‏إظهار الرسائل ذات التسميات محمد أنور السادات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات محمد أنور السادات. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 21 مارس 2021

06 البنتاجون استعان بالقمر الصناعى وقرر: "إسرائيل هُزِمت"

6

البنتاجون استعان بالقمر الصناعى وقرر: "إسرائيل هُزِمت"

الأهرام الأحد 5 أكتوبر 1975م - 1 شوال 1395هـ


بالنسبة للموقف العالمى، ابتداء من يوم 6 أكتوبر، فقد ظل العالم كله مبلبلا ومنحازًا لوجهة نظر إسرائيل، بحكم تعوده على هذا الوضع لمدة ربع قرن.

صدق العالم بلاغات إسرائيل التي ادعت أنها ستطحن عظامنا وتكسر جماجمنا، وبالطبع لم يقتنع العالم بصحة بلاغاتنا على الأقل في أول يومين للمعركة، برغم أن أحمد إسماعيل كان متحفظًا في البلاغات التي كان بعضها يعلن عن خسائر في الدبابات الإسرائيلية أقل من الخسائر الحقيقية. فقد تعود أن يطلب التأكيد من أكثر من جهة، وعندما لا تتوافر لديه البيانات المشتركة كان يأخذ بالرقم الأقل. ولذلك إذا جمعنا خسائر الدبابات الإسرائيلية فسنجد أنها أكثر في الحقيقة بمائة أو مائة وخمسين دبابة على أقل تقدير.

أي أن أحمد إسماعيل استفاد من دروس هزيمة سنة 1967 التي لم تكن بلاغاتها سوى ادعاءات لشغل الرأي العام عن الحقيقة المرة أطول فترة ممكنة. وفى الحقيقة كانت تعليماتى لأحمد إسماعيل تنصل على وضع الحقيقة كاملة، بمرها وحلوها، أمام الشعب، وهى نفس التعليمات التي أصدرتها لعبد القادر حاتم(1)، بحكم إشرافه على الجانب الإعلامى. فقد آن الأوان لكى نعود شعبنا على سماع الحقيقة وتقبلها مهما كانت.

في اليوم الثالث من المعركة، بدأت الأمور تتكشف على حقيقتها للعالم الخارجي الذى بدأ يتسرب إليه الشك في حقيقة البلاغات الإسرائيلية، وبالتالي بدأ في الإنصات جديًا للبلاغات المصرية.

وكانت جولدا مائير - على ما اتضح بعد ذلك - قد اتصلت بواشنطن تليفونيًا وقالت لهم أن إسرائيل في حاجة إلى يومين فقط لتُحطم عظام العرب في مصر وسوريا، وبعد الانتهاء من هذه المهمة البسيطة ستُطالب إسرائيل أمريكا بأن تستعوض كل الأسلحة التي فقدتها في القضاء على العرب. وطمأنت مائير واشنطن بألا تقلق أمريكا على إسرائيل التي تعرف جيدًا كيف تتعامل مع العرب.

مضى يومان بعد مكالمة جولدا مائير، واتصلت إسرائيل تليفونيًا بواشنطن، لتقول أنها مازالت في حاجة إلى يومين آخرين للقضاء على العرب لأنها استخدمت اليومين الماضيين في التعبئة والحشد بسبب عيد الغفران(2) الذى عطل هذه العملية، خاصة وأن إسرائيل لم تعلن حالة التعبئة. وأكد ديان(3) في حديثه على حق إسرائيل في استعواض الأسلحة بعد القضاء على العرب في ظرف 48 ساعة.

وعندما زارنى كيسنجر(4) في القاهرة لأول مرة، أخبرنى بأن الشك قد تسرب إلى نفسه بعد مكالمة ديان، فطلب تقريرًا عن المعارك من البنتاجون(5)، ثم أجرى تحقيقًا مع وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية والبنتاجون، لتقصى الأسباب التي عجزت معها كل هذه الأجهزة العاتية عن التنبؤ بوقوع هذه المعارك الضارية في مثل هذه المنطقة الحساسة والحرجة.


رسالة استغاثة.. "أنقذوا إسرائيل"

في نهاية مهلة اليومين التي طلبها ديان استغاث السفير الإسرائيلي في واشنطن بوزارة الخارجية الأمريكية في رسالة عاجلة تصرخ: "أنقذوا إسرائيل".. وأعلن السفير أن إسرائيل فقدت أربعمائة دبابة على الجبهة المصرية والحالة في غاية الخطورة لأن الطريق أصبح مفتوحًا إلى تل أبيب. وانتهت الرسالة التاريخية عند هذا الحد.

وعندئذ طلب كيسنجر جولدا مائير مباشرة بالتليفون وقال لها أن السفير الإسرائيلي في واشنطن قد أبلغه باستغاثة إسرائيل العاجلة وطلبها أربعمائة دبابة فورًا بدلا من الدبابات التي فقدتها على الجبهة المصرية. وأبلغها كيسنجر أيضًا أنه طلب تقريرًا عاجلا من البنتاجون الذى استعان بالقمر الصناعى في كتابة التقرير، وتشير كل الدلائل إلى أن المعركة على الجبهة المصرية تسير في غير صالح إسرائيل نهائيًا، وأن خسائر إسرائيل بلغت حدًا لا يُصدق فهل هذا صحيح؟ وهل صحيح أن إسرائيل طلبت النجدة السريعة؟؟.

أجابت جولدا مائير على كيسنجر بالإيجاب وأبلغته أن ديان طلب ذلك بناء على موافقة مجلس الوزراء الإسرائيلي. واعترفت بأن إسرائيل في انتظار الوصول الفوري للدبابات الجديدة حتى تنقذ إسرائيل نفسها من الهوة الرهيبة التي وقفت على حافتها وأوشكت على السقوط فيها بالفعل، بل أنها استخدمت تعبيرًا ذكره أليعازار(6) رئيس الأركان الإسرائيلي في مذكراته وهو: "إن إسرائيل في القاع In The Bottom".

عندئذ صرحها كيسنجر برأيه وقال لها أن على إسرائيل أيًا كانت النتيجة النهائية أن تجهز نفسها للأوضاع الجديدة المترتبة على هذه الهزيمة. ومع ذلك فستبذل أمريكا أقصى ما في وسعها لإنقاذ إسرائيل ومساعدتها بكل الوسائل الممكنة.

ولكن جولدا مائير حاولت المكابرة مرة أخرى بادعائها أن إسرائيل ما زالت قادرة على دق عظام العرب وطحن جماجمهم.

لم يقتنع كيسنجر بكلام مائير لأنه مُفكر استراتيجى يرى الواقع من خلال الحسابات الدقيقة وليس في ضوء ما يتمناه الآخرون. فطالما صدق هو نفسه الأسطورة الضخمة التي بنتها إسرائيل حول تفوقها الساحق وذراعها الطويلة التي يمكن أن تبطش بأية منطقة في العالم العربى مهما بعدت. ولكن عندما وصله تقرير البنتاجون، تأكدت لديه في الحال الأبعاد الأسطورية لعبور القناة واقتحام خط بارليف ودخول قوات مصرية رهيبة ضخمة على مدى 180 كيلو مترًا من بورسعيد إل السويس. وبرغم المانع المائى المستحيل، والتحصينات الإسرائيلية المنيعة، والجبهة الطويلة الشاسعة لم تحدث خسائر تُذكر للقوات المصرية. هذا في الوقت الذى خسرت فيه إسرائيل 400 دبابة في الأيام الأربعة الأولى وانكسر الصلف الإسرائيلي نهائيًا، وظهرت إسرائيل على حقيقتها عارية أمام العالم أجمع ليرى كم من الوقت خدعته وغررت به.

ولعل هذا هو السبب الرئيس الآن [عام 1975] في جهود إسرائيل المضنية لكى تزيح كيسنجر من الطريق بالقضاء على مستقبله السياسى. فهو الوحيد من المسئولين الأمريكيين الذى يعرف الأبعاد الحقيقية للمأساة الإسرائيلية، وهو الشاهد العيان الذى رأى اندحارهم وسقوطهم في الهوة التي طالما أعدوها ودفعوا إليها العرب دفعًا. ووجوده يُذكرهم دائمًا بالكابوس الذى رزحت تحته إسرائيل منذ ظهر السادس من أكتوبر 1973 ومازال يطبق على أنفاسها حتى الآن. ولكن إسرائيل تُصِر على سلوك النعامة التي تدفن رأسها في الرمال ظنًا منها أن الصياد لن يراها، وهو السلوك الذى يدفعنا إلى التخلص من كيسنجر ظنًا منها أنها بذلك يمكن أن تتخلص من وصمتها التي لحقت بها إلى الأبد.

باستمرار المعركة دارت الدوائر على إسرائيل وبدأ العالم بتعاطف مع العرب، تمامًا مثلما كان متعاطفًا مع الإسرائيليين عام 1967. وهذا يرجع إلى الأسلوب الصادق والهادئ للدعاية العربية، والدقة الأمينة والموضوعية في البلاغات الصادرة، والقدرة القتالية التي حطمت أسطورة التفوق الإسرائيلي في ساعات معدودة.

فمثلا كان سلاح الطيران الإسرائيلي قبل المعركة لا يتمتع بالتفوق فقط، بل بالسيادة المطلقة على أجواء المنطقة كلها. ومع هذا فقط الإسرائيليون ثلث سلاح طيرانهم في الأيام الثلاثة الأولى من المعركة على الجبهتين المصرية والسورية.

وكانت الخسارة أفدح عندما فقدوا أفضل طياريهم المدربين، فقد كان الهجوم المسعور لطائراتهم وبالا عليهم إذ وقعوا في المصيدة التي نصبها لهم طيارونا بالاشتراك مع قوات الدفاع الجوى. وكانت طائراتنا من طراز ميج 17 ذات السرعة الأقل من الصوت قادرة على إسقاط طائرات الفانتوم الأمريكية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت. وهذا يرجع إلى القضاء على خبرة الطيارين الإسرائيليين فى الموجات الأولى للهجوم، مما دفع بإسرائيل إلى تجنيد الطيارين الجدد على الفانتوم بحيث أصبحوا لقمة سائغة لطيارينا الخبراء المحترفين.

ولم يقتصر الأمر على ضياع خرافة السلاح الجوى الإسرائيلي، وتحطيم سمعة الجندى الإسرائيلي، بل أن شهرة المدرعات الإسرائيلية دُفِنت في الأوحال وهى تفر مذعورة أمام المدرعات المصرية لدرجة أن قائد المدرعات الإسرائيلية أبراهام مندلر(7) لقى حتفه على الجبهة المصرية بعد أن ظل يستغيث بالإشارات العاجلة ولكن لم يكن هناك في إسرائيل من ينجده أو حتى يسمع صرخاته المذعورة التي طغى عليها هدير المدرعات المصرية. وحكاية هذه الإشارات المتبادلة معروفة جدًا في إسرائيل ونشرت بالفعل هناك. وكان الإسرائيليون يتباهون بمدرعاتهم ويقولون أنها صُنِعت لتقهر وتتقدم، ولم ولن توجد المدرعات التي يمكن أن تعترض طريقها، وطالما قالوا أنها أحسن من البانزر الألماني التي حازت على شهرة مدوية في الدوائر العسكرية العالمية.

وقد طلبت إسرائيل من الولايات المتحدة العمل بأى شكل على إيقاف إطلاق النار حتى تسترد أنفاسها وتعاود الهجوم. ولكن الأمور سارت على غير ما تشتهى إسرائيل وتوالت الانتصارات المصرية يومًا بعد يوم.


السلام الروحى

لم أغير برنامجى اليومى على الإطلاق. كنت في المساء أجلس في شُرفة قصر الطاهرة أستمتع بمشاهدة القمر وهو يزداد جمالا ويكبر يومً بعد يوم، مثل انتصاراتنا تمامًا. بينما التليفون إلى جوارى والتقارير أمامى أتابعها أولا بأول، وغرفة العمليات المُصغرة في مكتبى بقصر الطاهرة نتابع على خرائطها الموقف من غرفة العمليات الرئيسية، والمشير إسماعيل على اتصال بى من حين لآخر من غرفة العمليات وكلها أخبار رائعة وانتصارات مدوية:

وقوع الأسرى ونشر صورهم في جميع أنحاء العالم.

ضرب اللواء 190 الذى كان من أروع لواءات إسرائيل المدرعة والذى كان يُعتبر في نظرهم رأس الحربة الذى يخترق أي حشد عسكرى مكثف. وكانت خطته أن يخترق ويندفع بعنف إلى أن يصل إلى ضفة القناة ويفصل قواتنا المسلحة عن بعضها البعض، ثم يشرعوا في تدميرها بعد تفتيتها تمهيدًا لإلقائها في القناة.

هذا اللواء الإسرائيلي المشهور يُصاب قائده عساف ياجورى(8) بانهيار عصبى عندما ينظر حوله فيجد أنه فقد اللواء بأكمله في ثلث ساعة أي في عشرين دقيقة فقط لا غير واللواء المدرع الإسرائيلي حسب تنظيمهم يتكون من 120 دبابة. بل أن دبابته شخصيًا أصيبت واحترقت وخرج منها يجرى كالأرانب الجبلى المذعور. والمعروف أن لواء في القتال والاستمرار فيه لمدة أيام وأسابيع متصلة لا أن ينتهى أمره في عشرين دقيقة.


انتصار أبو سعدة

أما القائد المصرى الذى أخرج هذه المعركة الرائعة إلى حيز التنفيذ والوجود فاسمه حسن أبو سعدة الذى يُشكل مثلا أعلى للعسكرية المصرية الحديثة، ومن البراعم والقيادات الجديدة التي تخرجت في مدرسة أكتوبر العسكرية. وقد رُقى إلى رتبة لواء، وهو من القادة الذين سأكتب عنهم في وصيتى ألا يتركوا القوات المسلحة طوال حياتهم بما لهم من حنكة تكتيكية وخبرة واسعة وعلم متجدد واحتراف يُجيد كل أسرار المهنة. فلقد عرف هو ورجاله كيفية التعامل مع الإسرائيليين وهم في أوج غرورهم وصلفهم. انتصر أبو سعدة وقضى على اللواء 190 الإسرائيلي في ثلث ساعة، ولذلك عندما زرت الجبهة بعد ذلك طلبت من أولادنا المحافظة على هذا الرقم القياسى الذى لم يُسبِق له مثيل في التاريخ العسكرى..

----------------

هوامش:

(1) محمد عبد القادر حاتم: ولد فى 3 سبتمبر 1918م بقرية ششت الأنعام بمركز إيتاى البارود بمحافظة البحيرة.. حصل على بكالوريوس العلوم العسكرية من الكلية الحربية الملكية عام 1939م..  وضع البنية الأساسية للإعلام المصرى فى الخمسينيات، وأنشأ التلفزيون المصرى سنة 1960، كما شغل منصب وزير الثقافة عام 1962 ثم وزيرًا للإعلام عام 1971م.. توفى فى 7 يوليو 2015م.

(2) هو اليوم العاشر من شهر "تشريه"، الشهر الأول في التقويم اليهودى.. ونظرًا لأن اليهود يستخدمون الشهور القمرية مثلما هو الحال مع المسلمين فقد توافق يوم 10 تشريه (تشرين) 5734 مع يوم 10 رمضان 1393هـ

(3) موشيه ديان: ولد 20 مايو 1915م.. وزير الدفاع الإسرائيلى 5 يونيو 1967 حتى 3 يونيو 1974م.. فضلا عن مناصب أخرى.. توفى فى 16 أكتوبر 1981م

(4) هنرى ألفريد كيسنجر: سياسى وديبلوماسى أمريكى ولد فى 27 مايو 1923م.. شغل منصب وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية ومستشار الأمن القومى الأمريكى فى ظل حكومة ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد.. حيث ظل فى منصب وزير الخارجية حتى 20 يناير 1977م.

(5) مبنى مقر وزارة الدفاع الأمريكية

(6) دافيد أليعازار: عسكرى إسرائيلى ولد فى 27 أغسطس 1925م.. عمل قائدًا لجبهة الجولان فى حرب 1967 ورئيسًا لأركان الجيش لإسرائيلى خلال حرب أكتوبر 1973.. توفى فى 15 أبريل 1976م

(7) أبراهام ألبرت ماندلر: ولد فى 3 مايو 1929 فى لينتس بالنمسا.. وقتل فى 13 أكتوبر 1973م فى سيناء بنيران المدفعية المصرية.

(8) عساف ياجورى: عسكرى إسرائيلى ولد فى 13 فبراير 1931م.. قاد كتيبة دبابات فى سيناء فى حرب أكتوبر 1973م وتم أسره فى معركة الفردان.. وقد أفرج عنه بعد 46 يومًا فى تبادل للأسرى.. توفى فى 18 مارس 2000م




05 لم ينتظر المشاة وعبروا قبل ضرب المدفعية

5

لم ينتظر المشاة وعبروا قبل ضرب المدفعية

الأهرام السبت 4 أكتوبر 1975م - 29 رمضان 1395هـ


طورنا العلم العسكرى

نعود إلى الساعة الثانية بعد ظهر يوم السادس من أكتوبر حين هجمت طائراتنا على ارتفاع منخفض جدًا لكى لا تظهر على الرادار الإسرائيلي. وعندما شاهدت قواتنا الرابضة على خط النار طائراتنا وهى تنقض على المواقع الإسرائيلية لم تنتظر صدور الأوامر إليها ببدء القتال، وإذ بالجزء الأكبر منها يعبر القناة كالسيل الهادر. وبالطبع صدر الأمر في الحال بالهجوم العام لجميع قوات الجبهة والانقضاض على موقع العدو.

بدأت عندئذ مراحل تنفيذ الخطة وعبرنا القناة، ولأول مرة يغير المصريون التخطيط العسكرى المتعارف عليه في العالم كله، والقاعدة العسكرية العالمية بل والتاريخية تحتم ألا يقابل المدرعات سوى المدرعات. ولم يخرج أحد من قادة الحروب في التاريخ عن هذه القاعدة، فيجب ألا تواجه المشاة مدرعات، فالمشاة بالتعبير العسكرى SOFT ولا تتحمل هجمات المدرعات الصلبة.

ولكن في حرب أكتوبر - وهى الحرب التي قلبت كل الموازين العسكرية والسياسية والاقتصادية رأسًا على عقب - نزلت قواتنا الخاصة مع قوات المشاة المدربة حاملة الصواريخ في اليد وعلى الكتف. هجمت القوات مستعيدة مناطق ومواقع شرق القناة، وذلك بعد أن تمكنت من القضاء على عدد كبير من الدبابات الإسرائيلية حتى تمهد الجو وتتيح للدبابات المصرية لكى تعبر وتسجل في تاريخ العسكرية العالمية أروع وأعنف وأكبر معارك الدبابات.

ولم يكن القضاء على الدبابات الإسرائيلية سهلا، فقد سبقته عمليات إعجار عسكرى خارق لكل قوانين الحرب.

كان من المفروض أن يبدأ ضرب المدفعية بأكثر من ألفى مدفع بعد ضربة الطيران فورًا. ثم يبدأ عبور المشاة، ولكن عبور المشاة تم قبل ضرب المدفعية لأنهم لم ينتظروا الأمر بالهجوم كما قلت.

بدأ الإعجاز المصرى بتسلق المشاة للحاجز الترابى الذى كان يصل في بعض مواقعه إلى ارتفاع أكثر من 17 مترًا. وقد تم التسلق بأساليب أذهلت الإسرائيليين والعالم كله معهم، لأننا استخدمنا عمليات تكاد تكون بدائية مثل سلم الحبال الذى يحمله أول متسلق وعندما يصل إلى القمة يقوم بمده حتى يتسله الباقون. وكان المتسلقون يحملون الأسلحة المضادة للدبابات مثل الصواريخ والمدافع من طراز ب 10 والأربيجيه 7 وهى ثقيلة تمامًا. وبنفس السرعة أعدوا المدافع للانطلاق وهجموا على المواقع التي أعدها الإسرائيليون خلف الساتر الترابى في شرق القناة لكى تهاجمنا منها قواتهم ودباباتهم في حالة حدوث أي هجوم مصري. سبق أولادنا جنود إسرائيل واحتلوا المواقع وسيطروا عليها لكى يغطوا قواتنا التي كانت تعبر في تلك اللحظة الرهيبة.

بدأت موجات العبور تتوالى وكان مهرجانًا وطنيًا في غرفة العمليات. صحيح لم يكن هناك صوت ما، فقد كان العمل الصامت والتفكير الهادئ يسيطران على تصرفات كل القادة.

ولم يكن يُسمع سوى صوت الميكروفون الذى يُعلن: لقد عبر اللواء السابع وغرس العلم على الضفة الشرقية.

كان أول تبليع عن أول لواء مصري يعبر.

ثم توالت الأنباء بعد ذلك عن استعادة النقط الحصينة في خط بارليف(1) الذى يمتد على القناة مباشرة. وكانت النقط الحصينة تتساقط مثل أوراق الخريف أمام سيل أولادنا الهادر.

وبعد أربع ساعات كان من الواضح تمامًا أن الإسرائيليين فقدوا توازنهم بالكامل بضياع السيطرة على قياداتهم وقواتهم.

والسيطرة اصطلاح عسكرى يعنى القدرة التامة على الاتصال المباشر والسريع بين القيادات والقوات العاملة. ولذلك كان هدفنا القضاء على وسائل هذا الاتصال لكى نحقق عنصر المفاجأة، ويظل عامل المبادرة في أيدينا، وكسب الوقت إلى جانبنا.

ومن أهم الوسائل للقضاء على فاعلية العدو هو العمل الحاسم والسريع لإنهاء سيطرته على قياداته وقواته، وإلى أن يستعيد العدو توازنه ويلم شمل قواته، يكون الوقت اللازم لحسم المعركة لصالحه قد فات وبالتالي تصبح خسارته محققة. وهذا ما حدث بالفعل في الساعات الأربع الأولى من القتال.


شيء لم يخطر على بال إسرائيل

بعد ذلك بدأ سلاح المهندسين في استخدام نظرية شق الحاجز الترابى بخراطيم المياه المكثفة(2). وهى النظرية التي لم تكن لتخطر على بال أحد من القادة العسكريين الإسرائيليين أو حتى العالميين. ولذلك فالجميع مذهولون حتى الآن كيف حدث هذا بهذه البساطة؟؟

والحقيقة أن هذه عملية مصرية مائة في المائة استطعنا اكتشافها من خبرتنا الهندسية والعملية في بناء السد العالى. فقد كان هناك سد رملى عندما بنى جسم السد الكبير لكى يحتل المكان الذى ستدخل منه المياه إلى محطات الكهرباء، وعند الانتهاء من بناء السد العالى تقرر التخلص من السد الرملى عن طريق توجيه الخراطيم إلى منتصفه لكى تحدث فيه ثغرة. عندئذ تتكفل المياه المحجوزة وراء السد الرملى بأن تجرفه فورًا.

ولقد استخدمنا نفس النظرية لفتح الثغرات في الساتر الترابى على القناة برغم أنه لم تكن هناك مياه تعمل على جرفه. ولكننا اقتصرنا على فتح الثغرات التي تتيح عبور الدبابات. وفعلا نجحت النظرية نجاحًا منقطع النظير.


خدعة مص القصب

واستمر تركيب الجسور على القناة ولم تكن سوى جسور من طراز الجسور التي استخدمت في الحرب العظمى الماضية والتي تحتاج إلى فترة من 5 إلى 7 ساعات لتركيبها وهى ما سمح لنا به الروس في الوقت الذى كان عندهم الجسور الحديث التي يمكن تركيبها في نصف ساعة فقط ولم يرسلوها إلا بعد عتابى الشديد لكوسيجين(3) رئيس وزراء الاتحاد السوفيتى ووصلتنا قبل وقف القتال مباشرة. وعلى جسور من هذا الطراز القديم بدأ عبور الدبابات في المساء. وتم كل شيء قبل مواعيده المنصوص عليها في الخطة. فقد استطعنا استغلال الغرور الذى أصاب الإسرائيليين وأعماهم عن رؤية الأمر الواقع بأبعاده الحقيقية.

كانوا واثقين أن عملية عبور القناة انتحار، وهى فعلا انتحار. وقد حاولت جولدا مائير(4) تغطية الخيبة الإسرائيلية بادعائها أن إسرائيل لم ترغب في البدء بالهجوم وتركت الضربة الأولى للعرب. وهذا الادعاء يتنافى مع الحقيقة تمامًا لأننا نعرف سياسة إسرائيل التي تعتمد على ما يسمى بالحرب الوقائية لأتفه الأسباب وأسخف الأعذار. فقد كانت تهاجم لمجرد أية شبهة لا أساس لها من الصحة واليقين.

هذا يدل دلالة واضحة على أن المفاجأة كانت كاملة بالنسبة لهم حتى قادة الجبهة صباح 6 أكتوبر قاموا بخداع آخر بأن جعلوا جنودهم يسترخون على ضفة القناة ويمصون أعواد القصب.

بتركيب الجسور ودخول القوات المدرعة في أعقاب هجوم قواتنا الخاصة مع المشاة المدربة، حطمنا نظرية الدرع بالدرع، والدبابة بالدبابة، كما قلت.. هجم جنودنا بمدافع الأربيجيه وصواريخ الميلوديكا المضادة للدبابات، وبالإضافة إلى ضربهم المباشر، كان هناك الضرب غير المباشر للمدفعية الثقيلة. ومن خلال الهجمات المباشرة والسريعة، قضوا على هجمات الإسرائيليين الذين بذلوا أقصى ما في وسعهم لوقف العبور.

هكذا عبرت قواتنا المدرعة كلها ووصلت إلى الخط المقرر لها في الخطة. وتم تنفيذ كل العمليات المتصلة بالخط الأول قبل مواعيدها المقررة، وذلك استعدادًا لتطوير الهجوم إلى المرحلة الثانية بالوصول إلى الخط الثانى عند المضايق.


العبقريات التي أنجبتها مصر

كان العطل الوحيد قد تمثل في موقع واحد في الجيش الثالث أمام السويس. فعندما وجهت خراطيم المياه إلى الساتر الترابى أحدثت في الأرض نوعًا من الرخاوة واللزوجة بسبب ملوحة الأرض في تلك المنطقة. ولذلك كان عبور الدبابات صعبًا لأول وهلة، لدرجة أن الدبابات الأولى غرزت وعجزت عن التقدم، عندئذ تصرف القائد بحكمة لكى لا يضيع الوقت الثمين، فأمر بإعادتها وإلقائها في القناة لكى تخلى الطريق للدبابات التالية. ونفذ هذا حرفيًا وتم إخراج الدبابة أخيرًا في عمليات تطهير القناة التي تمت قبل افتتاحها في 5 يونيو 1975(5).

وقد يلاحظ القارئ أننى تحاشيت التحدث باستفاضة عن الجانب الفني العسكرى للمعركة، فقد فضلت أن أترك هذا الجانب للفريق أول محمد عبد الغنى الجمسى الذى كان مديرًا للعمليات أثناء الحرب، لكى يكتب التاريخ العسكرى بكل تفاصيله الدقيقة، فهو تاريخ لن يدرس فقط في كلياتنا وأكاديمياتنا العسكرية بل في كل معاهد العالم العسكرية. والجمسى بالذات من العبقريات العسكرية التي أنجبتها أرض مصر الطيبة، والتي أبرزتها حرب أكتوبر عمليًا للعالم أجمع. ونستطيع الآن القول بأن حرب أكتوبر كانت مدرسة عسكرية تخرج فيها من القادة العظام من نتباهى بهم أمام العالم من أمثال: الجمسى، وحسنى مبارك، ومحمد على فهمى(6)، وأحمد بدوى(7)، وفؤاد عزيز غالى(8)، وأبو سعدة(9)، وعبد العزيز قابيل(10) وكثيرون آخرون.


كيف نتكلم؟

كانت الحملة الإعلامية المصرية على مستوى المعركة أيضًا. وتجلى هذا في أسلوب صياغة البلاغات العسكرية. فإذا أخذنا البلاغ الأول الذى أعلن أن قواتنا تتعامل مع العدو وترد عليه قبل إعلان العبور، نجد أنه حدد بعض المناطق في البحر الأحمر والبحر الأبيض، لكى تتفاداها الملاحة والطيران الدوليان، حرصًا منا على الأمن العالمى. فقد كنا - كما قلت - نعمل على أحدث أساليب العلم وضرورات العصر. وكان لهذا تأثير كبير على الإسرائيليين أنفسهم. فقد ظنوا أننا نقول كلامًا لمجرد الاستهلاك المؤقت، ولسنا بقادرين على تنفيذ ما نقول، ولذلك لم يعبأوا بتحذيراتنا، ولكنهم عادوا إلى صوابهم عندما ضربت سفينة لهم كانت في طريقها إلى إيلات ولم نعلن أننا ضربناها. وأدركوا في الحال أننا نعنى ما نقول وأوقفوا الملاحة في المناطق التي حددها بلاغنا.


مفاجأة السفير السوفيتى

في غرفة العمليات، توالت البلاغات بسقوط النقط ورفع العلم المصرى هنا وهناك. وأصبحت اللواءات تتنافس فيما بينها على رفع الأعلام وخاصة عندما تسمع لاسلكيًا أن لواء جديدًا رفع العلم وهكذا.

وظللت أتابع الموقف من غرفة العمليات حتى الساعة الثامنة إلا ثلثًا، عندما أبلغنى قصر الطاهرة أن السفير السوفييتى طلب مقابلتى لإبلاغى رسالة عاجلة من القادة السوفييت. وإذ بالسفير يبلغنى أن الرئيس حافظ الأسد(11) قد طلب وقف إطلاق النار في ظرف 48 ساعة. وتوالت مقابلات السفير السوفييتى لى كما سردت من قبل في هذا التسجيل.

وكل هذه التفاصيل السياسية مثبتة في دفتر يوميات المعركة. فقد كلفت عبد الفتاح عبد الله(12) لكى يُسجل يوميات العملية السياسية تمامًا كما كانت يوميات العملية العسكرية تُسجل في غرفة العمليات أولا بأول. وعلى هذا سجل عبد الفتاح عبد الله كل المحادثات التي دارت بينى وبين السفراء أو غيرهم من المسئولين المعنيين بالأحداث الدائرة في المنطقة.

---------------

هوامش:

(1) خط بارليف: سمى كذلك نسبه للقائد العسكرى الإسرائيلى حاييم يرليف.. وهو عبارة عن سلسلة من التحصينات الدفاعية التى كانت تمتد على طول الشاحل الشرقى لقناة السويس.. تم بناؤه من قبل إسرائيل لسيناء بعد حرب 1967 بتكلفة حوالى 500 مليون دولار.

(2) صاحب الفكرة هو المقدم باقى زكى يوسف (اللواء أركان حرب فيما بعد).. ولد في 23 يوليو 1931م وتوفى 23 يونيو 2018م.. وحسب التصريحات الصفحية لباقى زكى.. أنه عرض فكرة استخدام قوة المياه موضحًا بأنها أقوى من المفرقعات والألغام والصواريخ وأوفر وأسرع.. موضحًا أنه توصل للفكرة من خلال خبرته العملية عندما كان يعمل في السد العالى.. وبعد عرضها على قائد الفرقة اللواء سعد زغلول عبد الكريم نقلها إلى نائب رئيس العمليات اللواء أركان حرب محمود جاد التهامى.. وخلال 12 ساعة وصلت الفكرة للرئيس جمال عبد الناصر، ومنه إلى إدارة المهندسين التى درست الفكرة وجربوا أكثر من نوع من المضخات وقاموا بالعديد من التجارب العملية والميدانية للفكرة زادت على 300 تجربة اعتبارًا من سبتمبر 1969 حتى 1972 بجزيرة البلاج بالإسماعيلية، حيث تم فتح ثغرة فى ساتر ترابى أقيم ليماثل الموجود على الضفة الشرقية للقناة.

(3) أليكسى كوسيجين: ولد فى 20 فبراير 1904م وتولى رئاسة وزراء الاتحاد السوفيتى من 15 أكتوبر 1964م حتى 23 أكتوبر 1980م. وتوفى فى 18 ديسمبر 1980م.

(4) جولدا مائير: رابع رئيس وزراء لإسرائيل.. ولدت فى 3 مايو 1898م وتولت رئاسة وزراء إسرائيل فى 17 مارس 1969م حتى 3 يونيو 1974م.. وتوفيت فى 8 ديسمبر 1978م

(5) الخميس 5 يونيو 1975م - 24 جمادى الأولى 1395هـ

(6) المشير محمد على فهمى: ولد فى 11 أكتوبر 1920م.. وتولى قيادة قوات الدفاع الجوى من 23 يونيو 1969 حتى 1975م.. وتوفى فى 12 سبتمبر 1999م.

(7) المشير أحمد بدوي سيد أحمد: ولد فى 3 أبريل 1927م.. تولى منصب وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة من 14 مايو 1980م حتى وفاته فى 2 مارس 1981م.

(8) فؤاد عزيز غالى: ولد فى 10 ديسمبر 1927م بمحافظة المنيا لأسرة قبطية تنتمى للطبقة الوسطى.. تخرج من الكلية الحربية عام 1946م.. لعب دورًا بارزًا في حرب أكتوبر ، فقد قام بتحرير مدينة القنطرة، ودمر أقوى حصون خط بارليف.. تم ترقيته لرتبة لواء، كما عين فى 12 ديسمبر 1973م قائدًا للجيش الثانى الميدانى ليصبح أول قبطى يصل لمنصب قائد جيش ميدانى.. عين محافظ لجنوب سيناء فى 16 مايو 1980م.. وتوفى فى 1 أغسطس 2000م

(9) حسن على أبو سعدة: ولد فى 13 أكتوبر 1930م فى مدينة إدكو بمحافظة البحيرة.. فى 1971 تم تعيينه قائدًا للفرقة الثانية مشاة والتى حققت إنجازات عكسرية عديدة فى حرب أكتوبر 1973م منها تدمير اللواء 217 مدرع احتياطى الاسرائيلى وأسر قائد أحد كتائبه وهو المقدم عساف ياجورى فى معركة الفردان.. عين سفيرًا فى المملكة المتحدة لندن فى 2 نوفمبر 1982 وحتى عام 1984م... وتوفى فى 7 مارس 2012م.

(10) اللواء محمد عبد العزيز قابيل: ولد فى 14 مارس 1927م بالعزيزية مركز منيا القمح بمحافظة الشرقية.. كان قائد الفرقة الرابعة المدرعة أثناء حرب أكتوبر.. وترقى إلى رتبة اللواء وعين قائدًا للمنطقة الغربية العسكرية ثم الملحق الحربى فى واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية حتى أنهى حياته العسكرية عام 1984م

(11) حافظ الأسد: ولد فى قرية القرداحة بمحافظة اللاذقية بسوريا، انضم إلى حزب البعث السورى عام 1946م وتخرج من الأكاديمية العسكرية بحمص عام 1955م.. عين عام 1965 قائدًا للسلاح الجوى.. فى 23 فبراير 1966م كان الأسد أحد قادة الانقلاب الذى أطاح بالقيادة القومية المدنية للحزب وحكم الفريق أمين الحافظ، وخلال بضعة أيام من الانقلاب تولى حافظ الأسد وزارة الدفاع. بعد حرب 5 يونيو 1967 جرت اعتقالات واسعة فى سوريا وتم تبادل الاتهامات مما دفع حافظ الأسد إلى الاستيلاء على السلطة فى سوريا عام 1970 ثم أصبح رئيسًا للجمهورية فى مارس 1971م حتى وفاته فى 10 يونيو 2000م

(12) عبد الفتاح عبد الله محمود: وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء فى وزارة أنور السادات الأولى التى تشكلت فى 27 مارس 1973م.. ثم وزير الدولة لشئون رئاسة الجمهورية فى وزارة أنور السادات الثانية التى تشكلت فى 25 أبريل 1974م



04 كيف تم تجهيز "المركز 10"

4

كيف تم تجهيز "المركز 10"

الأهرام الجمعة 3 أكتوبر 1975م - 28 رمضان 1395هـ


في صباح السبت [10 رمضان - 6 أكتوبر](1)، استيقظت بعد ليلة هادئة ونوم عميق، وكان برنامجى في هذا الصباح هو نفس برنامجى اليومى العادى.. قمت في الصباح بممارسة التدريبات الرياضية التي تعودت عليها لإيمانى بمبدأ "إن لبدنك عليك حقًا"، وكان هذا بعض ما تعلمته في السجن. فحتى يعيش الإنسان في توازن سليم لابد وأن يحصل على توازن دقيق بين العقل والجسم والروح. فإذا اختل هذا التوازن بين العناصر الثلاثة فسوف يهتز الإنسان في حياته وسلوكه، وبالتالي في كل القرارات التي يتخذها.

وهذه اللمحة التي أذكرها الآن ربما تكون شخصية بحتة، ولكن لارتباطها الوثيق بمشاعرى وأفكارى في ذلك اليوم الخالد، رأيت أن أتحدث عنها حتى أسجل الخلفية الفكرية والوجدانية التي واكبت لحظات ما قبل الثانية بعد ظهر يوم السادس من أكتوبر 1973.

لا يستطيع الإنسان أن يصدر قرارًا سليمًا إلا إذا عاش حياة حقيقية بمعنى الكلمة. وهذه الحياة لا تعتمد في أساسها على الفقر أو الغنى بقدر ما تعتمد على ذلك التوازن الدقيق الذى ذكرته. فمثلا تعد تجربة السجن الانفرادى أقصى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان من كبت وإذلال، ومع ذلك تعلمت منها كيف أصل إلى توازن العقل مع الجسم مع الروح، وبذلك كانت الشهور الستة الأخيرة في السجن هي أروع ستة شهور عشتها في حياتى حتى الآن.

ولذلك فكل الذى تمكنت من تحقيقه وتنفيذه، وكل ما سيكتب التاريخ عنه أو لا يكتب، فإن مقياس حياتى هو مقياس النجاح الداخلى النابع من ذلك التوازن الذى منحنى هذا السلام الروحى والهدوء النفسى ليلة الحسم الأعظم. فالجسم يحتاج دائمًا إلى تدريب وتنشيط عن طريق الممارسة اليومية والمنتظمة للرياضة البدنية، أم العقل فيتغذى على القراءة والبحث والدراسة والتحليل حتى لا يصدأ، بينما الروح تعتمد على إيمان الإنسان ونظرته الشاملة لهذا الكون ومعتقداته التي تؤكد له أن الله عز وجل خلق له وجودًا آخر غير مجرد الوجود الحيوانى البحت. فإذا مارس الإنسان هذه الرياضة البدنية والعقلية والروحية وتمكن من هذا التوازن الدقيق، فإنه لا يصبح سيد نفسه فقط بل سيدًا على كل ما يواجهه. ولكن الإنسان - للأسف - في غمرة المدنية المادية نسى كل هذا، وتصور أن السعادة هي في مجرد امتلاك المادة، وكانت النتيجة أنه لم يفقد السعادة فقط بل فقد نفسه أيضًا وأصبح ريشة في مهب الرياح.

وأحمد الله على تجربة السجن التي أمضيت فيها واحدًا وثلاثين شهرًا من يناير 46 إلى يوليو 48، فقد منحتنى التوازن الذى يعتمد على السلام الروحى والتنشيط العقلى والرياضة البدنية. وكانت هذه العناصر الثلاثة هي التي جنبتنى الانفعال والعصبية والتشنج.

لذلك استيقظت صباح 6 أكتوبر 1973 وأديت التمرينات الرياضية لكى أعطى جسمى حقه، وكان عقلى في منتهى النشاط والراحة وعلى استعداد تام لتحمل مسئوليات اليوم الجديد. فعندما يحصل الجسم على لياقته، فإن هذا ينعكس بدوره على العقل. أما روحى فكانت في شبه صلاة صامتة من أجل اليوم الذى سنحطم فيه جدر الصمت والخوف والرعب والانهزامية. لقد عقدنا العزم على اجتياح كل ما يعوق مسيرتنا وليكن ما يكون. فقد كانت حساباتى تدل على أن المكسب لنا مهما كانت النتيجة.

وهكذا استمر برنامج يومى العادى، فقد كان 6 أكتوبر 1973 بالنسبة لى يومًا من أيام العمل الذى حملته على كتفى منذ 28 سبتمبر 1970(2) بل ومن أيام العمل السياسى والكفاح السرى اللذين خضتهما بكل قواى منذ خروجى في الكلية الحربية عام 1938.


في غرفة العمليات

في الساعة الواحدة وعشرين دقيقة من يوم 6 أكتوبر جاءنى الفريق أول أحمد إسماعيل(3) كما اتفقنا. خرجنا سويًا ولم نركب العربات الخاصة برئاسة الجمهورية بل ركبنا عربة الجيب الخاصة بالجيش وقد ارتديت الزى العسكرى. وتوجهنا إلى غرفة العمليات أو "المركز 10" الذى يقع تحت الأرض وقد جهز باحث متطلبات الأساليب العسكرية الحديثة ويمكن الاتصال منه بأى مكان في مصر سواء في الجبهة أو في القاهرة أو الإسكندرية أو أسوان، حتى في حالة قطع التليفونات والاتصالات السلكية.

وفى الساعة الواحدة والنصف دخلت غرفة العمليات وألقيت بالتحية إلى أولادى القادة وكانوا على أتم استعداد وكل واحد منهم يرابط أمام خرائطه، بينما علقت الخريطة الكبيرة على الحائط، وثبتت الخريطة التفصيلية على المائدة التي تتوسط الغرفة. وأمامى مباشرة وقف ضابط الدفاع الجوى أمام خريطة مصر التي وضعت وراء حواجز زجاجية لكى يتلقوا البيانات عن أي نشاط لطيران إسرائيل ثم يقومون في الحال برصده والتعامل معه.

اتخذت مكانى في الغرفة والقائد العام على يمينى ورئيس الأركان على يسارى وإلى جانبه الجمسى(4) مدير العمليات وأمام مكتبه مجموعة تليفونات للاتصال بجميع فروع القوات المسلحة، وكان في إمكاننا أن نشاهد من أماكننا اللوحة الزجاجية فنعرف سير العمليات الجوية بالكامل. وهذا هو النظام المتبع في كل غرف العمليات الحديثة، وكانت غرفتنا مثالا لمصر الحديثة التي نتمناها جميعًا ونعمل على تحقيقها. فهى مجهزة بأحدث ما في العصر لكى تناسب الحرب الحديثة التي نديرها منها. صحيح أنها كانت في حدود إمكانياتنا المتاحة لكنها كانت تتمشى مع روح العصر تمامًا.

كنا في العاشر من رمضان وكعادتى دائمًا كنت صائمًا. فلم أتعود أن أتذرع بالظروف تهربًا من الصيام. هذا برغم أن الدين يسمح بالإفطار في السفر والمرض والحرب بالذات. ولكن نشأتى في القرية علمتنى أن ممارسة الرياضة الروحية في كل الظروف والأحوال. فهى تحول الصيام والإيمان والدين والعبادة والعقيدة إلى جزء لا يتجزأ من كيان الإنسان، ويشعر بأنه لو أخل بإحداها فإنه يتخلى عن جزء من ذاته وتوازنه. والصيام بالذات تعتبره القرية مسألة رجولة، وكنا نصوم في طفولتنا لنثبت أننا رجال. وطالما سافرت من قبل في رمضان ولكننى لم أفطر أبدًا. ولم يشذ العاشر من رمضان عن هذه القاعدة بالنسبة لى شخصيًا. ولكن كانت تعليماتى تحتم أن يفطر الجميع، فيجب ألا تكون هناك فرصة خطأ أو سهو ولو 1% نتيجة الصيام، وخاصة بالنسبة للذين اعتادوا التدخين أو تناول الشاي أو القهوة، فمن المحتمل جدًا أن يؤثر الامتناع عنها في كفاءة الأداء أو شيء من هذا القبيل.

طبقًا للدين فإن الإفطار حلال في هذه الظروف، وقد أصدرت التعليمات بضرورة الإفطار. وعندما جلست في غرفة العمليات لم أدخن ولم أشرب كوبًا من الشاي أو النعناع كعادتى. وكنت أتصور أن القادة قد نفذوا التعليمات بالإفطار ولكننى لم أجد أحد منهم يدخن أو يشرب شيئًا. وعندما سألتهم عن مدى تنفيذهم للأوامر بالإفطار ولماذا لا يدخنون ولا يشربون الشاي أصابهم حرج شديد أمامى.

فقلت أن العملية تحتاج إلى تركيز شديد وانتباه مكثف، وفى الحال طلب كوبًا من الشاي وكذلك احضار البايب من عربتى بالخارج وشربت الشاي بالفعل، فكانت النتيجة أن زال الحرج وشرع الجميع في التدخين وشرب الشاي.



ضربة الطيران

وحسب الخطة الموضوعة صدر بيان الساعة الثانية ظهرًا يعلن أن الإسرائيليين اعتدوا علينا في البحر الأحمر في نقطتين وأننا نقوم برد الضربة وصد العدوان. ورغم أنه لم يحدث ساعتها أي اعتداء إسرائيلى، إلا أن هذا البيان يعتبر أسلوبًا دبلوماسيًا في مخاطبة شعوب العالم، وهو بالنسبة لنا لم يكن خداعًا دبلوماسيًا، أي أننا لم نكذب على العالم، لأننا نعتبر مجرد وجود القوات الإسرائيلية على أرضنا اعتداء مستمر علينا.

وفى لحظة صدور البيان كانت طائراتنا تعبر القناة وتنقض على المواقع الإسرائيلية في سيناء. وأعلن الميكروفون في غرفة العمليات أن الطيران عبر وتوغل في سيناء. وكانت فرحة رائعة لا مثيل لها. كنت أجلس هادئًا جدًا، ولو تمكن أحد من رؤية نفسى من الداخل في تلك اللحظة الخالدة لأحس بنوع غريب من الطمأنينة يسرى في كل كيانى. لم أكن أحمل همًا من تلك الهموم التي أثقلت كاهلى منذ هزيمة 1967.

وكما قلت من قبل أن كل الهموم ذابت بكسرنا حاجز الخوف والهزيمة والمهانة والمذلة والضياع والتمزق وكل الأعراض المرضية التي عانت منها أمتنا العربية ومصرنا الغالية.

بعد ثلث ساعة بالضبط انتهت ضربة الطيران. كانت ضربة رائعة أعادت لقواتنا المسلحة كرامتها التي انتهكت عام 1967 وقبلها في عام 1956.

كان الهجوم بأكثر من 220 طائرة، ولأنه طيران نفاث وسرعته تفوق سرعة الصوت فإن الضربة لم تستغرق أكثر من 15 دقيقة، وقد قام أبنائى بأروع واجب يمكن أن يقوم به أي سلاح طيران في العالم من حيث الكفاءة والدقة والمفاجأة في تحقيق كل مهمة أسندت إلى طيار من الطيارين، وكان تقدير الخبراء الروس أننا سنفقد في الضربة الأولى من 30% إلى 40% وأننا سنحقق 30% من الهدف، ولكننا لم نفقد سوى خمس طائرات أي حوالى 2% وحققت الضربة 99% من الهدف. وكانت من بين الطائرات التي فقدت طائرة أخى الأصغر المرحوم "عاطف" الذى كان في منزلة ابنى لأننى قمت بتربية كل أخوتى وتعليمهم على طريقتنا في القرية. فقد بذل أبى أقصى ما في وسعه لكى يصرف على تعليمى حتى أتمكن بدورى من تربية أخوتى. كان أبى محدود الدخل إلى درجة الفقر ولذلك اعتمد على في تربية أخوتى منذ تخرجى في الكلية الحربية عام 1938 وإلى أن توليت رئاسة الجمهورية عام 1970.

ولا يعتبرنى أخوتى أخًا لهم بقدر ما ينظرون إلى كأب، وكان هذا أيضًا في حياة أبى الذى توفى منذ مدة وجيزة بعد أن توليت رئاسة الجمهورية. كانت مسئولية أخوتى ملقاة على عاتقى بالكامل منذ تخرجى في الكلية الحربية، وكان عاطف أصغرهم وأحبهم إلى قلبى. وطالما جاءنى والحماس والانفعال يأخذان منه كل مأخذ وهو يحكى لى عن التدريب الشق الذى يتلقاه والمعركة التي ينتظرها الجميع بشوق بالغ، ولذلك أخفى أحمد إسماعيل وحسنى مبارك(5) نبأ استشهد عاطف عنى، ولم يُصرحا بأكثر من أننا فقدنا خمس طائرات فقط.

استشهد أخى عاطف في الدقائق الخمس الأولى من بدء المعركة. كان من المفروض أن يضرب السرب دفاعات أحد المطارات الإسرائيلية في عُمق سيناء لكى يُمهد الجو لزملاء السرب القادم خلفه حتى يضربوا المطار ضربًا نهائيًا لأن دفاعات المطار تكون حينئذ قد عجزت تمامً عن أداء واجباتها. وبالفعل حقق عاطف مع سربه مهمته بالقضاء التام على دفاعات المطار. وبعد ذلك جاء السرب التالى لهم لكى يدك المطار دكًا كاملا ويحوله إلى حطام وحرائق. وكان من الممكن في هذه اللحظة أن يعود أخى عاطف سالمًا إذ أنه كان قد أدى واجبه كاملا طبقًا للأوامر الصادرة إليه، ولكنه أصر على التأكد من أن دفاعات المطار قد قضى عليها تمامًا فعد أدراجه وكان استشهاده في عودته.

ولكننى لم أكن أفرق بين ابنى عاطف وبين أولادى الطيارين، فلم يكن أخى سوى واحد ضمن باقة الشهداء الغالين الذين ضحوا بحياتهم لكى تعود إلينا الكرامة والكبرياء والطمأنينة والثقة.

والحمد لله لم نفقد من طائراتنا سوى خمس طائرات. وخسارة خمس طائرات فقط من مائتين وعشرين طائرة تعنى أن الضربة كانت ناجحة مائة في المائة وحققت كل أهدافها.

قلت للقادة: هؤلاء هم أولادى يعودون إلى سابق مجدهم فقد كانت ضربة الطيران هذه هي سر نجاح خطتنا لأنها أفقدت إسرائيل توازنها بضرب جميع مراكز القيادة ودكها تمامًا. وهذه المراكز تشمل مراكز السيطرة مثل إدارة الطيران والدفاع الجوى والشوشرة وغيرها من الشرايين الحيوية لأى جيش حديث.

بالطبع عندما يندك كل هذا في وقت واحد فلابد وأن يصاب الجيش الإسرائيلي كله بالشلل التام. ولذلك صرحت بعد أربع ساعات من بدء المعركة أن إسرائيل قد فقدت توازنها تمامًا، ولكى تستعيد كل مراكز القيادة هذه وتبنيها من جديد يكون الوقت قد مر في غير صالحها، ونكون قد انتهينا من مهمتنا الأساسية الأولى.

والفضل في هذا كله يرجع إلى ضربة الطيران المُحكمة الموفقة التي أذاقت إسرائيل لفحات الجحيم المستعر الذى عاشت فيه مصر منذ التاسعة صباح يوم الاثنين الخامس من يونيو 1967 إلى الثانية ظهر يوم السبت السادس من أكتوبر 1937.

منذ تلك الساعة الخالدة صدرنا الجحيم إلى إسرائيل لكى تعود إلى حجمها الطبيعى: مجرد دولة تابعة تعيش على صدقات الآخرين وحسناتهم.

ولعل هذا من الأسباب التي أدت إلى اختيارى لحسنى مبارك نائبًا لرئيس الجمهورية لأنه في ضربة واحدة أفقد إسرائيل توازنها، وفتح الطريق أمام قواتنا المسلحة كى تُحطم إلى الأبد خرافة الجيش الذى لا يُقهر، وأنهى أسطورة التفوق الإسرائيلي التي خدعت العرب حوالى ربع قرن من الزمان، واستعاد لسلاح الطيران المصرى كرامته التي جُرِحت في معركتى عام 1956 وعام 1967 نتيجة لإهمال القيادة في المعركتين.

ولم يستعد حسنى مبارك كرامة الطيران فقط، بل كرامة القوات المسلحة وكرامة الشعب المصرى وكرامة الأمة العربية كلها. وقد نجحت كل التكتيكات والخطط التي اتفقنا على أن يُنفِذها سلاح الطيران بحيث ظل سليمًا متماسكًا تمامًا حتى الأيام الأخيرة من المعركة. هذا في الوقت الذى فقدت فيه إسرائيل ثلث سلاح طيرانها في الأيام الثلاثة الأولى للمعركة. وما زال سلاحنا الجوى متماسكًا حتى الآن، لأن خسائرنا في الطيران انحصرت في الثغرة عندما وجه مبارك أشد الضربات الموجعة والمميتة للثغرة الإسرائيلية. وأنا في هذا أستشهد بكلام أليعازر رئيس الأركان الإسرائيلي المعزول عن خسائرهم في الثغرة الرهيبة التي دفعوا ثمنها باهظًا من أجل استعراض تليفزيونى سخيف.

وبالإضافة إلى شهادة أليعازر، هناك شهدة أحد الطيارين الأسرى الذين كانوا يعملون على نقل الجرحى الإسرائيليين، وهذه الشهادة مسجلة عندنا وتوضح الخسائر الرهيبة التي أصابت الإسرائيليين في الثغرة التي كانت مقبرة لهم بكل ما تصوره المقابر من صور لموتى، وقد أعلنت وأنا في عمان أخيرًا أننى أتحدى أن تعلن إسرائيل عن خسائرها في الثغرة وعن تفاصيل هذه العملية المسرحية.

----------------

هوامش:

(1) السبت 6 أكتوبر 1973م - 10 رمضان 1393هـ

(2) الاثنين 27 رجب 1390هـ

(3) المشير أحمد إسماعيل على: ولد فى 14 أكتوبر 1917م فى الكحالة بشبرا بالقاهرة.. تخرج من الكلية الحربية عام 1938م.. وفى 13 مارس 1969 عُين رئيسًا لأركان القوات المسلحة خلفًا للشهيد الفريق أول عبد المنعم رياض.. شغل منصب رئيس المخابرات العامة المصرية فى الفترة من 14 مايو 1971م إلى 26 أكتوبر 1972م.. ثم منصب القائد العام للقوات المسلحة ووزير الحربية المصرى فى الفترة من 26 أكتوبر 1972م إلى 26 أكتوبر 1974م.. توفى بسرطان الرئة فى يوم الأربعاء 25 ديسمبر 1974م فى ثانى أيام عيد الأضحى 11 ذو الحجة 1394هـ.

(4) المشير محمد عبد الغنى الجمسى: قائد عسكرى مصرى.. ولد فى 9 سبتمبر 1921م بقرية البتانون فى محافظة المنوفية.. تولى رئاسة هيئة عمليات قيادة قوات جبهة القناة طوال معارك حرب الاستنزاف.. وتولى فى يناير 1972 رئاسة هيئة عمليات القوات المسلحة.. وفى فبراير من نفس العام تولى منصب نائب رئيس الأركان إلى جانب مهام رئاسة العمليات.. ويعتبر المشير الجمسى آخر من حمل لقب وزير الحربية، فقد تغير اسم وزارة الحربية بعد رحيله إلى وزارة الدفاع.. وتوفى 4 أكتوبر 1978م

(5) محمد حسنى مبارك: ولد فى كفر المصيلحة محافظة المنوفية فى 4 مايو 1928م. تخرج من الكلية الحربية فى 1 فبراير 1949م والتحق بكلية الطيران وتخرج منها فى 13 مارس 1950م.. تدرج فى المناصب حتى عمل مدرسًا بالكلية الجوية فى فبراير 1952 حتى يناير 1959م.. ثم مديرًا للكلية الجوية من 2 نوفمبر 1967م.. كما عين قائد للقوات الجوية فى 24 أبريل 1972.. وقاد سلاح الطيران فى حرب أكتوبر 1973 وعُين نائبًا لرئيس الجمهورية فى 16 أبريل 1975م.. ثم رئاسة الجمهورية فى 14 أكتوبر 1981م حتى أزيح عن الحكم خلال ثورة 25 يناير 2011م.. وتوفى 25 فبراير 2020م.




03 ذكريات الأيام الأولى بعد وفاة عبد الناصر

3

ذكريات الأيام الأولى بعد وفاة عبد الناصر

حرب الإشاعات التي سُلطت علىَ

الأهرام السبت 28 سبتمبر 1975م - 23 رمضان 1395هـ


اختلاف الشخصية

الوفاء لجمال عبد الناصر لا ينفى اختلاف طبيعة كل منا، كما بينت من قبل، فجمال عبد الناصر كان من الأشخاص الذين يعيشون على أعصابهم المشدودة دائمًا، وكانت النتيجة أن كل من يقترب منه كان يمتص هذا الإحساس المتوتر ويتشربه تمامًا، مما أدى إلى انعكاس هذا التوتر والقلق والتوجس على البلد كله، أما أنا فعلى النقيض من هذا تمامًا، فقد علمتنى طبيعتى الريفية الهادئة أن أتجنب كل ما من شأنه أن يوتر أعصابى بقدر الإمكان، ولكن مع الإصرار الموضوعى لتحقيق الهدف المنشود.. فأنا أحدد دائمًا ما أريده وما لا أريده، ولذلك فأنا مرتاح نفسيًا وعصبيًا لأننى لا أعلق حياتى بأمل قد لا يتحقق، ولا أخاف من طريق قد يصبح مسدودًا، لأننى أضع في اعتبارى دائمًا طرقًا عدة تؤدى إلى نفس الهدف.

وإذا كنت لا أحب العيش وأعصابى مشدودة، فبالتالى لا أحب لمن معى أن يعيش مشدودًا ومتوترًا هو الآخر، وحاولت إبراز هذه الحقيقة لكل من عاونونى بعد وفاة عبد الناصر، وخاصة لمن كانوا أقرب الناس إلى عبد الناصر، فقلت لهم في القناطر الخيرية، في إحدى المقابلات، أنهم كانوا يعيشون على أعصابهم بالقرب من عبد الناصر، فخافوا من الإجابة بالإيجاب، خوفً من أن يكون حديثى فخًا لانتزاع رأيهم في عبد الناصر، ولم يكن هذا قصدى بالطبع، فقد كنت أريد تبادل الحوار الصريح الحر الخالى من كل الحساسيات والرواسب، ولكن لأنهم يفكرون بطريقتهم الملتوية فقد امتنعوا عن الرد، وأكملت حديثى إليهم فقلت أننى شخصيًا كنت أعيش على أعصابى بالقرب من عبد الناصر.

وقد ناقشت مرة هذه القضية مع عبد الناصر، وكنا نسهر في منزلى.

قلت له أنه برغم الزمالة والصداقة والإخوة التي بيننا، فإنى أعيش معه على أعصابى بسبب أعصابه المتوترة دومًا.

فسألنى جمال: هل أنا أفتعل هذا التوتر؟

فقلت له: لا.. إنها طبيعتك وكيانك منذ كنا معًا في منقباد عام 1938 ولم نبلغ بعد سن العشرين..

ولذلك على الرغم من زمالتى وصداقتى وأخوتى ووفائى لعبد الناصر، لا يمكن أن أكون صورة مكررة منه نظرًا لاختلاف الكيان والطبيعة والنظرة إلى الحياة.

ومن هنا كان تنبيهى على من حولى بعد أن توليت رئاسة الجمهورية، إننى أختلف تمامًا عن عبد الناصر، وكنت أفسر لهم ذلك بقولى أن لكل إنسان حق العمل في موقعه دون خوف أو خشية من عزل أو تهديد، وطالما أننى لم أوضح لمثل هذا الإنسان خطأ يحتمل أن يكون قد وقع فيه، فهذا يعنى الضوء الأخضر بالاستمرار في عمله وتأديته على الوجه الأكمل، وعندما يرتكب إنسان خطأ ما سأستفسر عنه بمنتهى البساطة حتى يفسر لى الأسباب الموضوعية التي أدت إلى ارتكاب مثل هذا الخطأ، وله الحق الكامل في الدفاع عن نفسه، فلكل إنسان الحق في أن يواجه بما له وبما عليه قبل أن أتخذ أي قرار بشأن استمراره في معاونتى.

هذا الاختلاف الأساسى بينى وبين عبد الناصر شرحته بالكامل لكل من حولى عندما توليت رئاسة الجمهورية، وأوضحت أن من المستحيل أن أصيغ من نفسى عبد الناصر آخر، فالذى كان يمكن أن تقبله مصر من عبد الناصر لا يمكن أن تقبله منى الآن، لقد أنشأ عبد الناصر علاقة ضخمة مع الشعب عبر معارك التحرير، وعبر انتصارات تمثلت في تأميم قناة السويس، وتحدى الاستعمار والدول الكبرى، وانتصر وهزم، وأصبح لكل نبضاته صدى عند الشعب الذى فوضه في كل أموره، ولذلك كان من الطبيعى أن يقبل منه كل شيء بناء على هذا التفويض.

أما بالنسبة لى، فإنى أتسائل: على أي أساس سيقبل منى الشعب ما كان يفعله عبد الناصر قبلى؟.. إن الشعب لم يعرف بعد عنى شيئًا بسبب الظل الذى أحاط بى طوال سنى الثورة، وبالتالي فمن المستحيل أن أطبق نفس الأسلوب الذى اتبعه عبد الناصر من قبل، لن أختلف معه على المبادئ، ولكن الأسلوب لابد أن يتغير.

وقد قلت ذلك مرارًا أن الشعب كان سيمنح ثقته المطلقة لأى اسم آخر سيتقدم للترشيح والاستفتاء، وليس اسمى أنا بالذات، فالقضية ليست قضية أشخاص بقدر ما هي قضية مصير مصر كلها، وخاصة أنها كانت تعيش وسط مرارة الهزيمة التي زادت مرارتها في فم مصر برحيل عبد الناصر الذى كن صدمة عنيفة مباغتة، وقعها علينا مثل وقع هزيمة يونيو عام 1967.


الخطة الدفاعية 200

وقد يكون عبد الناصر، بإحساسه الداخلى، قد حسب حساب توقع رحيله المفاجئ، رغم أن هذا التوقع لم يخطر على بالى أبدًا حتى أنى أوصيته أكثر من مرة على أولادى من بعدى، وقد برز هذا التوقع عند سفره إلى المغرب لحضور مؤتمر القمة العربى الذى عقد في ديسمبر عام 1969، ولم يكن له في ذلك الوقت نائب ينوب عنه في غيابه، ولذلك استدعانى إلى منزله يوم سفره صباحًا في 20 ديسمبر عام 1969(1)، وأخبرنى بأنه خائف من أن يحدث له أي شيء مما قد يؤدى بالبلد إلى متاهة لا عودة منها، وطلب منى أن أحلف اليمين كنائب لرئيس الجمهورية، وفعلا تم حلف اليمين في صالون بيته، وأذيع الخبر رسميًا بعد ذلك، وكان هذ الإجراء من عبد الناصر دليلا على رغبته في استمرار المسيرة في حالة حدوث أي شيء غير متوقع له.

ليس هذا فقط، بل أن بعد الناصر لم يعبأ بالهجمات التي شنتها مراكز القوى علىَ بعد تعيينى نائبًا لرئيس الجمهورية في 20 ديسمبر عام 1969، فقد رفضوا في دخيلة أنفسهم هذا التعيين وأطلقوا ضدى حربًا تركزت في الإشاعات التي عملوا على نشرها بكل الوسائل، وبسرعة عجيبة، حتى يتمكنوا من تشويه صورتى وهدمى تمامًا، وهى حرب بدأت قبل ذلك بوقت طويل وتجلت في مهزلة انتخابات اللجنة العليا للاتحاد الاشتراكى عام 68 مما سأرويه مع أحداث تلك الفترة، ثم استمرت بشراسة أكبر بعد تعيينى نائبًا، وعلى سبيل المثال فعندما سافر عبد الناصر في صيف عام 1970 في رحلته الأخيرة إلى الاتحاد السوفيتى، نشرت مراكز القوى إشاعة تقول بأننى قمت باستغلال منصبى كنائب لرئيس الجمهورية وفرضت الحراسة على صاحب منزل بالهرم تمهيدًا لاستيلائى عليه بالقوة في غيبة عبد الناصر(2).

وتصادف في ذلك الوقت أن أصبت بالنوبة القلبية التي تحدثت عنها من قبل، فذهبت إلى قرية ميت أبو الكوم(3) طلبًا للشفاء والاستجمام، فقد فرض على الأطباء أن ألزم الفراش، وجاء توقيت هذه النوبة القلبية بعد عودة عبد الناصر من الاتحاد السوفيتى فانتهزت مراكز القوى الفرصة وملأت البلد بالإشاعات التي تؤكد وجود خلاف بينى وبين عبد الناصر، بدليل اعتكافى بعيدًا في قريتى، ولم يعبأ عبد الناصر بهذه الإشاعات وزارنى في ميت أبو الكوم وأخبرنى بأن الناس تقول بأن هناك خلافًا بينى وبينه، بدليل أن المريض الحقيقى لابد وأن يمكث في القاهرة قرب العلاج والدواء.

فقلت لعبد لناصر: إننى أعتبر قريتى جزءًا من علاجى، وأن اليوم الذى أقضيه فيها خير من عشرة أيم أقضيها في القاهرة، وأنا لا أستطيع تجاهل العامل النفسى في أي مرض..

وبالفعل تم شفائى بفضل الله وعادت الأمور إلى مجراها الطبيعى بينى وبين عبد الناصر برغم مكائد مراكز القوى.

وقد أعلنت مراكز القوى هذه الحرب العشواء لأنها أدركت أن اتجاه عبد الناصر كله قد تركز في تسليمى المسئولية تدريجيًا، فقد حدث قبل ذلك أن دعانى عبد الناصر لحضور اجتماع عسكرى في مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة في مدينة نصر، وهو المبنى الذى أديرت منه حرب سنة 1967 المريرة، وفى غرفة القيادة وجدت أن الاجتماع مقصور على العسكريين فقط، ولم يكن هناك من المدنيين سوى عبد الناصر وأنا، ومعنى هذا واضح بالنسبة لاجتماع مقصور على قادة القوات المسلحة بالكامل وجميع الخبراء الروس بالكامل، وكان الاجتماع بخصوص خطتنا الدفاعية التي عرفت باسم الخطة 200.

استمعت مع عبد الناصر، على مدى سبع ساعات متصلة، إلى شرح القادة المسئولين لأدوارهم في الخطة، وأيضًا قام الخبراء الروس بتوضيح كل احتمالات الموقف، وانتهى القادة المصريون والخبراء السوفيت إلى سلامة الخطة الدفاعية واستكمالها مائة في المائة، لقد أراد عبد الناصر بدعوتى للاستماع إلى شرح الخطة أن أكون على بينة بكل الأمور حتى أشاركه مسئولية الدفاع عن مصر.

وأريد أن أسجل هنا أن الخطة الدفاعية 200 كانت هي كل ما تسلمته من عبد الناصر قبل رحيله. فلم يكن التخطيط لخطة الهجوم قد بدأ بعد(4). ولم يخرج الإعداد للمعركة في ذلك الوقت عن حدود الخطة الدفاعية عن جميع أنحاء الجمهورية، ولذلك كان همى الأساسى، بعد أن توليت رئاسة الجمهورية، مركزًا في الإعداد لخطة الهجوم التي نفذت في السادس من أكتوبر العظيم عام 1973.

------------------

هوامش:

(1) السبت 11 شوال 1389هـ

(2) يحكى سامى شرف فى الجزء الخامس من مذكراته "سنوات وايام مع جمال عبد الناصر" صفحة 1277 و1278:

(لقد تبلور فى صيف 1970 اتجاهًا لدى عائلة السيد أنور السادات، وكان وقتها نائبًا لرئيس الجمهورية أن يترك منزله فى الهرم والبحث عن مقر إقامة بديل وجديد. وفى أحد الأيام اتصل السادات بأمين هويدى وكان وقتها وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء والمسئول عن القرارات الوزارية بما فى ذلك قرارات فرض الحراسة، وطلب إليه إعداد قرار بفرض الحراسة على قصر اللواء صلاح الموجى وأضاف أن لديه معلومات بأن الموجى يمتلك ثروة غير مشروعة، وأن موقفه ليس فوق مستوى الشبهات.

وعندما بحثنا هذا الموضوع فى لقائنا الثلاثى اليومى - أمين وشعراوى وسامى - اتضح أن السيدة جيهان السادات أثناء بحثها عن مقر جديد لإقامتهم شاهدت هذا القصر وذهبت لزيارته أكثر من مرة ووقع اختيارها عليه وطلبت من نائب الرئيس ترتيب انتقالها إليه.)

(كان الرئيس جمال عبد الناصر فى هذا الوقت فى موسكو وبعثت له ببرقية بالموضوع حتى أتحصن برأيه. وطلب أمين هويدى من جانبه من السادات التريث لحين عودة الرئيس أو يصل رده على الرسالة التى بعث بها سمى إليه، لكن السادات بادر بإصدار أوامره بوضع القصر تحت الحراسة، ولم يتطرق إلى باقى ثروة الموجى.....

وعندما عاد الرئيس جمال عبد الناصر وأثناء مرافقة السادات له فى السيارة من المطار إلى منشية البكرى عنفه الرئيس جمال عبد الناصر على تصرفه هذا وأعلن له رفضه لهذا الأسلوب وأمر بإعادة القصر لصاحبه فورًا، وفى نفس الوقت طلب أن يخصص للسادات مقر بديل هو فيلا "كاسترو" المطلة على النيل فى الجيزة والتى أصبحت بعد ذلك مقر إقامة السادات رئيسًا ثم قام بنقل مليكته له خلال توليه رئاسة الجمهورية بعد ذلك)

(3) ميت أبو الكوم إحدى قرى مركز تلا التابع لمحافظة المنوفية وهى القرية التى ولد فيها محمد أنور السادات.

(4) يؤكد الفريق أول محمد فوزى في كتابه (الإعداد لمعركة التحرير 1967-1970) على وجود الخطة الهجومية جرانيت التي تم تدريب القوات المصرية عليها في نهاية عهد عبد الناصر أي عام 1970م: (وكان الرئيس عبد الناصر قد طلب استعراضًا أخيرًا للمخطط أثناء إجازة قصيرة قضاها في مرسى مطروح في منتصف شهر سبتمبر ١٩٧٠، وقد رافقتُه ومعي خرائط وقرارات الخطة الهجومية جرانيت).. بينما يذكر الفريق عبد المنعم خليل فى مذكراته (حروب مصر المعاصرة): (وضعت القيادة العامة للقوات المسلحة خطة هجومية في الأشهر الأولى من عام ١٩٧١ سميت "الخطة جرانيت") أي بعد وفاة عبد الناصر.

بينما نجد في خطاب الرئيس جمال عبد الناصر يوم 25 يونيو 1970 فى المؤتمر الشعبى بالمدينة الرياضية ببنى غازى.. يقول عن الطيران الإسرائيلى:

(إنهم يركزون غاراتهم على منطقة القنال حتى لا يمكنوا الجيش المصرى من أن يعبئ قواته وأن يحشد جنوده ليعبر القنال ويهجم، ولأنهم يعلمون أن الجيش المصرى استكمل تدريباته للعبور، فإذا وجد الفرصة حتى يحصل على تعادل جوى فلن تمنعه قوة فى الدنيا من العبور.)



2 ذكريات الأيام الأولى بعد وفاة عبد الناصر

2

ذكريات الأيام الأولى بعد وفاة عبد الناصر

الشعب لا يطلب منى أن أكون نسخة مكررة من عبد الناصر

الأهرام الجمعة 27 سبتمبر 1975م - 22 رمضان 1395هـ


بداية الصراع.. معركة انتقال السلطة

قد تكون مراكز القوى في ذلك الوقت غير مرتاحة لقرارى باتخاذ الإجراءات وإجراء الانتخابات لتسمية رئيس الجمهورية. ولكنها لم تظهر أية علامة من علامات الاستياء، انتظارًا للفرص التي تمكنها من قلب الأوضاع. وفى اليوم التالى لدفن عبد الناصر وكان يوم جمعة(1)، بدأت المناورات تتخذ شكلا ملموسًا ومحدودًا، فقد جاء اثنان منهم إلى قصر العروبة لمقابلتى وأعربا عن خوفهما المصطنع من حدوث شرخ أو انشقاق في جلسة اللجنة التنفيذية العليا المحدد لها اليوم التالى وهو يوم السبت، وتحججا بأن هناك اعتراضًا على مسألة تحديد الانتخابات بعد أسبوعين مباشرة من دفن عبد الناصر، وكان مثار الاعتراض أننا لسنا في حاجة مُلحة إلى حسم الأمور بهذه العجلة، لأن المسألة ستبدو وكأن المقصود منها هو انتخاب شخص محدد بالذات.

حسمت الأمور - كعادتى - وأفهمت من جاءنى أننى اتخذت قرارى بإجراء الانتخابات بصفتى نائبًا لرئيس الجمهورية الراحل الذى ترك لى أمانة هذا الشعب، ولن أفرط في هذه الأمانة مهما احتدمت الصراعات وتكاثرت المناورات. ولن يقرر مصير هذه الأمانة سوى الشعب الذى هو صاحبها الشرعى. فعندما ينتخب الشعب رئيس جمهورية، بصرف النظر عن شخص الرئيس الجديد بالذات، سأقوم فورًا بتسليمه الأمانة التي لن يحسد أبدًا على حملها. أما أساليب المناورات والصراعات، والخروج عن دستورنا القومى وخطنا الأصيل وتقاليدنا المصرية، فسأقابلها بمنتهى الحسم، بل وبمنتهى الردع، وقد عشت حياتى جنديًا محاربًا أو مكافحًا مضطهدًا، ولم أنس بعد استعمال السلاح الذى سألجأ إليه عند الضرورة.. وقد سجلت كل هذه التفاصيل لكى تحفظ للتاريخ.

ومن هنا بدأت ملامح الصراع بينى وبين ما يسمى بمراكز القوى تتضح، وسأعود إليها بالتفصيل في التسجيل التالى، ويهمنى الآن التركيز على علاقتى الفكرية بعبد الناصر وتحليل مفهوم هذه العلاقة التي كان لها صلة مباشرة بسنوات الحسم التي نحن بصدد سرد تاريخها في هذا التسجيل..


وحدة المبادئ واختلاف الأسلوب

كان هناك تقليد وضعه عبد الناصر، يقضى بترشيح الوزراء أمام اللجنة المركزية، وطبقًا لهذا التقليد قمت بترشيح الدكتور محمود فوزى رئيسًا للوزراء، عندما انعقدت اللجنة المركزية لأول مرة بعد وفاة عبد الناصر يوم الاثنين 5 أكتوبر سنة 1970(2). ولكن هذا الترشيح لم يلق أي ترحيب سواء من مراكز القوى لأنهم يكرهون الدكتور فوزى، أو من بعض أعضاء اللجنة العليا للاتحاد الاشتراكى الذين كانوا يطمعون في رئاسة الوزارة.

ولم أحب - كعادتى- أن أترك الأمور بهذا التسيب والتميع، فالوضوح هو المنهج الذى أحسم به كل المسائل دون استثناء، ولذلك أخبرتهم بمنتهى الصراحة أننى لا أستطيع أن أتبع نفس الأساليب التي سار عبد الناصر على نهجها قبلى، وهذا لا يعنى أننى أختلف مع عبد الناصر على المبادئ الأساسية التي ارتضاها كل منا، ولكنه يعنى أننا نختلف في الوسائل والأساليب برغم أن الأهداف دائمًا واحدة. إن الشعب يطلب منى - وله الحق كل الحق في هذا - أن أحقق الأهداف القومية التي كان يسعى إليها عبد الناصر ولم يمهله الموت حتى يحققها، ولكن الشعب في الوقت ذاته لا يطلب منى أن أكون نسخة مكررة من عبد الناصر، لأن الطبيعة البشرية تأبى هذا التكرار.

ومن المعروف أن كل إنسان على وجه هذه الأرض يختلف عن الآخر اختلاف بصمات الأصابع، سواء في البيئة أو العائلة أو النشأة أو التربية أو التعليم أو الثقافة، وهذا الاختلاف الطبيعى لا يتعارض مع الزمالة أو الصداقة، ومن السذاجة وقصر النظر أن نطلب من إنسان أن يتحول إلى نسخة باهتة من إنسان آخر، مهما كان حبنا واحترامنا لهذا الانسان، ولذلك دهشت من مطالبتى بأن أسير بنفس الأساليب التي اتبعها عبد الناصر من قبل، لأن المسألة هي مسألة غاية وليست مسألة وسيلة.

وشرحت لهم أيضًا كم كانت لى جلسات طويلة مع عبد الناصر سواء في بيتى أو في بيته، واستمرت هذه الجلسات حتى قبيل وفاته، وكان عبد الناصر مُدركًا ومُتقبلا لاختلافى معه في الأساليب والوسائل، وقد اقتضت الحكمة ألا أذيع شيئًا عن هذه الخلافات لأننى لست من هواة المناورات والصراعات واستعراض العضلات، ولأننى كنت مؤمنًا بأن عبد الناصر قادر على التصرف، وطالما أن هذا هو إيمانى واقتناعى فلا ضرورة لمشكلات أنا في غنى عنها. وأيضًا فإن مشكلة الحكم تقضى وجود رجل مسئول مسئولية أخيرة وتاريخية عن اتخاذ القرارات المصيرية، وبعد ذلك يأتي يأتي دور الشعب للحكم عليه وتقييم قراراته.

ولم أكن سلبيًا تمامًا فيما يختص بقضية اختلافى في الوسائل مع عبد الناصر، لأنه بطول عام 1970 بالذات وحتى وفاته، كنت أتناقش وأتجادل معه بخصوص ضرورة تغيير المنهج والأسلوب الذى أدى بنا إلى هزيمة سنة 1967(3)، وخاصة أن شعبنا العظيم الذى صمد بعد الهزيمة وأعاد عبد الناصر كرمز لإرادة الصمود، من حق هذا الشعب أن يختار الأسلوب الذى يتفق مع مقوماته الأصيلة، وهى المقومات التي تختلف بطبيعتها عن الأسلوب الذى أدى إلى هزيمة سنة 1967. وقد كان  لى رأى في ضرورة إحداث هذا التغيير ابتداء من يوم 10 يونيو 67(4) مباشرة عقب أن أعاد الشعب عبد الناصر واتخذت فعلا خطوات محددة لتحقيق هذا التغيير كما سأروى عندما أتناول الأيام السوداء من يونية 67.

وقد أدى أسلوب جمال عبد الناصر في الحُكم إلى تطورات كثيرة متتابعة، كانت تفرضها الأحداث، وأحيانًا كانت تفرضها طبيعة عبد الناصر نفسه، وشملت هذه التطورات مجلس قيادة الثورة منذ السنوات الأولى للثورة، وقد فوجئت بعد وفاة عبد الناصر بعدد من الأصدقاء أعضاء مجلس قيادة الثورة القديم يرسلون لى اقتراحًا في عريضة وقعوها، وكان سبب المفاجأة بالنسبة لى، هو أنه لم يخطر على فكرى أبدًا منذ أكثر من عشرين سنة، بدلا من أن نستمر بما انتهينا إليه بعد كل هذه السنوات.. كان مجرد مثل هذا التفكير لا يمكن أن يخطر ببالى، ولا يمكن حتى مناقشته، لا مساسًا بتقدير الأشخاص وهو أخوة وزملاء لهم دورهم، ولكن حرصًا على التقدم بالمسيرة لا الرجوع بها إلى الوراء..

وكانت خلاص العريضة التي أرسلها أعضاء مجلس قيادة الثورة، وهى اقتراح بعودة مجلس قيادة الثورة القديم إلى الحكم لمدة سنة على أساس إنشاء جمعية تأسيسية، وأن أتولى بحكم منصبى كنائب لرئيس الجمهورية رئاسة مجلس قيادة الثورة لحين القيام بعمل انتخابات رئيس الجمهورية، وعلى الجمعية التأسيسية أن تحضر للدستور.

كان معنى هذا أن يظل البلد في الفراغ الكامل الذى تركه عبد الناصر بعد رحيله، وكان معناه أيضًا أن ندخل في صراعات بينما العدو يدق أبواب مصر، لأن انتخابات رئيس الجمهورية من بين أعضاء المجلس القديم لا يعنى سوى الصراع بسبب تأييد شخص ضد آخر وهكذا.

وطبعًا رفضت الاقتراح الذى قُدم إلىَ تجنبًا لمثل هذه الصراعات التي سبق وأن تعرض لها مجلس قيادة الثورة ودارت في داخله منذ عام 1954، ولاقتناعى بأنى لا يمكن أن أعود بالتاريخ إلى الوراء، وحرصى على أن تستمر مصر وتتقدم وتتطور من حيث هي واقفة..


الوفاء يربطنى دائمًا بعبد الناصر

تمت الانتخابات بالفعل، وتلقيت النتيجة يوم 16 أكتوبر 1970(5)، الذى كان يوافق نصف شعبان، وبعد انتخابى مباشرة بدأت مشاورات تشكيل الوزارة وشكل الحكم، وأعلنت منذ البداية أننى لا أستطيع ولا أوافق على جمع السلطات كلها في يد واحدة طالما أن الفرصة سنحت لتوزيع أعباء السلطة والمسئولية، بمعنى أن يكون هناك رئيس للوزراء، وأمين للاتحاد الاشتراكى، وذلك لإيمانى وتجربتى على مدى ما يقرب من عشرين عامًا، أن تسيير دفة الأمور في البلد بفرد واحد يؤدى إلى مخاطر ومزالق عديدة، وقد حدث هذا بالنسبة لعبد الناصر، لأنه بشر، ومهما كانت طاقته فليس في وسعه أن يلم بكل الأمور.

كانت مراكز القوى هي النتيجة الطبيعية لجمع عبد الناصر لكل السلطات في يده، فكان بعض معاونيه ينتهزون هذه الفرصة ويتصرفون على أساس أن المسئولية مُركزة وبالتالي فمن حق كل واحد منهم أن يُركز سلطة القطاع الذى يشرف عليه في يده، ويتصرف فيه كما يشاء، وتكون النتيجة أن ترتكب أخطاء كثيرة وجسيمة باسم عبد الناصر، بينما عبد الناصر برئ منها، ولكنهم استخدموا ثقته فيهم في تنفيذ مآربهم وأغراضهم، نظرًا لأنه لم يكن في استطاعته أن ينهض بكل التفاصيل، ولذلك ارتكبت هذه الأخطاء الجسيمة دون علمه، ولكنها التصقت به في نهاية الأمر. وقد كان اقتناعى الثابت هو أن أعمل بكل قوتى على إيجاد الفريق المتجانس الذى يحمل المسئولية بكل حب وتعاون وعطاء، واضعًا في اعتباره مصلحة مصر فوق أي اعتبار آخر وأحمد الله أنى استطعت تحقيق ذلك بعد خمس سنوات كاملة من المعاناة أي في عام 1975.

وللحقيقة والتاريخ، فإن عبد الناصر في رقبتى دينًا يفرض على الوفاء له، خاصة ونحن نتعرض للتقييم الموضوعى لمرحلة عبد الناصر، وهو ما يتحتم إبراز السلبيات لتجنبها وتأكيد الإيجابيات لتأصيلها، فإن كنت لم أتصارع مع عبد الناصر وهو حى، فلا يمكن أن أتصارع معه بعد أن رحل، واختلافى معه كان حول الوسائل والأساليب. أما فيما يختص بالقيم والغايات، فكنا دائمًا على أتم اتفاق ووفاق، ولا عجب في هذا، فقد كنا أصدقاء منذ العام العشرين من عمرنا، وظللنا على هذه الصداقة والزمالة حتى يوم رحيله، ولكن هذا لا ينفى أننا نختلف في طبائعنا، بل أن هذا الاختلاف شيء تفرضه الطبيعة البشرية التي لا تحتمل التكرار.

ومن ملامح الاختلاف بيننا على سبيل المثال، أن عبد الناصر كان من هذا النوع من الناس الذى يعيش دائمًا على أعصابه، حياته عبارة عن وتر مشدود طوال الأربع والعشرين ساعة، وفى الواقع لم يكن عبد الناصر يفتعل هذا الجو المتوتر على سبيل إحاطة الحكم بالهيبة اللازمة، بل كانت هذه طبيعته، سواء قبل الثورة أو بعدها، منذ أن خطط للثورة، وبعد أن أصبح عضو مجلس قيادة الثورة، ثم رئيسًا له حتى تولى رئاسة الجمهورية.

كانت طبيعته المتوترة سمة أساسية في تكوينه منذ العشرين من عمره، ولم يستطع التخلص منها، بل يبدو أن أعباء الحكم ومسئولياته قد زادت من حدتها.

ولقد جعلت هذه الطبيعة المشدودة الاقتراب منه شيئًا ليس بالسهولة التي قد تخطر على بالنا، فقد صنع هذا الجو المتكهرب حاجزًا صلبًا بينه وبين الآخرين، ولذلك لم يكن لعبد الناصر صداقات بالمفهوم البسيط لمعنى الصداقة. هذا إذا استثنينا عبد الحكيم عامر، الذى كان صداقة العمر بالنسبة له، هذه الصداقة التي استمرت زهاء ثلاثين عامًا، أما صداقتى له فتعتمد على قيمة إنسانية كبيرة من القيم التي شكلت حياتى منذ الطفولة، هذه القيمة هي الوفاء الذى تعلمته في القرية والذى كان النبع الرئيسى الذى أمدنى بالسلام الروحى، وبدونه لا يمكن أن يكون الإنسان منطقيًا، سواء مع نفسه أو مع الآخرين.

ولا أستطيع أن أشعر الآن إلا بالوفاء لجمال عبد الناصر وذكراه، وهذا الوفاء أو الدين الذى عنقى تجاهه يرجع إلى بدايات العمل من أجل الثورة، فقد انغمست في الكفاح السياسى حتى أذنى بعد تخرجى في الكلية الحربية بعام واحد، ولم أكن قد تجاوزت العشرين من عمرى. بعدها بدأت المخابرات البريطانية تتعقبنى وتطاردنى في كل مكان آمن أحل فيه، وأرجو أن تتاح لى الفرصة لتسجيل هذه الحقبة المصيرية من تاريخ مصر الحديث، ولكن المهم الآن هو تسجيل بدايات الصداقة والوفاء والزمالة بينى وبين عبد الناصر.

في ليلة القدر عام 1942، وهى الليلة التي توافق 26 رمضان أعلنت بالطرد من الخدمة العسكرية، وتسلمنى البوليس السياسى الذى كان يديره في ذلك الوقت محمد إبراهيم إمام(6)، وأودعت سجن الأجانب، وكانت أول مرة في حياتى أتناول فيها إفطار رمضان في السجن، إذ كنت صائمًا كعادتى منذ طفولتى المبكرة، بعد ذلك نُقِلت من سجن الأجانب إلى معتقل المنيا الذى يقع في بلدة صغيرة بالقرب من المنيا تسمى "ماقوسة"(7)، ومن معتقل ماقوسة رحلونى إلى معتقل الزيتون الذى هربت منه في أكتوبر سنة 1944، وبعد ذلك سقطت الأحكام العرفية أثناء هروبى متخفيًا في سبتمبر سنة 1945، فعُدت إلى الحياة العادية مرة أخرى باسمى الحقيقى.

في سبتمبر سنة 1945، قمت بتشكيل الجمعية السرية التي اتهمت في يناير سنة 1946 باغتيال أمين عثمان، وبذلك عدت مرة أخرى إلى السجن في 11 يناير سنة 1946(8)، وخرجت منه في يوليو سنة 1948، أي قضيت في السجن 31 شهرًا، وبذلك أكون قد قضيت الفترة بين عامي 1942، 1948 بين المعتقلات والسجون والمطاردة والتشريد، وعند خروجى من السجن عام 1948، كانت حرب فلسطين قد هدأت بالهدنة الأولى الشهيرة، وطلبت أن أعود إلى القوات المسلحة، ولكن طلبى رُفض لأن النيابة كانت قد استأنفت الحكم وتحتم على الانتظار حتى يتأكد الحكم.

أمضيت بقية عام 1948 وعام 1949 في الأعمال الحرة، ولكننى تمكنت من العودة إلى الجيش مرة أخرى في يناير 1950، بفضل الله عز وجل، وكنت قد اختلفت مع شريكى في الأعمال الحرة فافترقنا، وأصبحت مفلسًا لا أملك شيئًا على الإطلاق، ولكن الله سبحانه وتعالى لم يتخل عنى والتحقت فعلا بالجيش.

هنا فقط عادت الصداقة بينى وبين عبد الناصر إلى ما كانت عليه بعد أن كنا قد افترقنا منذ عام 1940، عندما ذهب مع وحدته إلى السودان الذى عاد منه في أواخر عام 1942، بعد القبض على.

في أوائل الثورة كتبت عن حياة عبد الناصر، وقلت أنه لم يبدأ معنا الكفاح السياسى عام 1939، وكان الزميل رقم 2 بعدى هو عبد المنعم عبد الرؤوف(9)، وفى الطيران كان هناك بغدادى وحسن عزت وحسن إبراهيم، وسعودى، وفى الفرسان كان هناك خالد محيى الدين، وقد انضم عبد المنعم عبد الرؤوف بعد ذلك إلى الإخوان، ولكن عندما عاد عبد الناصر من السودان في ديسمبر عام 1942(10)، أي بعد القبض على في يوليو عام 1942، اتصل عبد المنعم عبد الرؤوف بجمال، وبذلك نستطيع القول بأنه منذ نهاية عام 1942 وأوائل عام 1943، تولى جمال الإشراف الكامل على التنظيم حتى قامت الثورة في عام 1952، أي أن عبد الناصر كان المحرك الفعلى للتنظيم أثناء الفترة التي قضيتها بين المعتقلات والسجون من عام 1942 إلى عام 1948 ثم إلى قيام الثورة عام 1952(11).

عندما عدت إلى الجيش عام 1950، كان جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر من أوائل الزملاء الذين اتصلوا بى، فقد زارانى في شقتى التي كنت أسكنها بالمنيل، وعبرا عن تهانيهما القلبية بعودتى إلى الجيش، بل وساعدانى على تأدية امتحانات الترقية فقد رجعت برتبة النقيب التي كانت تقابل رتبة اليوزباشى في ذلك الوقت، وكان على أن أؤدى امتحانات الترقية إلى رتبة المقدم التي تقابل رتبة البكباشى، أي أن أؤدى الامتحانات لترقيتى رتبتين متتاليتين، ولن أنسى مساعدتهما القيمة والأخوية في هذا المجال.

هنا، أعود إلى قيمة الوفاء المقدسة في حياتى، فأقول أننى عندما عدت إلى الجيش عام 1950، كان التنظيم الذى أشرف عليه عبد الناصر منذ أواخر عام 1942، قد تبلور وبدأ يأخذ شكله المميز ووضعه المحدد، كان جمال عبد الناصر قد أنشأ قيادة للتنظيم تحت اسم الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار، ومن المعروف أن جمال قد حارب في فلسطين وخرج من الحرب بعقيدة ثابتة، وهى أن الإصلاح لابد أن يبدأ من داخل مصر نفسها، وأثناء الحرب بدأ يُفكر في الأعضاء الذين يمكن اختيارهم للقيام بهذه المهمة، فاختار أولا زملاء ممن شاركوا معه في الحرب، كصلاح سالم(12)، وكمال الدين حسين(13)، وزكريا محيى الدين(14)، وعبد الحكيم عامر، وبدأت بعد ذلك الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار بجمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وصلاح سالم وكمال الدين حسين ثم انضم لهم بعد ذلك جمال سالم(15) وبغدادى(16) وحسن إبراهيم(17) وخالد محيى الدين(18) وأنا..

وقد تمثل دين جمال في عنقى في إصراره على ضمى إلى الهيئة التأسيسية بعد عودتى إلى الجيش عام 1950، فقد أخبر أعضاء الهيئة التأسيسية أن تاريخى في الكفاح السياسى لا يمكن التغاضى عنه، بل على العكس يمكن الاستفادة منه ومن خبرته، وقد طلب جمال أيضًا ضم عبد المنعم عبد الرؤوف إلى الهيئة التأسيسية بحكم أنه كان رقم 2 بعدى في التنظيم، كما قلت من قبل، وتم ضم عبد المنعم عبد الرؤوف بالفعل، وقد أخبرنى جمال أن عضوً واحدًا من الهيئة التأسيسية - ولا داعى لذكر اسمه - عارض في ضمى إلى الهيئة، ولكن جمال عبد الناصر لم يأبه لهذه المعارضة، متمسكًا باحترام المعانى والقيم والمثل التي اضطهدت من أجلها، سواء كنت معتقلا أو مشردًا أو سجينًا، وبالفعل انضممت إلى الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار بفضل إصرار جمال على رأيه وتقديره.

هذا هو الدين الذى في عنقى تجاه جمال، وهو الدين الذى لم ولن أنساه له طوالى حياتى، كان وفائى له سببًا في تجنب كل مظاهر الصراع أو الحقد أو الغيرة التي حاول الآخرون الادعاء بوجودها بينى وبينه، وهذا يفسر ردى على السؤال الذى ووجهت به أثناء زيارتى لفرنسا هذا العام وهو:

هل أحس بالغيرة كلما ذكر اسم جمال عبد الناصر أمامى مثلما كانت الغيرة تنهش بومبيدو(19) كلما ذكر اسم ديجول(20) في حضرته؟

فقلت لهم: لم أشعر بهذه الغيرة إطلاقًا، لأن جمال كان زميلى وصديقى وأخى، وكانت ثقتى فيه كاملة ومُطلقة، ومهمتى الآن لا تتيح لى الانشغال بمثل هذه الأحاسيس العابرة، فأنا منهمك في إكمال المسيرة التي بدأها عبد الناصر عن اقتناع وعن إيمان.

وعندما أقول أننى لم ولن أنسى دين جمال في عنقى، فهذا لأنه كان من الممكن ألا يتمسك بانضمامى إلى الهيئة التأسيسية وله الحق كل الحق في هذا، فقد كان يكافح منذ عام 1943 حتى عام 1950، مع أعضاء التنظيم، وكنت قد انفصلت عنهم تمامًا، فكان من الممكن ألا أنضم إليهم، ولم يكن هذا يسبب لى أي حزن أو أسف أو حقد أو ضغينة، لأننى سأكون عندئذ ضابطًا من ضباط التنظيم العادى. وهذا هو معنى الوفاء الذى استمر من ناحيتى تجاهه والذى كان سببًا في نقطة التحول الكبيرة في حياتى فيما بعد، والتي تمثلت في توليتى رئاسة الجمهورية، وهو التحول الذى لم أفكر فيه في يوم من الأيام ولم أتصوره أو أعمل له، أي أنه كما اختارنى للانضمام إلى الهيئة التأسيسية للضبط الأحرار عام 1950 اختارنى أيضًا لأكون نائبًا وحيدًا له عام 1969.

--------------

هوامش:

(1) الجمعة 2 أكتوبر 1970 - 1 شعبان 1390هـ

(2) الاثنين 4 شعبان 1390هـ

(3) الاثنين 5 يونيو 1967م - 26 صفر 1387هـ

(4) السبت 2 ربيع الأول 1387هـ

(5) الجمعة 15 شعبان 1390هـ

(6) اللواء محمد إمام إبراهيم.. أشهر من تولى رئاسة جهاز البوليس السياسى فى الفترة من 1948 وحتى 1952م.

(7) يقع على بعد كيلومترين من مدينة المنيا.

(8) الثلاثاء

(9) الفريق طيار عبد المنعم عبد الرؤوف بسيم أبو الفضل.. ولد 16 مايو 1914م وشارك فى ثورة 23 يوليو 1952م وتوفى 31 يوليو 1985م

(10) يذكر السادات هنا وفى البحث عن الذات بأن عبد الناصر قد عاد من السودان فى ديسمبر 1942.. وهذا ينافى الحقيقة:

- السادات نفسه يذكر فى كتابه "أسرار الثورة المصرية: ((وقد تختفى من بيننا أسماء فى كثير من الأوقات كما اختفى اسم عبد الناصر عامين كاملين بين ديسمبر 1939 وديسمبر 1941، إذ كان فى هذه الفترة قد نقل إلى السودان)).

أى أن عبد الناصر عاد من السودان فى ديسمبر 1941 وليس ديسمبر 1942.

- كما أن هناك دليل لا مجال بعده لنقاش أو جدال فهو ملف الخدمة العسكرية الخاص بعبد الناصر، ويحمل هذا الملف الرقم 2434 ويتضح منه أن عبد الناصر وصل القاهرة فى النصف الأول من نوفمبر 1941 وأنه أمضى عام 1942 بأكمله فى مصر بين الصحراء الغربية والكتيبة الثالثة والكلية الحربية بالقاهرة، ولم يمض هذا العام كما ذكر السادات فى السودان.

ويرى جمال حماد أن السبب فى تغيير السادات لتاريخ عودة عبد الناصر وتأخيره عام كامل وذلك لأن السادات نفسه اعتقل أغسطس 1942م.. و(لو ذكر السادات التاريخ الصحيح لانتابت الناس الدهشة ولتسائلوا: وكيف لم تتم أية لقاءات بين السادات وزميله عبد الناصر فى القاهرة عقب عودته من السودان طوال المدة التى قضاها الأخير فى مصر قبل اعتقال السادات (من نوفمبر 1941 حتى أغسطس 1942)..... وكان اللقاء بالطبع سهلا متيسرا خاصة وأن البيت الذى كان يقطن فيه السادات وقتئذ كان فى كوبرى القبة أى على مسافة شديدة القرب من معسكر الكتيبة الثالثة بمنشية البكرى، بل هو فى طريق ذهابه وإيابه من عمله.).

(11) يحاول السادات هنا التمهيد بأنه من قام بإنشاء تنظيم الضباط الأحرار.. وهو ما قام به بالفعل فى كتابه "البحث عن الذات".. وهو ما رد عليه جمال حماد فى كتابه "أسرار ثورة 23 يوليو".. فالتنظيم الذى يتحدث عنه السادات يتكون من مجموعة من سلاحى الطيران والفرسان.. ويتعجب جمال حماد من تشكيل السادات لتنظيم من الطيران وهو يعمل فى سلاح الإشارة بالمعادى أى يفصل بينه وبينهم ما لا يقل عن ثلاثين كيلو مترا.

فى حين لا يوجد فى هذا التنظيم أحد من سلاح الإشارة الذى كان فيه السادات.. فهل من المنطقى أن يقوم ضابط فى سلاح الإشارة بتشكيل تنظيم من سلاحى الطيران والفرسان ولا يضم فيه أحدًا غيره من سلاح الإشارة؟؟!!

كما يذكر السادات فى "البحث عن الذات" بأنه كان ضمن التنظيم الذى أنشأه سنة 1939"خالد محيى الدين" فى حين أن "خالد محيى الدين عام 1939 لم يكن قد تخرج بعد من الكلية الحربية.

هذا فضلا عن أن "خالد محيى الدين" نفسه ذكر أن أول صلة له بأحداث السياسة كانت فى صيف عام 1942 عندما عُين حرسًا على الطيار حسن عزت بعد اعتقاله مع السادات فى ميس سلاح الفرسان فى قضية الجاسوسين الألمانيين فى أغسطس 1942.

(12) صلاح مصطفى سالم: ولد 25 سبتمبر 1920م في مدينة سنكنات شرق السودان حيث كان والده موظفًا هناك.. تعرف على جمال عبد الناصر أثناء حصاره فى الفالوجة وانضم لتنظيم الضباط الأحرار الذى أسسه جمال عبد الناصر وأصبح الهيئة التأسيسية لتنظيم الضباط الأحرار وعضو مجلس قيادة الثورة.. وتوفى 18 فبراير 1962م حيث كان أول من توفى من مجلس قيادة الثورة.

(13) كمال الدين حسين عبد الرحمن: ولد في القليوبية عام 1921م.. حصل على بكالوريوس العلوم العسكرية من الكلية الحربية عام 1939.. انضم لتنظيم الضباط الأحرار الذى أسسه جمال عبد الناصر وأصبح الهيئة التأسيسية لتنظيم الضباط الأحرار وعضو مجلس قيادة الثورة.. عين وزيرا للشئون الاجتماعية عام 1954 ثم وزيرا للتربية والتعليم وساهم في تأسيس نقابة المعلمين واختير نقيبا للمعلمين عام 1959.. وفي 4 مارس 1964 حدث صدام بينه وبين مجلس قيادة الثورة وقدم استقالته على اثر ذلك.. وفى 14 أكتوبر 1965 صدر قرار بتحديد إقامة كمال الدين حسين وزوجته في إحدى الاستراحات بالهرم.. توفى فى 29 يونيو 1999م.

(14) زكريا عبد المجيد محيى الدين: ولد في 7 مايو 1918م فى كفر شكر بمحافظة القليوبية.. التحق بالمدرسة الحربية في عام 1936م وتعرف على جمال عبد الناصر عن قرب في منقباد.. وتخرج من كلية أركان الحرب عام 1948 وسافر مباشرة إلى فلسطين.. انضم للضباط الأحرار قبل قيام الثورة بحوالي 3 شهور.. تولي منصب مدير المخابرات الحربية عامي 1952 - 1953م.. عين وزير داخلية عام 1953م.. عين وزير داخلية الوحدة مع سوريا 1958.. عندما تنحي جمال عبد الناصر عن الحكم عقب هزيمة 1967 ليلة 9 يونيو أسند الحكم إلى زكريا محي الدين ولكن الجماهير خرجت في مظاهرات تطالب ببقاء عبد الناصر في الحكم.. اعتزل الحياة السياسية عقب هذه المظاهرات.. وتوفى 15 مايو 2012م.

(15) جمال مصطفى سالم: ولد عام 1918م.. وانضم لتنظيم الضباط الأحرار الذى أسسه جمال عبد الناصر وأصبح الهيئة التأسيسية لتنظيم الضباط الأحرار وعضو مجلس قيادة الثورة.. وأختير رئيسًا للجنة العليا للإصلاح الزراعى التي لعبت دورًا بارزًا في تصفية ممتلكات كبار ملاك الأراضى الزراعية. أصيب بالسرطان وتوفى في مايو 1968م.

(16) عبد اللطيف البغدادى: ولد 20 سبتمبر 1917م.. انضم لتنظيم الضباط الأحرار الذى أسسه جمال عبد الناصر وأصبح الهيئة التأسيسية لتنظيم الضباط الأحرار وعضو مجلس قيادة الثورة.. وتوفى 8 يناير 1999م.

(17) حسن إبراهيم: ولد فى 1917م بالإسكندرية.. وانضم لتنظيم الضباط الأحرار الذى أسسه جمال عبد الناصر وأصبح الهيئة التأسيسية لتنظيم الضباط الأحرار وعضو مجلس قيادة الثورة.. وتوفى 1990م.

(18) خالد عبد المجيد محيى الدين: ولد بمحافظة القليوبية عام 1922.. تخرج من الكلية الحربية عام 1940م.. وانضم لتنظيم الضباط الأحرار عام 1944م.. استقال من مجلس قيادة الثورة في مارس 1954م.. تولي رئاسة مجلس إدارة وتحرير دار أخبار اليوم خلال عامى 1964 و 1965م. وتوفى 6 مايو 2018م.

(19) جورج جان ريموند بومبيدو: سياسى فرنسى ولد فى 5 يوليو 1911م وتولى الرئاسة الفرنسية من 20 يونيو 1969م حتى وفاته فى 2 أبريل 1974م.

(20) شارل ديجول: جنرال ورجل سياسة فرنسى ولد فى 22 نوفمبر 1890م.. وتولى رئاسة الجمهورية الفرسنية من 8 يناير 1959م حتى 28 أبريل 1969م. وتوفى فى 9 نوفمبر 1970م.



01 ذكريات الأيام الأولى بعد وفاة عبد الناصر

1

ذكريات الأيام الأولى بعد وفاة عبد الناصر

الأهرام الخميس 26 سبتمبر 1975م - 21 رمضان 1395هـ


رغم أنى كنت أعلم كل تفاصيل مرض جمال عبد الناصر وكنت متتبعًا لكل تطورات حالته الصحية، ورغم أنى كنت أعلم مدى الخطورة التي تحيط به وأتكتم الحديث عنها وأتعهد إخفاءها منذ هزيمة 5 يونيو وانقلاب مرض السكر إلى مرض حساس داهمه في نوفمبر 67، ثم عقب السيطرة على مرض السكر الذى ما لبث أن شفى به(1)، داهمته الآلام المبرحة لأعصاب وشرايين ساقيه التي ما إن شفى منها حتى داهمته أول أزمة قلبية عنيفة في سبتمبر 69 أي قبل وفاته بعام واحد، رغم كل ذلك، إلا أنى لم أكن أنتظر أبدًا موته.. كانت وفاته مفاجأة عنيفة لى لم أحسب أبدًا حسابها، ربما لأن عبد الناصر كان بالنسبة لنا قد أصبح واقعًا مستمرًا لا يمكن أن يتغير مهما تطورت الحياة به ومن حوله، بل إنى كنت مؤمنً بأن عبد الناصر سيبقى بعدى وبعد كل المحيطين به، فقد كانت شخصيته تبدو لنا دائمًا قوية راسخة إلى حد أن نتصورها أقوى من المرض، ولذلك لم أكن أحسب أبدًا حساب الفراغ الهائل الذى يمكن أن تتركه وفاة عبد الناصر، ولم يخطر على بالى أبدًا أنى سأجد نفسى يومً مضطرًا لحمل مسئولية هذا الفراغ..

وقد رحل جمال عبد الناصر مساء يوم الاثنين 28 سبتمبر 1970(2)، وهو نفس اليوم الذى شهد نهاية مؤتمر القمة العربى الذى عُقِد في القاهرة لوضع حد لمعركة سبتمبر أو معركة أيلول التي وقعت بين الفدائيين الفلسطينيين والحكومة الأردنية، وكالعادة كان عبد الناصر - كرئيس للدولة المضيفة - يقوم بتوديع الملوك والرؤساء العرب في مطار القاهرة الدولى عند مغادرتهم لمصر عائدين إلى بلادهم، وكان الملك فيصل رحمه الله - وأمير الكويت آخر من قام عبد الناصر بتوديعهما.

وعند وداع الملك فيصل(3) لاحظ كبير الياوران سعد متولى(4) - أثناء سيره المعتاد خلف جمال - أن ساقى جمال قد التفتا على بعضهما البعض وكان الاعتقاد السائد ساعتها أن هذا ربما كان سببه الإرهاق الشديد الذى أصاب جمال بسبب التوتر البالغ الذى ساد جو المؤتمر، وسببه أيضًا المجهود الكبير الذى بذله ليوقف المزيد من إراقة الدماء العربية بين الفلسطينيين والأردنيين. وكان وجه جمال في ذلك اليوم ينطق بالحاجة المُلِحة إلى الراحة والاستجمام. وكنت أعلم جيدًا أن الإسكندرية هي المكان الوحيد الذى يمنح جمال راحته المنشودة جسميًا ونفسيًا.

لم أقل لجمال أن كبير الياوران سعد متولى قد أخبرنى بأن ساقيه التفتا على بعضها البعض. ولكنى قلت له إن الإرهاق واضح تمامًا على وجهه، وأنه من الأفضل أن يذهب لقضاء فترة بالإسكندرية يستعيد فيها نشاطه وحيويته، وبالفعل اتصلت بمحمد أحمد(5) الذى كان يعمل سكرتيرًا خاصًا للرئيس وطلبت منه أن يستعد لسفرنا في صباح اليوم التالى إلى الإسكندرية(6)، ولكى لا يجهد جمال نفسه أكثر من اللازم اقترحت عليه أن أقوم أنا بتوديع أمير الكويت(7) نيابة عنه فهو صديق شخصى لى، وكنت واثقًا من أنه سيقبل اعتذار جمال لمرضه، ولكن جمال قرر توديع أمير الكويت بنفسه خاصة وأنه كان آخر الملوك والرؤساء العرب الذين غادروا مصر بعد انتهاء مؤتمر القمة، ويمكن أن يستريح بعد ذلك.

ولم أستطع أن أثنى جمال عن عزمه، برغم تحامله الواضح على نفسه بعد توديعه للملك فيصل، وسار مع أمير الكويت حتى الطائرة، ثم صعد الأمير الطائرة، وكما هو المعتاد في المراسم، تحركنا بعيدًا عن الطائرة إيذانًا ببدء تحركها حتى نلوح مودعين للضيف المسافر وفى تلك اللحظة لم يستطع جمال أن يتحرك بعيدًا عن الطائرة إلى المكان الذى يستطيع أن يلوح منه مودعًا لأمير الكويت، كان العرق يتصبب بغزارة من وجهه الذى اتشح باللون الأصفر، تسمرت قدماه بالأرض وكان يبدو أنه يبذل جهدًا كبيرًا في مقاومة الإعياء حتى لا يقع في وقفته، وطلب العربة لكى تأتى إلى حيث كان واقفًا، وبالفعل جاءت مسرعة واستقلها دون أن ينتظر ليلوح لأمير الكويت.

وقبل أن تغادر عربته أرض المطار، أخبرته بسفرنا في اليوم التالى إلى الإسكندرية وكان كل فكرى أن المسألة مجرد إرهاق شديد، ووافق جمال وأوصانى ببعض الوزراء الكويتيين الذين كانوا معنا بالمطار لكى نرعى راحتهم ونبحث بعض الأمور معهم، ثم غادرت عربة جمال المطار مسرعة إلى منزله وقمت بالتأكيد على محمد أحمد للقيام بالإجراءات اللازمة لانتقال جمال إلى الإسكندرية، وبعد ذلك انتظرت ومعى المودعون حتى لوحنا لأمير الكويت الذى سافر إلى بلده..

عدت من المطار إلى منزلى، وكنت في ذلك الوقت قد خصصت غرفة لى بالدور الأول للراحة والاستجمام والقراءة.. دخلت الغرفة لأرتاح من عناء اليوم وأخبرتهم بالمنزل بأن يوقظونى حوالى الساعة السابعة مساء، وكنت بدورى في أشد الحاجة للراحة بعد مجهود الأسبوع السابق ومشاركتى لجمال في أعباء المؤتمر، خاصة وأننى كنت قد شفيت حديثًا من نوبة قلبية أصابتنى في صيف عام 1970، وهى نفس التوبة التي أصابتنى قبل ذلك عام 1960، ولكننى - والحمد لله - شفيت منها تمامًا، وقبل أن أغفوا اتصل بى محمد أحمد تليفونيًا وأخبرنى أن الرئيس جمال سيزورنى مساء لتناول العشاء معى، وكنا في السنة الأخيرة قبل موته قد تعودنا أن نتبادل الزيارات معًا سواء عندى أو عنده، كنا نقضى الأمسيات والجلسات الطويلة نناقش كل الأمور والمتاعب والمشكلات.

طلبت منهم بالمنزل أن يوقظونى مبكرًا قليلا لأن الرئيس جمال سيأتى لتناول العشاء معى، ثم غفوت، وأيقظونى حوالى الساعة السادسة والنصف أو السابعة، لا أذكر على وجه التحديد.

وقالوا أن منزل الرئيس جمال اتصل تليفونيًا، وأننى مطلوب هناك لأمر هام.

قلت لهم: خير. قالوا إن الرئيس متعب قليلا، ولكن كل شيء على ما يرام، وغادرت المنزل في طريقى إلى منشية البكرى حيث يقع منزل جمال. وصعدت فورًا إلى الدور العلوى حيث كان هناك الكابوس يجثم على كل شيء.

لقد مات جمال عبد الناصر، مات منذ ساعة والأطباء يحيطون بسريره، والوجوه واجمة أو باكية والمشهد لوحة من دموع وتأوهات وتشنجات، غطوا وجه جمال بملاءة، وإذ بى أجد نفسى وأنا أكشف عن وجهه.

لقد مات كثيرون من قبل بين يدى، منهم أمى رحمها الله ومن خبرتى أعلم أن وجه الميت يتغير بعد عشر دقائق أو ربع ساعة على أكثر تقدير، لكن عندما كشفت عن وجه جمال، كان طبيعيًا جدًا، كأنه نائم تمامًا، ليس هذا فقط بل أننى ألصقت خدى بخده، ولم تكن هناك برودة الموت المعروفة، نظرت إلى الأطباء حائرً وقلت أنه من المستحيل أن يكون قد مات..

قل الأطباء أنهم تأكدوا من وفاته منذ ساعة مضت، وأنهم قاموا بكل الإسعافات اللازمة وغيرها من الإجراءات الضرورية مثل جهاز القلب الذى يرسل صدماته إلى القلب لكى ينشطه. ولكنها كانت نوبة قلبية شديدة وضعت حدًا لحياته، وجلبت معها الكابوس الجاثم على كاهل الجميع، لم أستطع أن أصدق هذه الحقيقة المفجعة، فطلبت من الأطباء أن يحاولوا مرة أخرى وكان الرد الوحيد هو الدموع، ومن خلال الدموع علمت أنهم شرعوا في محاولاتهم منذ ساعتين، وكان قد مات في الساعة الأخيرة. وتأكد الجميع أن جمال عبد الناصر قد مات.

حقيقة مفجعة ورهيبة، ولكن لا مفر من قبولها، ولا مفر أيضًا من سرعة استجماع القوة في مثل هذه المواقف حتى لا يفلت زمام الأمور، خاصة وأنها تتعلق بمصير أمة في مفترق الطرق وليس بمصير فرد اختاره الله عز وجل إلى جواره.

فكرت في الحال وأدركت أن بقاء الجثمان في البيت مسألة صعبة قد لا تحتملها عائلته، وأيضًا فإن جمال ليس شخصية عادية، فهو زعيم سجل تاريخًا جديدًا لمصر، وهو رئيس دولة، ولابد لجنازته من إجراءات ضخمة متعددة، ولكى نحصل على الوقت اللازم لمثل هذه الإجراءات يتحتم نقله في الحال من المنزل ونقلناه فعلا إلى قصر القبة.

وجلست في الصالون بالدور الأول، ولا أتذكر بالضبط من كان معى من المسئولين في ذلك الوقت واتفقنا على عقد مجلس وزراء طارئ مع اللجنة التنفيذية العليا في قصر القبة.

وبالفعل تم عقد الاجتماع، وتركنا مقعد عبد الناصر شاغرًا، جلست أنا على مقعد اليمين كالنائب الوحيد لرئيس الجمهورية، واستدعينا الأطباء للاستماع إلى التقرير الطبى الكامل. واتفقنا على إجراءات الجنازة، وكان ذلك اليوم يوافق يوم الاثنين واتفقنا على أن يكون تشييع الجنازة يوم الخميس التالى لكى نمنح الفرصة للملوك والرؤساء والمعزين الذين يرغبون في تشييع الجنازة، حتى يصلوا إلى القاهرة، وفى نهاية الاجتماع اتفقنا على الصيغة التي سننعى بها عبد الناصر إلى العالم العربى والعالم أجمع.

في ذلك الاجتماع اتضحت لى بداية المناورات الخفية التي حاول البعض القيام بها. كان دستورنا المؤقت في ذلك الوقت ينص على أن الذى يحل محل رئيس الجمهورية أو يخلفه هو النائب الأول له(8)، وكنت قد عينت نائبًا وحيدًا لرئيس الجمهورية لأنه لم يكن هناك نائب ثان. وكان منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية قد نص عليه دستور عام 1964 لرغبة عبد الناصر في ذلك الوقت أن يكون عبد الحكيم عامر(9) نائبه الأول في حالة تعيين نواب آخرين. وبالفعل كان هناك نواب آخرون ولكن لم يحتفظوا بمناصبهم طويلا واقتصر الأمر فيما بعد على نائب واحد.

وعندما عُينت في ديسمبر عام 1969 نائبًا لرئيس الجمهورية(10)، كنت النائب الوحيد له ولكن البعض حاول في ذلك الاجتماع أن يتعلق بالنص الجامد في الدستور على أساس أن الذى يخلف رئيس الجمهورية هو النائب الأول وليس النائب الوحيد. ولكن الاعتراض كان من التفاهة والسذاجة بمكان، بحيث لم يستطع أن يسانده أحد من المجتمعين، وبرغم تفاهة الاعتراض إلا أنه كانت له دلالته الخاصة التي أبرزت التيارات والصراعات الخفية التي كانت على وشك أن تطفو على السطح.

بعد الاجتماع طلبت من الأطباء العمل على حفظ الجثمان بطريقة طبية سليمة لغاية يوم الخميس، أي حتى تشييع الجنازة، وفعلا قام الأطباء المختصون والطبيب الشرعى بهذه المهمة، وظللت ملازمًا لقصر القبة ومعى حسين الشافعى(11) وعلى صبرى(12) وبدأت وفود الملوك والرؤساء والمُعزين في الوصول إلى القاهرة استعدادًا ليوم الوداع التاريخى.


نصيحة الصديق بومدين(13)

في الواقع لم أن أفكر يومها في سرعة إجراء انتخابات لشغل منصب رئيس الجمهورية، كان جمال قد أعلن في خطاب العودة في 10 يونيو 1967 أنه يعود بناء على رغبة الشعب على أساس أن تُجرى فيما بعد انتخابات لرئيس الجمهورية بعد إزالة آثار العدوان مباشرة، وعلى الطريق نفسه كنت أفكر في أن أعمل نائبًا لرئيس الجمهورية أو رئيس للجمهورية بالنيابة لحين إزالة آثار العدوان، وبعد ذلك تجرى الانتخابات وينتخب الشعب رئيسه انتخابًا حرًا ديمقراطيًا، وكنت مُصرًا على رأيى هذا طوال أيام الاثنين والثلاثاء حتى مساء الأربعاء 30 سبتمبر 1970(14).

في مساء الأربعاء نفسه غيرت رأيى بعد أن سمعت وأحسست بالتيارات والمناورات الخفية التي بدأت تطفو على السطح. كانت مصر في حالة حداد كامل. ولم يقتصر الأمر على الحداد بل كانت البلد كلها في حالة ترقب متوتر بسبب الوقوف في مفترق الطرق دون اختيار الطريق الصحيح.

ولكن هنا تبرز ميزة شعب مصر الأصيل الذى يستند إلى سبعة آلاف عام من الحضارة العريقة. في هذه الكارثة لم يطلب شعب مصر شيئًا سوى أن نضمد الجراح وأن نكمل المسيرة، لأنه لم يحدث قبل ذلك أن توقفت حياة هذا الشعب العريق على مر التاريخ البشرى.

وكان شعب مصر واقفًا بالمرصاد لكل التيارات والمناورات والخزعبلات والصراعات المحتملة حتى يحافظ على مسيرته الحضارية من الضياع والتشتت. وتلك روح القرية التي تحتم على الجميع مواجهة الكارثة أولا ثم تصفية الحسابات فيما بعد، فالجميع أخوة وزملاء حتى تنتهى الكارثة، وإلا جرفتهم جميعًا، عندئذ لا تنفعهم مناورات أو صراعات.

هناك موقف أذكره للصديق والزميل الأخ هوارى بومدين. كان قد وصل إلى القاهرة قبل الجنازة واجتمع بى ساعتين وأسدى إلى بنصيحة ما زلت أذكرها له حتى اليوم، فقد كنت قد عبرت له عن عدم رغبتى في انتخاب رئيس الجمهورية، واقتناعى بأن أظل أعمل كنائب لرئيس الجمهورية أو رئيسًا للجمهورية بالنيابة لحين إزالة آثار العدوان، تمامًا كما كان عبد الناصر مخططًا ولكن بومدين اعترض بشدة على أساس أنه يتحتم ألا يكون هناك أي شك أو شبهة اهتزاز في مصر، ولذلك يجب أن يتم انتخاب رئيس الجمهورية فورًا، نظرًا لمكانة مصر في العالم العربى، ونظرًا لظروف المعركة والمسئوليات التاريخية الجسيمة المُلقاة على عاتق مصر(15).

ظلت نصيحة بومدين تتردد في ذهنى خاصة وأننى شهدت بنفسى المناورات والتيارات التي بدأت تطفو على السطح في نهاية يوم الأربعاء فقد كانت بعض مراكز القوى في اللجنة التنفيذية العلي قد بدأت التآمر فيما بينها على أساس أنهم الورثة الشرعيون لعبد الناصر.

وجاء يوم الخميس(16) وسط كل هذه التيارات والمناورات. وللأسف لم أستطع أن أكمل الجنازة حتى نهايتها، وأن أودع زميل الكفاح حتى مقره الأخير. كنت في أشد الإرهاق ولم أستطع السير في الجنازة التي بدأت من مجلس قيادة الثورة حيث كنت - قبل ذلك - منهمكًا في ترتيب سيرها منذ لحظة وصول الجثمان إلى مقر المجلس، وعندما تمت الترتيبات وأصبحت الجنازة على وشك الابتداء، أصبت بانهيار جعلهم يحملوننى إلى مجلس قيادة الثورة مرة أخرى، وأحضروا الأطباء الذين أسعفونى بخمس حقن لم أفق منها إلا حوالى الساعة الثانية ظهرًا.

كان أول سؤال طرأ على بالى عندما أفقت، يدور عما إذا كان عبد الناصر قد دُفِن أم لا، ففي الواقع كنت غير مطمئن لاعتقادى أن الشعب ربما اندفع بالجثمان في حومة الحزن والأسى إلى حيث لا نعلم، ولكن الشعب المصرى الأصيل كان بنفس الدرجة من الوعى الذى اشتهر به فتغلب على حدة المأساة ووصل الجثمان إلى مقره الأخير في جامع جمال عبد الناصر(17).

وانطوت بذلك صفحة من أخطر صفحات التاريخ المصرى المعاصر. عندئذ بدأت أفكر مليًا في أبعاد المسئولية التاريخية الجسيمة التي وقعت على كتفى بمنتهى العنف والسرعة دون أن أحسب لها حسابًا.


رسالة القوات المسلحة

في يوم الخميس نفسه تركت قصر القبة إلى ذلك البيت الصغير المُسمى بقصر العروبة في مصر الجديدة حتى أكون قريبًا من الأحداث. وبعد الظهر استدعيت مباشرة المسئولين وعلى رأسهم شعراوى جمعة وسامى شرف، وأخبرتهم بأنى عدلت عن رأيى في البقاء كنائب رئيس جمهورية أو رئيس جمهورية بالنيابة، وكذلك بإصرارى على إجراء انتخابات سريعة لشغل منصب رئاسة الجمهورية الشاغر.

وبصرف النظر عن المناورات والصراعات والتيارات التي طفت على السطح وبالإضافة إلى نصيحة الأخ بومدين بالإسراع في الانتخابات، برز عامل جديد كان بمثابة الحسم النهائي للموقف بالنسبة لى على الأقل.

فقد أرسلت إلىَ القوات المسلحة رسالة خطيرة تقول فيها أنه نظرًا للظروف العصيبة التي تجتازها الأمة ونظرًا للتراب الغالى الذى ما زال تحت أقدام العدو فإنه يتحتم على القوات المسلحة أن تقوم بواجبها التاريخى والمصيرى تجاه الأمة بإذن الله، ولكن لابد أن يكون هناك القائد الأعلى المسئول الذى يعطى القوات المسلحة هذا الأمر وهذا الحق.

وكانت هذه الرسالة الحاسمة بمثابة اللمسة الأخيرة في تصميمى على أن تسير الأمور في نصابها مهما كانت المناورات ومهما كانت الحساسيات.

واستدعيت شعراوى جمعة(18) ظهر الخميس(19)، وأمرته بصفته وزيرًا للداخلية وأمينًا للتنظيم في الاتحاد الاشتراكى بالتجهيز لعقد اللجنة التنفيذية العليا بالاتحاد الاشتراكى يوم السبت التالى مباشرة لتسمية رئيس الجمهورية وفى الاثنين الذى يليه تنعقد اللجنة المركزية لعرض الاسم، ثم ينعقد مجلس الشعب الخميس التالى مباشرة طبقًا لدستورنا في ذلك الوقت حتى تتم تسمية الرئيس الجديد. وذلك على أن تجرى انتخابات رئيس الجمهورية في الخميس التالى لانعقاد مجلس الشعب، أي أن تتم الانتخابات بعد دفن عبد الناصر بأسبوعين تمامًا، وبذلك لا يحدث فراغ يهز كيان البلد في تلك الفترة العصيبة.

---------------

هوامش

(1) السكر مرض مزمن ليس له علاج.

(2) 27 رجب 1390هـ (ليلة الإسراء والمعراج).

(3) فيصل بن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود: ولد 14 أبريل 1906م.. تولى حكم المملكة العربية السعودية من 2 نوفمبر 1964م حتى تم اغتياله فى 25 مارس 1975م.

(4) سعد الدين متولى: كبير الياوران

(5) محمد أحمد السكرتير الخاص للرئيس جمال عبد الناصر ولد فى 28 مايو 1921م وتوفى الخميس 8 أغسطس 2002م.

(6) يذكر سامى شرف فى الجزء الخامس من مذكراته بأنه فى ذلك اليوم كان محمد أحمد متغيبًا وكان الرئيس قد أعطاه الإذن بالتغيب لحضور حالة وضع لزوجته.. بينما حل مكانه السكرتير الخاص المناوب فؤاد عبد الحى.

(7) الشيخ صباح السالم الصباح أمير الكويت: ولد 12 أبريل 1913م وتولى إمارة الكويت فى 24 نوفمبر 1965م حتى وفاته فى 31 ديسمبر 1977م.

(8) فى ٢٩ اكتوبر ١٩٦٨ أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قرارًا بقبول استقالة الوزراء الذين انتخبوا فى اللجنة المركزية ومنهم السيد حسين الشافعى نائب الرئيس ووزير الأوقاف.

(9) عبد الحيكم عامر: ولد فى 11 ديسمبر 1919م.. انضم لتنظيم الضباط الأحرار الذى أسسه جمال عبد الناصر وأصبح الهيئة التأسيسية لتنظيم الضباط الأحرار وعضو مجلس قيادة الثورة.. وتولى منصب القائد العام للقوات المسلحة من 18 يونيو 1953م حتى 18 يونيو 1967م وانتحر فى 13 سبتمبر 1967م.

(10) ٢٠ ديسمبر ١٩٦٩ أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قرارًا بتعيين السيد أنور السادات نائبًا لرئيس الجمهورية، وقد أقسم السيد أنور السادات اليمين القانونية أمام الرئيس عبد الناصر قبيل سفر الرئيس إلى الرباط.

(11) حسين محمود الشافعى: ولد فى 8 فبراير 1918م بمدينة طنطا. كانت بداية معرفته بجمال عبد الناصر في الكلية الحربية عام 1937.. شارك في حرب فلسطين عام 1948م.. وقع اختيار جمال عبد الناصر عليه عام 1951 ليكون ممثلا للضباط الأحرار في قيادة المدرعات.. تولي قيادة الكتيبة الأولى سيارات مدرعة التي أدار منها العمل في قيادة المدرعات ليلة 23 يوليو 1952م. وقع اختيار جمال عبد الناصر عليه عام 1963 ليتولى منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية بجانب المناصب الأخرى.. وتوفى 18 نوفمبر 2005م.

(12) على صبرى: ولد فى 31 أغسطس 1920م.. وتوفى 3 أغسطس 1991.

(13) هواري بومدين واسمه الحقيقي محمد إبراهيم بوخروبة ولد فى 23 أغسطس 1932م.. وكان وقت وفاة عبد الناصر يشغل منصب رئيس مجلس الوزراء فى الجزائر من 19 يونيو 1965م حتى 10 ديسمبر 1976م.. ثم أصبح الرئيس الثاني للجزائر المستقلة من 10 ديسمبر 1976 حتى وفاته فى 27 ديسمبر 1978م.

(14) الأربعاء 29 رجب 1390هـ

(15) يقول سامى شرف فى الجزء الخامس من مذكراته "سنوات وايام مع جمال عبد الناصر" صفحة 1239:

(بعد ذلك انتقل الاجتماع إلى بحث قضية استمرار النظام والشكل الذى يجب أن يتم به انتقال السلطة، وهنا طرحت فكرتان كلاهما ينبثق عن مبدأ الشرعية.

كانت الفكرة الأولى تقترح أن يتولى أنور السادات منصب رئيس الجمهورية بحكم وضعه كنائب لرئيس الجمهورية، ويمارس صلاحيات رئيس الجمهورية حتى انتهاء المدة المتبقية على رئاسة الرئيس جمال عبد الناصر.

أما الفكرة الثانية فهى أن يبقى السادات رئيسًا للجمهورية حتى إزالة آثر العدوان وهو الحد الزمنى الذى وضعه الرئيس عبد الناصر عندما قبل التكليف الشعبى بالعودة إلى السلطة يوم 10 يونيو 1967 على أن ان تجرى انتخابات جديدة بعد ذلك.)

وفى صفحة 1240:

(وكان الفيصل فى الوصول إلى هذا القرار هو القوات المسلحة التى تكلم باسمها الفريق أول محمد فوزى وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة الذى قال بوضوح وصراحة كاملة محددًا، مفادها أننا مقبلون على معركة التحرير بل وهناك إصرار على إتمام هذه المعركة ولن أستطيع أن أتحرك فى هذا الاتجاه لتنفيذ مهمتنا ما لم يكن هناك قائد أعلى للقوات المسلحة ويمعنى آخر رئيسًا للجمهورية ومنتخب وفقًا للدستور، يحق له وفق الدستور أن يصدر أمر القتال ويصدق على الخطط العسكرية لخوض المعركة.)

(16) الخميس 1 أكتوبر 1970م - 30 رجب 1390هـ

(17) مسجد جمال عبد الناصر أو مسجد كوبري القبة الخيري هو أحد مساجد مدينة القاهرة الحديثة الشهيرة، يقع المسجد بمنطقة كوبري القبة بالقرب من مبنى وزارة الدفاع المصرية وجامعة عين شمس

(18) شعراوى جمعة وزير الداخلية من 10 سبتمبر 1966م حتى 13 مايو 1971م

(19) الخميس 1 أكتوبر 1970م - 30 رجب 1390هـ