الجمعة، 14 مارس 2025

عفوًا.. جنون.. أم.. هذيان الضعفاء

 عفوًا.. جنون.. أم.. هذيان الضعفاء

بقلم: عبد الله إمام

الجمهورية الخميس 30 أغسطس 2001م - 11 جمادى الآخرة 1422هـ


انتقل أبو الأعلى المودودى فى حياته من الهند إلى باكستان وقفز من باكستان فجأة إلى المنطقة العربية.. فترجمت كتبه وردد الشباب آراءه وصدرت عنه مؤلفات وأصبح معروفا، وهكذا فإن الرجل الذي حجبت بلاده عنه ثقتها واتهمته التنظيمات السياسية فيها بأنه أمريكي التوجه والتمويل وقاد أعمالا إرهابية أدت إلى صدور حكم بالإعدام عليه.. هذا الرجل أصبح الأمير الجديد لكل الحركات الإسلامية في البلاد العربية فنقلت رأيه وأخذت بفكره بتكفير المجتمعات الإسلامية المعاصرة والحرب ضد الحكومات المسلمة من أجل تحرير البلاد من حكامها وكذلك القتال ضد كل حكومات العالم فكل حكومات العالم كافرة وواجب المسلمين هو الجهاد ضدها بكل الوسائل بما فيها الكفاح المسلح للاستيلاء على السلطة وإقامة الحكم الاسلامي في العالم كله..


وفى رأيه أن الإسلام هو منهاج انقلابى للعالم كله والجهاد هو أداة تحقيق الحاكمية الإلهية ويقول: «إننى لا اعتبر هذه البلاد بلادنا بل هي بيت الإسلام لقد واتتنا الفرصة لأول مرة بعد قرون لنقيم دين الله في صورته الحقيقية ونقدم للعالم أجمع المثال العملى لفلاح هذا الدين ونجاحه انها نعمة كبيرة أنعم الله بها علينا، ويجب أن نصونها ونحافظ عليها بشتي الطرق وبأي ثمن...

وعليك أن تتذكر دائما ان تقديم الروح رخيصة من اجل دين الله اعلى مرتبة وأعظم من تقديم الروح للحفاظ على الثروة أو العزة او الكرامة وان الاستشهاد تحت هذه العاطفة استشهاد له أعظم الدرجات عند رب العالمين.

فمهمة المسلمين الأساسية والأولى - فى رأى المودودي - هي الجهاد والقتال بالسلاح ضد كل النظم والحكومات حتى يحكم الإسلام العالم.. عندما يكون الحكم للمسلمين فى أى بلد، فإنه يترك للشعوب حرية أن تدخل دين الإسلام أو لا تدخله لأنه لا اكراه فى الدين، فنحن لا نضغط على المواطن فى الدولة المسلمة أن يدخل دين الله ولكننا نقاتل لكي يكون الحكم إسلاميا، وأن توجد الدولة الإسلامية ولا يهم بعد ذلك موقف المواطنين.

ولم يوضح كيف تكون حكومة إسلامية تحكم بالإسلام شعبًا ليس مسلمًا.. مادامت لن ترغم أحدا على اعتناق الدين.

الإسلام في رأى المودودى فكرة انقلابية ومنهاج انقلابي يهدم النظام الاجتماعي للعالم كله، ويؤسس مجتمعا مختلفًا في كل شيء ويرى الدكتور محمد عمارة في دراسته الهامة عن «المودودي» ان أفكاره ونصوصه حول الجهاد لم يسبقه اليها أحد من اعلام الصحوة الإسلامية وأن لفظ «المسلم» عنده هو وصف للحزب الانقلابي العالمي الذي يكونه الإسلام وينظم صفوفه ليكون أداة في إحداث البرنامج الانقلابي الذي يرمى اليه الإسلام والجهاد في رأيه هو الكفاح الانقلابي فمجرد وجود المسلمين هو تحد لأية حكومة غير إسلامية سواء تحملته أم لم تتحمله ولابد ان يعمم الإسلام نظامه بتقويض النظم الأخرى والاطاحة بها.. فدعوة الإسلام لإقامة نظامه الخاص تتطلب زلزلة النظم الأخرى وهدمها وإقامة نظامه في مكانها وقد امر الإسلام اتباعه باتخاذ كافة اشكال التحرك التى تؤدى إلى تحقيق ذلك فغاية الجهاد في الإسلام هدم بنيان النظم المناقضة لمبادئه، وإقامة حكومة مؤسسة على قواعد الإسلام مكانها وهى مهمة لا تنحصر في قطر دون قطر، بل يحدث الانقلاب الشامل في جميع أنحاء المعمورة، وعلى المسلمين أو أعضاء الحزب الإسلامى الشروع في مهمتهم بإحداث الانقلاب، وتغيير نظم الحكم في بلادهم اما غايتهم العليا وهدفهم الاسمى فهو الانقلاب العالمي الشامل بجميع انحاء الأرض انه فكرة انقلابية لا تؤمن بالقومية.. فالإسلام لا ينظر إلى مصلحة امة دون امة، ولا يقصد إلى النهوض بشعب دون شعب.. وإنما تهمه سعادة البشر وفلاحهم.. والإسلام يريد الأرض ولا يقنع بقطعة أو بجزء منها وانما يتطلب ويستدعى المعمورة كلها.. ويريد ان يستخدم جميع القوى والوسائل لإحداث انقلاب عام شامل..

ويرى المودودى ان الإسلام لا يريد من وراء القضاء على النظم والحكومات وإحلال نظامه وحكومته محلها أن يكره من يخالفه في الفكرة على ترك عقيدته والايمان بمبادئه وإنما يريد أن ينتزع الحزب الاسلامي زمام الأمر ممن يؤمنون بالمبادئ والنظم الباطلة حتى يستتب الأمر لحملة لواء الحق، ولا تكون فتنة ويكون الدين لله.

وفي فكره أن غاية هذا القتال ليست رجوعهم مؤمنين واتباعهم دين الحق، بل القضاء على نفوذهم وسطوتهم فلا يكونون حُكامًا وأولى أمر في الأرض لأن سلطان الحكم والقيادة ومقاليد نظام الحياة على وجه الأرض يجب أن تكون فى أيدى المؤمنين وحدهم الذين يتبعون دين الحق وأما من هم دونهم فيعيشون تابعين لهم..

ومن التناقض أنه يقرر فى نفس الوقت أن الإسلام لا يُكره أحدًا على قبول عقائده ولا يفرض عليه عباداته لأن العبادات لا معنى لها دون إيمان متين بها فالإسلام يعطى كل انسان الحرية في هذين الأمرين، لكن الأمر الذي يرفضه بشدة أن تكون قوانين المجتمع التي يقوم عليها نظام الدولة مستمدة من مصدر اخر سوى شريعة الله..

ويرى الدكتور عمارة أن المودودى صاغ فكره هذا في ظروف سياسية وحضارية محددة عاشها الرجل وجماعته الإسلامية في بلاده وكان لها الدور الأول فى وضع أفكاره على هذا النحو فقد كان هناك استعمار غربي لفرض سيطرته وحضارته له الحاكمية في الدولة والمجتمع وكانت هناك أقلية إسلامية غير موحدة الإدارة والتنظيم تتعرض قوميتها لخطر السحق والتشويه من قبل القومية الكبرى للهندوك..

في رأى الدكتور عمارة أن المودودي قد تجاوز النطاق «المشروع والمفيد» بهذه الصورة الغريبة التى رسمها لمهام الجهاد الاسلامي.. فمهمة تكليف المسلمين محاربة كل حكومات الدنيا وإزالة كل نظم العالم والاستيلاء على حكم الكرة الأرضية تمكينًا لشعوب العالم من الإقبال بحرية على اعتقاد الإسلام والتعبد بشعائره.. قد ينظر البعض إلى دعوة المسلمين للقيام بهذا «الواجب» على أنه فى ظل الواقع الملموس وعلاقات القوى الراهنة، وما لدى «حكومات الكفر» من أسلحة الدمار الشامل والجيوش الجرارة والطاقات الصناعية والزراعية ووسائل التجسس.. الخ....الخ.. الخ.. وقد ينظر البعض إلى تكليف المسلمين بهذا «الواجب» على أنه نوع من «هذيان الضعفاء»!

وإذا أحسنا النية.. وقلنا أن الظروف التي عاشها الرجل، والمناخ الذي كان محيطا به هى التى أملت عليه هذا الهذيان الذي دفعه إلى دعوة المسلمين لقتال العالم كله، فإن بقية آراء الرجل في كل القضايا تقريبا تسير في نفس الاتجاه.. فهو مثلا يعلن بوضوح رفضه القاطع للديمقراطية كنظام سياسي.. ويرى أن الديمقراطية تتناقض تناقضًا كاملا مع الإسلام.. أنه لا مجال أبدًا للالتقاء بينهما.

وكان حسن البنا قد وصف في مذكراته الذين اعترضوا على قراراته بأنهم يستخدمون كلمات «مائعة» مثل الديمقراطية التى كان يرفضها كما رفض كل ما يتعلق بها ومن الملاحظ أن الإخوان المسلمين اليوم يتنكرون لهذا الموقف وينكرون حدوثه.. رغم أن الرجل سجله في مذكراته التي مازالوا يطبعونها.. وكانت دعوة المودودي قد بدأت بعد حسن البنا وأخذت منه، ولكنه أضاف إليها تطرفًا فالبنا رفض الأحزاب وطالب بحلها والمودودى وصفها بأنها تابعة للشيطان.

ولكن محاولتهم لدخول المعترك السياسي من خلال الصيغة القائمة تدفعهم إلى تغيير تكتيكي لمواقفهم فيدعون كذبا أنهم مع الديمقراطية.

هذا الموقف نفسه اتخذه أبو الأعلى المودودي في باكستان، فقد خاض هو وزملاؤه المعركة الانتخابية على أساس الديمقراطية التي يحاربونها ولما لم ينجحوا فى الانتخابات اتجهوا بفكرهم إلى الإعلان عن رفض الصيغة الديمقراطية التي فشلوا من خلالها فى الحصول على تأييد الجماهير وأعلنوا رفضهم للديمقراطية، بل انهم جعلوها نقيضًا للإسلام إذ يصل المودودي بفكره إلى أن الديمقراطية تعارض الدين والعقيدة وحيث يوجد هذا النظام لا يعتبر الإسلام موجودًا وحيث وجد الإسلام فلا مكان لهذا النظام فهما طرفا نقيض ولا انسجام بينهما..

لقد نشطت خلال السبعينيات استيراد أفكار هذا الرجل وكأنما كانت هناك قوة تسعى لنقلها ولزرعها داخل المجتمع العربي دون مراعاة الفوارق كثيرة.. بين ظروف المجتمعات وطبيعتها وأن هناك خلافات عميقة بين بلاد الأغلبية الساحقة من سكانها تعتنق الإسلام وبلاد أخرى لا يتمتعون فيها بهذه الأغلبية ويعيشون فيها أقلية وتفرض عليهم قوانين تخالف الإسلام.

بغض النظر عن آراء الرجل المستوردة وغير الصالحة للاستخدام في المجتمعات العربية والإسلامية فالبلاد المسلمة التي ترتفع فيها نداءات الإسلام وتطبق شرائعه، وتؤدى فرائضه هذه البلاد تحتاج إلى نوع آخر من الفقهاء المجتهدين الذين لا يكفرون المسلمين ويجتهدون بفقههم ليتقدم المجتمع المسلم رافعًا راياته ملبيا نداءات الإسلام.. إن دعوة المودودي لقتال العالم كله لفرض الحكومة الإسلامية فى العالم.. ليست مجرد هذيان ولكنها نوع من الجنون والتخاريف التي لا يقول عنها عاقل فضلا عن أن يكون مفكرا..

وكانت هذه هى الأفكار التي اعتنقتها التنظيمات السرية والعلنية التي سعت إلى أن تلصق نفسها بالإسلام.. ولعل أشد ما جاء فيها تطرفا وغلوا.. أفكاره عن المرأة التي افرد لها عددا من مؤلفاته الهامة، وقد اعتنقت هذه الجماعات ما جاء فيها بالكامل..

صورة من المقال:



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.