الخميس، 7 أكتوبر 2021

38 بعد إدخال الدب الروسى إلى القفص.. أصبح من الضرورى البدء في مسيرة السلام

 38

بعد إدخال الدب الروسى إلى القفص.. أصبح من الضرورى البدء في مسيرة السلام

واشنطن: خالد داوود

الأهرام الاثنين 17 نوفمبر 2003م - 23 رمضان 1424هـ


يقول كيسنجر أنه لم يعد من الممكن استبعاد أن تتمسك جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل بموقف متشدد.. لأن ذلك كان وراءه عوامل داخلية أيضا، مثلما كان الرئيس نيكسون يواجه فضيحة ووترجيت في الولايات المتحدة، فالانتخابات البرلمانية الإسرائيلية كان مقررا لها أن تجري في ديسمبر من نفس العام بعد أن تأجلت من نوفمبر بسبب الحرب، وكان يجب علينا تحقيق هدفنا مع المحافظة في العلن علي العلاقة القريبة التي تربط بين الولايات المتحدة وإسرائيل، كما كان يتوجب علينا الحفاظ علي ثقة مصر في تلك الساعات الحرجة، فقد كنا في حاجة لهذه الثقة في التعامل مع إسرائيل، وبعد أن نجحنا في إدخال الدب الروسي إلي القفص.. كان يتوجب علينا أن نكون حذرين لكي لا يفكر في شن هجوم جديد.

ويضيف كيسنجر أن الرسائل المتتالية من السادات إلي نيكسون كانت تعكس خطورة الموقف علي الأرض، ولم تكن واشنطن تريد للسادات أن يعود إلي كنف السوفيت، أو الخوض معهم في مواجهة جديدة.. واعتبارا من يوم الجمعة 26 أكتوبر بدأنا مناشدة إسرائيل التقدم بمقترحات لحل هذه المعضلة، وبعد أن ثبت لنا أن ذلك مستحيل اضطررنا في النهاية إلي إصدار ما يمكن اعتباره انذارا دبلوماسيا يحدد موعدا نهائيا لإسرائيل لكي تستجيب لمطالبنا.

"بعد أن تمكنا من منع التدخل السوفيتي كان من الضروري البدء في مسيرة السلام. وكان ذلك يتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة لإغاثة الجيش الثالث. وكان هناك إجماع داخل حكومتنا علي الأهداف وخلاف علي الوسائل. وبرزت اقتراحات من وزارة الدفاع بأن تتولي هي مباشرة عملية إعادة إمداد الجيش الثالث باستخدام طائرات النقل C130 واعتبار ذلك تعهدا أمريكيا. كما كان هناك ضغط كبير لوقف الجسر الجوي إلي إسرائيل. ولم أكن مستعدا لقبول أي من الاقتراحين. فلا يمكننا أن نقوم وخلال أسبوعين فقط بإدارة جسر جوي لإمداد طرفين متنازعين في حرب في الشرق الأوسط. وفي نفس الوقت فإن الوقف الفوري للجسر الجوي لإسرائيل قد يفسر علي أنه تخل عن حليفنا مما سيدفع القادة العرب إلي اتخاذ موقف صلب وربما التهديد بتدخل سوفيتي جديد".

وأمضي كيسنجر يوم الجمعة السادس والعشرين من أكتوبر في محاولة إقناع إسرائيل بقبول توصيل بعض المساعدات الإنسانية إلي الجيش الثالث "لتفادي إعلان معارضتنا لموقفها علنا. ولكن أتضح أن هذه المهمة مستحيلة". (والاقتناع بأن كيسنجر والولايات المتحدة كان لا يمكنهما القيام بإجبار إسرائيل علي إدخال الإمدادات فورا إلي الجيش أمر عبثي بالطبع ولكن كان من الواضح أن الوزير الأمريكي استمر حتي اللحظة الأخيرة في التمسك بسياسته القائمة علي كسب الوقت لصالح إسرائيل ولكي تبدو أي تسوية يتم التوصل لها لاحقا كإنجاز كبير يقنع الدول العربية مجددا بأن الولايات المتحدة وربما هو شخصيا - فقط القادر علي حل الصراع مع إسرائيل وليس الاتحاد السوفيتي - الأهرام)

ويقول كيسنجر أنه لم يكن من الممكن استبعاد أن تتمسك مائير بموقف متشدد.. لأن ذلك كان وراءه عوامل داخلية أيضا في إسرائيل حيث كانت الانتخابات البرلمانية علي وشك الانعقاد في ديسمبر بعد أن تم تأجيلها من نوفمبر بسبب الحرب. "وكان يجب علينا تحقيق هدفنا مع الحفاظ في العلن علي العلاقة القريبة التي تربط بيننا. كما كان يجب علينا الحفاظ علي ثقة مصر في هذه الساعات الصعبة والتي كنا بحاجة لها لإقناع إسرائيل. وأصبح الأمر وكأنه سباق بين إصرارنا وقدرة الجيش الثالث علي التحمل. وارتبط بذلك احتمالات ظهور حكومة معتدلة في مصر. وبعد أن كنا قد نجحنا في وضع الدب الروسي ثانية في قفصه كان يجب علينا أن نكون حذرين لكي لا يفكر في الأمر ثانية ويشن هجوما جديدا".

ويضيف أن الرسائل المتتالية من السادات إلي نيكسون كانت تعكس خطورة الموقف علي الأرض بالنسبة للجيش الثالث. ولم تكن واشنطن تريد للسادات العودة إلي الجناح السوفيتي أو الخوض في مواجهة جديدة مع السوفيت. وبداية من يوم الجمعة 26 أكتوبر بدأنا مناشدة إسرائيل أن تتقدم باقتراحات لحل هذه المعضلة. وثبت أن ذلك مستحيل وهو ما اضطرنا في النهاية إلي إصدار ما يساوي توجيه إنذار دبلوماسي يحدد موعدا نهائيا لكي تستجيب لمطالبنا.

وبعد دقائق من تسلمه رسالة السادات أتصل كيسنجر بدينيتز. وفي نفس الوقت كان الجيش الثالث يحاول كسر الحصار الإسرائيلي من نقطة في شمال مدينة السويس وهو تحرك رآه كيسنجر دليلا علي الموقف الصعب الذي يواجهه حيث كان يخاطر بفقد المزيد من إمكانياته. كما أن ذلك التحرك كان من شأنه أن يؤدي للدخول في جولة جديدة من الخلاف حول الطرف المسئول عن انتهاكات وقف إطلاق النار. واقترح كيسنجر علي دينيتز السماح لقوة من مراقبي الأمم المتحدة بالتوجه فورا لجبهة القتال "كما أطلعه علي قراره بزيارة مصر في7 نوفمبر. ووعده دينيتز بالرد عليه خلال وقت قصير.

وفي 11.30 يتصل دينيتز بكيسنجر وكان واضحا أنه لم يكن يحمل ردا من الحكومة الإسرائيلية حيث يبدأ الحوار بانتقاد كيسنجر للانقسامات الداخلية في إسرائيل وعدم قدرة حكومة مائير علي اتخاذ قرارات. وينحو دينيتز باللائمة علي النظام البرلماني ويقر بالانقسامات في حكومته (ويبدو أن استخدام حجة الانقسامات الداخلية لتأخير اتخاذ قرارات في إسرائيل حل سحري تتمسك به كافة الحكومات الإسرائيلية منذ نشأة تلك الدولة عام 1948 - الأهرام).


ونحو الثانية عشر ظهرا يتصل كيسنجر بالرئيس نيكسون ليطلعه علي آخر التطورات الخاصة بإرسال قوة مراقبين إلي جبهة القتال وكذلك مضمون رسالة السادات حول الأزمة التي يواجهها الجيش الثالث وقيامه بإبلاغ محتواها للإسرائيليين.

ن: نعم.. لتبلغهم بمحتواها. ولنحاول الحفاظ علي الجزء الخاص بنا في هذه المعادلة.

ك: حينما نقرر أن الإسرائيليين قد ارتكبوا خطأ ما فإننا نميل عليهم بقوة كبيرة (! - الأهرام).

ن: أنا أفهم ذلك.

ك: لقد تقدم المصريون باقتراح وأرسلوا خطابا حول التوصل لتسوية شاملة أثناء زيارتي. ولقد بعثنا برسالة دافئة للسادات باسمك نقول فيها أنك أصدرت توجيهات لي بأن أتبني توجها بناء وإيجابيا؟

ن: جيد جيد. وماذا عن رد فعل الصحافة هل ما زالت التغطية إيجابية

ك: نعم. لقد عبرت الواشنطن بوست عن مساندتها لنا في صفحة الرأي. وبشكل عام فإن التغطية كانت إيجابية للغاية.


وعندما تأخر دينيتز في الرد علي كيسنجر قام هو بالاتصال به في الساعة 1.17 ظهرا.

ك: لقد أبديتم استعدادكم للسماح بدخول الغذاء والماء. ورفضكم ذلك سيترتب عليه نتائج خطيرة مع الروس.

د: أريد التقدم لك باقتراح كنت أفكر فيه ولكنه ليس باسم حكومتي. لنفترض أننا سمحنا بخروج كل الجنود ولكن من دون معداتهم. لن نقوم بأخذ سجناء وسنسمح بوصول الماء والغذاء وعودتهم إلي منازلهم سالمين إذا أرادوا وسنفتح الطريق.

ك: من وجهة نظري الحل الأمثل تقديم الماء والغذاء والمساعدات غير العسكرية.

د: سأمرر هذه المعلومات. ولكن في اعتقادي أن ذلك لن يحل المشكلة ولكنه سيؤخر المواجهة التي ستقع مع مصر.

ك: صدقني سينتهي بنا الحال في الجانب الخطأ من المواجهة. سيكون من الأفضل كثيرًا الآن لو ثبتنا مبدأ دخول إمدادات محدودة. أما الاقتراح بالسماح للمغادرة لمن يريد المغادرة فسيعتبر المصريون ذلك أمرا مهينا.

د: نحن لا نريد إهانة مصر ولكن لا بد من إيجاد حل للمشكلة. نحن لا نريد لهذه القوات التحول إلي قوة مقاتلة مجددا.

ك: إنني أفهم ذلك ولكن الحل التدريجي سيكون فتح الطريق أمام الإمدادات غير العسكرية. ستتعرضون لضغوط هائلة إذا واصلتم التمسك بهذا الموقف...نصيحتي الخاصة وهذا ليس موقفا رسميا كما تعرف هي حيلتي المعتادة والقائمة علي محاولة كسب الوقت. لن يتم السماح لكم بالإمساك بهذا الجيش. أنا واثق من ذلك.

د: هذه ليست أولوية بالنسبة لنا. نحن نود لو عادوا إلي منازلهم.

ك: ولا أعتقد أن ذلك سيكون ممكنا أيضا ما لم تقوموا بسحب قواتكم. لن تقوموا بالانسحاب في الشمال.

د: نحن لا نريد جانبي القناة في الشمال.

ك: دعني أقل لك بصراحة أنكم سترتكبون خطأ لو قمتم بالدفع نحو مواجهة كاملة.

د: نحن لا نريد مواجهة ولكن نبحث عن أفضل طريقة لحل الموقف.

ك: حسنا لقد عبرت لكم عن وجهة نظري وسيكون جيدا لو وصلنا رد في وقت مبكر من بعد الظهر.

...........

وفي الرابعة بعد الظهر يجري كيسنجر هذه المكالمة الهامة مع مساعده سيسكو والتي يطرح فيها للمرة الأولي فكرة إرسال خطاب للسادات يقترح إجراء مفاوضات مباشرة بين البلدين:

ك: لقد طلب المصريون من فالدهايم مساعدتهم فيما يتعلق بالجيش الثالث. أعتقد أنه يجب علينا القيام بشيء.

س: لقد أطلعني لاري (إيجلبرجر) علي الخطاب الذي نعد لإرساله للمصريين. لنرسل ذلك الخطاب الذي يدعو لمفاوضات إسرائيلية - مصرية مباشرة ولنر ما سيحدث.

ك: هناك مشكلتان. الأولي تتعلق بذلك (الجيش الثالث) والثانية قيام إسرائيل بعمل شئ فيما يتعلق بذلك الخط اللعين.

س: هل تعني من خلال القيام بانسحاب؟

ك: نعم.

س: لقد كنت أشعر بأن الصفقة ستكون إرسال هؤلاء المراقبين مقابل نوع ما من الانسحاب. وإن كنت لا أتوقع إمكانية إقناع الإسرائيليين القيام بذلك خلال الأربع والعشرين ساعة القادمة. ولكن الأمر يستحق أن نحاول.

...........

ثم يتصل نيكسون بكيسنجر ليستفسر منه عن موقف الولايات المتحدة من قضية إرسال مراقبين إلي الجبهة بالاشتراك مع الاتحاد السوفيتي. وقال له مستشاره لشئون الأمن القومي ووزير الخارجية أن الخطة الأمريكية تقوم علي العمل علي تقليل عدد المراقبين إلي أقصي درجة وذلك لعدم منح فرصة للسوفيت للدفع بعدد كبير من قواتهم تحت زعم أنهم قوات مراقبة. وأضاف كيسنجر أن الولايات المتحدة ستوضح أنها ستقوم بذلك التحرك بناء علي طلب السكرتير العام للأمم المتحدة.

...........

وفي الساعة 4.15 مساء عاد كيسنجر للاتصال بدينيتز لكي يبلغه بأن مصر طلبت عقد اجتماع لمجلس الأمن مساء الجمعة.

"كما تقدم لنا السادات بمناشدة أخري وكذلك الزيات في نيويورك عبر فالدهايم يؤكدون فيها أن الجيش الثالث لن يستسلم أبدا مهما كان ما تقومون به وأنهم سيتخذون إجراءات حاسمة. هم لا يهتمون إلي أي خط تعودون. لن يثيروا المشاكل حول ذلك كما أنهم لديهم استعداد للحديث عن الإفراج عن الأسري والقضايا الأخري. يبدو لي أنكم ستصلون إلي مفترق طرق الليلة وإما أن تتقدموا باقتراحات محددة أولا" إنني أقول ذلك لك كصديق ولم أبلغ الرئيس الذي يعد لعقد مؤتمر صحفي بهذه الرسالة. لا أريده أن يقول شيئا ستندمون عليه لاحقا. ولا يوجد لدي شك في أنه سيقوم بذلك عندما تصله المعلومات في كامب ديفيد. كما أننا في انتظار رسالة تأتينا من موسكو عبر الخط الساخن.

د: هل يمكنني أن أطلعك علي الموقف العسكري. إنني لن أقوم بالشرح.

ك: معلوماتنا الخاصة تفيد أنكم لم تبدءوا (جولة جديدة من القتال)

د: الحمد لله.

ك: ولكن ذلك لا يفرق في أي شيء. ما يسبب القتال هو أنهم يشعرون باليأس.

د: صحيح تماما. إنهم يحاولون الخروج (من الحصار).

ك: لماذا لا تدعوهم يفعلون ذلك ويخرجون من هناك؟

د: سنكون مستعدين للسماح لهم بالخروج والعودة لمنازلهم ولكنهم يطلقون النار علي قواتنا....

ك: لماذا لا تدعونهم يأخذون دباباتهم معهم إن الروس سيقومون باستبدالها بأي حال من الأحوال.

د: لن نفتح الجيب ونسمح بالإفراج عن جيش جاء لتدميرنا. لم يحدث ذلك من قبل في تاريخ الحرب.

ك: وأيضا لم يحدث أن دولة صغيرة تقوم بالتسبب في حرب عالمية بهذه الطريقة. هناك حد لا يمكنكم بعده دفع الرئيس. لقد كنت أحاول أن أقول لكم ذلك علي مدي أسبوع.

د: نحن لا نحاول دفع الرئيس.

ك: فلتقوموا بلعبتكم وسترون ما سوف يحدث.

د: رئيسة الوزراء مائير تعمل الآن علي النظر في مجموعة من الاقتراحات.

ك: نصيحتي لكم هي أن تتقدموا باقتراح بناء.

د: أنا أفهم ذلك ولقد سألتك إذا ما كان شيء ما يدور في ذهنك.

ك: لقد قلت لكم ما يدور في ذهني.

د: بشأن الطعام

ك: أنه بينما تستمر المباحثات تسمحون أنتم بدخول المواد غير العسكرية وربما يمكنكم تثبيت مبدأ عدم دخول مواد عسكرية من ذلك الطريق ثم تنسحبون منه.

د: أحد الاقتراحات القادمة من مائير هي أن تبعث لك بالجنرال ريفا باقتراح كامل حول كيفية حل الموقف.

ويكشف كيسنجر الخبير في سياسة كسب الوقت هذه الحيلة بسرعة بالطبع ويرد: هذا سوف يستغرق عشر ساعات.

د: علي الأقل. هي كانت تري أن بإمكانه أن ينقل لك اقتراحات من قبل تبادل الأسري والأراضي مقابل هذه الخطوة. لا يمكننا السماح لهم بالخروج دون أن نحصل علي شيء بالمقابل.

ك: هذا صحيح ولكن لا يوجد لديكم وقت لمثل هذه المناقشة. سنكون سعداء بأن نقترح عقد مباحثات فورية بينكم وبين المصريين لحل المشكلة. ونحن علي استعداد أن نكون متعاونين ولكن دعني أقل لك أن ما سيحدث هو أن السوفيت سيتقدمون بمطلب متشدد آخر ولا يمكنكم أن تضعوا الرئيس في مواجهة يوما تلو الآخر.

د: نحن لا نريد ذلك.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.