28
يوم الرابع عشر من أكتوبر
الطائرات الأمريكية تتدفق على إسرائيل بمعدل طائرة كل 15 دقيقة
واشنطن: خالد داوود
الأهرام الاثنين 3 نوفمبر 2003م - 9 رمضان 1424هـ
كانت آخر المكالمات التي أشار لها كيسنجر يوم 13 أكتوبر مع وزير الدفاع شليزنجر حول تطورات عملية الإمداد. وفيها يطلب كيسنجر من وزير دفاعه تقييما دقيقا للموقف العسكري علي الجبهة ويخطره أنه سيتم الإشارة إلي الجسر الجوي علي أنه "إجراء شرعي مؤقت". كما يشكك شليزنجر في جدوي الاستعانة بشركات الطيران الخاصة بعد التحول في الموقف الأمريكي وأن فائدتها الوحيدة كانت توفير غطاء لعملية النقل وكذلك تخفيف العبء عن الطيارين الأمريكيين. ويعرب كيسنجر في هذه المكالمة عن قلقه من رد فعل العالم العربي علي عملية الجسر الجوي ويطالب وزير الدفاع بالاستمرار في البحث عن غطاء مناسب لعملية الاستعانة بطائرات خاصة لنقل المعدات. ويتساءل كيسنجر بدوره عن فائدة الاستعانة بهذه الطائرات كغطاء إذا كان سيعرف في النهاية أن الولايات المتحدة هي التي قامت باستئجارها نيابة عن إسرائيل. ولكن شليزنجر ينبه كيسنجر إلي حقيقة لم يلتفت لها كثيرا وهي أنه لم تكن توجد دول أخري تقريبا لديها الاستعداد لمساعدة إسرائيل في ذلك الوقت ويقول: "إسرائيل لا تتمتع بأي مساندة. الكل يتعامل معهم كمنبوذين". ويرد كيسنجر "هذا هو ما كنت أريد تجنبه. هذا هو ما كان العرب يرغبون في تحقيقه". ويتفق معه شليزنجر في الرأي ولكنه يشير إلي أنه لم يكن من الممكن تجنب ذلك.
مع انهيار محاولة التوصل إلي اتفاق لوقف إطلاق النار في الأمم المتحدة وانطلاق الجسر الجوي الأمريكي لإسرائيل يقول كيسنجر أن الموقف بات يعتمد علي تطورات العمليات العسكرية وقدرته علي تحجيم ردود الأفعال من الدول العربية وكذلك تجنب مواجهة مع الاتحاد السوفيتي وسط تصاعد أزمة وترجيت علي المستوي الداخلي. (فضيحة قيام الرئيس الأمريكي نيكسون بالتورط في عملية التجسس علي مقرات الحزب الديمقراطي لضمان الفوز في الانتخابات الرئاسية).
ولكن الاستراتيجية الحقيقية لكيسنجر كانت ضمان استمرار العمليات العسكرية لأطول فترة ممكنة وذلك لكي تتمكن إسرائيل من شن هجوم مضاد (باستخدام الأسلحة التي تتدفق عليها من الولايات المتحدة بمعدل طائرة كل 15 دقيقة) يحسن موقفها في أي مفاوضات لاحقة كما يلقن الدول العربية درسا بأنه لا يمكن تحقيق مكاسب عن طريق الحرب خاصة إذا كانت تستخدم سلاحا سوفيتيا في إطار الحرب الباردة التي كانت دائرة في ذلك الوقت. ولما كان كيسنجر علي دراية بموقف الرئيس السادات الداعي إلي تدخل الولايات المتحدة للتوصل إلي حل حقيقي للصراع العربي - الإسرائيلي فلقد واصل استخدامه قناة اتصاله معه عبر مستشار الأمن القومي حافظ إسماعيل وأرسل له الرسالة التالية باسم الرئيس نيكسون:
"إن الجانب الأمريكي يرغب في إطلاع الجانب المصري أننا علي استعداد لوقف جهودنا في إعادة الإمداد (لإسرائيل) عبر الجسر الجوي فورا بعد التوصل إلي اتفاق لوقف إطلاق النار (وكانت هذه خدعة من كيسنجر حيث أنه كان قد حصل علي موافقة نيكسون بأن تستمر عملية الإمداد لأسابيع من خلال السفن المحملة بالأسلحة الثقيلة لكي تعوض إسرائيل عما لحق بها من خسائر ولتدعيم موقفها بطريقة تضمن تفوقها في أي معركة محتملة لاحقة - الأهرام.) وتود الولايات المتحدة أن تؤكد مجددا أنها تدرك أن الجانب المصري لا يقبل بالظروف التي كانت موجودة قبل اندلاع الأعمال العدائية الأخيرة. وسيقوم الجانب الأمريكي بمجهود كبير فور أن تنتهي العمليات العدائية وذلك للمساعدة في التوصل إلي سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط. كما نأمل أن يتواصل الحفاظ علي قناة الاتصال هذه مع مصر والتي تم إنشاؤها بصعوبة كبيرة حتي في ظل ضغوط الظروف الحالية. والولايات المتحدة ستقوم بكل ما في وسعها في هذا المجال". ويضيف كيسنجر أنه أرسل خطابات مماثلة "بلا جدوي" إلي الملك فيصل وإلي شاه إيران.
وكانت أول مكالمات كيسنجر في ذلك اليوم مع الرئيس نيكسون الساعة 9.04 صباحا.
نيكسون: هل من جديد هذا الصباح؟
ك: نعم لقد شن المصريون هجوما كبيرا ومن الصعب أن نعرف تماما ما الذي يجري في هذه المرحلة المبكرة من الهجوم. الإسرائيليون يدعون أنهم تمكنوا من تدمير 150 دبابة وخسروا خمسة عشر من ناحيتهم. ولكن هذا في حد ذاته لا يثبت أي شيء. فالأمر يعتمد إلي مدي تقدم القوات المصرية. وآخر المعلومات التي لدينا أنه ليس من المؤكد تماما وصولهم إلي ممر ميتلا والذي يبعد نحو ثلاثين كيلومترا عن القناة والذي يمثل نقطة دفاع إسرائيلية رئيسية أي نحو ثلث الطريق داخل سيناء وسيكون في الغالب....
(... جزء تم حذفه بطلب من مجلس الأمن القومي)
ثم يواصل كيسنجر: هناك احتمالان أمام الإسرائيليين الأول أنهم يحاولون جرهم خلف نطاق حزام صواريخ سام من أجل ضرب كمية كبيرة من قواتهم وفي هذه الحالة فإن المعركة ستكون حاسمة إلي حد كبير. أما الاحتمال الآخر فهو أن الإسرائيليين في ورطة وسوف نعرف ذلك بحلول الليلة في جميع الأحوال. لا أعتقد أن المصريين كانوا علي استعداد حتي قاموا بشن هجومهم.
ن: وماذا عن الروس هل سمعنا شيئا منهم؟
ك: الأمر يا سيادة الرئيس هو أننا بدأنا منذ الأمس بفكرة وقف إطلاق النار والعودة إلي خطوط ما قبل بدء العلميات العدائية. وبهذه المناسبة لو تمكن الإسرائيليون من إلحاق هزيمة بالمصريين فإن هذا سوف يمثل موقفا جيدا. إذ بعد ذلك سيكون المطلوب مجرد المطالبة بوقف إطلاق النار. لقد كان المصريون غالبا علي استعداد للقبول بذلك قبل أن يتقدم الإسرائيليون في سوريا. المصريون يطالبون بالعودة إلي حدود 1967 والآن هذا الأمر غير مطروح للنقاش ما لم تلحق هزيمة كبيرة بإسرائيل نتيجة للحرب. هذا يجب أن يتحقق كنتيجة لمفاوضات لاحقة تلي الحرب. ما نحاول القيام به الآن ولقد تحدثت في هذا الشأن مع دوبرنين بعد أن تحدثنا سويا - هو محاول التوصل لصيغة تربط وقف إطلاق النار بالتسوية السلمية.
ن: أعتقد أنه يجب علينا القيام بتحرك ما. يجب علينا أن نواجه حقيقة أنه فيما يتعلق بالروس فإنهم كانوا متجاوبين معنا فيما يتعلق بما قدمناه بشأن الشرق الأوسط. لا بد أن نتقدم بشيء علي الجبهة الدبلوماسية وذلك لأننا إذا تمسكنا بوقف إطلاق النار فقط فإنهم (الروس) سيعرفون أنه بعد الحصول علي وقف إطلاق النار فإن إسرائيل ستعزز مواقعها وسنقوم نحن بمساندتهم كما نفعل دائما. هذا هو الوضع بصراحة شديدة ولكنه حقيقي إلي حد ما أليس كذلك يا هنري؟
ك: هناك الكثير من الصحة في ذلك.
ن: لا يمكنهم أن يكونوا في ذلك الموقف ولذا لا بد أن نكون في موقع يسمح لنا بتقديم شيء. سيجب علينا اعتصار الإسرائيليين بعد أن ينتهي هذا الأمر ويجب أن يعرف الروس ذلك. سيجب علينا اعتصارهم بقوة كبيرة. وهذه هي الطريقة التي ستسير بها الأمور. ولكنني لا أعرف كيف يمكننا القيام بذلك الآن. لقد قلنا لهم من قبل أننا سنقوم بعصرهم ولكننا لم نقم بذلك.
ك: أعتقد أن المطلوب الآن هو أن نتوصل إلي قرار لا يشير بشكل مباشر إلي حدود 1967 ولكن يترك المجال مفتوحا مثل الإشارة إلي قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي يتحدث عن انسحابات وهو قرار وافق عليه الجميع بالفعل من قبل. بجانب الإشارة إلي مؤتمر (دولي) أو شيء من هذا القبيل. ثم ربما نتمكن من تحريك مثل هذا القرار للتصويت غدا.
ن: نعم وبالتأكيد فإن الإشارة إلي مؤتمر ستكون أمرا جيدا.
كما يشير كيسنجر إلي الموقف البريطاني في مجلس الأمن ويتهم لندن بعدم الرغبة في التحرك أو المساهمة في الضغط علي السادات للقبول بوقف إطلاق النار وذلك لخشيتهم من اتخاذ أية مخاطرات قد تضر بمصالحهم في المنطقة العربية. ثم يعود مجددا إلي الحديث عن أهمية المعركة الدائرة في سيناء والتي قال إنه لا بد وأن تتضح نتيجتها بسرعة ذلك لأن الطرفين العربي والإسرائيلي - يعتمدان علي إمدادات تأتي من أماكن بعيدة.
كما يسأل نيكسون عن وضع عملية إمداد إسرائيل بالأسلحة ويقول إنه مادامت الولايات المتحدة قد قررت البدء في الجسر الجوي وسيتم توجيه النقد لها في جميع الأحوال فإنه يحبذ أن يتم إرسال كميات ضخمة للانتهاء من الأمر. "سوف يتم توجيه اللوم لنا لإرسالنا ثلاث طائرات تماما كما سيتم توجيه اللوم لنا لو أرسلنا ثلاثمائة طائرة. لن ندع الروس يتصرفون هناك بحرية".
ويطلب نيكسون من كيسنجر بأن يكون الخط الرسمي الذي سيتم الالتزام به في التصريحات العلنية هو أن الولايات المتحدة تزود إسرائيل بالأسلحة للحفاظ علي التوازن القائم في المنطقة ولخلق الظروف التي ستسمح بالتوصل إلي تسوية عادلة في مرحلة لاحقة. ويضيف "إذا لم نقل ذلك فسيبدو أننا نرسل المعدات لكي تستمر الحرب إلي ما لا نهاية وهذا موقف لا يمكن الحفاظ عليه".
وفيما يتعلق بالروس يقول نيكسون أنه يبدو أنهم معجبين بفكرة أن يتقدم البلدان بحل يتم فرضه علي الأطراف المتحاربة ويضيف: "لقد تنحي البريطانيون جانبا وما يجب أن يحدث برغم أن الإسرائيليين سيصرخون مثل الخنازير العالقة هو أن نقول إن بريجينيف ونيكسون سوف يتوصلان لحل لهذا الموضوع اللعين".
وتنتهي المكالمة بوعد من كيسنجر أن يتصل به مجددا بعد ساعة ليطلعه علي نتائج اجتماع "مجموعة العمل الخاصة" وتقييمها لتقدم عملية إمداد إسرائيل بالأسلحة.
كيسنجر - نيكسون الساعة 11.10 صباحا
ن: لقد تحدثت مع هيج الذي أطلعني علي تطور الموقف. إنني سعيد أن أسمع بأننا نقوم بذلك بكامل طاقتنا.
ك: إنه جسر جوي هائل يا سيادة الرئيس. إن الطائرات سوف تهبط بمعدل واحدة كل خمسة عشر دقيقة.
ن: هذا صحيح. فلندعهم يصلون إلي هناك. الإضافة الوحيدة التي طلبتها هو أن يتحققوا من الموقف علي الساحة الأوربية ليروا إذا ما كان هناك المزيد من الطائرات الصغيرة التي يحتاجونها وتوجيهها إلي هناك لتعويض خسائرهم من الطائرات. والأمر الآخر يتعلق بهذه الطائرات الكبيرة يمكننا تحميل عدد من تلك الدبابات الجيدة من طراز M60 علي متنها إذا كان تأثيرها سيكون جيدا.
ك: نعم يا سيادة الرئيس.
ن: بمعني آخر إذا كنا سنقوم بهذا الأمر فدعنا لا ندخر أي جهد.
ك: فيما يتعلق بالطائرات الكبيرة فإن لدينا أيضا إمكانية أن نشحن علي متنها طائرات من طراز سكاي هوك.
ن: هل تعني أن نضعهم داخل الطائرات
ك: لا أعتقد أن هناك بديل آخر. لا توجد دولة سوف تسمح لهم بالطيران في مجالهم.
ن: حسنا. كم طائرة يمكن نقلها بهذه الطريقة
ك: خمسة أو ستة.
ن: حسنا. لتضع بعض طائرات السكاي هوك أيضا. لتقم بذلك أيضا. هل تفهم ما أعنيه إذا كنا سنتحمل النقد نتيجة لذلك فلننطلق.
ك: أعتقد أن هذا صحيح وهذا هو ما ناقشناه في مجموعة العمل بعد أن غادر هيج. يمكننا أن نعرض وقف الجسر الجوي إذا قام الروس بذلك بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار.
ن: أعتقد أن الوقت قد حان لكي ترسل رسالة مني إلي بريجينف. يجب أن يعرف أنه ليس فقط السلام في هذه المنطقة علي المحك ولكن مستقبل العلاقة بأكملها ونحن علي استعداد للتوقف إذا توقفوا هم.
ك: سوف أتصل بدوبرنين وأبلغه هذه الرسالة بوضوح.
ن: نعم بلهجة معتدلة ولكن صارمة للغاية. إننا نقوم بذلك بكل أسف ولكننا في موقف اضطرنا لذلك وسنضطر للرد علي كل إجراء بإجراء مماثل. وما هو الموقف بالنسبة للمعركة؟
ك: يبدو أن المصريين يتجهون جنوبا أكثر من شرقا ولا يحاولون بشكل جدي اختراق سيناء في هذه اللحظة. وهم فقط يقومون بالحفاظ علي مواقعهم الدفاعية بالقرب من الساحل.
ن: هل من جديد بالنسبة لسوريا؟
ك: بالنسبة لسوريا لقد أخبرنا الإسرائيليون صباح اليوم أنهم أوقفوا تقدمهم نحو دمشق وأنهم الآن علي بعد نحو عشرين كيلومترا. وهم الآن يتوجهون جنوبا لمواجهة كتائب المشاة السورية. هناك تقرير من بعض المراسلين الأجانب الذين توجهوا للجبهة من دمشق وأشاروا إلي أنه يبدو أن الجيش السوري في حالة معنوية سيئة وأنهم بدأوا يهجرون معداتهم. ولكنهم لا يزالون يا سيادة الرئيس السبب وراء تماسك المصريين. غالبية الجيش الإسرائيلي ما زال مربوطا هناك (علي الجبهة السورية). تقدير مجموعتنا هو أن الإسرائيليين بحاجة إلي ثلاثة أيام إضافية لكي يتمكنوا من هزيمة السوريين وأنهم لن يستطيعوا الالتفات للمصريين قبل أربعة إلي خمسة أيام.
ن: وما هي خطتنا إذن؟
ك: خطتنا أن نحاول إنهاء الأمر هذا الأسبوع.
ثم يتحدث كيسنجر مع السفير السوفيتي دوبرنين في الساعة 12.36 ظهرا وذلك في إطار ما قال أنه استراتيجيته القائمة علي حث الروس علي ضبط النفس في الوقت الذي يتسارع فيه الجسر الجوي وتهبط الطائرات الأمريكية في إسرائيل بمعدل طائرة كل 15 دقيقة.
كما يبلغ كيسنجر السفير برسالة نيكسون حول قرار الولايات المتحدة ببدء الجسر الجوي وعندما يسأله دوبرنين عن نوع الأسلحة التي يتم نقلها وإذا ما كانت تحتوي علي معدات ثقيلة يقول: "هي في الغالب ذخائر ومستهلكات ونحن لا نزال نمارس بعض القيود علي المعدات الثقيلة في الوقت الحالي وما وصل منها قليل للغاية". كما يبلغه بالعرض الأمريكي بوقف الجسر إذا ما قامت موسكو بخطوة مماثلة "ولكن إذا لم تقوموا بذلك فإننا سنقوم قبل كل شيء بزيادة الجسر بشكل ملموس ليحتوي معدات ثقيلة. إننا لم نبذل كامل جهودنا بعد ولم نقترب حتي من ذلك". كما يزعم الوزير الأمريكي أن حكومته لم ترسل إلي إسرائيل سوي عدد قليل من طائرات الفانتوم "وهو لا يقارن بكل تأكيد بحجم ما نتعرض له من ضغوط" لإرسال المزيد من الطائرات. ومن المؤكد أن السفير دوبرنين بخبرته الطويلة لم يكن يتوقع أن يسمع دائما الحقيقة كاملة من كيسنجر وكان لدي السوفيت ما يكفي من المصادر لتأكيد مدي كثافة الجسر الأمريكي والأسلحة التي تتدفق علي إسرائيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.