الخميس، 7 أكتوبر 2021

39 الإدارة الأمريكية تخشى أن يتخذ السوفيت موقفًا متشددًا ردًا على عناد إسرائيلى

39

الإدارة الأمريكية تخشى أن يتخذ السوفيت موقفًا متشددًا ردًا على عناد إسرائيلى

واشنطن: خالد داوود

الأهرام الثلاثاء 18 نوفمبر 2003م - 24 رمضان 1424هـ


في هذه الحلقة التاسعة والثلاثين يستأنف كيسنجر سرد مكالمته مع السفير الاسرائيلي سيمحا دينيتز حيث يحدد له موعدا نهائيا في مساء نفس الليلة لكي تقدم اسرائيل اقتراحاتها بخصوص تنفيذ قراري مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، ثم يعود كيسنجر فيتصل في السادسة والنصف مساء بالسفير السوفيتي اناتولي دوبرينين ليسأله عن مصير الرسالة التي كان من المقرر أن تصل من موسكو إلي واشنطن عن طريق الخط الساخن ثم يجري كيسنجر محادثة مع وليم كولبي مدير المخابرات المركزية الأمريكية ليسأله إذا كانت لديه معلومات عن الرسالة السوفيتية المرتقبة، ويرد كولبي بأنه ليست لديه معلومات محددة في هذا الشأن، ويروي كيسنجر كيف أن الرئيس نيكسون عقد مؤتمرا صحفيا وجه خلاله عبارات حادة إلي الاتحاد السوفيتي، مما تطلب أن يتصل كبير موظفي البيت الأبيض فيما بعد بالسفير السوفيتي لكي يبلغه أن هذه العبارات الحادة لا تعكس حقيقة موقف الرئيس الأمريكي! ولكن السفير السوفيتي يجيبه قائلا: لم تكن هناك مبررات لإعلان الولايات المتحدة رفع حالة الاستعداد علي مستوي العالم، وأن القادة السوفيت مستاؤون للغاية، ثم يشكو من أن كيسنجر ونائبه سكوكروفت تركاه ينتظر لمدة خمس ساعات، وظلا يقولان له ان الرد الأمريكي في الطريق.. إلي أن عقد الرئيس نيكسون مؤتمره الصحفي الذي أطلق فيه عباراته الحادة في حق السوفيت.


كيسنجر ـ دينيتز الساعة 4.15 مساء

ك: إنه لأمر من النادر حدوثه أن تقوم دولة بمحاصرة جيش دولة أخري بعد التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار... سوف ألتقي الآن السفير الألماني وسأثير عاصفة حول قرارهم بشأن السفن (كانت ألمانيا الغربية في ذلك الوقت قد قررت وقف مغادرة السفن الأمريكية المتجهة إلي إسرائيل من موانئها بعد التوصل لقرار وقف إطلاق النار.) أنتم الآن في وضع يسمح لكم بالتفاوض ويمكنكم الحصول علي شيء مقابل هذا وذلك بأن تبدأوا غدا مفاوضات حول الموضوع المحدود (الخاص بالطعام).

د: رجالنا يقولون أن الجيش الثالث لديه ما يكفيه من الطعام لمدة يومين أو ثلاثة. كما نسمع تقارير بأن مراقبي الأمم المتحدة سيأتون لإخراجنا من هناك. هذا هو الموقف. لا بد أن نحصل علي صفقة ما.

ك: تقدموا باقتراح قبل التاسعة من مساء الليلة وذلك لإضفاء الغموض علي الموقف وإلا ستحصلون علي إدانة لكم. (لأول مرة يحدد كيسنجر أخيرا موعدا نهائيا لاستجابة إسرائيل لطلب وقف إطلاق النار والسماح علي الأقل بدخول المساعدات الانسانية والطبية للجيش الثالث.)

د: سأتحدث مع مائير ثانية.


وقبل الساعة 6.30 مساء يتصل كيسنجر بدوبرنين ليسأله عن مصير الرسالة التي علم الأمريكيون أنها قادمة من موسكو عبر الخط الساخن. وكان القلق قد بدأ يسري داخل الإدارة خشية أن يتخذ السوفيت موقفا متشددا ردا علي عناد إسرائيل ومواصلتها خرقها الفاضح لقرارات الأمم المتحدة. وينفي دوبرنين معرفته باحتمال وصول تلك الرسالة وقال أن هذا الأمر عادة يستغرق دقائق عبر الخط الساخن. ويؤكد له كيسنجر أنه مهما كان محتوي الرسالة فإن الولايات المتحدة لا ترغب في خلق أزمة جديدة. ولم تكد تمضي15 دقيقة حتي يعود للاتصال بالسفير السوفيتي ليكرر له المعلومات الخاصة بتوقع وصول رسالة من موسكو ويؤكد أن الولايات المتحدة تبذل مجهودا كبيرا لإقناع إسرائيل بتقديم عرض لمصر. ويرد دوبرنين أن الأمر قد يكون متعلقا بتجدد القتال جنوب قناة السويس وينفي مجددا علمه بالرسالة.

ثم يتصل كيسنجر بويليام كولبي مدير المخابرات المركزية الامريكية ليسأله إذا كان لديه معلومات عن الرسالة السوفيتية وإذا ما كانوا قد قاموا باتخاذ خطوات محددة بالفعل..

ويقول كولبي أنه لا توجد لديه معلومات محددة ويشير إلي أن التطور الوحيد كان رسالة السادات الموجهة إلي كيسنجر والتي عبر فيها عن غضبه الشديد بسبب استمرار حصار الجيش الثالث "ولا أستطيع أن ألومه. فالموقف هناك متخبط.".

ويعده بالاتصال به مجددا بعد البحث عن قيام السوفيت بأية تحركات. وبعد سبع دقائق يتصل كولبي بكيسنجر في الساعة 7.05 مساء وينفي وجود معلومات حول تحركات سوفيتية ولكن وكالة الأمن القومي قامت بحذف بعض الجمل التي دارت في ذلك الحوار. ثم يسأله كيسنجر: هل تعتقد أننا بالغنا في رد فعلنا علي خطابهم يوم الأربعاء 24 اكتوبر؟

كولبي: لا أعتقد أنه كان أمامك خيار آخر. ربما لم يكن لدي السوفيت النية للقيام بأي تحرك إضافي ولكن لهجتهم بدت كذلك. ولقد كان خطابك مباشرا وجيدا. هل تعني رفع حالة الاستعداد؟

ك: نعم.

كولبي: ربما نكون قد بالغنا بعض الشيء برفع حالة الاستعداد علي مستوي العالم.

ك: إنني فقط أتساءل عن تأثير ذلك الخطاب عليهم. وإذا ما كانوا...

كولبي: رفع حالة الاستعداد في العالم هي النقطة الوحيدة. ولكن أعتقد أنك كنت توصل لهم رسالة هامة.


وبعد أن عقد نيسكون مؤتمرًا صحفيًا في تلك الليلة قام هيج بالاتصال بالسفير السوفيتي دوبرنين لمناقشة الموقف ولكي يؤكد له أن بعض التصريحات التي أدلي بها الرئيس الأمريكي وبدت حادة بعض الشيء لم تكن تعكس حقيقة موقفه وأعرب عن أمله في أن لا يساء تفسيرها. ويرد دوبرنين بالقول أن القادة السوفيت يشعرون باستياء كبير للغاية بعد قرار الولايات المتحدة برفع حالة الاستعداد الذي يرون أنه لم تكن له أي مبررات". لقد خلقتم أزمة مفتعلة ولا نعرف لماذا.

ما حدث لا يمكن حتي مقارنته بالأزمة الكوبية. والفارق الأساسي في هذه الحالة أننا كنا علي اتصال دائم مع كيسنجر بشأن كل كبيرة وصغيرة علي مدار الساعة. "ويضيف أنه حتي بافتراض أن الرئيس نيكسون كان يريد إرسال رد حازم علي خطاب بريجينيف فلقد كان من الممكن أن يتم ذلك عبر قناة الاتصال السرية بينهما" ولكن حتي وصول خطابكم لنا لم يشر كيسنجر بكلمة واحدة إلي احتمال رفع حالة الاستعداد. وكان أسهل ما يمكنكم القيام به هو الاتصال بالسفير وأن تعربوا له عن عدم قبول الرئيس (نيكسون) للغة المتضمنة في الخطاب وأنها قد تكون غير دبلوماسية. وبعدها كنت سأقوم أنا بإبلاغ موسكو وكان بريجينيف سيرد وتمضي الأمور بصورة طبيعية".

ويشكو دوبرنين من أن كيسنجر ومساعده سكوكروفت تركاه ينتظر لمدة خمس ساعات وكانوا يتصلون به باستمرار ليبلغوه بأن الرد الأمريكي في الطريق وحتي عندما جاء خطاب نيكسون فإنه لم يكن يشير إلي رفع حالة الاستعداد واكتشف السوفيت ذلك عن طريق الراديو. ويعرب دوبرنين عن رأيه بأن طريقة الإعلان عن حالة الاستعداد بكل ما صاحبها من صخب كان يعني في الواقع أن الولايات المتحدة ليست جادة بشأن الحرب لأنه لو كان الوضع كذلك لقام نيكسون بالاتصال ببريجنيف في محاولة لتجنب الحرب بين القوتين العظميين.


وفي الساعة 8.45 مساء يعاود كيسنجر الاتصال بالسفير الإسرائيلي ويبلغه بطريقة أكثر صرامة ضرورة قيام تل أبيب بالتقدم باقتراح للخروج من الأزمة الخاصة بالجيش الثالث حيث أن الولايات المتحدة كانت قد قررت "لأسبابنا الخاصة عدم السماح بمهاجمة الجيش الثالث".


ك: السيد السفير أنا الآن أتصل بك كصديق وليس كوزير للخارجية. ستصلنا رسالة عبر الخط الساخن خلال ساعة. وأردت فقط أن أقول لك أن تقديري الصادق هو أنكم إذا لم تتحركوا في اتجاه ما بطريقة تسمح بالتوصل لتسوية جادة بشأن قضية الحصار فسوف تفقدون كل شيء... يجب أن تعرف أنه إذا تدخل الرئيس فإنه سوف يأمر بأن ننضم للآخرين لأنه لا يوجد لدينا ما يمكن التمسك به.

د: هل تعني قضية الإمدادات؟

ك: قضية الإمدادات أو أي شيء آخر قد تتفتق عنه العبقرية الإسرائيلية. اقتراحه (الرئيس) هو عقد مفاوضات.

وحاول دينيتز استخدام كافة الحجج لتبرير تأخر إسرائيل في التقدم باقتراح من قبيل خشية الحكومة الإسرائيلية من الإطاحة بها في حالة تم فك حصار الجيش الثالث بسبب الرأي الغاضب في الداخل. كما أن فك حصار الجيش سيعيد النشاط لفرقتين أو ثلاث فرق مصرية تقوم بتهديد الجسور التي بناها الإسرائيليون للوصول إلي الضفة الشرقية. وبعد أن استمع كيسنجر كان رده: "دعني أقول لك أن كل ذلك لن يغير من الأمر شيئا. سوف يتم إجباركم إذا وصلت الأمور لهذه النقطة". ويضيف: "أنت تعرف أنني أقف إلي جانبكم. وإذا كان من الممكن أن يختفي ذلك الجيش الثالث الليلة فلن يكون هناك أحد أكثر سعادة مني. لا يوجد لدي أي اهتمام بالجيش الثالث ولكن هذا الأمر سوف يصبح كبيرا للغاية بالنسبة لنا (في ضوء مواجهة محتملة مع السوفيت)". وينهي كيسنجر المكالمة بالتأكيد علي أنه "لن نقوم بالضغط عليكم لثانية واحدة قبل أن يصبح الأمر لا يمكن تجنبه".

وأخيرا في التاسعة مساء بدأت الرسالة التي طال انتظارها من بريجينيف في الوصول عبر الخط الساخن. وبينما هو في انتظار الحصول علي نسخة منها أتصل السفير البريطاني كرومر بكيسنجر ليبلغه بالاستياء البالغ بين الحلفاء الأوربيين في حلف الناتو بسبب رفع حالة الاستعداد دون إخطارهم بشكل مسبق. ويرد كيسنجر: "دعني أكون أمينا. كان يمكننا النقاش مع الشيطان ذهابا وإيابا ولم يكن الأوروبيون ليغيروا موقفهم ذرة واحدة...قد نصل إلي نقطة يجب فيها علي الدول الواقعة علي جانبي الأطلنطي أن تعيد تقييم العلاقات مع الولايات المتحدة".

وفي الساعة 9.40 مساء يتصل كيسنجر بدينيتز ليبلغه محتوي رسالة بريجينيف والتي كان أهم ما فيها هو تحذير القيادة السوفيتية من أنهم سينتظرون ليوم واحد للموافقة علي دخول الإمدادات إلي الجيش الثالث وإلا فإنهم سيتخذون الإجراءات المناسبة. واعتبر كيسنجر هذه الرسالة بمثابة فرصة تعطي الولايات المتحدة وإسرائيل يوما إضافيا ولكنه كرر تأكيده لدينيتز أنه لا يمكن السماح بإضاعة المزيد من الوقت. كما أبلغه بأنه سيسلمه نسخة من الخطاب السوفيتي الذي يطرح كذلك العمل علي التوصل إلي تفاهم سري بين البلدين لحل الأزمة. ويشدد علي أن "التفاهم السري الوحيد الذي توصلنا له معهم هو ذلك الخاص بالرعاية المشتركة (مع السوفيت لمباحثات سلام مقبلة) وهو الأمر الذي ناقشته مع رئيسة الوزراء. لا يوجد هناك أي تفاهم سري آخر."

ويعلق كيسنجر علي خطاب بريجنيف قائلا أنه "كان وثيقة غريبة تحدثت عن تهديدات للسلام العالمي ولكن لم تشر إلي ما سوف يقوم به الإتحاد السوفيتي بشأنها. وطلبت ردا أمريكيا خلال ساعات قليلة ولكنها لم تهدد بأي عواقب سوي إن ذلك سيثير شكوكا كبيرة في نوايانا. وكانت الرسالة واضحة في التعبير عن الاستياء من رفع حالة الاستعداد ولكن الطريقة الحريصة التي تمت بها صياغة جملها أشارت إلي أنهم تعلموا بعض الدروس الهامة خلال الليالي الماضية. ولكن علي الرغم من ذلك فكان هناك حد لمظاهر الضعف التي يستطيع القادة السوفيت التسامح معها".

وفي دفاع عاطفي عن إسرائيل يقول أنه قاوم ضغوط البيروقراطية عليه (وزارة الدفاع والخارجية) للموافقة علي قيام الولايات المتحدة بتولي عملية إمداد الجيش الثالث. "ففكرة القيام بجسر جوي لطرفين متحاربين كانت أكبر مما يمكن للدبلوماسية تحمله. وكنت أتفهم أن التصلب الإسرائيلي كان يعكس تركيبة من الإحساس بعدم الأمن واليأس يتشابك معهما الخوف من الشعور بالعزلة والخشية من وقوع كارثة وهو شعور مترسخ في روح شعب عاني من الكوارث عبر تاريخه الألفي. كما أن هناك قلقا من أنهم إذا استسلموا للضغط مرة فإن ذلك سيفتح الباب أمام سيل لا ينتهي من التنازلات. كذلك عكس الموقف الإسرائيلي وجود حكومة منقسمة لا يقدر أي من أعضائها علي أن يبدو أكثر ليونة من زملائه. ولقد ناورت طوال اليوم لتفادي التعبير علنا عن خلاف أمريكي مع إسرائيل وذلك للحفاظ علي التماسك النفسي للإسرائيليين في نفس الوقت الذي أقوم بإقناعهم بعدم استغلال موقفهم المتميز إلي الحد الأقصي. ولكن بات واضحا أن إسرائيل لم تكن في موضع يسمح لها باتخاذ قرار. ويبدو أنها كانت تفضل أن يتم الضغط عليها للإفراج عن فريستها بدلا من القيام بهذه المهمة طوعا. وكانت مسئوليتي الأولي هي عملي كوزير خارجية للولايات المتحدة وليس طبيب نفسي لإسرائيل. وبأكبر درجة من التردد قررت أن واجبي أصبح يحتم فرض مواجهة. وكانت الطريقة الوحيدة التي يمكنني من خلالها التعبير عن صداقتي لإسرائيل هي بإبقاء الأمر سريا هذا إذا سمحت لي إسرائيل بذلك (بدلا من تسريب المعلومات إلي اللوبي المؤيد لها في الكونجرس للقيام بالضغط علي الإدارة - الأهرام)"

وبعد أن يتخذ كيسنجر هذا القرار والذي كما يتضح من السرد السابق أنه كان صعبا علي نفسه للغاية بسبب "صداقته" لإسرائيل قام بالاتصال بدينيتز في الحادية عشر مساء بعد أن تأخر رد الحكومة الإسرائيلية. وكان الموعد النهائي الذي حدده كيسنجر في السابق لإبلاغه عرضا إسرائيليا ينقله للمصريين من أجل إنهاء أزمة الجيش الثالث هو التاسعة مساء. (ولكن طبعا إسرائيل دائما لها استثناء). ورغم أن كيسنجر لم يكن قد قام بالتنسيق مع نيكسون في هذا الشأن فلقد أبلغ دينيتز بأنه كان يتحدث نيابة عن الرئيس الأمريكي. "وكنت واثقا من خلال المحادثات التي أجريتها معه طوال اليوم أنه سيدعم موقفي. وفي الغالب لو كان الأمر قد طرح علي الرئيس نيكسون في وقت سابق لكان قد وافق علي الخيار الداعي إلي قيام أمريكا بعملية إمداد للجيش الثالث ولكنه كان مشغولا بمؤتمره الصحفي بشأن قضية وترجيت".


كيسنجر - دينيتز الساعة 10.58 مساء

ك: دعني أبلغك رد فعل الرئيس من خلال عدة أجزاء. الأول أراد مني أن أوضح بشكل تام أننا لن نسمح باستئناف القتال بعد أن تم التوصل إلي اتفاق لوقف إطلاق النار من خلال مفاوضات شاركنا فيها. وبالتالي فإن هذا بديل غير مطروح. سوف نساند أي تحرك في الأمم المتحدة سيساعد في تحقيق هذا الهدف. ثانيا هو يريد منكم وفي موعد لا يتجاوز الثامنة من صباح الغد ردا بشأن قضية الإمدادات غير العسكرية التي سيتم السماح بوصولها للجيش. وإذا لم توافقوا علي ذلك فسيجب علينا مساندة قرار في الأمم المتحدة يحدد كيفية التعامل مع تنفيذ القرارين 338 و339 (وهي القرارات التي صدرت خلال الأسبوع ودعت إلي تثبيت وقف إطلاق النار.) لقد توصلنا إلي هذا الموقف بعد تردد نتيجة لعدم قدرتكم علي التوصل لقرار. ومهما كانت الأسباب فهذا ما أراد الرئيس مني أن أقوم بإبلاغه لكم. نحن نريد ردا يسمح بنوع ما من المفاوضات وردا إيجابيا بشأن قضية الإمدادات غير العسكرية وإلا سننضم لبقية أعضاء مجلس الأمن في تحويل الأمر إلي قضية دولية. لا بد لي أن أؤكد ثانية: الطريق الذي تسيرون فيه انتحاري. لن يتم السماح لكم بتدمير ذلك الجيش. إنكم تدمرون إمكانية عقد المفاوضات التي تريدونها أنتم بعدم قيامكم.....

د: إن اقتراحك بالإفراج عن الجيش قريب جدا من اقتراحنا.

ك: بإمكانكم التقدم بأي اقتراح لنا وسوف نقوم بتوصيله. نحن لم نتقدم باقتراحات خاصة بنا للمصريين. بإمكاننا غالبا التقدم باقتراح توافقون عليه وتؤخرون تنفيذه بحجة الإجراءات العملية وتكسبون فترة قصيرة من الوقت.

د: هذا إذا تقدمنا بعرض بشأن الإمدادات غير العسكرية

ك: هذا صحيح. وبهذه الطريقة سيكون بإمكاننا علي الأقل الإشارة إلي شيء تمكنا من تحقيقه. لا بد أن أقول لك أنكم أحرار في أن تلعبوا بطريقتكم لتروا ما يحدث. ربما يكون المصريون قد وصلوا إلي حالة كبيرة من اليأس. ولكن ليس هذا هو تقديري. من غير المتصور أن يسمح السوفيت بتدمير الجيش الثالث أو أن يقوم المصريون بسحب قواتهم. لن يوافق السادات علي هذا الأمر.

د: أنا غير مخول ولا أشعر أن لدي القدرة للتقدم بنصائح (لمائير). ولكن لماذا لا يمكنني الرد بان إسرائيل تعرض السماح للجيش بالذهاب كما هو بكل أسلحته الجانبية ولكن لا يمكننا السماح لهؤلاء الناس بأن يصطحبوا معهم 200 دبابة وذلك لكي يقوموا لاحقا بضربنا.

ك: الاتفاق كان علي وقف لإطلاق النار وفقا للخطوط التي كانت قائمة في ذلك الوقت. هم لن يوافقوا علي خسارة معداتهم وتسليمها لكم. (اعتراف صريح ومباشر بأن إسرائيل هي التي خرقت اتفاق وقف إطلاق النار وواصلت هجومها لمحاصرة الجيش الثالث.)

د: يمكنهم أن يقوموا بتفجير الدبابات.

ك: أنت تطالبهم بتدمير 200 دبابة وسحب قواتهم. هم لن يقوموا أبدا بذلك ولن يقبل السوفيت هذا. لماذا لا تعيدون التفكير لمدة يوم وترون إن كان بإمكانكم التوصل إلي شيء.

ويزعم دينيتز أن إسرائيل لديها صور ووثائق تفيد وجود خطط لهجوم ينوي الجيش المصري القيام به فور أن يتم فك الحصار وكذلك بتواصل تدفق الإمدادات السوفيتية علي الدول العربية. ولكن كيسنجر يرفض كل هذه الحجج ويقول له "لو كان الإتحاد السوفيتي أو مصر هو الذين فعل ذلك بكم (انتهاك بعد اتفاق وقف القتال) لكنت قد ناشدت الرئيس اتخاذ أكثر الإجراءات تشددا". وعندما يقترح دينيتز الانتظار حتي تقوم مائير بإرسال خطاب إلي نيكسون تشرح فيه موقفها يرد قائلا: "بإمكانها إرسال خطاب للرئيس. ولكن ذلك لن يحدث أدني تغيير ويحذره من تنامي الضغط عليه من وزارتي الدفاع والخارجية والتي يصر كيسنجر علي الإشارة لها بوصف "البيروقراطية" ويذكره بضرورة إبلاغه ردا في الثامنة من صباح اليوم التالي.

ويشير كيسنجر إلي أنه لم يطلع أي طرف آخر علي الموعد النهائي الذي حدده لإسرائيل. وفي نفس الوقت أرسل خطابا إلي وزير الخارجية المصري إسماعيل فهمي يناشده فيه الموافقة علي عقد مباحثات عسكرية مباشرة بين مصر وإسرائيل تتناول قضية الإمدادات للجيش الثالث. ثم أتصل بالسفير السوفيتي دوبرنين ليبلغه بأن الولايات المتحدة تبنت مسعي دبلوماسيا جديدا وتتوقع ردا عليه من إسرائيل بحلول بعد ظهر اليوم التالي. ويبرر عدم الكشف له عن الموعد النهائي الذي تم تحديده لإسرائيل (الثامنة صباحا وليس بعد الظهر) بخشيته بأن يزايد السوفيت ويحددون مواعيد نهائية تسبق تلك التي حددتها الولايات المتحدة.


كيسنجر - دوبرنين الساعة 11.15 مساء

ك: أردت أن أخبرك أننا سنرد علي الرسالة (التي أرسلها بريجينيف عبر الخط الساخن) خلال ساعتين. وسنناقش الأمور التي أشارت لها بشكل عاجل مع الإسرائيليين ونأمل أن يصلنا رد منهم بحلول بعد ظهر الغد ولكن المشكلة صعبة للغاية.

د: هل تريدني إطلاع موسكو علي ذلك أم ستستخدم الخط الساخن

ك: سنشير إلي نفس الأمر في رسالتنا ولكن لا أعرف إن كنت أرغب أن تطلع موسكو. هم سيحصلون علي رد من طرفنا الآن ولكنني لا أريد أن أعطيك ردا نهائيا حتي نتحدث مع الإسرائيليين.


وفي الثانية والنصف من صباح السبت السابع والعشرين من أكتوبر وبعد مرور ثلاثة أسابيع علي بدء الحرب أرسل كيسنجر خطابا إلي السوفيت باسم الرئيس نيكسون يحمل نفس المضمون الذي أشار له في مكالمته مع دوبرنين. ولكن لم يكد ينتهي من إرسال الخطاب حتي تلقي ردا من جولدا مائير. ويقول أن رئيسة الوزراء الإسرائيلية وجهت ردها له شخصيا رغم أن الرسالة التي وصلتها كانت باسم نيكسون. ولكن مائير كانت عادة تتجنب الاصطدام مع الرئيس وتتعامل مع مساعديه وذلك للاحتفاظ به كورقة أخيرة لإقناعه بتغيير القرار الذي من شأنه التأثير علي الوفاق القائم بينهما كما كانت تتفاخر. وإذا فشلت في ذلك فإن تقديم تنازل للرئيس مع قليل من الخبرة والحظ يمكنها علي الأقل من الاستفادة به لطلب خدمة أخري في المستقبل. (الحكومات العربية عادة لا تقتنع بالمساعدين المؤثرين في الإدارة وتصر علي الاتصال مباشرة بالرئيس بدعوي أنه صاحب القرار الأخير. ولكن الحقيقة هي أن ما يسميه كيسنجر بالبيروقراطية هي التي تقوم بالتنفيذ وبإمكانها إعاقة أي قرار حتي لو صدر من نيكسون شخصيًا. - الأهرام)

ويصف كيسنجر خطاب مائير بأنه بدا وكأنه موجه لمخاطبة أعضاء حكومتها في إسرائيل وليس إلي الولايات المتحدة حيث قررت التعبير عن معارضتها للتوجه القائم بوضع الأمر في إطار ضغوط تمارسها القوتان العظميان علي إسرائيل والتلميح بأن الولايات المتحدة تقوم بالتسليم لتهديدات الاتحاد السوفيتي. وكان من شأن وضع الأمر بهذه الصورة أن يثير الرأي العام الأمريكي ضد الإدارة من وجهة نظر كيسنجر. ولكن كيسنجر نفسه أعرب عن دهشته من هذا الرد الغريب والمتشدد الذي أتي بعد ثماني عشرة ساعة من الانتظار "خاصة أن كل ما طرحه كان تقديم" نوع ما "من الاقتراح نستطيع الدفاع عنه أمام مجلس الأمن" في مواجهة "الضغوط السوفيتية وبعد أسبوعين من بدء الولايات المتحدة جسرها الجوي لإسرائيل".

وأضافت مائير في لهجة تهكم واضحة أن كل ما تطالب به تحديد ما يجب علي إسرائيل القيام به "لكي تعلن مصر الانتصار في اعتدائها". وكل ذلك والكلام لكيسنجر بسبب اقتراح بالسماح بدخول الماء والغذاء لجيش محاصر لمدي ثمان وأربعين ساعة بعد اتفاق لوقف إطلاق النار تفاوضت عليه الولايات المتحدة ورغم أن العرض الأمريكي كان عمليا سيبقي ذلك الجيش محاصرا حتي بعد دخول هذا الحد الأدني من الإمدادات. وفي استخدام واضح لأحد المزاعم المعتادة التي تلجأ لها إسرائيل لابتزاز الولايات المتحدة والمجتمع الدولي قالت مائير "هناك شيء واضح لا يمكن لأحد أن يمنعنا من القيام به وهو أن نعلن الحقيقة بخصوص الموقف وهي أن إسرائيل يتم معاقبتها ليس بسبب أفعالها ولكن بسبب حجمها (الصغير) ولأنها تقف بمفردها|. ومرة أخري فهم كيسنجر من مضمون الرسالة أن مائير تهدد بالحديث علنا عن "ضغوط" أمريكية مما سيتسبب في المزيد من المشاكل للرئيس نيكسون. ولكن النتيجة النهائية كانت إن مائير رفضت الاقتراح الأمريكي وأصرت وفقا لكيسنجر ألا تفرض تسوية عليها من قبل الولايات المتحدة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.