عفوًا.. ضد الوطنية.. والحزبية
بقلم: عبد الله إمام
الجمهورية الخميس 23 أغسطس 2001م - 4 جمادى الآخرة 1422هـ
بصراحة ووضوح يعلن أبو الأعلى المودودي الشعار الذي انتشر في أدبيات الجماعات التي تدعى الانتساب للإسلام، بعد أن نقلته عنه، وأمنت به.
ويتجنب أعضاء هذه الجماعات وأتباعهم - في السر والعلن - منذ فترة ترديد هذا الشعار أو الرجوع اليه، لأسباب انتهازية بحتة، فهم يريدون أن يدخلوا الحياة السياسية المعاصرة من بابها الذي ارتضاه الجميع، ويعتقدون أن إخفاء أفكارهم ونواياهم يمكن أن يُنسى الناس حقيقة نواياهم مما يساعدهم على دخول الحياة السياسية الى أن يتمكنوا من الوصول إلى أهدافهم.. عندها فقط يعلنون رؤيتهم الحقيقية ويطبقونها.. الشعار الذي طرحه المودودي هو أن الإسلام ليس فيه سوى حزبين حزب الله، وهو حزب ما اسماه بالجماعة الإسلامية التي كان أميرًا لها.. وحزب الشيطان الذي يضم جميع الذين ليسوا أعضاء في الحزب الإسلامي.
الإسلام اذن لا يسمح الا بحزب المودودى وجماعته فقط، أما الأحزاب الأخرى جميعها والتي تضم عشرات الملايين من المسلمين فإنها تابعة للشيطان مهما أعلنت اسلامها والتزمت بدينها، وأدت الفرائض.. كل من ليس معهم شيطان رجيم.. مهما حسن إسلامه فقط لأنه عضو في حزب آخر غير حزبهم.
ويصف المودودى المجتمع الإسلامي المعاصر بأنه جاهلي وهو ليس جاهليًا الآن فقط.. فهو جاهلى وكافر من قديم وعلى وجه التحديد منذ عصر الخليفة عثمان بن عفان.. فقد كان المجتمع إسلاميًا فقط زمن الرسول «صلى الله عليه وسلم» وكذلك زمن الخليفة أبو بكر الصديق والخليفة عمر بن الخطاب، وبعد هذا التاريخ تحول الى مجتمع جاهلي.. ففى عصر الخليفة الثالث وجدت الجاهلية سبيلها الى النظام الإسلامي.
ويرى المودودى أن أعداء الإسلام ثلاثة: العلمانية، والقومية والديمقراطية.. وأنه لا مكان فى الإسلام للوطنية، فحيث تدخل هذه الكلمات عقل وقلب أى انسان يخرج منه الإسلام.
وشرح أبو الأعلى الفرق بين الجماعة الإسلامية - التي هي حزب الله وبين سائر القوى والأحزاب والبشر في كتاب عنوانه «المصطلحات الأربعة في القرآن ترجم الى اللغة العربية في وقت متأخر.
ووجه أبو الأعلى نداء للمسلمين أن «أحملوا دعوة القرآن.. وانهضوا.. وحلقوا فوق العالم».
إذا كان الله هو الحاكم - وفقًا للمودودي - فإن كل النظم القائمة تكون كافرة لأن الله سبحانه وتعالى لا يحكمها، ولذلك فان واجب المسلمين الخروج عليها، والثورة ضدها وقتالها وإعلان الحرب عليها، والاستيلاء على أموالها.. ويرى أن العمل في مثل هذه الدولة كفر والالتحاق بجيشها. كفر.. وإطاعة أوامرها كفر لأنه طاعة لحكومة كافرة.. جاهلية.
والمصطلحات الأربعة في القرآن هى الاله، والرب والدين والعبادة.
الله هو الاله الواحد الأحد، والرب الفرد الصمد، ولا رب سواه، ويجب على المسلم أن يخلص دينه لله تعالى، ويرفض كل دين غير دينه، وأن كل من قرأ القرآن الكريم وتتبع آياته يحس لأول وهلة أن ما نزل به القرآن الكريم من الهدى والإرشاد لا يدور الا حول هذه المصطلحات الأربعة، فإذا كان الإنسان لا يعرف ما معنى الإله، ولا معنى الرب، ولا يفقه معنى العبادة، ولا يعرف أيضًا ما تطلق عليه كلمة الدين فإن القرآن كله سيصبح في نظره، كلامًا معملًا لا يُفهم من معانيه شيئًا.. ولا يعرف حقيقة التدين أو يفطن إلى الشرك، كما أنه لا يستطيع أن يخلص عبادته لله أو لدينه وتبقى عقيدته ناقصة.. في مقابل ما يسميه حاكمية البشر وعبوديتهم، وألوهية الانسان، طرح المودودي حاكمية الله، وألوهية الله وربانية الله، ووحدانية الله، فلا يكون لأى فرد أو أسرة أو حزب أو هيئة اي نصيب من الحاكمية لأن الحاكم الحقيقى هو الله، وليس لأي أحد غيره حق التشريع، فالدولة الإسلامية تقوم على القانون الالهي وحده.
ويوجه المودودى كلامه الى المسلمين بأن الديمقراطية القومية العلمانية تعارض ما يعتنقونه من دين وعقيدة ان الإسلام الذي تؤمنون به وتسمون أنفسكم مسلمين على أساسه يختلف عن هذا النظام الممقوت اختلافًا بينًا، ويقاوم روحه، ويحارب مبادئه الأساسية، بل ويحارب كل جزء من أجزائه، ولا انسجام بينهما فى أى أمر مهما كان تافهًا، لأنهما طرفا نقيض.. فحيث يوجد هذا النظام لا تعتبر الإسلام موجودًا، ويهاجم المودودي ما يسميهم الأعداء الثلاثة وهم: العلمانية.. والقومية.. والديمقراطية.
«العلمانية تفصل الدين عن الدولة، وتجعل الروح المادية تسود، وهذه هي الجاهلية التي أهملت فيها شريعة الله، وأعلت في أرض الله كلمة أعداء الله.. وبدأت سيطرتهم الحديثة، فالإسلام جاء ليحدث الانقلاب الفكرى والنظرى وتكوين الجماعة المؤمنة التي تنتزع السلطة من أيدى الجاهلية، وتقيم الحكم الإسلامى فى المدينة المنورة ثم تنطلق به ليسود العالم».
«والقومية - في رأيه - تتناقض تمامًا مع مبادئ الإسلام، فاجتماع كلمتي مسلم وقومى أمر غريب، فالقومية حين تدخل عقول المسلمين وقلوبهم من طريق، فإن الإسلام يخرج من طريق آخر، فالإسلام حزب لا قوم.. والقرآن يرى البشرية كلها حزبين اثنين فقط حزب الله.. وحزب الشيطان.. والعدو الأساسى للدعوة الإسلامية بعد الكفر هو شيطان الجنس والوطن.. فالمودودى ينفى الوطن والوطنية تمامًا وعلى نحو مريب بل يصل إلى أنه يري أنك عندما تكون وطنيًا فهذا يعني أنك تخرج من الإسلام.. وهو أيضًا يركز على أن رجاله هم حزب الله، وجميع الآخرين هم أحزاب الشيطان.. إنه يرفض الحياة الحزبية.. وهو ما نادت به الجماعات الإسلامية فى مصر أخيرًا.. وهو أيضًا نفس الرأى الذى سبق أن انتهجه حسن البنا من قبل عندما طالب بإلغاء الأحزاب.. والديمقراطية عند المودودى كلمة ممقوتة، ومن ينادون بها ليسوا مسلمين أيضًا.. فلا انسجام بين الديمقراطية والإسلام في رأيه.
لقد أنجز النبي محمد «صلى الله عليه وسلم» المهمة، وأقام المجتمع الإسلامي، وسار على دربه أبوبكر، وعمر ثم عادت الجاهلية في عصر عثمان بن عفان، حيث عرفت الجاهلية طريقها إلى النظام الإسلامي وبعده حاول على بن أبي طالب سد هذه الثغرة وإيقاف الفتنة، وصيانة السلطة السياسية، ولكنه لم يستطع أن يوقف هذا الانقلاب الرجعي.. ويرى المودودى أنه بذلك انتهى عهد الخلافة على منهاج النبوة، وحل مكانها الملك العضود، وبدأ الحكم يقوم على قواعد الجاهلية بدلًا من قواعد المجتمع الإسلامي.. المجتمع المسلم - في رأيه - اذن جاهلي منذ عصر عثمان حتى الآن، ويستثنى من ذلك لمدة لم تتعد عامين هي عهد الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز، وبعد وفاته عاد المجتمع الإسلامي إلى الجاهلية الى الأبد.. وانتشرت فيه ضلالات الجاهلية.. وللمودودي رؤية خطيرة هي أن عهد الخلافة على منهاج النبي الكريم لم تكن إلا في زمن أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب.. ومن جاء بعدهما من الحكام ليسوا خلفاء في رأيه، كما أنهم عاشوا فى ظل المجتمع الجاهلي.
القرون العديدة التي مرت على المسلمين كان فيها ملايين من العلماء والفقهاء وخاض المسلمون خلالها المعارك، ونشروا الدين وحفظوا القرآن الكريم، وحافظوا على فرائضهم.. وعلى قواعد الإسلام وأصوله.. كل هذه السنوات منذ عهد سيدنا عثمان حتى الآن يرى المودودي أن المجتمع خلالها كان جاهليًا وما زال.. ودولة الإسلام لم تعش الا سنوات قليلة بعد وفاة النبي فقد عادت الجاهلية لأن النبي «صلى الله عليه وسلم» جاء لإقامة الحكم الإسلامى وتكوين الجماعة المؤمنة بالفكر الالهى وإحداث الانقلاب الفكرى للإنسانية كلها.
وفي رأيه أن هناك اسلامين وليس اسلامًا واحدًا: الإسلام القانوني وهو النطق بالشهادتين وإتباع أساسيات الدين.. هذا إسلام قانوني وهو إسلام ناقص لأنه يأخذ فقط بالشكل، وهناك إسلام كامل يدخل في صميم سلوك الانسان وحياته، وهو جوهر الإسلام.
هذه هى بعض الأفكار التي تقوم عليها دعوة أبو الأعلى المودودي.. رائد التكفير، والأستاذ الذى أخذ عنه سيد قطب.. وهي نفس الأفكار التي طرحتها الجماعة الإسلامية فى مصر خلال السنوات الأخيرة.. نقلا عنه دون غيره من علماء المسلمين.
لقد رأينا أن فكر هذا الرجل تسلل الى هذه الجماعات، وأصبحت تأخذ عنه وحده رافضة أراء واجتهادات سائر الفقهاء والعلماء.
ولم يعكف أحد حتى الآن على دراسة الأسباب التي جعلت من المودودي بالذات أميرًا للجماعات في مصر.. ومفتيًا لها.. على بعد المكان، واختلاف الظروف والأزمان، لا يحدث ذلك إلا أن يكون بفعل مقصود.
والغريب أن العلماء لم يواجهوا هذه الأفكار بما تستحقه من تفنيد وإيضاح مدى الخلل فيها.. خاصة وأنه يحكم على المجتمعات الإسلامية كلها بالجاهلية ليس الآن فقط بل ومنذ عهد سيدنا عثمان بن عفان.
وإذا كان علماء المسلمين قد تجاهلوا رأيه في جاهلية المجتمع، فان الجماعات الإسلامية تجاهلت أيضًا - عن عمد - رأيه في أن الخلافة لم تعش الا في زمن أبوبكر وعمر.. ذلك لأنهم رفعوا شعار ضرورة عودة الخلافة.. ورأى بعضهم أنها النظام الإسلامي الوحيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.