الخميس، 7 أكتوبر 2021

33 السادات يبعث برسالة إلى نيكسون يطالبه بالتدخل لوقف إطلاق النار ويقترح إرسال قوة مشتركة مع السوفيت

33

السادات يبعث برسالة إلى نيكسون يطالبه بالتدخل لوقف إطلاق النار ويقترح إرسال قوة مشتركة مع السوفيت

واشنطن: خالد داوود

الأهرام الاثنين 10 نوفمبر 2003م - 16 رمضان 1424هـ


في هذه الحلقة الثالثة والثلاثين يواصل هنري كيسنجر سرد محادثاته الهاتفية مع أطراف النزاع في يوم 23 أكتوبر (اليوم الثامن عشر للحرب) حيث يبدأ بمحادثته مع يوري فورنتسوف نائب رئيس الوفد السوفيتي بالأمم المتحدة، لكي يبلغه بضرورة الوقف الفوري لجميع الأعمال العسكرية علي الجبهتين المصرية والسورية، ثم يتحدث إلي المندوب الأمريكي بالأمم المتحدة لكي يبلغه بقرب التوصل إلي قرار مشترك مع السوفيت.. ويتصل بعد ذلك بوزير الدفاع الأمريكي جيمس شيلزنجر لكي يبلغه بضرورة استمرار الجسر الجوي الذي يمد إسرائيل بالأسلحة الأمريكية، وذلك علي الرغم من تعالي الأصوات في الكونجرس للمطالبة بإنهاء هذا الجسر بعد التوصل في الأمم المتحدة إلي قرار لوقف إطلاق النار.


كيسنجر ـ فورنتسوف الساعة 1.35 بعد الظهر.

ك: دعني أخبرك بما لدينا في مشروع القرار: تأكيد القرار الخاص بالوقف الفوري لكافة الأعمال العسكرية والمطالبة بأن تعود قوات الجانبين إلي المواقع التي كانت عليها عند دخول قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. نحن علي استعداد للقبول بذلك وأن يصدر كقرار مشترك. والفقرة الثانية تشير إلي الاستعانة بكافة المراقبين في الشرق الأوسط والقاهرة.

ف: سوف أتحدث مع جوزيف ماليك (المندوب السوفيتي في مجلس الأمن) وأعاود الاتصال بك.

ك: كما أننا نعلق اهمية كبيرة علي التفاهم الذي توصلنا له مع السكرتير العام (بريجينيف) بخصوص تبادل الأسري.

ف: سأكرر الرسالة إلي موسكو.

ثم يتحدث كيسنجر مع سكالي ليبلغه بقرب التوصل إلي قرار مشترك مع السوفيت ويطلب منه أن يهدأ من روع المندوب السوفيتي لدي مجلس الأمن ماليك ويقول مازحا "وإلا سأقوم بإرساله إلي سيبريا. أنا أعرف بريجينيف أكثر مما يعرفه هو. وأساله إن كان قد سبق له تلقي قبلة علي الفم من بريجينيف كما حدث معي. لقد تقدمنا باقتراح جديد وأعتقد أنه (ستتم الموافقة عليه)".


ولم تمض خمس دقائق حتي قام فورنتسوف بالاتصال بكيسينجر ليبلغه موافقة موسكو علي التعديلات الأمريكية علي نص القرار.

ويقول كيسنجر إنه من خلال هذه المجهودات كان يعتقد أنه منح إسرائيل أكبر درجة من المرونة لتحسين موقفها في أي مفاوضات قادمة. "ولكنها كانت تطلب ما لم يمكننا منحه". واتضح ذلك من خلال برقية عاجلة أرسلتها مائير إلي كيسنجر بعد ظهر ذلك اليوم تنتقد فيها بغضب مشروع القرار الجديد وتصفه بأنه جهد أمريكي - سوفيتي مشترك لفرض حل علي إسرائيل. وتقول: "من غير الممكن لإسرائيل أن تقبل مرة بعد أخري مواجهة الإنذارات الروسية والمصرية والتي تقوم الولايات المتحدة بالموافقة عليها بعد ذلك". ويعترف كيسنجر بأن مائير كانت تبالغ وأنه "لم يكن من الممكن اعتبار مطالبة إسرائيل ومصر وقف إطلاق النار والتفاوض علي العودة إلي الخطوط التي كانت قائمة عندما دخل الاتفاق حيز التنفيذ بمثابة إنذار خاصة أن الولايات المتحدة كانت حريصة علي عدم تحديد الخط الذي يجب العودة إليه كما واصلت الجسر الجوي بكامل قوته". وفسر رد فعل إسرائيل بأنه كان تعبيرا واضحا عن الإحباط الذي عانوا منه علي مدي الأسابيع الثلاثة الماضية. وأبلغت مائير الأمريكيين أنها لن تلتزم بمشروع القرار المقترح أو حتي تقبل الحديث عنه.

"وكان واضحا أن إسرائيل كانت مصممة علي أن ينتهي القتال بهزيمة مصر. ولم يكن لدينا أي مصلحة في أن نسمح بتدمير السادات نتيجة لتحدي إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق نار قمنا نحن بالتفاوض عليه ورعايته. ولو لم تكن إسرائيل تشعر بالاهتزاز نتيجة لأحداث الأسابيع الماضية لكانت قد تفهمت أيضا أن ما كانت تطالب به من شأنه عمليا أن ينهي أي أمل من البدء في جهد دبلوماسي وسيؤدي إلي حرب متواصلة. كما أن الاحتمالات كانت تشير إلي أنه إذا سقط السادات فسيحل مكانه غالبا قائد موال للسوفيت. ومن ناحية أخري فإن السوفيت كانوا سيقومون تدريجيا مع الوقت بإعادة بناء بديل للجيش الثالث وعاجلا أم آجلا كانت ستندلع حرب مصرية - إسرائيلية جديدة نواجه من خلالها نفس المعضلات التي ما كدنا ننجح في احتوائها. وكانت مسيرة السلام التي تهيمن عليها الولايات المتحدة ستنتهي قبل أن تبدأ وإذا تم إحياؤها في مستقبل غير معروف فستتم في ظل ظروف رعاية أقل تفضيلا".


وفي الساعة 3.02 بعد الظهر اتصل كيسنجر بشليزنجر وزير الدفاع وكان أهم ما ركز عليه ضرورة مواصلة الجسر الجوي وذلك بعد أن تعالت أصوات في البنتاجون تطالب بضرورة وقفه بعد التوصل إلي وقف إطلاق نار في الأمم المتحدة.

شليزنجر: لدينا الآن مشكلة فيما يتعلق بمرحلة ما بعد اتفاق وقف إطلاق النار.

ك: إننا نعمل علي حل المشكلة وسنتقدم بمشروع قرار مشترك في الرابعة مع الاتحاد السوفيتي.

ش: إن سؤالي يتعلق بالجسر الجوي.

ك: يجب أن ندعه يتواصل حتي نتمكن من السيطرة علي الجوانب الأخري.

ش: إذن عندما يتوقف (السوفيت) نتوقف نحن.

ك: لقد تقدمنا باقتراح ولا بد من أن نتمسك بموقفنا. إذا أوقفنا الجسر الجوي من جانب واحد الآن فذلك سيكون أمرا سيئًا.

ش: بالتأكيد. المصريون الآن مهتزون بعض الشيء.

ك: لا أعتقد ذلك.

ش: تقترح أن نبقي متمسكين بموقفنا في نفس الاتجاه.

ك: هل تعتقد أننا ارتكبنا خطأ بالمشاركة في قرار يدعو إلي وقف جديد لإطلاق النار (بافتراض أن ذلك في غير مصلحة إسرائيل).

ش: أنا لا أعرف في هذه المرحلة.

ك: بافتراض أن السوفيت تقدموا بمفردهم باقتراح لوقف إطلاق النار هل كنا سنعترض عليه (ممارسة حق الفيتو)

ش: لا لا يمكننا القيام بذلك.

ك: إذا قمنا بذلك فسنقع في مشاكل مع العرب.

ش: عنوان اللعبة هو أن نبقي الجسر الجوي قائما.


وفي الساعة 4.20 مساء يجري كيسنجر مكالمة تتناول أيضا قضية الجسر الجوي مع نائبه سكوكروفت.

سكوكروفت: أعرف أنك تحدثت مع شليزنجر. الكل يريد وقف الإمدادات.

ك: سوف أتحدث معهم.

ش: إن البنتاجون يحتاج إلي التهدئة. إنهم ليسوا علي دراية بما يجري ويتساءلون عن سبب استمرار الجسر الجوي بينما هناك اتفاق لوقف إطلاق النار.

ك: لتقل لهم علي الأقل أن ينتظروا حتي أقوم بالاتصال بهم. لماذا نقوم بوقف الدعم لإسرائيل بينما لم يقم الروس بوقف دعمهم للعرب


وفي الساعة 5.09 بعد الظهر يعاود كيسنجر الاتصال بلشيزنجر ليبلغه استياءه من تصريح أدلي به مسئول في البنتاجون لإحدي وكالات الأنباء يقول إنه "بعد أن بدأ السوفيت في التراجع (في دعمهم العسكري للعرب) فإننا سنتراجع أيضا." ويقول "هل بإمكانك أن تقول لرجالك أن يلتزموا الهدوء.


إننا نحتاج إلي استمرار الجسر الجوي إلي إسرائيل مع تواصل الأزمة. وأنت ستبقي الجسر قائما بأقصي طاقته.

وردا علي سؤال من وزير الدفاع حول سير وقف إطلاق النار يجيب كيسنجر "نحن نحقق انتصارات كبيرة ولكن الضغوط الضخمة ستأتي عندما نبدأ في مفاوضات السلام."

وفي الساعة 6.50 مساء يجري كيسنجر اتصالا بنيكسون الغارق في أزمته الداخلية. ويبدأ الحوار بمحاولة رفع معنوياته بالقول إنه تلقي رسائل من الكثير من الصحفيين يشيدون فيها بطريقة تعامله مع الأزمة.

نيكسون: إذا قارنا ما حدث بالأزمة الكوبية فسنجد أن الروس لم يكن من الممكن أن يقوموا بالاتصال بكينيدي. ولكنهم في الشرق الأوسط فعلوا ذلك وبعد قيامنا بتحريك طائراتنا لم يعد أمامهم خيار.

ك: هذه هي نقطتي الرئيسية. (تحقيق انتصار علي السوفيت)

ن: لا شك أنهم أدركوا أن الأمر تطلب بعض الشجاعة للقيام بذلك.

ك: لا يوجد شك. لقد كان انتصارا رائعا.

ن: إن الاتفاق الذي تفاوضت للتوصل إليه كان رائعا. وتغيير الصياغة إلي الاكتفاء بمطالبة الأطراف (بدلا من الزامهم) كانت جيدة للغاية.


وفي الساعة 8.28 مساء يتصل كيسنجر برئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال توماس مورار ليشدد مجددا علي ضرورة استمرار الجسر الجوي و "ألا يتم تخفيضه سواء من ناحية الكمية أو عدد الطلعات... نحن لن نقوم بتخفيض الجسر الجوي. وإذا وصلتك أي أوامر بعكس ذلك فلتبلغني وسأقوم بتوصيل ذلك الشخص إلي مكتب الرئيس. أود التيقن من أن الكميات ومعدل الطلعات الجوية تسير بنفس المعدل الذي وعدناهم به".

وكان السفير السوفيتي دوبرنين قد عاد إلي واشنطن وأجري المحادثة التالية مع كيسنجر في الساعة 7.10 مساء.

د: عندما غادرت موسكو كان كل أعضاء المكتب السياسي يشعرون بالرضا. ولكن الآن الموقف يبدو سلبيا بعد رحلتك لإسرائيل وكل التطورات اللاحقة.

ك: لدينا الآن مشروع قرار جديد. هل اتفقتم علي شيء مع المصريين

د: النقطة الوحيدة التي أثارت دهشتي رفضك للفقرة الثانية الخاصة بعودة القوات إلي خط وقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه.

ك: أولا هذا غير صحيح. الصعوبة غير العادية تكمن في تحديد مكان الخط. لم نكن نريد الدخول في مشكلة حول موقع الخط.

د: الأمر يبدو جيدا مرة ثانية. هل أصابتك الدهشة (من الهجوم الإسرائيلي)

ك: لم يكن لدي أي علم بالأمر (بالطبع كان هذا غير صحيح في إطار الضوء الأخضر الذي منحه شخصيا لمائير لمواصلة القتال).

د: ما هو الموقف علي الجبهة؟

ك: الإسرائيليون يقسمون علي أن المصريين هاجموهم أولا (رغم عدم قناعته شخصيا بهذه الحجة). لا يوجد لدينا معلومات مستقلة.

د: ولكن ما هو الموقف. هل يتواصل القتال أم توقف؟

ك: أعتقد أنه توقف. لقد طالبنا الإسرائيليين بأقوي الكلمات أن يتوقفوا.

د: وهل بدأوا في العودة إلي الخطوط التي كانت قائمة يوم الأحد؟

ك: هم يقولون أنهم سيوافقون علي ذلك. ولكن من يعرف أين كانت هذه المواقع؟ أعتقد أنهم لن يوافقوا أبدا.

د: ألا توجد لديكم صور استطلاعية من الجو

ك: لم نقم بأية عمليات استطلاع جوي. لنقل أننا لا نعرف حقيقة الموقف بصراحة. لقد أرسلنا لهم (إسرائيل) اليوم رسالتين عاجلتين نطالبهم بالتوقف. كما اجتمعت بالسفير الإسرائيلي هنا لأطالبه بالتوقف.

د: لقد كان هناك اتفاق بينك وبين بريجينيف أن يتم وقف القتال خلال 12 ساعة (من تمرير القرار).

ك: إن مشروع القرار كان يطالب بالعودة إلي الخطوط التي كانت متواجدة عندما تم الاتفاق علي تمرير القرار. وكنا غير راغبين في الموافقة علي شيء لا يمكن لأحد تنفيذه. المصريون يقولون شيئا والإسرائيليون يقول شيئا آخر وأنتم لا تعرفون ونحن لا نعرف. ولكن لم يكن من السهل إقناع طرف يحقق تقدما بقبول وقف إطلاق النار. بدءا من ذلك الوقت كانت إسرائيل تحقق انتصارا ولكننا وافقنا علي القرار رغما عن ذلك.

د: نحن لم نتفق في موسكو علي تحديد الطرف الذي كان يحقق انتصارا في الحرب.

ك: لقد بذلنا مجهودا كبيرا للتوصل إلي اتفاق.

د: إنني أكثر قلقا علي التفاهم بيننا الآن أكثر مما هو الموقف مع العرب...

ك: لقد أمضينا اليوم بأكمله لإقناع الإسرائيليين بالتوقف ونعتقد أنهم توقفوا الآن. كما أعتقد أننا تمكنا من إقناع الإسرائيليين من ناحية المبدأ بقبول رعايتنا المشتركة.

د: هل وافقوا علي هذا الأمر؟

ك: ليس مائة في المائة ولكن إذا تمكنا من تسوية القضية الخاصة بسجناء الحرب فأعتقد أنهم سيوافقون. (استراتيجية كيسنجر الكلاسيكية في الحصول علي تنازلات مقابل أي وعد يتقدم به). لقد تحدثت مطولا مع رئيسة الوزراء ولقد أرسلت خطابا بهذا المعني لبريجينيف.

ثم تنتهي المكالمة بتأكيد الطرفين علي أهمية استمرار التنسيق بينهما في هذه المرحلة ويشدد دوبرنين علي أهمية التزام كيسنجر بالاتفاق الذي توصل له مع بريجينيف. ويرد قائلا: "أنا لن أقوم بخداع بريجينيف. سيكون هذا أغبي شيء يمكنني القيام به. حتي لو انتصرنا في هذه المرة فلن يكون من الممكن إقامة علاقة ثقة بيننا مجددا. لا يمكننا السيطرة علي كل شيء يقوم به الإسرائيليون وهم يقسمون أن المصريين هم الذين بدأوا".

ولكن كيسنجر يقر لاحقا بأنه كان علي دراية بأن الموقف كان قد تدهور علي الجبهة بطريقة تفوق كثيرا ما عبر عنه في محادثته مع دوبرنين. ففي الثالثة والربع من ظهر نفس اليوم وصلت رسالة مباشرة عاجلة من الرئيس السادات إلي نيكسون وكانت هذه هي المرة الأولي التي يقوم فيها الرئيس المصري بذلك مما عكس خطورة الموقف.

وفي هذا الرسالة قدم السادات اقتراحا اعتبره كسينجر غير عادي ويقضي بأن تقوم الولايات المتحدة التي لم تكن تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع مصر في ذلك الوقت بـ "التدخل بشكل فعال حتي لو تتطلب ذلك استخدام القوات بغرض ضمان التنفيذ الكامل لقرار وقف إطلاق النار وفقا للاتفاق الذي تم التوصل له بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي". ومضي الخطاب "ليدعي" غالبا بناء علي سوء تقديم الموقف من الجانب السوفيتي أن الولايات المتحدة قدمت "ضمانا" لوقف إطلاق النار. (ومن الغريب أن يعتبر كيسنجر ما احتواه خطاب السادات "ادعاء" إذ كيف كان يمكن النظر إلي مشروع قرار مشترك تقدمت به القوتان العظميان في ذلك الوقت إلا أنه ضمان لوقف إطلاق النار من الطرفين ـ الأهرام).

ويقول كيسنجر إن الاقتراح المصري كان يعني عمليا وضع قوات أمريكية في مواجهة حليفتنا إسرائيل وكان هذا أمر يصعب الموافقة عليه بنفس درجة صعوبة الموافقة علي مطالبة إسرائيل بأن نواصل نحن جهودنا الدبلوماسية بينما يقومون هم بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار الذي قمنا بالتفاوض للتوصل له. وكان قرار كيسنجر الالتزام بنفس السياسة وهي العمل علي وقف القتال "علي أن نقوم لاحقا بتشجيع عقد مفاوضات حول مواقع وقف إطلاق النار". ويضيف أنه لما كان يعتقد أن الأمر يتعلق بعدة أميال فإنه طالب السفير الإسرائيلي دينيتز كذلك بالتراجع لعدة مئات من الأمتار وذلك لتأسيس المبدأ (الانسحاب إلي خطوط وقف إطلاق النار عندما دخل الاتفاق حيز التنفيذ). ويعده دينيتز بإبلاغ هذه الرسالة إلي مائير.

وينصحه كيسنجر بتأخير هذا التحرك حتي آخر لحظة ممكنة "فالوقت المناسب للقيام بتحرك هو آخر لحظة قبل أن يتم إجبارك علي القيام بذلك ثم ليكتشفوا هم لاحقا ما قمت أنت به للتو. ولكن إذا قمت بالانسحاب عدة مئات من الأمتار الآن فسيزيدون من ضغوطهم. أوقفوا القتال غدا وبعد ذلك فليعلن أحد أنه بدءا من يوم الخميس ستبدءون في العودة إلي المواقع الأصلية".


وفي الساعة 8.30 مساء يعاود دينيتز الاتصال بكيسنجر ليبلغه تعهدا من مائير إلي مصر والسوفيت بأنه "إذا توقف المصريون عن إطلاق النار فلن نطلق النار نحن أيضًا. وتضيف أنها تقدم تعهدًا شخصيًا لك بأنه إذا أعطت مصر تعليمات بوقف القتال ونفذتها فإننا لن نقوم بإطلاق النيران وبغض النظر عن المكاسب التي يمكننا تحقيقها".

ك: ولكن النقطة الأولي هي نفس النقطة الثانية.

د: لا في الثانية تقدم لك تعهدا شخصيا.

ك: ويمكننا إبلاغ الروس والمصريين أننا لدينا تعهدات منكم.

د: إذا أعطوا أوامر بوقف النار ونفذوها فإننا لن نطلق النار. وهي تقول أننا سنتوقف علي الرغم من أن هذا سيضر بموقفنا علي الجبهة. لقد قرروا (في إسرائيل) إعطاء وقف إطلاق النار فرصة. لقد كان المصريون هم من قرروا خرق وقف إطلاق النار.

ك: سأقول لك ما كنت سأقوم به لو كنت مستشار الأمن القومي الإسرائيلي...

د: لقد طلبت مني (مائير) أن أبلغك أن ذلك الأمر الخاص بعدة مئات من الأمتار غير مجد. فالمصريون والروس يعرفون أين كانت مواقعهم. ولقد اقترحت التكتيك التالي: أننا راغبون بأمانة وبصدق في القبول بوقف إطلاق النار وفورا. ولكن المصريين واصلوا القتال ونتيجة لذلك تم الاستيلاء علي أراض جديدة.

ك: إنها هي المسئولة عن شئون إسرائيل.... ولكننا في موقف صعب فيما يتعلق بهذا الأمر. لن نقول من هو الطرف المسئول عن بدء القتال.


وفي الساعة 8.25 مساء يتصل كيسنجر بدوبرنين ليبلغه بالرسالة التي وصلته من مائير ويطلب منه إقناع المصريين بإصدار قرار ثان بوقف القتال.

د: الخطوة التالية ستكون العودة إلي الخطوط التي حددها القرار.

ك: هذه هي القضية التالية. كل ما طالب به السادات هو وقف إطلاق النار.

د: التوقف ثم العودة إلي حيث كانوا.

ك: النقطة الأولي هي وقف القتال.

د: لا يوجد شيء آخر أرغب فيه.

ك: حتي الآن ما أفهمه هو أنهم (الإسرائيليون) سيواصلون التقدم.

د: سأتصل بموسكو في هذا الشأن.

ك: وبعد ذلك سنري ما سنقوم به بشأن الخطوة التالية.

ويقول كيسنجر إن اقتراح إسرائيل الذي بدا متراجعا بشأن إصدار أوامر لقواتها بوقف إطلاق النار لم يكن ليقبله المصريون. فحتي لو قام الإسرائيليون بوقف القتال فلقد كان من المؤكد أن الجيش الثالث سيحاول الخروج مما يعني تجدد القتال. وبات مؤكدا أن يؤدي قرار إسرائيل إلي أزمة كبيرة والتي كانت ستؤدي "لو تم الضغط علينا بشكل كبير إلي التمسك بما قمنا بالتفاوض بشأنه في موسكو". (وهنا إقرار آخر من كيسنجر بأن إسرائيل هي التي قامت بخرق الاتفاق وليس الجانب المصري). وركزت استراتيجية الولايات المتحدة علي التوصل لوقف إطلاق النار أولا قبل التعامل مع موقف الجيش الثالث. وتصاعد التوتر مع مرور اليوم.


الرابع والعشرين من أكتوبر

بدأ اليوم بمكالمة مع دوبرنين في الساعة 9.45 صباحا

ك: أناتولي يبدو أن المجانين في الشرق الأوسط قد بدأوا مرة أخري. لقد وصلتنا رسالة هذه المرة بشأن الضفة الشرقية. الضفة الغربية هادئة الآن.


لقد وصلتنا للتو رسالة من الإسرائيليين يدعون فيها تعرضهم للهجوم. والمصريون لا يقولون من الذي يقوم بالهجوم. أريدك أن تعرف ما قمنا به. قمنا أولا بإرسال خطاب للإسرائيليين نطالبهم فيها بالتوقف وذكرناهم بأن لدينا تعهدا منهم أنهم سيلتزمون بمواقع دفاعية. كما أرسلنا خطابا للمصريين والذي سأقوم بإرسال نسخة لك منه نقول فيه أننا سنعارض تماما أي هجمات إسرائيلية جديدة ونوصيهم أيضا باتخاذ إجراء مماثل.

وانطباعنا الذي لا نملك أي أدلة مستقلة لتأكيده هو أن المصريين قد يكونوا هم الذين بدءوا بالهجوم ولكننا غير متأكدين...لا بد أن تفهم موسكو أننا لا نمارس أي ألعاب هنا. لقد توصلنا لاتفاق والآن سيتم تنفيذه. لديك تأكيد منا بذلك.

د: سأرسل برقية إلي موسكو


وفي الساعة 10.10 صباحا يعاود دوبرنين الاتصال بكيسنجر ليبلغه بأنه قد وصلته برقية من موسكو ولكن كيسنجر يخبره أولا بأنه قد توصل إلي اتفاق مع الإسرائيليين علي السماح لملحقين عسكريين أمريكيين مقيمين في تل أبيب بالتوجه إلي الجبهة للتأكد من أنهم لا يقومون بأية أعمال هجومية وأنه قد تم إخطار مصر بهذا التطور. ويسأله دوبرنين عن الطرف الذي قام باتخاذ هذه المبادرة ويرد كيسنجر أنه كان صاحب الاقتراح للتأكد من توقف الإسرائيليين عن القيام بأية هجمات. كما يبلغه بطلب السادات الاستعانة بقوات أمريكية من أجل ضمان نهاية الأعمال القتالية وهو ما يرد عليه دوبرنين مندهشا "هم طلبوا منك ذلك؟".

ولم تمض سوي خمس دقائق حتي يقوم كيسنجر هذه المرة بالاتصال بدوبرنين ليبلغه بأن الإسرائيليين قد أطلعوهم بأن القتال توقف علي الجبهة الشرقية بينما بقي الموقف هادئا علي الضفة الغربية. كما ستقوم الولايات المتحدة بإرسال عشرة مراقبين من تل أبيب لمراقبة الموقف لمدة48 ساعة وذلك حتي تصل قوات مراقبة تابعة للأمم المتحدة مع الاستعداد لتمديد فترة مهمتهم إذا طلب أي طرف ذلك. وفي نفس الوقت يستفسر كيسنجر عن صحة تقرير بأن بريجينيف علي وشك التوجه إلي كوبا وهو ما ينفيه دوبرينين ويعرب عن دهشته من هذا الأمر. كما يخطر الوزير الأمريكي السفير الروسي بخطته التوجه إلي الصين في العاشر من نوفمبر في إشارة واضحة إلي ضرورة الانتهاء من هذه الأزمة الدائرة قبل ذلك الموعد.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.