17
في أول أيام الحرب اتخذ السادات خطوة غير معتادة بالاتصال بنا:
"نحن لا ننوى تعميق الاشتباكات أو توسيع المواجهة"
واشنطن: خالد داوود
الأهرام الأحد 19 أكتوبر 2003م - 23 شعبان 1424هـ
ثم يعود كيسنجر فيقول إنه بدأ يشك في دقة تقارير المخابرات التي توقعت انتصارا إسرائيليا مبكرا، وذلك من خلال محادثة سريعة مع كل من وزير الدفاع شليزنجر ومدير وكالة المخابرات المركزية ويليام كولبي ونائب وزير الخارجية كين راش.
ثم ينتقل كيسنجر إلي المحادثات الهاتفية التي أجراها في اليوم الثالث للحرب وهو يوم 8 أكتوبر.
كيسنجر: ما زال الموقف مبكرا. في الغالب يشتم المرء رائحة عندما يقترب الطرفان من الموقف. ربما يوم الأربعاء أو الخميس. ولقد قمت بالاتصال بالكثير من اعضاء مجلس الشيوخ نيابة عنك بعد قرارك التوجه إلي الأمم المتحدة.
نيكسون: سوف أكون موجودا في الصباح. هل ستكون في البيت الأبيض غدا؟
ك: سوف أكون موجودا بين الثامنة والثامنة والنصف صباحا
ن: حسنا لماذا لا تأتي لتلتقي بي لنتحدث؟ ولتعلن عن ذلك.....
وكانت الإشارة إلي خطاب مستشار الأمن القومي المصري حافظ إسماعيل الذي أرسله نيابة عن السادات - والذي أشار له الزيات أيضا في وقت سابق من اليوم - أحد الأسباب وراء اعتقادنا أننا في موقف يسمح لنا بالسيطرة علي إيقاع العملية الدبلوماسية. ففي أول أيام الحرب، أتخذ السادات خطوة غير معتادة بالاتصال بنا. وفي رسالة موجهة لي عبر القنوات الاستخباراتية، أخبرنا إسماعيل بشروط مصر من أجل إنهاء الحرب. ولم تكن هذه الشروط مقبولة حيث طالبت بانسحاب إسرائيل إلي حدود 1967 ولكنه كان من الواضح أن هذا هو الموقف المبدئي. وكان الاتصال بنا يمثل مخاطرة في حد ذاتها. ولم يكن في استطاعة السادات المخاطرة باستبعاد سوريا وربما الاتحاد السوفيتي - والذي كانت مساندته ضرورية من أجل الاستمرار في الحرب - من خلال التعجيل بتقديم تنازلات كان من شأنها دفع سوريا إلي التخلي عن المعركة المشتركة أو أن يقوم الاتحاد السوفيتي بتخفيض إمداداته.
ولكن ما كان مهما هو حقيقة وصول الرسالة وليس محتواها. فالسادات كان يدعو الولايات المتحدة لتتولي مسئولية عملية السلام، وذلك علي الرغم من أن موقفنا في الأمم المتحدة كان يقوم علي قيامه بالتخلي عن الأراضي التي تمكن جيشه للتو من الاستيلاء عليها. وتضمنت الرسالة تعهدا أظهر أن السادات كان يعرف جيدا حدود ما يمكنه الحصول عليه. وقالت الرسالة: "نحن لا ننوي تعميق الاشتباكات أو توسيع المواجهة". وإذا كان لهذه الجملة أي معني، فهو أن مصر لم تكن تنوي مواصلة عمليات الهجوم للاستيلاء علي المزيد من الأراضي بجانب ما تمكنت من الحصول عليه حتي الآن، أو استخدام الولايات المتحدة كأداة للجلد كما فعل ناصر في عام 1967 ولكننا إذا كنا فهمنا السادات بشكل صائب، فإنه سرعان ما ستظهر فجوة بين ما تحقق لمصر من الناحية العسكرية من جهة وأغراضها السياسية من جهة أخري. وهذا سوف يؤدي إن عاجلا أو آجلا إلي مفاوضات سياسية.
وفي نهاية اليوم، قمت بتلخيص استراتيجيتنا في اجتماع مجموعة العمل:
"إن مصر لا تريد مواجهة معنا في الأمم المتحدة والسوفيت كذلك لا يريدون مواجهة معنا. نقطة. وسيكون موقفنا بشكل عام هو المطالبة بالعودة إلي خطوط وقف إطلاق النار. وسوف يصرخ العرب بأنه يجري حرمانهم من أرضهم، ولكنهم بحلول يوم الخميس (الحادي عشر من أكتوبر) سيكونون جاثمين علي ركبهم يتسولون منا وقفا لإطلاق النار. ونحن نحاول تجاوز هذا الأمر مع تحقيق أقل قدر من الضرر لعلاقتنا بالعرب وبالسوفيت. وإذا تمكنا أيضا من وضع بعض المال في البنك بالنسبة للإسرائيليين (ممارسة الضغط علي الإسرائيليين) لكي نقوم بالسحب منه في مفاوضات لاحقة، فسيكون ذلك أمرا جيدا.
ومع تقدم اليوم فلقد تأكد أن استراتيجتنا كانت صحيحة
(ولكن الحوار التالي عكس بداية شكوكي في دقة تقاريرنا الاستخبارية التي توقعت نصرا إسرائيلي مبكرا.):
ك: يبدو أن هناك حالة من النشوة
مدير وكالة المخابرات الأمريكية (سي.أي.أيه) ويليام كولبي: إن السوريين يعتقدون أن أداءهم جيد. ولكنهم لا يفكرون في المدي الطويل. وقد تكون نية مصر مجرد تحقيق تحرك محدود عبر القناة.
ك: لماذا لا يقومون بتعزيز انتصارهم؟ كل سفير أجنبي التقي السادات اليوم تم إخباره أن مصر لا تريد وقفا لإطلاق النار حتي يتمكنوا من الوصول إلي الحدود الإسرائيلية.
وزير الدفاع شليزنجر: أنت تفكر بشكل منطقي. ولا يمكنك تطبيق نفس ذلك المنطق عليهم
نائب وزير الخارجية كين راش: من الصعب التفكير أن السادات سوف يعبر القناة ثم يبقي هناك.
ك: تقييمي هو أنه سيقوم بعبور القناة والتوقف هناك. لا أعتقد أنه سيقوم بالاختراق أكثر من ذلك.
أفاد تقييم مشترك لوكالة المخابرات المركزية (سي. أي. أيه) ووكالة المخابرات التابعة لوزارة الدفاع (دي. أي. أيه) أن إسرائيل ستكون قادرة علي عكس التيار في مرتفعات الجولان بحلول يوم الثلاثاء: "بينما سيتطلب التحول نحو شن هجوم مضاد ضد السوريين يوما أو اثنان آخران" وذلك في الغالب لاستكمال تدمير الجيش السوري. أما في الجبهة المصرية، فلقد توقع التقييم أن تتضح نتيجة القتال بحلول يوم الأربعاء علي أقصي تقدير. وهذا التقييم المحايد نسبيا تم تضخيمه بطريقة لم تدع مجالا للشك في النتيجة: "من المتوقع أن يتواصل قتال ثقيل لعدة أيام قادمة بينما يواصل الإسرائيليون العمل علي صد الجيش المصري."
وفي مثل هذه الظروف، فإن تأخير القيام بتحرك دبلوماسي كان يلائم احتياجاتنا. فمع مرور كل ساعة، كان الفارق الذي يفصلنا عن بقية أعضاء مجلس الأمن - وإذا ما كان يجب المطالبة بوقف إطلاق النار علي ما هو عليه الحال أو العودة إلي الوضع قبل اندلاع عمليات القتال كما كنا نطالب - ستتجاوزه الأحداث. وفور تمكن الجيش الإسرائيلي من الوصول إلي خطوط ما قبل اندلاع القتال، فإننا سنقبل بالمطالبة بمجرد وقف إطلاق النار. أما إذا تعدت إسرائيل هذه الخطوط، فيمكننا الاعتماد علي وجود غالبية من الأصوات في مجلس الأمن ستتبني موقفنا الأصلي وهو العودة إلي خطوط ما قبل اندلاع القتال، وسنمضي نحن مع هذا التوجه. وكانت مصلحتنا ـ أو بدا الأمر كذلك ـ أن نحافظ علي الموقف هادئا قدر الإمكان وذلك كي لا يثير الانتصار الإسرائيلي المتوقع الدول العربية الصديقة أو يشجع السوفيت علي محاولة العمل أو عكس اتجاه الأحداث من خلال توجيه تهديدات عسكرية. وكان الاتحاد السوفيتي، ولأسبابه الخاصة، يعتمد أيضا علي عامل الوقت. وبالتالي فإن النتيجة كانت تعتمد علي أي من التقديرات سيثبت أنه الأفضل.
ولتوسيع هذه الاحتمالات، أرسلت ردا إلي حافظ إسماعيل يهدف إلي إقناع السادات بممارسة ضبط النفس. وكان المضمون الأساسي للرسالة أن مصر قد أثبتت وجهة نظرها، وأنه لا يمكن كسب المزيد عن طريق الوسائل العسكرية وأن الولايات المتحدة كانت تقوم بجهد دبلوماسي:
"أود أن أكرر أن الولايات المتحدة ستفعل كل ما في وسعها من أجل مساعدة الأطراف المتصارعة علي وقف القتال. كما أن الولايات المتحدة، وأنا شخصيا، سوف نشارك بنشاط في مساعدة الأطراف علي التوصل إلي حل عادل للمشاكل التي عانت منها منطقة الشرق الأوسط لوقت طويل".
أما بقية اليوم فلقد قضيته في إطلاع قادة الكونجرس علي تطورات الموقف، ومواصلة الاتصالات الدبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي لمنعه من قيادة حملة ضدنا في الأمم المتحدة وفي العالم العربي، والإبقاء علي الفرص مفتوحة لكي تقود الولايات المتحدة عملية السلام في الشرق الأوسط.
.....
ويجري كيسنجر أولي مكالماته في ذلك اليوم في الساعة 9.46 صباحا مع توماس مورجان رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب حيث يطلعه علي الاتصالات التي قام بها منذ اندلاع القتال مع كافة الأطراف المعنية والموقف في الأمم المتحدة وكيف انتهي الأمر بان الولايات المتحدة ستطالب بمفردها بعقد اجتماع لمجلس الأمن ولكنها لن تتقدم بمشروع قرار ما لم تكن علي ثقة بأنها لديها التأييد الكافي لتمريره.
....
كيسنجر - دوبرنين الساعة 9.54 صباحا
دوبرنين: لقد تلقيت للتو رسالة شفوية وأعتقد أنها عاجلة إلي حد ما. إنها رسالة شفوية من الرئيس بريجنيف إلي الرئيس نيكسون ولكنه طلب مني اطلاعك شخصيًا علي محتواها. الرسالة قصيرة وسوف أقرأها لك: "لقد اتصلنا بقادة الدول العربية حول قضية وقف إطلاق النار. ونأمل في الحصول علي رد قريبا. نعتقد أنه يجب علينا أن نعمل من خلال التعاون معكم، يقودنا في ذلك اهتمامنا العام بالحفاظ علي السلام وتطوير العلاقات السوفيتية - الأمريكية. ونأمل أن يتصرف الرئيس نيكسون بنفس الطريقة".
ك: يمكنني إجابتك علي هذه الرسالة علي الفور وذلك لأنني انتهيت للتو من لقاء مع الرئيس. هذا يعكس نفس الروح التي لدينا ونحل نتطلع للتعاون من أجل تحقيق السلام. كما أنني كنت أنوي الاتصال بك لأخبرك أننا لا نقوم بتقديم قرار إلي مجلس الأمن بعد ظهر اليوم.
د: لن تقوموا بذلك؟
ك: كلا. سنكتفي بعقد نقاش عام. ولكننا سنكون ممتنين لو لم تقوموا بمواجهتنا بقرار من دون مناقشة الأمر معنا كما نفعل نحن الآن.
د: لا أعرف. لقد تلقيت برقية موجهة لسفيرنا في الأمم المتحدة بها توجيهات ولكن لم أطلع عليها بعد.
ك: هل بإمكانك أن تطلعني علي ما تنوون القيام به؟
د: سأبلغهم علي الفور بأنكم لن تتقدموا بقرار اليوم
ك: لا توجد لدينا نية للتقدم بقرار اليوم ما لم يحدث تغير درامي في الموقف. وجهة نظرنا هي أنكم طالما لن توافقوا علي مقترحنا، كما أننا لن نوافق علي اقتراحكم، فمن الأفضل أن نعقد نقاشا عاما.
د: أعتقد ذلك. ربما يصلني رد في وقت لاحق وسوف أتصل بك. ولكنني شخصيا أتفق معك أنه من الأفضل عقد مناقشة عامة.
ك: لماذا لا تطلع موسكو علي ذلك؟
د: سأقوم بهذا علي الفور
ك: كما أننا سنتبني أيضا لهجة معتدلة ولكن...
د: أفهم ذلك، في ظل الظروف الحالية
ك: سوف نتبع خطكم في عدم مهاجمتكم.
د: أنا أفهم ذلك.
....
وفي العاشرة والثلث يجري كيسنجر مكالمة مع جون ستينيس رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي يطلعه أيضا علي تطورات الموقف في مجلس الأمن والتعاون الجاري مع السوفيت والرسالة التي تلقاها من موسكو والتي تؤكد عدم رغبتهم في خروج الموقف عن نطاق السيطرة. ويضيف كيسنجر أنه علي الرغم من أنه قد لا تبدو هناك تحركات علنية "فلقد تمكنا من احتواء الأزمة ونعتقد أنه خلال يومين سنكون قد تمكنا من استعادة الهدوء". كما أخطره بموقف واشنطن المؤيد للعودة لخطوط ما قبل اندلاع القتال حتي لو تمكنت إسرائيل في وقت لاحق من الاستيلاء علي أراض عربية جديدة.
.....
كيسنجر - لورد كرومر الساعة 11 صباحا
ك: أود أن أطلعك علي آخر تحركاتنا وما نقوم به. قررنا عدم التقدم بقرار بعد ظهر اليوم. سوف نعبر عن هدفنا العام المطالب بالعودة لخطوط ما قبل اندلاع القتال في 6 أكتوبر ولكن ليس في صيغة قرار بل في صيغة بيان يعبر عن فلسفتنا. وبهذه الطريقة نتجنب التصويت أو التعبير عن أراء متعارضة. شعوري هو أنه بحلول الغد سيكون الأمر برمته محل نقاش.
كرومر: بهذه السرعة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.