22
إسرائيل تستغيث في طلب العتاد العسكرى بعد أن سقطت لها 11 طائرة في يوم واحد
واشنطن: خالد داوود
الأهرام الأحد 26 أكتوبر 2003م - 1 رمضان 1424هـ
ويؤكد كيسنجر أنه حتي اليوم الرابع من الحرب لم يكن قد بدأ الحديث عن جسر جوي أمريكي إلا إذا كانت هناك حاجة للدبابات في موقف طارئ نظرا إلي أن إسرائيل كانت قد خسرت بالفعل خمسمائة دبابة، منها أربعمائة دبابة، حطمتها القوات المسلحة المصرية ويطلب كيسنجر في محادثته الثانية مع السفير الإسرائيلي أن يتعامل مباشرة مع شليزنجر وزير الدفاع الأمريكي.
كيسنجر - دينيتز الساعة 3.45 بعد الظهر
دينيتز: لقد شرحت لإيجلبرجر (وكيل وزارة الخارجية) الموقف العسكري حاليا...
ك: أخبرني ما هو الموقف بسرعة. أنا مستعجل
د: لا توجد تغيرات رئيسية علي الأرض. الأمر الأساسي هو أننا دمرنا مائة دبابة سورية اليوم ولم يبق سوي ثلاثين دبابة في هضبة الجولان.
ك: قمتم بتدمير مائة اليوم
د: قمنا بتدمير مائة اليوم. لم يبق سوي ثلاثين دبابة داخل منطقتنا في هضبة الجولان. هناك المزيد خارجها. خسائرنا في الطائرات ارتفعت إلي 49 منذ بداية الحرب. فقدنا 11 اليوم. الجبهة المصرية تبقي ثابتة. ولكنهم فقدوا عدة دبابات في محاولتهم العبور اليوم عبر الجسور. علي الأرض لم يحدث تغيير.
....
بعد الاجتماع مع نيكسون أبلغت قراراته إلي دينيتز في السعة6:10 مساء. وأمر نيكسون بالإسراع في نقل المواد المستهلكة والطائرات التي سيتم إرسالها بمعدل طائرتين في اليوم علي أن يتم ذلك فورا. أما المعدات الثقيلة مثل الدبابات فلن تصل إلي إسرائيل إلا قبل انتهاء القتال. كما سنضمن تعويض خسائر إسرائيل من المعدات الثقيلة وبالتالي ستتحرر إسرائيل من ضرورة الاحتفاظ بمخزون احتياطي بينما المعارك دائرة. وإذا قرر الرئيس أن إسرائيل بحاجة إلي دبابات خلال المعركة فسوف يتم شحنها بالسفن علي الفور. وتطوع دينيتز بالقول إن إسرائيل ستنقل كل ما هو ممكن بواسطة طائرات العال المطموسة المعالم. ولم يكن هناك حديث عن جسر جوي أمريكي إلا إذا كان هناك حاجة للدبابات في موقف طارئ.
أما بقية اليوم فلقد استغرقته في مكالمات هاتفية لمتابعة تنفيذ القرارات. وفي7.25 مساء أوصيت دينيتز أن يتعامل مباشرة مع شليزنجر وزير الدفاع فيما يتعلق بالإمداد. كما حذرته من أن الموقف العسكري الجديد قد يتطلب دبلوماسية جديدة.
كيسنجر - دينيتز الساعة 7.25 مساء
ك: سيادة السفير. لقد تحدثت مع شليزنجر ويمكنك أن تمضي قدما الآن. والشيء الآخر الوحيد الذي أود أن أشير له هو أن الموقف يتطور الآن بحيث بات من الصعب مقاومة اقتراح بوقف إطلاق النار علي ما هو عليه الحال الآن. ولذلك عندما تقومون بتصميم استراتيجيتكم لا بد من وضع ذلك في الاعتبار.
د: وقف إطلاق النار علي ما هو عليه الحال هل تعني العودة إلي خطوط..
ك: وقف إطلاق النار علي أية خطوط قمت بمناقشتها مع إيبان. من الممكن أن تكونوا علي استعداد للقبول بها مساء الثلاثاء.
د: الأسبوع القادم
ك: هذا يعتمد علي الموقف من الناحية التكتيكية. وسيكون موقف من الصعب علي الولايات المتحدة اتخاذه. تقييمنا هو أننا قد نكون في موقف نضطر فيه إلي ممارسة حق الفيتو ضد قرار يطالبكم بالعودة إلي حدود 1967.
د: نعم ولكن لا أحد يأخذ ذلك علي محمل الجد
ك: ربما لا ولكن ستكون هناك غالبية من الأصوات ضدنا. قد لا يكون الأمر خطيرا ولكنه سيتم تمريره ما لم نقم بممارسة حق الفيتو...المطالبة بالعودة إلي الخط (1967) وكذلك البقاء إلي حيث وصلوا بعد أسابيع من القتال. وسوف يكون هذا موقفا من الصعب الدفاع عنه أمام الرأي العام. ولا يوجد سبب لرؤية أي تطور له. لو كنت مصريا ولدي إحساس ما بالتوازن قد أطلب من الروس عند نقطة ما...
د: عندما تحدثت مع إيبان كان لديه انطباع أنكم ستستخدمون الفيتو ضد مثل هذا القرار
ك: كان هذا يوم الأحد. نحن اليوم الثلاثاء ولو انتظرنا حتي الخميس أو الجمعة سيكون الموقف اصعب عند هذه النقطة.
د: من الطبيعي أننا سنقوم بكل ما في وسعنا
ك: إنني أشير إلي تعليق محدد أنت قلته
د: حول أن ندع...
ك: أن ندع الموقف يتطور ببطء
د: إننا لا نود وبمبادرة منا أن يمضي الأمر ببطء. سوف نستغرق فقط الوقت اللازم
ك: لا أعتقد أنه يجب أن نناقش الأمر علي الهاتف ولكن أعتقد أنهم يجب أن يكونوا علي دراية في القدس بتغير الموقف التكتيكي. يمكننا العمل علي إطالة الموضوع ولكن هناك حد لما يمكن عمله. وبالطبع لن نقوم نحن بطرح (القرار في مجلس الأمن). لا يجب أن تقلق من هذه الناحية.
د: سوف أطلعهم علي الموقف إيبان في نيويورك وكذلك المسئولين في القدس
....
كيسنجر - شليزنجر الساعة 7.30 مساء
ك: لقد تحدثت مع دينيتز وفقا لما اتفقنا عليه وهو سيقوم بالاتصال بالناس التابعين لك. كما قال إنه عند نقطة ما قد يكون من المفيد أن يقترح أحد الموظفين التابعين لك عقد لقاء بينكما وأنا أحبذ ذلك بقوة.
ش: أنا أيضا أؤيد ذلك
ك: قد يكون ضروريا للنظر فيما يجب نقله من المعدات الثقيلة في حالة الطوارئ.
ش: هذا صحيح. تعرف أنه يجب علينا نقل المعدات الضرورية للدبابات إم - 28. يجب أن نخصص فرقة لذلك.
ك: أعطيهم بعض الـ إم - 48 (نوع جديد من الدبابات)
ش: لا يوجد لدينا الكثير منها
ك: يبدو أن لديهم ما يكفي من الطائرات. هم علي استعداد...
ش: بمثل هذا النوع من الحركة لن يمكننا الحفاظ علي سرية الموضوع. مع كل الطائرات الإسرائيلية التي ستقوم بالتحليق سيكون من المستحيل ألا يكتشف العرب ذلك.
ك: من المهم للغاية أن يبقي الأمر بعيدا عن الأنظار قدر الإمكان
ش: نعم
ك: إذا كان من الممكن اجتياز هذه الأزمة دون إثارة العرب
ش: إن الروس يتحركون
ك: نعم سوف أعمل علي إثارة الذعر في قلب دوبرنين خلال خمس دقائق.
***
ولما كان معظم الساسة موجودين في واشنطن ولم يكن الوقت عاملا ضاغطا فلقد أجريت معظم اللقاءات مباشرة وليس عبر الهاتف.
وكان يتعلق بقرار الإمداد ثلاثة أمور: أ - طريقة التوصيل ب - العلاقة مع العالم العربي و ج - الإطار السياسي في ضوء تغير الموقف العسكري. وفي التاسع من أكتوبر لم يتم اتخاذ قرارات فيما يتعلق بوسيلة الإمداد. وكان الافتراض أن الطائرات الإسرائيلية ستنقل المستهلكات أما البقية فيتم توصيلها بعد وقف إطلاق النار كما وعد الرئيس.
وفيما يتعلق برد الفعل العربي ظهر تغير في التوجه بين إسرائيل والولايات المتحدة. فإسرائيل كانت تفضل أن يتم نقل المعدات بأكثر الطرق علنية وتباهي. ولكن كل صانعي السياسة الأمريكيين كانوا متفقين علي أننا يجب القيام بأقصي ما في وسعنا من أجل تجنب مواجهة مع العالم العربي - وخاصة المعتدلين منهم - ولكن ليس إلي النقطة التي من شأنه إعاقة مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية. وسعينا إلي منح إسرائيل الثقة والوسائل اللازمة لمواجهة الأيام الحاسمة القادمة وحيث تعتمد النتيجة علي ثقة إسرائيل في نفسها وفي سلاحها. ولكننا كنا نتطلع أيضا إلي أكثر الوسائل ضمانا لبقاء عملية الامداد بعيدة عن الأنظار وكنا واعين بأهمية المحافظة علي الموقف الأمريكي في العالم العربي.
وفي هذا الإطار قمت بالرد علي رسالة أخري وصلتني من حافظ إسماعيل نيابة عن السادات والتي وصلت صباح التاسع من أكتوبر وعبرت عن التقدير "للنوايا الحسنة" للحكومة الأمريكية. وأكدت أن الولايات المتحدة "تفهم الآن بوضوح الموقف المصري فيما يتعلق بتسوية سلمية". وفي إطار هذه الروح فإن الولايات المتحدة:
"تأمل في أن تكرر استعدادها للتشاور العاجل مع الأطراف المعنية من أجل تحقيق تسوية سلمية عادلة في الشرق الأوسط. وفي إطار المصاعب من المهم أن نضع هذا البعد طويل المدي في اعتبارنا وتجنب المواجهات والنقاشات المريرة مع مواصلة سعينا لحل الأزمة الحالية."
وكانت أكثر المشاكل تعقيدا فيما يتعلق بالاستراتيجية الدبلوماسية هي تلك المتعلقة بقضية وقف إطلاق النار. فالحروب العربية السابقة في 1948 و1967 انتهت بوقف إطلاق النار بناء علي الوضع القائم وأيدت ذلك الولايات المتحدة. ولكن لم يتم التقدم بمثل هذا الاقتراح حتي اليوم الرابع من الحرب. وكان موقف مجلس الأمن بالأمم المتحدة من القضية مفككا للغاية. وكانت الولايات المتحدة قد اقترحت الاجتماع لمجرد أسباب رمزية ولكن لم تضغط للتوصل لقرار من أجل منح إسرائيل الوقت لاستعادة الموقف كما كان قبل اندلاع القتال. وكنا علي استعداد لممارسة حق النقض في الأيام الأولي للحرب - ضد أي قرار يدعو لوقف إطلاق النار علي ما هو عليه الحال. ولكن مع تحول الحرب إلي الاستنزاف لم يكن من الممكن التمسك بهذا الموقف إلي ما لا نهاية.
الدول العربية وفي ضوء النجاح الذي حققته في البداية - لم تطلب وقفا لإطلاق النار لكي توسع من مكاسبها. وإسرائيل لم تسع للحصول علي قرار علي أمل تحقيق نصر عسكري فيما بعد أما الاتحاد السوفيتي فأتخذ موقفا جانبيا حيث إنه غير راغب في الانفصال عن حلفائه العرب ولكنه في نفس الوقت غير مرتاح للتحذيرات التي وصلت من الولايات المتحدة عن قرب تحقيق انتصار إسرائيلي وحريص علي ألا يخاطر بعلاقته معها.
ونحن اعتبرنا هزيمة إسرائيل وهي حليف فعلي - بأسلحة سوفيتية تهديد لاستقرار الشرق الأوسط وضمان لحرب مستمرة ضد المصالح الغربية تسانده الأسلحة السوفيتية. ورأينا فرصة لبدء مسيرة سلام من خلال إقناع العرب أن السوفيت قد يكون باستطاعتهم تشجيع حرب ولكن لا يمكنهم تحقيق تقدم دبلوماسي وبالتالي من غير الممكن الاستغناء عن الدبلوماسية الأمريكية. وتحقيق تقدم دبلوماسي كان يتطلب نجاحا عسكريا إسرائيليا ولكن ليس بطريقة توحد العالم العربي ضد الولايات المتحدة. وكنا بحاجة إلي تحجيم الاتحاد السوفيتي خلال الحرب لتمكين أمريكا من الهيمنة علي دبلوماسية ما بعد الحرب وبالتالي التقليل من النفوذ السوفيتي. ولكن بعد أن تحولت الحرب إلي مرحلة الجمود بات من الصعب التمسك بالموقف الداعي إلي المماطلة. وفور أن تفهم كافة الأطراف الموقف الاستراتيجي الجديد فإن التقدم باقتراح لوقف لإطلاق النار سيكون ممكنا. ولكن إذا وافقنا عليه بينما تخسر إسرائيل الأرض علي الجبهتين فإن الحرب ستنتهي بنكسة حقيقية لحليف أمريكي. وهذا من شأنه إضعاف موقف الولايات المتحدة في دبلوماسية ما بعد الحرب وسيتم النيل من مصداقية القول بأن أمريكا من بين كل القوي العظمي هي الوحيدة القادرة علي تحقيق تقدم. فالسلاح السوفيتي سيكون قد حقق تقدما وستكون الدبلوماسية السوفيتية قد قامت بحمايته. كما أن احتمال وقوع حرب جديدة سيكون مرتفعا حيث أن إسرائيل سترغب في استعادة تفوقها بينما سيقتنع العرب أن سلاحهم قادر علي كسر كل أزمة تفاوضية. ولذلك كان من الضروري أن تحقق إسرائيل تقدما علي إحدي الجبهات قبل أن يتم البدء في دبلوماسية محاولة التوصل لوقف لإطلاق النار. وكان هذا يعني الحاجة إلي تحقيق تقدم في الشمال ضد سوريا. وطالما بقيت القوات المصرية في الحزام القائم علي طول قناة السويس في حماية بطاريات صواريخ سام - 6 من الهجمات الجوية فإن الجبهة الجنوبية كانت ستبقي في الغالب في حالة جمود.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.