عفوًا.. القاديانية.. وإلغاء الجهاد
بقلم: عبد الله إمام
الجمهورية الخميس 16 أغسطس 2001م - 26 جمادى الأولى 1422هـ
كانت الهند من أهم المستعمرات البريطانية، عندما كانت وطأة الاستعمار قوية، وكان يدعم نفوذه ووجوده بكل الطرق.. قمعًا.. أو شراء العملاء.
وكانت المقاومة ضده تشتد يومًا بعد يوم.. والمسلمون - وعددهم خمسون مليونًا - يجاهدون بكل ما يملكون من وسائل وأدوات وأسلحة، عندما ظهر الميرزا غلام أحمد في بلدة قاديان بإقليم البنجاب يُعلن ولاءه للإنجليز، ويُطالب بالتعاون معهم.. ويقول بالنص «إننا فداء بأرواحنا وأموالنا للحكومة الإنجليزية، ودائمًا ندعو لعلوها ومجدها سرًا وعلانية»..
ودعا غلام أحمد إلى وقف الجهاد ضد الانجليز فهم في رأيه الذين انتشلوا الهند من الفقر والظلم وقهر الأمراء والأغنياء.
وقال غلام أحمد في كتاب ترياق القلوب «لقد قضيت عمري في تأييد الحكومة الإنجليزية، ونصرتها، وقد ألفت في منع الجهاد ووجوب طاعة ولى الأمر الإنجليز من الكتب والإعلانات والنشرات ما لو جمع بعضها إلى بعض لملأ خمسين خزانة، وقد نشرت هذه الكتب في البلاد العربية ومصر والشام وتركيا وكان هدفى دائمًا أن يُصبح المسلمون مخلصين لهذه الحكومة». ويشرح رؤية منهجه قائلًا «إن الفرقة الإسلامية التي قلدني الله إمامتها وسيادتها تمتاز بأنها لا ترى الجهاد بالسيف ولا تنتظره بل أن هذه الفرقة المباركة لا تستحله سرًا كان أو علانية وتحرمه تحريمًا باتًا».
كان غلام أحمد يرى أن الانجليز هم مبعوثو العناية الالهية لإنقاذ الشعب الهندى البائس، وأن الجهاد ضدهم حرام.. ومقاومتهم لا تجوز.. وسعى بكل جهده إلى إحداث شرخ في القوى الإسلامية المقاومة حتى تتمزق وتختلف.
وألبس غلام أحمد دعوته الانهزامية ثياب الدين، فادعى فى البداية أنه المسيح ثم قال أنه المهدى المنتظر.. وأخيرًا أعلن نفسه نبيًا «صحيح أن محمداً خاتم النبيين، ولكنه فسر الأمر على نحو مختلف، فكلمة خاتم النبيين لا تعنى آخرهم.. فالخاتم معناه أنه أفضل النبيين.. وليس نهايتهم، كما أن الخاتم لغويًا هو المهر يعنى أنه يمهر الناس بمهره حتى يصير الواحد نبيًا».
وقال إنه أحمد.. وهو الاسم الثاني للنبي محمد وأنه تلقى الأمر بأخذ البيعة لأنه مأمور من الله بالقيام بهذه المهمة.
وهكذا نشأت القاديانية فى وقت اشتدت فيه ضراوة وقسوة الاستعمار البريطانى، ولمواجهة القوى الوطنية المقاومة.. ورفض استخدام العنف ضده.. وفيما بعد سوف يعلن أنه سوف يشفع للإنجليز يوم القيامة وأنهم لن يعذبوا لأنه هو معهم.
وأصدر أحمد خان جريدة «تهذيب الاخلاق» أنكر فيها النبوة والمعجزات، وجعل النبوة غاية يمكن اكتسابها بالترويض النفسي وقال إن أوروبا لم تتقدم إلا عندما نبذت الأديان، وأنه لا وجود الا للطبيعة.
وقدم الإنجليز له دعماً بلا حدود، حتى إنه استطاع نشر دعوته على نطاق واسع ووجد لها مؤيدين ومريدين من الأقطار المجاورة للهند مع ما يعرضه من أفكار براقة، ومع ضعف المعرفة الإسلامية.. وكان الانجليز يمدونه بمعلومات طبيعية، يعلنها قبل وقوعها خاصة ما يختص بالكسوف والخسوف، وكان ذلك داعيًا عند العامة إلى الاعتقاد بأنه نبى يعرف ما يقع فى الطبيعة قبل حدوثه.
وقد اختلف الرأى حول أحمد خان، وحول القاديانية وموقفها من السلام هل هي خارجة على الإسلام.. أم أنها مذهب إسلامي غريب ومختلف.. كما اختلفوا أيضًا فى الموقف من غلام أحمد وأتباعه فيما بعد.. أحمد أمين يعتبر أحمد خان من زعماء الإصلاح وأنه رأى أن الهند لن تستطيع أن تقاوم الانجليز بعد أن تفرغ امراء المسلمين في الهند لمنافعهم الشخصية ولو على حساب الأمة، لذلك فإنه سايرهم من أجل خير بلاده.
يخرج الدكتور محمد البهى القاديانيين من دائرة الإسلام تمامًا ويرى «أن هذا المذهب يختلف مع الإسلام.. إذ يدعى أن عيسى هاجر إلى كشمير فى الهند بعد أن بعث بعد موته الظاهر، وأنه توفى بعد أن عاش ۱۲۰ عامًا، وقبره مازال موجودًا هناك.. وأنه قد حلت فيه روح عيسى ومحمد على السواء.
كما يختلف مع الإسلام بأن الجهاد ليس بالحرب بل هو وسيلة للإقناع.. ويقول الدكتور محمد البهى أن كتابه «حقيقة النبوة» للخليفة الثانى يقول أن ميرزا أفضل من جميع الأنبياء. بينما يرى البعض الآخر أنه أدى خدمات للإسلام، فقد ترجم معانيه للإنجليزية، كما ألف كتابا اسمه «دين الإسلام» وهو في العموم لم يكن منحرفًا ، ولكنه كان يحمل رؤية مختلفة بمثل ما الشيعة لهم رؤية مختلفة، ويميل الى ذلك الدكتور مصطفى الشكعة الذي يتحدث عن القاديانيين فى كتابه «إسلام بلا مذاهب» ويلحق الحديث عنهم بحديثه عن الشيعة.. «لأن هناك تشابهًا بين القاديانية وبين الغلاة من الشيعة، ولأن ميرزا غلام قد أدعى أنه المهدى المنتظر وهو الأمر الذى ينفرد به الشيعة دون بقية العقائد الإسلامية، ومن هنا كان ارتباطه بهم أقرب الى نسبته لغيرهم من فرق الغلاة».
بعد وفاة غلام أحمد القادياني انقسم القاديانيون الى قسمين:
القسم الأول اتباع محمد على الذين يعتقدون أن غلام أحمد ليس نبيًا، ولكنه مصلح إسلامى ومجدد.
والقسم الثانى الأحمدية الذين يعتقدون أن غلام أحمد نبي الله وأنه مسيح موعود، ومن لم يؤمن به فهو كافر يدخل النار.. لقد عطل
ميرزا غلام فريضة الجهاد، ونادى بإلغائها.
ويذهب الأحمدية وهم الفريق الأساسى والأكبر من القاديانية على أن للجهاد بالسيف شروطًا أربعة تتلخص فى أن يكون الكفار هم البادئون بالقتال، وأن يكون اضطهادهم للمسلمين قد وصل الى أقصاه، وأن يكون هدفهم تحطيم الإسلام، وأن ينحصر هدف المسلمين فقط فى الدفاع عن أنفسهم، ورغم أن هذه الشروط تفرغ الجهاد من معناه ومن مضمونة إلا أنهم يتراجعون عنها، ويقررون أن الجهاد بالحوار وبالنية أعظم من الجهاد بالسيف.. ويرى أن الحروب والقتال بسبب العقيدة مُحرم فى الوقت الراهن.. وينتهي بصراحة الى أنه لا داعى للثورة ضد الإنجليز الذين لم يعطلوا الشرائع، فإن محمدًا لم يرفع بالسيف في وجه الكفار الذين اضطهدوه بعد استقلال باكستان وأن الله لم يأذن للمسلمين بالجهاد عندما وجه الكفار جيوشهم الى «المدينة» للقضاء على الإسلام.
وكانت هذه الآراء تُطالب بصراحة بتعطيل فريضة الجهاد لحساب المستعمرين، وضد المسلمين الذين أعلنوا الكفاح ضد الاستعمار البريطاني، وضد الإنجليز الذين أخلص لهم إخلاصًا شديدًا إلى حد أنه وصف بأنه عميل، وأنه خائن لوطنه، يعمل لحساب أعدائه حتى أنه في ملحق كتابه «شهادة القرآن» كتب بالنص «إن عقيدتي التي أكررها أن الإسلام جزآن: الجزء الأول هو إطاعة الله.. والجزء الثاني إطاعة الحكومة التي بسطت الأمن وآوتنا فى ظلها من الظالمين وهى الحكومة البريطانية.. ويقول الدكتور الشكعة أنه بذلك جعل إطاعة الحكومة الانجليزية نصف عقيدة الإسلام».
كان تولي ظفر الله خان القادياني وزارة خارجية باكستان، رد فعل عنيفًا عند أبو الأعلى المودودي، فقد شكل جزءًا كبيرًا من تفكيره.. فاتجه الى الهجوم على القاديانية، وإلى رفض كل الآراء التي اعتنقها القاديانيون. وكان لابد أن يتخذ هذا الموقف، خاصة وأنه شارك في النضال ضد الاستعمار، وقد برز كزعيم إسلامي القاديانيون خرجوا على الإسلام، وأعلنوا أن زعيمهم نبي مرسل.
ومن هنا كانت فتاوى أبو الأعلى المنادية بالجهاد ضد الحكام وكان الحكام هم المستعمرون وأتباعهم. وامتد به الرفض الى آرائه التي أعلن فيها تكفير المجتمع، وجاهليته، كما أنه كان من قبل قد رفض الديمقراطية لأنها تقوم على رأي وحكم الأغلبية، وهذا معناه أن الأغلبية الهندوكية سوف تكون خطرًا يقضى على المسلمين إذا طُبِقت الديمقراطية القائمة على الأخذ برأى الأغلبية التي لم تكن مسلمة.
وهذه الأفكار هي التي اقتبسها ونقل عنها سيد قطب، ولكنه لم يشر الى المصدر الذي استقى منه رؤيته عن الحاكمية.
ولم يكن قطب هو الذي ابتدع فكر تكفير المجتمع وجاهليته الذي اشتهر به.. فقد سبقه إليه الكثيرون أشهرهم في العصر الحديث أبو الأعلى المودودي.. الذى عاش فى مناخ مختلف.. وفي مجتمع مختلف.. وفى ظروف مختلفة.. وكان لذلك أثره في آرائه، وفقهه.
ومن الغريب أنه رغم اختلاف الظروف، ومرور كل هذه السنوات فإن البعض يتبعون أفكار المودودى.. غير مقدرين تغير الأزمان والظروف.. وعلى كل فمازالت القاديانية قائمة ولها أتباع في بعض دول العالم.
صورة المقال:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.