاولة لخلق أزمات استباقية عند نقاط المواجهة مع الجيوش المعادية وتطويق الجيش الثالث المصرى"، ويتضح أن الخروقات السافرة التى يدور الحديث عنها كانت باتفاق مسبق مع الولايات المتحدة التى اتخذت موقفا صامتا حيال تلك التطورات الدراماتيكية.
ووفق وثائق أخرى نشرتها وزارة الخارجية الأمريكية بالتعاون مع الـ "C.I.A" أفيد بأن وزير الخارجية الأمریکی آنذاك هنرى كيسنجر أعطى الضوء الأخضر الحكومة تل أبيب بالهجوم. الخرق الإسرائيلى لوقف إطلاق النار مع مصر وسوريا بحسب المعلومات الاستخباراتية أسفر عن أزمة دبلوماسية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتى السابق، الذى ارتاب قادته فى إبرام صفقة بين وزير الخارجية الأمريكى ووزير خارجية إسرائيل، وأدت الأزمة الدبلوماسية بين حكومتى واشنطن وموسكو لعمليات عسكرية سوفييتية غير معتادة كان من بينها تحرك قوات عسكرية سوفييتية معززة إلى منطقة الشرق الأوسط.
انطلاقا من تلك المعطيات ووفقا لما جاء فى الوثائق الأمريكية قررت الخارجية الأمريكية فى الخامس والعشرين من أكتوبر ۱۹۷۳ رفع الغطاء الذى تمنحه للدولة العبرية، فى محاولة لإعادة تفعيل قرار وقف إطلاق النار بين حكومة تل ابيب ومصر وسوريا، كما حذر كيسنجر إسرائيل من أن مكانته الدبلوماسية باتت عرضة للخطر وأنه لن يستطيع مجاراة القيادات العسكرية العبرية أكثر من ذلك ولابد من تفعيل قرار وقف إطلاق النار، وفى هذه المرحلة طالب الاتحاد السوفييتى تل أبيب بالانسحاب حتى خط الثانى والعشرين من أكتوبر الذى كان قرار وقف إطلاق النار قد اتخذ عند وصول القوات المصرية عنده فى سيناء وهددت موسكو فى حينه بتنفيذ عملية عسكرية ضد إسرائيل لفك الحصار المفروض على الجيش المصرى الثالث.
فى الوقت الذى هدد فيه الرئيس الأمريكى وقتها نیکسون بالانعزال عن إسرائيل إذا لم تستجب لوقف إطلاق النار وفى ظل توتر العلاقات مع الاتحاد السوفييتى أعلنت الولايات المتحدة حالة الاستنفار القصوى فى قواعدها العسكرية المنتشرة فى مختلف دول العالم وجاء هذا الإعلان بعد منتصف ليل السادس والعشرين من أكتوبر ۷۳ كما أوعز الرئيس الأمریکی نیکسون برفع حالة الاستنفار النووية على خلفية ماتوارد إليه من معلومات يفيد فحواها أن الاتحاد السوفييتى يعتزم استخدام أسلحة نووية فى مواجهته المحتملة مع إسرائيل وربما تقود هذه المواجهة - إذا خرجت لحيز التنفيذ - إلى مواجهة أوسع وأشرس مع الولايات المتحدة، ليحمل هذا التطور الدراماتیکی بوادر حرب عالمية جديدة أو بعبارة أخرى حرب عالمية ثالثة, وتشير الوثائق الأمريكية إلى أن رئيس الاتحاد السوفييتى فى حينه «برجينيف» اجرى اتصالا هاتفيا على الخط الساخن بنظيره الأمریکی نیکسون احتج خلاله على الخرق الإسرائيلى السافر لقرار وقف إطلاق النار مع مصر وسوريا، وبعد هذا الاتصال الذى لم يسفر عن أى نتيجة إيجابية بعث الزعيم السوفييتى برسالة شديدة اللهجة للرئيس نیکسون، أقنعت الأخير بضرورة تفعيل قرار وقف إطلاق النار بين مصر وسوريا واسرائيل بعد خرق الأخيرة له.
وثائق الاستخبارات الأمريكية "C.I.A"" أشارت إلى أن تراجع الولايات المتحدة عن دعم إسرائيل فى خرقها لوقف إطلاق النار مع مصر وسوريا لم يكن حفاظا على مكانة وزير الخارجية هنرى كيسنجر وإنما جاء على خلفية ما تم تسريبه من معلومات استخباراتية آنذاك يشير مضمونها إلى وصول عدد من السفن والغواصات النووية السوفييتية إلى منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذى حمل مؤشرات قوية لاندلاع حرب نووية فى تلك المنطقة الساخنة بين موسكو وتل أبيب وما يمكن أن يكون للولايات المتحدة من ضلوع مباشر فيها دفاعا عن الدولة العبرية، وربما يؤيد تلك المؤشرات ما زعمته الوثائق الأمريكية من رصد أقمار التجسس الأمريكية لوجود منصات "سكود" صاروخية ذات رؤوس نووية فى منطقة "دلتا النيل" يرافقها جنود تابعون للجيش السوفييتى بعد أيام من اندلاع الشرارة الأولى لحرب أكتوبر.
الوثائق الأمريكية نقلت فى هذا الصدد شهادة البروفيسور والجنرال الإسرائيلى "يوفال نأمن" المسئول آنذاك عن إدارة الاتصالات السرية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ويشير المسئول الإسرائيلى إلى أن جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلى "أمان" كان قد تلقى معلومات بوجود منصات الصواريخ النووية السوفييتية فى منطقة دلتا النيل، الأمر الذى أثار حالة من الهياج داخل الدولة العبرية، وفى ظل قوة هذه المعلومات حاول الرئيس الأمريكى نيكسون احتواء تلك الأزمة عن طريق القنوات الدبلوماسية الا ان اللهجة الهجومية التى تميزت بها لغة الخطاب السياسى فى الكرملين، جعلت الإدارة الأمريكية تعرب آنذاك عن مخاوفها من توجيه الصواريخ السوفييتية النووية إلى إسرائيل، أو أن تقوم الأخيرة بتوجيه ضربة نووية استباقية لمواقع تواجدها فى دلتا النيل مما حدا بالرئيس الأمريكى إلى إعلان حالة التأهب القصوى أجهزته العسكرية تحسبا لاندلاع حرب عالمية ثالثة، إلا أن الاتحاد السوفييتى خفف من هجومه على الولايات المتحدة وإسرائيل عندما وافقت موسكو على الانضمام لقرار مجلس الأمن، الذى بادرت إليه الولايات المتحدة بتأييد من الرئيس أنور السادات، والذى حال دون وجود قوات تابعة للدول الأعضاء فى مجلس الأمن بين قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة فى شبه جزيرة سيناء، وبذلك فقد حال دون مواجهة محتملة بين القوات الأمريكية والروسية.
فى ظل المعلومات الواردة بالوثائق الأمريكية التى أزيح عنها الستار أخيرا لم تقف إسرائيل حيال تلك التطورات صامتة، خاصة عندما دار الحديث حول احتمالات تبنى الخيار النووى السوفييتى ضد تل أبيب، وبحسب الوثائق ذاتها وما نقله عنها الملحق الأسبوعى لصحيفة يديعوت أحرونوت أن حكومة جولدا مائير على قناعة بأنها باتت قاب قوسين أو أدنى من خراب ثالث لهيكل سليمان المزعوم وأنه يتوجب عليها اتخاذ التدابير اللازمة حيال التهديد النووی القادم من دلتا النيل عن طريق موسكو، وللمرة الأولى سمحت الرقابة الإسرائيلية بنشر معلومات على درجة عالية من السرية حول هذه التطورات، وأشارت التقارير العبرية الواردة فى هذا السياق إلى أن وزير الدفاع الإسرائيلى فى حينه موشى ديان كان قد أجرى سلسلة مشاورات مع الأجهزة المعنية فى تل أبيب لمواجهة التهديدات النووية التى يدور الحديث عنها وفى أعقاب التنسيق مع رئيس قيادة الأركان الإسرائيلى فى حينه "ديفيد اليعازر" تم الاتفاق على وضع ترسانة الصواريخ الإسرائيلية "أريحا" المعروفة لدى الدول الغربية بـ "العبرى" القادرة على حمل رؤوس نووية فى حالة استنفار قصوى لمجابهة الصواريخ النووية السوفييتية فى دلتا النيل.
عشية اندلاع حرب أكتوبر رفضت جولدا مائير إعلان التعبئة العامة فى جيش الاحتلال اعتمادا على تقديرات خاطئة من موشی دیان.
حمل مطار جون كيندي، هذا الاسم عام 1963 بعد أن كان يطلق عليه اسم "أيدلوبد" منذ إنشائه فى مدينة نيويورك.
اعتبرت كبرى مراسلات شبكة C.N.N أن رئيسة حزب كاديما الإسرائيلى تسيبى ليفنى هى الامتداد الطبيعى لشخصية جولدا مائير.