عفوًا.. المودودى.. رائد التكفير
بقلم: عبد الله إمام
الجمهورية الخميس 9 أغسطس 2001م - 19 جمادى الأولى 1422هـ
غرقت لعدة أسابيع فى كتب ودراسات وأبحاث رائد فكر التكفير، وجاهلية المجتمع المعاصر أبو الأعلى المودودي المولود في الهند، والذي عاش في باكستان بعد استقلالها، وأسس الجماعة الإسلامية، وأصدر أكثر من سبعين كتابا، ودخل معارك أوصلته إلى الاعتقال وإلى السجن، وحكم عليه بالإعدام، ثم مات في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن سافر إليها ليعالج فى «بوفالو» حيث يعيش ابنه الطبيب أحمد فاروق، وتوفى هناك ونقلت جثته حيث دفنت في صحن بيته بحى الأجهزة بمدينة لاهور يوم 26 سبتمبر سنة ١٩٧٩.
والكتابات التي تناولت الشيخ وعصره، فضلا عن فقهه وفتاويه تؤكد أنه المنبع الأساسي الذي استقت منه جماعة الإخوان المسلمين فكرها التكفيري الذي بدأه سيد قطب، والذي سجله في كتابه «معالم في الطريق» ويعترف الإخوان أن مرشدهم حسن الهضيبى قرأه واعتمد ووافق عليه برنامجًا لعمل الجماعة وفكرها..
وبعد أن غرقت في حياة الرجل وآرائه كان السؤال الذي يلح علىّ، ولابد أنه سوف يلح على كل من يعرف أن فكر التكفير الذى بدأه الإخوان وانتقل إلى الجماعات التي اتبعتهم السرية منها والعلنية، السؤال هو كيف نأخذ ديننا وفقهنا وتعاليمنا الاسلامية من رجل هندى معظم كتبه مترجمة إلى اللغة العربية، صحيح أن العلم لا موطن له، ولكن الاجتهاد له مقوماته وأبسطها إجادة لغة القرآن الكريم، رغم أن الشيخ له مؤلف «تفهيم القرآن» وهو تفسير للقرآن الكريم لم يعتمده أحد انتهى منه في يونيو عام ٧٢.. والمودودي أصوله أفغانية وعاش فى الهند، وأنشأ الجماعات الإسلامية في مواجهة الجماعات الهندوسية.. وكان هناك اتحاد إسلامي هندوسي يقوده غاندى ويدعو لمقاومة الإنجليز قاطعه المودودي..
وقد ولد أبو الأعلى عام 1903 بمدينة «أورنك اباد» في ولاية حيدر أباد الإسلامية جنوب الهند وبدأ ينشر دعوته عام 33 عندما تولى إدارة مجلة «ترجمان القرآن» وأسس الجماعة الإسلامية عام ١٩٤١..
وأبو الأعلى ضد العلمانية والشيوعية والملكية والجمهورية والليبرالية والديمقراطية، وهو فقط مع الخلافة التي يرى أنه حدثت نكسة للأمة الإسلامية بإلغائها، رغم أنها أمضت سنوات بلا فاعلية ولا سيطرة على المسلمين ولا حتى داخل وطنها فكانت بحق الرجل المريض الذي عاش سنوات يتنفس اصطناعيا حتى لفظ أنفاسه.. وقد بذل المودودي جُهدًا لتجميع التنظيمات الإسلامية الهندية في تنظيم واحد، ولما لم يستجب له أحد، أسس جماعته الإسلامية التى انتخبته أميرًا، وبايعه الأعضاء على السمع والطاعة، فطاعة الأمير فى رأيه واجبة لأنها جزء من طاعة الله ورسوله، ولقد أخذت منه الجماعة الإسلامية التي تشكلت في بعض البلدان الإسلامية فكرة الالتزام بطاعة أمير الجماعة بحزم، وكذلك الصفات التي جاءت في كتابات أبو الأعلى عن الواجبات الإسلامية التي يلتزم بها الأعضاء تجاه الأمير.. وقد ظل أميرًا حتى تم عزله عام ٧٢ قبل وفاته بسبعة أعوام..
وكان والد أبو الأعلى مُحاميًا، أنجب ستة أولاد، أربعة من زوجته الأولى، وأبو الأعلى وأخاه سيد من الزوجة الأخرى..
والذين كتبوا عن سيرته وحياته أجمعوا على أنه منذ بداية دعوته كانت له مهمتان أساسيتان:
• المهمة الأولى: مهاجمة الحضارة الجاهلية الحديثة والعلوم التي جاءت بها باعتبارها ضد الدين لأنها نشأت عنها حركات وتيارات وفدت على المجتمع الإسلامي وغزته..
• المهمة الثانية: أنه ليس على المسلم أن يعتنق أي فكر آخر غير الإسلام فممنوع أن تكون له رؤية سياسية أو ثقافية أو اقتصادية غير ما جاء به الإسلام.
كما يجمع هؤلاء المؤرخون على أن سيد قطب قد سرق أفكار المودودي في التكفير، ونشرها في الدول العربية، وهذه الأفكار سوف تظل غريبة بحكم البُعد وبحكم اللغة، وبحكم عدم تقبل المسلم في البلد العربي لأفكار قادمة من بعيد.. وكانت بعضها من أفكار الخوارج... والأمر الذى يحتاج إلى جهد الدارسين كيف أصبح فكر أبو الأعلى المودودي الذي لم يكن شهيرًا ولا معروفًا بهذه الدرجة من اللمعان عند الأجيال الجديدة من الذين قالوا إنهم إسلاميون.. ولماذا هو وحده الذى أخذوا عنه دون سائر الفقهاء من العرب وغيرهم..
والمودودي الذي بدأ نشاطه بعد جماعة الإخوان، بدأ دعوته دينية، ثم تحول إلى السياسة، واتهم بأنه عميل للولايات المتحدة الأمريكية..
كان حزب المؤتمر فى الهند يعلن المقاومة ضد الاستعمار البريطاني، وغاندى يقود المقاطعة، عندما انفصل عنه المودودي، وكون الجماعة الإسلامية، وأنشأ مجلة «ترجمان القرآن» وجعل مقرها قرية دار الإسلام، وعندما قسمت الهند إلى دولتين، الهند وباكستان، انقسمت الجماعة الإسلامية إلى ثلاث جماعات وهى الجماعة الإسلامية بباكستان والجماعة الإسلامية بالهند، والجماعة الإسلامية بولاية جامو وكشمير..
ودخل مسلمو الهند في مشاكل عديدة مع الطوائف الأخرى فقامت الجماعة الإسلامية بالهند لمواجهة تلك المشاكل بالدعوة والتبليغ للمسلمين، وبنشر الكتب والمجلات والجرائد بلغات الهند المختلفة، وقامت بإنشاء المدارس والمعاهد وتربية العاملين في مجال الدعوة، وبتوعية عامة المسلمين وترجمة القرآن الكريم والكتب الإسلامية وبذلت الجهود لتوحيد المسلمين.. وهو جهد مشكور انحرفت عنه إلى السياسة والدخول في معاركها طمعًا في أن تتولى هي الحكم..
وسارت الجماعة الإسلامية بولاية جامبو وكشمير على نفس المنهج إذ تعيش نفس الظروف التي تواجهها الجماعة الإسلامية بالهند...
وبعد وفاة مؤسس دولة باكستان محمد على جناح عام ١٩٤٨ اختلف القادة حول منهج الحكم، وقامت الجماعة الإسلامية بالمطالبة بوضع دستور إسلامي، وقامت معركة كانت بداية لعمليات إرهابية، وحشد أنصار المودودى المظاهرات وقاموا بأعمال تخريبية، وألقي القبض عليه هو وزملاؤه عام ١٩٤٨ واستمر فى السجن عشرين شهرًا..
وفي سبتمبر عام ١٩٥٠ صدرت توصيات المجلس التأسيسي لمبادئ الدولة ورفضها إسـلامـيـو المودودى وشكلت لجنة من العلماء برئاسة الشيخ سيد سليمان الندوى لوضع مبادى، أساسية للدولة الإسلامية لا تكون محل خلاف بين الفرق الدينية، وكان للمودودى دور هام في صياغة المبادئ الاثني والعشرين التي اتفقوا عليها ولكن لم يوافق عليها أحد..
ثم أعلنت الحكومة عام 1951 إجراء انتخابات فقررت الجماعة الإسلامية أن تخوضها، ورغم الجهود التي بذلها الأعضاء فإنها لم تحظ بثقة الناخبين، ولم تتمكن من الفوز بأي مقعد، وعندما رشح المودودي نفسه للانتخابات كانت فرصة لعلماء الدين أن يقولوا رأيهم فيه، فوصفوه أنه عميل أمريكي وقالوا إن معلوماته العلمية لا تؤهله ليكون عالمًا ولا فقيهًا، وسقط الشيخ فى الانتخابات سقوطًا مدويا، كما سقطت الجماعة الإسلامية أيضًا ولم تفز بأية مقاعد..
وفي عام ١٩٥٣ قام المودودى بمطالبة الحكومة باعتبار القاديانيين أقلية غير مسلمة، ودارت حرب عنيفة بينه وبين القاديانيين استشهد فيها مئات من الجانبين، وألقى القبض على المودودى وقدم للمحاكمة التي أصدرت عليه حكما بالإعدام، إلا أن تدخلات دولية إسلامية كثيرة أدت إلى إيقاف إعدامه وتغيير الحكم إلى السجن المؤبد، ثم أفرج عنه بعد ثلاث سنوات بفضل هذه التدخلات أيضًا..
وفي عام ١٩٦١ شكل أيوب خان لجنة لوضع الدستور الجديد وطرح للاستفتاء العام وتمت الموافقة عليه رغم رفض المودودي وجماعته، وكان المطلب الأساسي للجماعة الإسلامية تغيير اسم الدولة إلى جمهورية باكستان الإسلامية بدلا من «باكستان»، وقامت الجماعة الإسلامية بعمليات إرهابية فأصدرت الحكومة قرارًا بحلها واعتبار وجودها مخالفًا للقانون، وألقت القبض على ٤٤ من أعضاء مجلس شورى الجماعة على رأسهم المودودي، وأيد القضاء قرار الحل وإغلاق مكاتب الجماعة ومصادرة أموالها وممتلكاتها، إلا أن الجماعة استأنفت الحكم، فجاء لصالحها..
وفي عام ۱۹٦٥ اعتدى على باكستان فأصدر المودودي بيانا قال فيه: «إن باكستان بصفتها دار الاسلام تفرض على كل مسلم فيها أن يصد العدوان حتى آخر قطرة من دمه».
وهكذا بدأت فتاواه الجهادية.. فقد كان الجهاد أولا ضد الاستعمار البريطانى ثم هو لتحرير الأرض التي اعتدى عليها..
ولم يُقدّر للإسلاميين عموما، ولا للمودودى بالذات الحصول على الثقة التي تمكنهم من عضوية البرلمان عن طريق الانتخابات، وإزاء هذا الفشل المتكرر، ورفض المسلمين له ولآرائه، اعتزل العمل السياسي وترك امارة الجماعة الإسلامية عام 72 بعد أن رأسها ثلاثين عاما..
هذه حياة الشيخ المتقلبة التى أثرت على فكره الذي نقله الإسلاميون العرب عنه مُترجمًا في صورة أراء اختاروا المتطرف منها واعتنقوها..
كثير من الفقهاء والعلماء، الذين أثروا المكتبة الإسلامية لم يكونوا عربًا.. ولكن أفكارهم وصلت إلينا سليمة.. على أن معارك المودودي والزمن الذي عاشه فرض عليه الآراء المتطرفة التي ترجمت عنه.. لتضيف إلى الفقه الإسلامي قضية تكفير المجتمع المعاصر، وأنه مجتمع جاهلي..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.