السبت، 15 مارس 2025

عفوًا.. النقاب.. تطرف مودودى

 عفوًا.. النقاب.. تطرف مودودى

بقلم: عبد الله إمام

الجمهورية الخميس 6 سبتمبر 2001م - 18 جمادى الآخرة 1422هـ


المرأة.. وكل ما يتعلق بها من تعليم وعمل وزينة واختلاط وزواج وولادة وخروج وملابس هى أكثر القضايا حضورا عند الجماعات التي تسمى نفسها إسلامية.


وفي سنوات ليست بعيدة كانت المرأة هى المجال الأساسي لأنشطتهم في مصر، وكانت مقاومة وجودها فى الجامعة وفى مجالات العمل، بل وفي الشارع أحيانًا.. واحدًا من المهام المُلقاة على عاتق أعضاء هذه الجماعات الذين طاردوا الحفلات في الجامعات واعترضوا على أن يسير رجل وامرأة في الطريق، وحرموا عملها ولم يكفهم الحجاب الذى أمر به الشرع وأقره وحدده كل علماء الإسلام، فذهبوا الى أبعد من ذلك.. وتجاهلوا موقف الإسلام من المرأة منذ اخرجها من تراب الوأد الى احترام أدميتها وتكريمها وتعليمها وعملها، واشتراكها فى الحرب، وفي المناقشة، وفي رواية الحديث الشريف.. وحتى «الإخوان المسلمون» وهم الجناح العلني لهذه الجماعات السرية أنشأوا قسمًا للسيدات المسلمات، للاستفادة من نشاطهن في نشر دعوتهم، وهناك مئات من علماء الإسلام وفقهائه الكبار رأوا دورًا للمرأة إسهامًا مع الرجل فى صياغة الحياة على أرض المجتمعات الإسلامية ووضعوا له ضوابط، وسواء كان هذا الدور كبيرًا أو صغيرًا إلا أنهم لم يعتقلوها، ولم يحددوا اقامتها داخل جدران البيوت فكان لها اسهام في المجتمع الذي تعيش فيه.

موقف هذه الجماعات من المرأة أنها أداة للمتعة ووسيلة للترفيه وتأتي هذه النظرة بعد أن مرت بالمجتمعات الإسلامية عشرات السنين، شهدت خلالها مئات من الفقهاء وعلماء الإسلام ودارسيه، وكانت المرأة خلالها تتعلم، وتعمل، وأصبح للنساء دور هام ومؤثر فى شئون الحياة جميعها، ولم تعد هناك وظيفة لم تشغلها المرأة، ولا علم لم تسع إليه، وحققت مساواة مع الرجل، وفى أغلب الدول الإسلامية احتلت كل المواقع السياسية ووصلت الى منصب الوزيرة ورئيسة الوزراء، بل ورئيسة الدولة فى أكبر الدول الإسلامية عددًا.

وليس هناك مسلم يعترض على أن يتم ذلك كله في إطار من الالتزام بالقواعد الإسلامية، وعدم الخروج عليها، واتباع الرأى الفقهي القاطع بحيث تكون للنصوص الأولوية، ويكون الالتزام بها واجبًا كما يكون الاجتهاد ضروريا إذا كان هناك مجال له في غيبة النص الواضح والقاطع..

ولقد رأينا بعض الدول التي تحكم بالشريعة تعطى للمرأة دورًا في المشاركة السياسية حتى وصل عدد السيدات الناخبات فيها يقارب عدد الرجال الى جانب ما تشغله النساء فيها من وظائف عامة..

هذا كله ترفضه الجماعات التي تسمى نفسها إسلامية، وتظهر بآراء جديدة ومفاجئة على كل الذين عاشوا عصورا، وشهدوا أجيالا من المتعلمات والزميلات في العلم والعمل..

هذه الحملة الجديدة من الكراهية، والقتال ضد دور المرأة في المجتمع المسلم واعتبارها القضية الأساسية والرئيسية من قضايا العمل الإسلامي بهذه الطريقة وفدت مع ما جاء به أبو الأعلى المودودي من أفكار التكفير والاقتتال، ومحاربة الحكام، وغيرها من المودوديات التي استوردتها هذه الجماعات!

أبو الأعلى أعطى اهتمامًا خاصًا لقضايا المرأة، فأصدر كتابًا عن تنظيم الأسرة، وآخر عن تحديد النسل، وثالث عن مطالب الإسلام تجاه المرأة ورابع عن حقوق الزوجين وكتابا خامسا هو أهمها جميعا اسمه الحجاب.. طرح أبو الأعلى في كتبه فكر الجماعة الإسلامية في باكستان عن قضية المرأة وقد نقلت عنه هذه الجماعات بالنص.

ويمكننا أن نتعرف على المعالم الأساسية لهذا الفكر الذي لم يتقبله المجتمع، ولعل ذلك وغيره من آرائه هو ما دفعه لأن يقول إنه «منذ سنوات وأنا أبلغ أفكارى إلى أناس كلما اقتربت منهم أراهم وكأنهم ابتعدوا عني، إن قدرهم يختلف عن قدرى وأذانهم صارت غريبة عن لغتني».

والنقاب بالنسبة لنا الآن ظاهرة جديدة بشكل لافت وأغلب الظن أن سببها اعتناق الجماعات لدعوة «المودودى» الذي ينظر للمرأة من زاوية جنسية بحتة، ويرى خلافًا للعلماء أن الحجاب الشرعى هو النقاب، وأن من يرفض النقاب عليه أن يُعلن براءته من الدين الإسلامي، فكان الإسلام في رأيه هو نقاب المرأة، ويُهاجم الذين يحللون كشف وجه المرأة وكفيها فيقول عنهم إنهم بحثوا في اجتهادات الأئمة لعلهم يجدون في أثنائها ومطاويها ما يعينهم على غسل عار النقاب، فإذا بهم يقعون على أقوال لبعض الأئمة تجيز للمرأة أن تبدى وجهها ويديها وتخرج كذلك من بيتها لحوائجها، وأنه يجوز لها أن تشهد الحروب لسقى المجاهدين ومداواة المرضى، ثم وجدوا في تلك الأقوال إذنًا بخروج المرأة الى المسجد للصلاة وجلوسها للتعلم والتعليم فكفاهم هذا القدر من المعلومات لأن يدعوا أن الإسلام قد أعطى المرأة حرية مُطلقة، وأن الحجاب - أى النقاب - من تقاليد الجهلاء.

ولنقترب من فكر المودودى أكثر فهو يقول إن المرأة قد أمرها الشرع الإسلامي بستر وجهها عن الأجانب، ومازال العمل جاريًا عليه منذ عهد النبي «صلى الله عليه وسلم» إلى هذا اليوم، وأن النقاب مما اقترحه القرآن نفسه من حيث حقيقته ومعناه وإن لم يصطلح عليه لفظًا، وكانت نساء المسلمين قد اتخذته جزءًا من لباسهن لخارج البيت بمرأى من الذات النبوية التي نزل عليها القرآن، وكان يُسمى نقابًا في ذلك العهد أيضًا.

«وإذا كنتم قد قررتم أن هذا النقاب عار على أنفسكم وشنار، بعد إيمانكم بوحى الغرب، فليس الى غسله عن أنفسكم من سبيل غير أن تعلنوا براحتكم من الدين الإسلامى الذي يأمر بالأشياء السمجة البغيضة كلبس النقاب وإسدال الخمار وستر الوجوه».

«إن الرجل هو حاكم الأسرة وراعيها ومراقب أخلاقها وشئونها، وواجب جميع أفرادها طاعته، ثم هو مكلف بعيالة الأسرة وتزويدها بحاجات حياتها، والمرأة عليها تنظيم شئون البيت، وإنفاق ما يكسبه زوجها».

المرأة في التنظيم الذي يراه المودودى ربة البيت، وعلى زوجها كسب الأموال وعليها إنفاق تلك الأموال لتدبير شئون المنزل، وخروج المرأة من البيت لم يحمد في حال من الأحوال، وخير الهدى لها أن تلازم بيتها.

وقد منحت المرأة البالغة كثيرًا من الحرية فى شئونها الشخصية ولكنها لم تمنح حرية الإرادة والاختيار مثل الرجل البالغ.

ويرى المودودى أيضًا «أن أوروبا أرادت أن تجعل المرأة عضوًا كاسبًا في المجتمع، فأدى الأمر إلى مفسدة أخرى أكبر من الأولى، أما الإسلام فقد اتخذ طريقًا وسطًا، فجعل لها حقوقًا واسعة في الميراث ولها أن تأخذ من زوجها المهر، وكل ما يجتمع لديها من هذه الوسائل من الأموال، ولها فيها كل حقوق الملكية والقبض والصرف، ولم يجز لأبيها أو زوجها أو أحد آخر أن يتدخل في شيء منها، وفوق ذلك إن كسبت ثروة تستثمر أموالها ويجب على زوجها أن يؤدى إليها نفقتها في كل حال..

يعطى المودودى للمرأة حق الانتخاب في حالة واحدة فقط هي انتخاب زوجها فيقول: إن للمرأة كل الحق لانتخاب زوجها، ولها حقوق واسعة في طلب الخلع والفسخ والتفريق من زوجها أن كان بغيضا، وعلى الرجل التزام السماحة والمعاملة الحسنة، في استعماله السلطة التي قد جعلها الإسلام له على المرأة.

وفي التعليم والتربية يرى أن الإسلام لم يميز بين الرجل والمرأة، ولكنه يفرق بينهما من حيث نوعيته بحيث يجعلها زوجة مثالية وأما رؤوما وربة بيت مدبرة، وإذا كان مجال نشاط المرأة هو البيت، فيجب أن تتعلم العلوم التي تجعلها نافعة الى أبعد حد ممكن في هذا المجال، وتلتزم بتلك العلوم التي تعلم المرء الإنسانية وتهذب من أخلاقه وتوسع من أفق نظره.

ويرفض المودودي أن تعمل المرأة مثل الرجل وينتقد ما يقال أن «المساواة هو أن تكون دائرة عمل الرجل والمرأة واحدة، فيقوم الجنسان بأعمال من النوع الواحد، وتقسم بينهما واجبات جميع شعب الحياة وتكون منازلها في نظام التمدن متماثلة، ويرى أن الذين يقولون بهذه المساواة ويدعون إليها يحتجون لهذه النظرية بشواهد العلوم التجريبية وتجاربها، فيثبتون بها أن الرجل والمرأة متساويان في قوتهما ومقدرتهما الجسدية، ولا يصح هذا الرأي، ما لم يثبت أنهما متماثلان أيضا في نظامهما الجسدي..

وأن تكليف المرأة بالواجبات الخارجية ليس ظلمًا لها فحسب، بل أنها ليست أهلا كل الأهلية للقيام بواجبات الرجال، وإنما ينهض بها من العاملين من كانت قوة عملهم ثابتة لا تفتر وكانوا يستطيعون أن يؤدوا واجباتهم بمقدرة سواء على الدوام، وكانت قواهم العقلية والجسدية مما يوثق به ويعتمد عليه، وأما من كن عرضة فى كل شهر لنوبات الأذى الذي يذهب كل قدرتهن وكفاءتهن أو يقلل منهما فهن لسن صالحات للعمل.

الآن.. عرفنا كيف عاد «النقاب» ليظهر بهذا الحجم الكثيف في مصر وينتشر ابتداء من منتصف السبعينيات، ومن الذي أفتى بانه فريضة شرعية، وأن كلمة حجاب تعنى «النقاب» وأنه على المرأة أن تغطى وجهها وكفيها، وأن دورها الوحيد هو الانجاب، وتربية الأولاد في البيت وإنفاق ما يكسبه الزوج..

ولا اعتراض على النقاب، إذا كانت القناعة أنه أكثر احتشامًا، وكنوع من التشدد مع ما يرتكبه بعض المنحرفين من جرائم باسم النقاب.. الاعتراض على تصويره كفريضة إسلامية، وهو رأى المودودي.

كان النبي «صلى الله عليه وسلم» ينادى قومه أن يحسنوا معاملة النساء ويطلب الرفق بهن.. أما هؤلاء فلا رفق عندهم لا بمرأة.. ولا برجل.. ويحاولون أن يلبسوا أفكارهم عن المرأة ثوب الحق، فإذا لم يجدوا بين العلماء من بلد رغبتهم.. فإنهم يستوردون الرأى.. ولو من الهند..!


صورة من المقال:



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.