24
في اليوم الخامس للحرب أكدت مصر إصرارها على انسحاب إسرائيل الكامل من سيناء
واشنطن: خالد داوود
الأهرام الثلاثاء 28 أكتوبر 2003م - 3 رمضان 1424هـ
في هذه الحلقة يركز كيسنجر علي احداث العاشر من اكتوبر وهو اليوم الخامس للحرب، ويبدأ باستكمال محادثاته مع وزير الدفاع شليزنجر، ثم الاتصال الذي اجراه معه كورت فالدهايم الامين العام للأمم المتحدة، ويتحول كيسنجر إلي محادثة مع نائبه برنت سكوكروفت لكي يشكو له من تباطؤ وزارة الدفاع في امداد إسرائيل بالسلاح ثم يعطي انطباعه بأن الإسرائيليين في حالة عصبية ويعتقدون اننا ـ الأمريكيين ـ نطعنهم في الظهر. ويرد نائب كيسنجر مؤمنا علي كلامه: إنهم بالفعل في حالة ضيق.
ويري كيسنجر أن اسطول شركة العال الإسرائيلية المكون من سبع طائرات لم يكن يكفي لنقل المعدات المطلوبة، وأن الأمر تطلب بالتالي استئجار طائرات مدنية لاستكمال نقل المعدات بالسرعة المطلوبة.
كيسنجر: لقد سألت الجنرال برنت سكوكروفت نائب كيسنجر إذا أردنا تحسين العرض للإسرائيليين ما هي الطائرات الأخري التي يمكننا تجميعها؟
شليزنجر: أنا لا أعرف.
ك: هذا علي أساس افتراض عدم وقوع اشتباكات.
ش: فقط طائرات الفانتوم:
ك: الإسرائيليون أخبروني بعد ظهر اليوم أنه بجانب الطائرات التي خسروها لديهم أربعون طائرة معطلة.
ش: نحن نقوم بتجميع قطع الغيار اللازمة لإصلاحها. ولكن ماذا عن عملية الإمداد السوفيتية.
ك: إنها أضخم بكثير من العملية التي نقوم بها. لقد اتصل بي دوبرنين وقال: يا هنري أنا أعرفك جيدا وعندما أقرأ عن عملية الإمداد الخاصة بنا فأنا أعرف أنكم أيضا تقومون بها.
ش: أنت تعرفه جيدا للغاية.
ك: هذا صحيح. وقد يساعدنا ذلك علي الخروج من هذا الموقف. أعتقد أنه سيكون في مقدورنا القيام بشيء ما هنا.
ش: حسنا. أنت تعرف ما هي المشاكل القائمة.
***
في الثامنة والنصف مساء يتصل السكرتير العام للأمم المتحدة كورت فالدهايم بكيسنجر ليبلغه بالموقف في مجلس الأمن وأن وزير الخارجية محمد حسن الزيات طلب من مجموعة عدم الانحياز عدم التقدم بمشروع قرار لأنهم يريدون مواصلة القتال وصدور أي قرار سوف يعيق ذلك. كما أن الإسرائيليين أيضا غير راغبين في صدور قرار. ويقول فالدهايم كلا الجانبين لا يريد قرارا. كلاهما لا يريد وقفا لإطلاق النار لأنهما يعتقدان أنه بإمكانهما تحقيق مكاسب. ويرد كيسنجر بأنه سيعطيه رده في وقت لاحق بعد إجراء مشاورات مع سكالي. ويلح فالدهايم علي ضرورة التحرك لأنه يتعرض لضغط ضرورة القيام بشيء لوقف القتال والعودة إلي التفاوض بصفته الأمين العام للأمم المتحدة. كما يعرب عن قلقه بشأن التقارير الواردة عن قيام الاتحاد السوفيتي بإمداد سوريا بالسلاح وهو ما يتفق مع كيسنجر بالطبع ويعده بالرد عليه في اليوم التالي.
وفي التاسعة مساء يجري كيسنجر مكالمة أخري مع نائبه سكوكروفت يشكو فيها من تباطؤ وزارة الدفاع في عملية مد إسرائيل بالسلاح.
ك: أنظر يا برنت لا بد أن يتوقف هؤلاء الناس في وزارة الدفاع عن جرجرة أقدامهم. الإسرائيليون في حالة عصبية ويعتقدون أننا نطعنهم في الظهر. (من الواضح هنا طبعا مبالغة كيسنجر حيث إن كل المسئولين الإسرائيليين الذين تحدثوا معه أعربوا له عن امتنانهم الشديد لموقف واشنطن ـ الأهرام).
س: إنهم بالفعل في حالة ضيق.
ك: ولماذا لا يكونون كذلك.. ما هو تقييمك الشخصي
س: كنت أتمني لو كان بإمكاننا التنبؤ بما سيحدث في الساعات الثماني والاربعين القادمة. إذا دخل الأمر في مرحلة جمود فسنواجه مشكلة كبيرة. إذا تمكنوا (الإسرائيليون) من تحقيق تقدم فسيكون بإمكاننا المضي قدما ولكن إذا لم يحدث ذلك سيكون هناك ضغط كبير من أجل التوصل لوقف إطلاق النار. ولا يوجد أمامنا سوي الموافقة علي وقف إطلاق النار أو القيام بعملية إمداد ضخمة. هل أعطاك دينيتز أي فكرة عما قد يحدث (موقف إسرائيل من وقف إطلاق النار)
ك: لا. لقد طلب فرصة لكي تتمكن جولدا مائير من الرد. دوبرنين يمكنه الانتظار.
س: ما زال لديك عذر.
ك: لست بحاجة لعذر. يمكنني فقط القول إنني لم أتمكن من الحصول علي قرار بعد.
س: أعتقد أنه يمكنك تمرير الأمر الليلة.
ك: ولكن خلال ثمان وأربعين ساعة سنواجه نفس المشكلة. إذا لم يكن هناك قرار خلال ثمان وأربعين ساعة هل يمكننا الاستمرار حتي عطلة نهاية الأسبوع (يومي 13 و14 سبتمبر).
س: لا أعتقد أن بإمكاننا ذلك؟
ك: الشيء الوحيد الذي يدعم موقفنا هو أن الكل خائف من ممارستنا لحق الفيتو.
س: أنا لا أعتقد أنه يمكننا البقاء حتي عطلة نهاية الأسبوع دون التوصل لقرار بشأن وقف إطلاق النار. هل تعتقد ذلك
ك: لا.
س: من دون أن نعرف في أي اتجاه يسير الموقف وحدوث شيء حاسم يمكننا الانتظار حتي الجمعة (12 أكتوبر). ولكننا لا يمكننا الاستمرار في التعطيل لأن طرفا ما سيقوم بالتحرك.
ك: نعم ولن يمكننا ممارسة حق الفيتو.
س: أعتقد أن ذلك سيكون كارثة.
***
مكالمات كيسنجر في يوم الخميس 11 اكتوبر تناولت المشاكل التي واجهت الولايات المتحدة للبدء فورا في إمداد إسرائيل بالأسلحة عبر جسر جوي وهي مشاكل نشأت بسبب الخلافات الداخلية في الإدارة وكذلك جهوده المتواصلة من أجل تأخير التوصل إلي قرار يدعو إلي وقف إطلاق النار في مجلس الأمن حتي تتمكن إسرائيل من تحقيق تقدم في جبهة واحدة علي الأقل وتحديدا الجبهة السورية. وتكشف مكالمات هذا اليوم عن مساندة كيسنجر لإسرائيل للتقدم قدر استطاعتها علي الجبهة السورية ولكنه ثار غضبا عندما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أن قواته "في الطريق إلي دمشق" وطالب سفير إسرائيل بأن تواصل إسرائيل عملها ولكن بصمت. ومن ناحية أخري عمل كيسنجر علي التنسيق مع إسرائيل لضمان عدم ضرب كتيبة أردنية توجهت من الأردن إلي سوريا بسبب الضغط العربي وذلك بعد وساطة تقدم بها رئيس الوزراء البريطاني السابق إدوارد هيث.
ويقول كيسنجر إنه بحلول بعد ظهر الأربعاء العاشر من أكتوبر كان من الواضح أن أسطول شركة العال الإسرائيلية المكون من سبعة طائرات لم يكن يكف عن نقل المعدات المطلوبة. وبعد التشاور مع أعضاء مجموعة العمل الخاصة تقرر أنه لا بد من منح إسرائيل دعم الحكومة الأمريكية وإذنها من أجل الاستعانة بشركات طيران خاصة لنقل المعدات الإضافية. ولكن الاقتراح باستئجار طائرات سرعان ما تبين أنه فاشل. فلم توجد شركة طيران لديها الاستعداد لاتخاذ المخاطرة ومواجهة المقاطعة العربية بنقل معدات إلي منطقة حرب. وكان بإمكان وزارة الدفاع ممارسة الضغط علي شركات الطيران الخاصة والتي لديها مصالح مع البنتاجون ولكن القائمين علي الوزارة لم يشعروا بوجود حالة ملحة لذلك لاعتقادهم بأن إسرائيل لديها مخزون يكفيها لمدة أسبوعين وهي فترة أطول من كل التوقعات لمدي إمكانية استمرار العمليات القتالية. أما وزارة النقل (والتي مثلت البديل الثاني) فكانت تريد البقاء خارج المواجهة العسكرية. وعلي مدي يوم كامل تقاذفت الوزارتان الكرة بينهما في شأن تحمل مسئولية هذه العملية.
كما أن كلا من وزارتي الدفاع والخارجية لم تكونا متحمستين لقرار الرئيس خاصة فيما يتعلق بالجسر الجوي وذلك خشية النتائج التي قد تترتب علي ذلك في العالم العربي. كما أن وزارة الدفاع كان لديها مخاوفها الخاصة من تأثير عملية الإمداد هذه علي مخزون القوات الأمريكية نفسها من الأسلحة. "أما أنا فلقد كنت أضغط من أجل البدء في الإمداد وذلك في إطار الاستراتيجية التي تم وضعها. ولكنني كنت أرغب في أن يتم ذلك بأكثر الطرق خفاء. ولم يعترض شليزنجر أبدا علي هذه الرغبة. ولكن المشكلة كانت علي المستوي التقني هذا إذا افترضنا أن التأخير لمدة ثمان وأربعين ساعة قبل أن يكون الجسر الجوي الأمريكي تحت تصرف إسرائيل بالكامل يمكن وصفه بأنه تأخير بالفعل. أما برنت سكوكروفت وجوزيف سيسكو اللذان عملا بلا كلل لمحاولة استئجار طائرات خاصة فلقد باءت جهودهم بالفشل. وقمنا باستكشاف كل البدائل قبل أن نواجه حقيقة أنه مادامت لم توجد شركة خاصة سوف تتولي عملية النقل لإسرائيل فإن الولايات المتحدة سيجب عليها اتخاذ مخاطرة إما من خلال القيام بالجسر الجوي بنفسها أو أن تقوم باستئجار الطائرات باسمها.
ولكن في العاشر من أكتوبر وبغض النظر عن المشاكل التي واجهتنا في عملية الإمداد فإنه كان يجب علينا تأخير العملية الدبلوماسية الهادفة للتوصل إلي وقف لإطلاق النار حتي يحدث تغيير علي جبهة القتال. ورأينا أن أفضل ظرف عسكري يمكننا من البدء في دبلوماسية ما بعد الحرب التي كنا نخطط لها هو أن تتمكن إسرائيل من استعادة المواقع السابقة للحرب أو ربما التقدم عنها. وهذا الأمر سوف يظهر أن البديل العسكري الذي يحظي بدعم السلاح الروسي مجرد وهم وأن تحقيق تقدم دبلوماسي يعتمد أساسا علي المساندة الأمريكية. وإذا فشلنا في ذلك فإنه قد يكون من الممكن التفاوض علي أساس تحقيق تقدم عسكري إسرائيلي علي جبهة واحدة حتي لو حدثت نكسة علي الجبهة الأخري برغم أن هذا الأمر كان من شأنه إيجاد موقف أكثر تعقيدا.
ولكن في العاشر من أكتوبر لم تكن أي من هذه الشروط قائمة. فإسرائيل كانت قد تمكنت بالكاد من استعادة هضبة الجولان باستثناء بعض المواقع السورية في منطقة جبل الشيخ. كما كان جيشان مصريان قد تمكنا من تعزيز مواقعهما بإحكام عبر قناة السويس. ولم تكن هناك إمكانية للقيام بهجوم في سيناء مادامت القوات المصرية باقية في مجال حماية حائط الصواريخ الذي تمت إقامته علي طول القناة والذي كان يمنع إسرائيل من استخدام سلاح طيرانها للقيام بعمليات قصف. وكانت إسرائيل قد تجاهلت بناء قوة مدفعية أرضية علي أساس تجربتها عام 1967 وكانت تعتمد علي سلاح الطيران للقيام بهذا الدور. والبديل الوحيد أمام إسرائيل كان القيام بهجوم ضد سوريا والذي كان مقررا القيام به صباح اليوم التالي (الجمعة 12 أكتوبر). وفي نفس الوقت قررنا تجميد المبادرة السوفيتية (المطالبة بوقف إطلاق النار وبقاء الوضع علي ما هو عليه) حتي تتضح نتائج هذه العملية. ويحاول كيسنجر كذلك تبرير هذه الاستراتيجية بالقول إن حافظ إسماعيل مستشار الرئيس السادات للأمن القومي صرح في العاشر من أكتوبر بأن مصر لاتزال تصر علي مطلبها بانسحاب إسرائيل الكامل من سيناء بينما لم يسمع الأمريكيون شيئا من سوريا.
وفي المكالمة الأولي التي جرت في ذلك اليوم بين الرئيس نيكسون وكيسنجر في الساعة 11 صباحا يعرب نيكسون عن غضبه من المقالات الواردة في الصحف الأمريكية والتي تتهمه بأنه لم يقم بمساندة إسرائيل بالشكل الكافي ويتهم مسئولين في السفارة الإسرائيلية بأنهم وراء تسريب مثل هذه القصص. ويطالب الرئيس الأمريكي كيسنجر بمطالبة السفير الإسرائيلي باستخدام نفوذه لوقف هذه المقالات وإبلاغه أنني لن أتسامح مع هذا الأمر. وإذا سمعت المزيد من هذه التقارير فإني سأحمله المسئولية. ويضيف أنا وأنت نعرف أن إسرائيل لن تخسر هذه الحرب ولكننا لا يمكننا المحاربة علي جهتين. وإذا سمعت المزيد من هذا الكلام فلن يكون أمامي بديل داخليا سوي التحول ضدهم.... نحن نساعدهم وهو (السفير دينيتز) يعرف ذلك... لا بد أن يثق فينا الإسرائيليون وإلا فستتوقف اللعبة.
وفي نفس التوقيت تقريبا اتصل سكوكروفت بكيسنجر ليبلغه بتقرير أوردته وكالة أنباء اليونايتد برس وينقل عن وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان قوله إن الدبابات والحاملات الإسرائيلية عبرت الحدود السورية "وأنها في طريقها إلي دمشق. ويضيف أن وكالة المخابرات المركزية تعتقد صحة هذا التقرير. وعلي الفور يسارع كيسنجر بالاتصال بدينيتز ولكن يتضح أنه كان يقوم بزيارة أحد المعابد اليهودية فيجري الحوار التالي مع نائبه شاليف.
كيسنجر - شاليف الساعة 11.10 صباحا
ك: ليس من الجيد مطلقا أن تطالبوني بتعطيل الأمم المتحدة ثم يخرج ديان ليقول في الراديو والتليفزيون إنكم في طريقكم إلي دمشق. كيف يمكننا القيام بتعطيل الأمم المتحدة بينما يقوم وزير دفاعكم بالإدلاء بهذه التصريحات
شاليف: معك الحق في هذه النقطة.
ك: لقد تمكنت بصعوبة شديدة من إقناع الرئيس بالإبطاء في التحرك داخل الأمم المتحدة والآن أجد نفسي في مواجهة هذا التقرير. ماذا يمكنني أن أقول للسوفيت الآن
وبعد أن يبلغ كيسنجر شاليف كذلك بضيق الرئيس نيكسون من التقارير الصحفية التي تنتقد مواقفه بدعوي عدم دعم إسرائيل بشكل كاف يواصل قوله:
ك: إذا كنتم تريدون التعاون معنا دبلوماسيا فلا بد أن تتعاونوا معنا في هذا الشأن. لا يمكننا مطالبة الأمم المتحدة بالتباطؤ في تمرير قرار وقف إطلاق النار بينما يقوم ديان بالإدلاء بهذه التصريحات. لقد كنت هنا مع المساعدين أعمل علي الترتيب لتعطيل الأمر في الأمم المتحدة لمدة ستة وثلاثين ساعة عندما جاءني هذا النبأ. ثانيا ماذا سيكون بإمكاني أن أقول للروس إن الأمر يبدو الآن وكأن هناك أسوأ حالات التواطؤ وسوء النية. لقد كان يمكنكم الانتظار لثمان ساعات وكانت الحقيقة ستتضح بمفردها لو بقيتم صامتين. لتنظر ما بإمكانك القيام به لتهدئة الأمور في إسرائيل وأناشدك من أجل الله أن تبتعدوا عن الراديو والتليفزيون.
ثم يجري كيسنجر محادثة مع مساعده سيسكو في الساعة 2.40 بعد الظهر حول المصاعب التي تواجه عملية إمداد إسرائيل بالأسلحة ويبدأ المحادثة بالقول إن "الإسرائيليين يكادوا يصابون بالجنون لتأخر عملية استئجار طائرات مدنية لنقل معدات عسكرية. وأتهم سيسكو المسئولين في وزارة الدفاع. بأنهم يجرجرون خطاهم" ونصحه بأن يجري مكالمة هاتفية مع وزير الدفاع شليزنجر لحل هذه المشكلة. وبالفعل يقوم كيسنجر بهذا الاتصال علي الفور.
وفي الساعة 3.05 بعد الظهر تجري المكالمة التالية مع السفير الإسرائيلي دينيتز:
دينيتز: لقد وصلتني للتو برقية من جولدا تقول فيها إنها ستبذل كل ما في وسعها لضبط النفس.
ك: ليس بالضرورة من خلال الأفعال ولكن من خلال الكلمات. (ضوء أخضر صريح للإسرائيليين لمواصلة هجومهم علي سوريا في إطار استراتيجيته القائمة علي تحسين موقف إسرائيل العسكري قبل التوصل لوقف إطلاق النار.)
د: لقد ذكرت أن ملاحظتك كانت تتعلق بالكلمات وليس بالتحرك وهي تفهم الموقف. والآن لأدعك أنت تتحدث.
ك: أمران. الأول أنني أمرت للتو العسكريين باستئجار عشرين طائرة وبعد ذلك ستحصلون عليها أنتم. ستكون طائرات مدنية قمنا نحن باستئجارها. ثانيا يمكنني تأخير اجتماع مجلس الأمن حتي الليلة. ولكن لا يمكنني تجنب حدوث شيء من قبل الروس. لقد قمت بتجنب دوبرنين طوال الصباح برغم أنه كان يتصل بي كل نصف ساعة. ولكن أعتقد أنه بحلول مساء الغد سنكون مضطرين للتحرك في هذا التوجه. وتوجهكم يجب أن يكون علي نمط نعم ولكن.
د: قرار مجمد هل هذا ما تعنيه؟
ك: هذا هو ما في ذهني.
د: وماذا عن الطائرات هل يمكنك القيام بشيء بشأنها؟
ك: سوف تتحرك غدا.
د: الخمسة.
ك: نعم.
د: هل يمكننا الحصول علي كمية كبيرة هل تعتقد أنه يجب علي أن أتحدث مع شليزنجر؟
ك: دعني أنا أتحدث معه.
وفي 4.30 يعاود دينيتز الاتصال بكيسنجر.
د: دعني أطلعك علي آخر تطورات الموقف حتي السادسة مساء بتوقيت إسرائيل. لقد اخترقنا (الخطوط السورية) من خلال جبهة علي اتساع 12 كلم ونحو 10 كلم داخل الطريق المؤدي إلي دمشق. ولدي تقرير آخر يقول إننا تقدمنا نحو 20 كلم.
ك: أنت تفهم أنني لم أكن أقول لكم... (ألا تتقدموا).
د: أنا أفهمك تماما ولكن لا أعتقد أن رئيستي فهمت. حتي من قبل حديثي معك. ومنذ ذلك الوقت فإن القوات السورية تتفكك والمدرعات والجنود السوريين في حالة فوضي.
ك: جيد.
د: لا أريد إزعاجك بالمطارات التي قمنا بقصفها. ولكن المهم ألا تكون القوات الجوية السورية تحديدا في حالة نشاط ولقد قمنا بإسقاط سبع طائرات. ولاحظنا ما بين خمس و12 طائرة سوفيتية في طريقها إلي دمشق. ولكنها عادت إلي قاعدتها في أوروبا بعد أن رأت دبابتنا في المطار. ثم عادت مرة أخري بعد ظهر اليوم وقامت بالهبوط. 12 طائرة هبطت في سوريا بمعداتها. وحتي الخامسة مساء بلغت خسائرنا علي الجبهتين عشر طائرات ثلاث فانتوم وست سكاي هوك وطائرة أخري.
ك: كيف فقدتم هذه الطائرات؟
د: كلها سقطت بصواريخ. لدينا معلومات أنه لم يحدث تغيير علي الجبهة المصرية. قواتنا الجوية كانت نشيطة هناك. وتقديرنا هو أنه يوجد نحو 700 إلي 800 دبابة علي الجبهة الشرقية للقناة. ومحاولتهم التقدم لم تكن ناجحة... هل ورد أي رد من شليزنجر بشأن المعدات الثقيلة أثناء مكالمتكم؟
ك: لقد أشرت إلي الأمر وقال لي إنه سينظر إلي الجدول (الزمني) مرة ثانية.
وفي الساعة 5.35 مساء يتحدث كيسنجر مع سيسكو ليؤكد عليه ضرورة ألا يتقدم سكالي مندوب واشنطن في الأمم المتحدة بأية مقترحات وألا يلتقي بمندوب الاتحاد السوفيتي وذلك في إطار سياسة تعطيل تحريك أي قرار يطالب بوقف النار.
وأثناء محادثة لكيسنجر مع سكوكروفت في الساعة 7.55 مساء طالبه فيها بإضافة طائرة فانتوم أخري إلي الطائرات الخمس التي كان من المقرر مغادرتها لإسرائيل في اليوم التالي قطع حديثهما عن عملية الإمداد مكالمة عاجلة من رئيس الوزراء البريطاني إدوارد هيث بشأن رغبة الأردن في الاستجابة لطلب السوريين المساعدة ولكن من دون أن يثير ذلك رد فعل إسرائيليا.
كيسنجر ـ رئيس الوزراء هيث الساعة 8.00 مساء
هيث: لقد تلقينا من خلال قنواتنا رسالة من الملك حسين وهو واقع تحت ضغط كبير. إنه يحاول رؤية ما يمكنه عمله لكي يقوم بتحريك فرقة نحو....
ك: أعتقد أنني أعرف محتوي الرسالة. لقد تحدث سفيركم هناك مع سفيرنا. أفهم أنك تريد منا التحدث مع الإسرائيليين؟
هيث: أود قيامك بذلك وأن تقول لهم أن يكون ردهم علي أضيق نطاق ممكن ومن دون القيام بهجوم. وعند ذلك الحين أعتقد أنه (الملك حسين) سيكون بإمكانه مواجهة الضغط.
ك: نعم أنا أفهم ذلك. وأعتقد أنه سيكون ممكنا. ستسمع مني في جميع الأحوال. لا أعتقد أنه يجب أن نسمح أن يؤثر الأمر سلبا. سأقوم بالاتصال بالسفير الإسرائيلي علي الفور.
***
وبالفعل يتصل كيسنجر بدينيتز ليطلعه علي الطلب البريطاني. ويسأل السفير عن نوع الفرقة وإذا ما كانت مشاة أم مدرعات وكذلك ما إذا كانت تنوي مهاجمة الإسرائيليين. ويرد كيسنجر بأن الفرقة ستكتفي بالوقوف هناك ويعده بأن يطلعه علي اسم المنطقة التي ستتمركز فيها الفرقة الأردنية. ويلح كيسنجر علي ضرورة الحصول علي رد سريع للبريطانيين ويذكر دينيتز بأنهم يضغطون بدورهم من أجل التوصل لقرار يدعو لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن. ثم يسأله السفير الإسرائيلي: عندما تتحدث عن وقف إطلاق النار بالنسبة لبريطانيا وروسيا فهل يعني ذلك وقف إطلاق النار وتجميد الموقف؟
ك: فقط بعد أن تحققوا موقعا أفضل.
د: تقديري أنه سيكون من الأفضل التحرك من دون الروس. وبعد التطورات التي حدثت علي الجبهة الشمالية الليلة لدي شعور بأن الروس لن يكونوا راغبين في تجميد الموقف غدا.
ك: إذا تقدموا بمقترح جديد فسيجب علي النظر فيه وسيعطينا ذلك 48 ساعة إضافية.
د: أعتقد أن المهم الآن هو كسب الوقت.
ثم يطلع كيسنجر السفير الإسرائيلي علي آخر تطورات عملية الإمداد وقرار زيادة عدد طائرات الفانتوم إلي ست بمعدل طائرتين يوميا. ولكن دينيتز يبلغه بأن رئيسة الوزراء الإسرائيلية غير راضية ولا تفهم سبب التأخير. ويشرح له كيسنجر أن المهم في هذه المرحلة هو البدء في عملية الإمداد وأنه سيواصل جهوده في هذا الشأن.
وبعد تهرب طويل من السفير السوفييتي دوبرنين يجري كيسنجر مكالمة معه أخيرا في الساعة 8.25 مساء ولكنه يواصل المماطلة معه حول توقيت تقديم قرار وقف إطلاق النار مع التأكيد علي أن واشنطن لن تقوم بأي تحرك داخل مجلس الأمن دون التشاور معهم. وبحجة أنه يواصل مشاوراته مع البريطانيين الذين سيكونون الطرف الثالث الذي سيتقدم بمشروع القرار يبلغ كسينجر دوبرنين أنه سيعاود الاتصال به ظهر اليوم التالي الجمعة.
ويشير كيسنجر في ملاحظاته عن يوم الحادي عشر من أكتوبر أنه شهد أيضا تبادلا للاتصالات مع الرئيس السادات عبر قناة حافظ إسماعيل. "وناشدنا إسماعيل نيابة عن السادات أن نوقف الهجمات الإسرائيلية الجوية علي أهداف مصرية مدنية. وبعد أن وافقت علي تبليغ الرسالة أثرت نقطتين: حذرت من السماح بمشاركة السوفيت في القتال بأي شكل لأن هذا التحرك سيدعو الولايات المتحدة إلي التدخل مباشرة في مواجهة مصر. كما أنني أعدت تذكير السادات عبر إسماعيل إلي ما كان قد توصل إليه بالفعل (وإن لم أكن علي دراية بذلك) وهو أن مصر ستكون بحاجة للولايات المتحدة إذا ما كانت ستجري مفاوضات ناجحة في مرحلة ما بعد الحرب. وأكد كيسنجر في نص رسالته أنه لا توجد قوات أمريكية متورطة في العمليات العسكرية. ولن تتدخل أي قوات عسكرية أمريكية بأي طريقة ما لم تتدخل قوي أجنبية أخري من خارج المنطقة من خلال عمل عسكري. والولايات المتحدة تبقي مستعدة للنظر في أي اقتراح مصري لإنهاء الأعمال العدائية بتفهم وبروح حسنة. وستحاول أن تقدم المساعدة بعد انتهاء العمليات العدائية. ومهما بلغت درجة الضغوط التي لا يمكن تجنبها حاليا فلا يجب لأي من الطرفين أن يفقد رؤيته لهذا الهدف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.